الجمعة، 27 أبريل 2012

مسؤولون أميركيون يعلنون فشل خطة أنان وحديث عن خطة بديلة... في الغالب عسكرية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تصرفات الرئيس السوري بشار الاسد، واعلانه قبول مبادرة المبعوث الاممي العربي كوفي انان فيما تستمر قواته في قصف المدن وقتل المدنيين، احرجت حتى ابرز الداعين الى التوصل الى حل سياسي سلمي في سورية، ودفعت الى الواجهة الحديث عن ضرورة تقديم خطة بديلة، في الغالب عسكرية، بسبب فشل الديبلوماسية الدولية في انهاء الازمة السورية.
في هذا السياق، برزت تعليقات ادلى بها كل من نائبة وكيل وزارة الدفاع الاميركي كاثلين هيكس و«مدير الاستراتيجيا» في مجلس الأمن القومي ديريك شوليت اثناء جلسة استماع في مجلس الشيوخ عقدتها «لجنة الشؤون المسلحة»، اول من امس. وكالعادة، تصدر عضو اللجنة والسناتور الجمهوري عن ولاية اريزونا جون ماكين الاجتماع، واجبر مسؤولي الادارة على الادلاء بتصريحات جادة بخصوص الازمة السورية، بعيدا عن الشعارات التي غالبا ما يلتزم بها المسؤولون الحكوميون الاميركيون.
وافتتح ماكين هجومه بالسؤال: «هل تعتقدان ان خطة انان نجحت ام فشلت؟» فاجاب شوليت: «اعتقد انها تفشل». ووافقته هيكس بالقول: «اعتقد انها تفشل واعتقد ان انان نفسه قلق جدا بخصوص الخطة». وحاول المسؤولان التهرب من غضب ماكين، فقال شوليت، والذي تشير المعلومات الى انه انضم قبل اسبوع الى اللجنة الوزارية المكلفة متابعة الوضع السوري، انه يعتقد ان الولايات المتحدة «تقود ديبلوماسيا» مشيرا الى «مؤتمر اصدقاء سورية» الذي تشارك فيه واشنطن.
الا ان ماكين اعترض على رؤية المسؤول في مجلس الأمن القومي، وقال انه اثناء جولته الاخيرة المخصصة لسورية والتي قام بها برفقة زميله السناتور جو ليبرمان، التقى مسؤولين في دول اعضاء في المؤتمر المذكور، وان هؤلاء عبروا عن اسفهم لغياب «الدور الاميركي القيادي» المطلوب في هذه الازمة.
وبعد اعتراف المسؤولين في الادارة الاميركية بفشل خطة انان، وجدا نفسيهما مجبرين على الحديث حول خطط بديلة، بما فيها العسكرية، ما حدا هيكس الى القول ان وزارة الدفاع تنشط اليوم اكثر من الماضي في اعداد الخطط العسكرية المطلوبة في حالات الطوارئ او احتمالات التدخل الدولي في سورية.
الا ان هيكس وشوليت حاولا الاختباء حول المراوحة التركية في الموضوع السوري، فاعتبرا ان تركيا، وهي دولة عضو في حلف شمالي الاطلسي، لم تطالب حتى الآن بتفعيل البند الرابع من ميثاق الحلف الذي يملي ضرورة التدخل العسكري في حال تعرض دولة عضو لعدوان خارجي.
وكانت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قد لمحت الى امكانية قيام تركيا بالتوجه الى الحلف للمطالبة بالتدخل عسكريا في سورية في اطار الدفاع عن نفسها في مواجهة اي خطر يهددها من عدم استقرار الاوضاع السورية. 
الا ان ماكين سبق ان ابلغ مقربين منه ان واشنطن وانقرة تتقاسمان الادوار في محاولة التهرب من اي تدخل عسكري للحلف الاطلسي في سورية. وينقل مقربون عن ماكين قوله ان تركيا تنتظر «ايحاءة اميركية» للتوجه بالطلب الى الاطلسي بالتدخل في سورية، فيما واشنطن تلقي باللائمة على تركيا لعدم توجيهها هكذا طلب. القياداتان الاميركية والتركية، حسب اوساط ماكين، متقاربتان الى درجة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلاقات بينهما الى حد ان الرئيس باراك اوباما كلف رئيس حكومة تركيا رجب طيب اردوغان، قبل اسابيع، نقل مبادرة تسوية الى مرشد الثورة الايراني علي خامنئي حول ملف ايران النووي.
بيد ان المراوغة الاميركية - التركية، ومحاولة التملص من عدم التحرك عسكريا لوقف قتل قوات بشار الاسد المدنيين السوريين، تواجه صعوبات في الاستمرار في وجه الفشل الواضح للديبلوماسية الدولية التي يقودها انان. 
وفي اوساط المثقفين الاميركيين، تقود صحيفة «واشنطن بوست» حملة المطالبة بعمل عسكري في سورية. وكانت الصحيفة عنونت افتتاحيتها، الاسبوع الماضي، بالقول: «مطلوب في سورية: خطة ب». وفي افتتاحية ثانية صدرت اول من امس، هاجمت الصحيفة بعثة المراقبين الدوليين الذي ارسلهم مجلس الأمن الى سورية، وقالت ان هؤلاء تحولوا الى سبب لموت السوريين، اذ تعمد قوات الاسد الى قصف المدن بعد ان يغادرها المراقبون الدوليون عقابا لسكانها، كذلك تعمد هذه القوات الى تعقب السوريين الذين تحدثوا الى المراقبين، ثم يصار الى تصفيتهم.
وهاجمت الصحيفة سفيرة الولايات المتحدة في الامم المتحدة سوزان رايس، ونقلت عنها تغريدة كتبت فيها السفيرة: «ان استهداف النظام السوري لاولئك الذين يتحدثون الى المراقبين الدوليين هو عمل مشين، ولكنه لم يكن غير متوقع». وقالت الصحيفة: «اذا كان ذلك الاستهداف للسوريين الذين يتحدثون الى المراقبين متوقعا، فلماذا وافقت الولايات المتحدة على ارسال مراقبين امم متحدة الى سورية؟» وختمت الصحيفة بالتساءل «لماذا تدعم الولايات المتحدة بقاء هؤلاء المراقبين» الذين تحول وجودهم داخل سورية الى سبب لموت المزيد من السوريين بدلا من وقف قتلهم.
وفي جلسة الاستماع، استند ماكين الى الافتتاحية نفسها فاقتبس منها: «اينما يذهب المراقبون، يتبعهم القتل».

الخميس، 26 أبريل 2012

الخطة «ب» في سوريا

حسين عبد الحسين
المجلة

«في هذه الأثناء، يعاني كل من الشعب السوري والأسد: الأول من حرمانه للحياة والحرية، والثاني من حرمانه لآخر موديلات الأحذية لهذا الموسم». بهذه الكلمات المعبرة ختم ريتشارد كوهين، المعلق في صحيفة «واشنطن بوست»، مقالته التي رأى فيها أن خطوات الغرب تجاه سوريا مازالت سطحية، وانها لن تمنع بشار الأسد من ارتكاب المجازر بحق شعبه.

وينضم كوهين الى ما بات يشبه الاجماع لدى المثقفين الاميركيين بضرورة ايجاد خطة بديلة، غالبا ما يطلق عليها اسم «الخطة ب»، لكيفية تعامل الولايات المتحدة مع الاحداث في سوريا. ويعتبر ان العقوبات الاميركية والاوروبية، مثل حرمان الأسد وعائلته من شراء الكماليات في اوروبا، لن تقنع الأسد بالتوقف عن قتل مواطنيه، ويقول ان العواصم الغربية تحلم بأن تساهم عقوباتها في دفع الأسد الى التوقف عن القتل، ويكتب: «في هذا الحلم، يأتي الديكتاتور الشرير الى طاولة المفاوضات، لأنه لم يعد بحوزته الا قلم مون بلان واحد».

ويختم الكاتب الأميركي بالقول ان استمرار القتال سيساهم بالمزيد من التطرف لدى الطرفين، وانه على غرار ما حدث في البوسنة في التسعينات، ساهمت «الخطوات الخرقاء وغير الفعالة» التي قام بها المجتمع الدولي بفقدان السيطرة على الوضع، وهو ما يحدث في سوريا اليوم، وهو ما يعني انه كما في البوسنة، الحل الوحيد في سوريا، أو «الخطة باء»، هو استخدام القوة الجوية لأميركا وحلفائها لقلب الموازين لمصلحة الثوار.

بيد ان خطة التدخل الجوي «مازالت في قعر لائحة خيارات ادارة (الرئيس باراك) اوباما» حسب افتتاحية «واشنطن بوست» التي جاءت بعنوان «مطلوب: خطة ب في سوريا». وذكّرت الصحيفة بأن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون المحت الى امكانية لجوء تركيا، العضو في «تحالف الاطلسي»، باللجوء الى البند الرابع من ميثاق التحالف، والذي يتطلب البحث حول كيفية التعامل مع اعتداءات على اراضي واحد من اعضاء التحالف بعدما تكررت عمليات اطلاق نار من قبل قوات الاسد باتجاه الاراضي التركية.

وكشفت الصحيفة ان تركيا وفرنسا سبق ان تقدمتا باقتراح، داخل التحالف، لاقامة «مناطق آمنة» او «ممرات انسانية» داخل سورية. هذان السيناريوان يتطلبان، حسب الافتتاحية نفسها، استخدام «متواضع» للقوة العسكرية، وقد يتسببان في سقوط نظام الاسد. وتختم «واشنطن بوست» بالقول إن «الأسد سيسقط فقط حينما يتم ايقاف هجماته ومبادلته بهجمات مضادة، ومن نافلة القول ان سياسة الولايات المتحدة يجب ان تهدف الى ذلك».



على ان اليمين الاميركي، بدأ يستخدم عجز اوباما عن التأثير في الامور في سوريا، لإظهار ضعفه في السياسة الخارجية في وقت يستعد الرئيس الاميركي لانتخابات رئاسية يطمح خلالها الى الفوز بولاية ثانية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وفي هذا السياق، أطل المعلق في قناة «فوكس نيوز» تشارلز كروثامر ليتهم اوباما بأنه «لم يحرك ساكنا في موضوع سوريا»، وان العجز الأميركي أظهر انه ليس لدى واشنطن «خطة باء» كبديل عن خطة المبعوث الأممي – العربي كوفي انان، التي ثبت فشلها حسب كل من كروثامر وكوهين وافتتاحية «واشنطن بوست».
اما جوزف اولمرت، الاستاذ في جامعة «ساوث كارولاينا»، فاعتبر ان شلل واشنطن تجاه الأحداث في سوريا هو بسبب السنة الانتخابية الاميركية، مما يقلص فرص قيام الولايات المتحدة بقيادة اي تحالف عسكري للاطاحة بالأسد.

ولأن الوضع كذلك، اقترح اولمرت ان تتبنى بلاده الخطة الروسية للتوصل الى حل في سوريا، والمبنية على وقف اطلاق النار، وسحب قوات الاسد من المدن، والسماح لمراقبين اجانب واعلام غير سوري بالدخول الى سوريا، كل ذلك بهدف التمهيد لعقد مفاوضات بين الأسد ومعارضيه تؤدي الى التوصل الى حل سياسي بين الاثنين.
لكن ما يفوت اولمرت هو ان الخطة الروسية، والتي سبق ان تبتها جامعة الدول العربية، وافشلتها ممارسات الأسد وفيما بعد قدمها انان على انها خطته، لم تؤد حتى الآن الى احداث اي تغيير في مجرى الاحداث، او الى وقف قيام قوات الأسد بقتل المدنيين السوريين العزل.

يقول احد الدبلوماسيين الأميركيين في جلسة خاصة: «من عجائب الأمور ان مسؤولي الأسد يطلون يوميا على الاعلام لتأكيد التزام حكومتهم بالهدنة وبخطة انان، فيما لم تتوقف قوات الأسد ولا يوما واحدا عن قصف المدن والقرى وقتل السوريين».
وفيما يتواصل البحث الأميركي عن «الخطة ب» وتتواصل تأكيدات نظام الأسد التزام الحلول الدولية، يتواصل قتل قوات الاسد للمدنيين السوريين، وهو ما لفت إليه كوهين بالقول ان منع عائلة الأسد من شراء ثياب من ماركة «برادا» في العواصم الأوروبية ليست عقوبة بفداحة الجرائم المرتكبة بحق السوريين، ولا يمكن وقفها بتدبيرات من هذا القبيل.

الأربعاء، 25 أبريل 2012

سوزان رايس الأوفر حظاً للخارجية إذا فاز أوباما بولاية ثانية

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

من المتوقع ان يشهد فريق السياسة الخارجية للرئيس الاميركي باراك اوباما تغييرات واسعة في حال فوزه بولاية رئاسية ثانية في نوفمبر المقبل. وصار من شبه المؤكد خروج هيلاري كلينتون، التي تنوي اعتزال الحياة السياسية، من وزارة الخارجية، فيما تبرز ثلاثة اسماء للفوز بالمنصب اولها سفيرة واشنطن في الامم المتحدة سوزان رايس، وثانيها مستشار الامن القومي توم دونيلون، وثالثها رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور جون كيري.
على صعيد متصل، علمت «الراي» ان مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى وسفير اميركا السابق في لبنان جيفري فيلتمان قد يخلف الاميركي لين باسكو في منصب وكيل الامين العام للامم المتحدة للشؤون السياسية. 
في وزارة الخارجية، تتقدم حظوظ رايس للفوز بمنصب وزيرة اذ انها من القلائل في فريق اوباما ممن حازوا على ثناء اليسار واليمين الاميركي في الوقت نفسه. فهي احبطت جميع محاولات التدخل العسكري في سورية وفازت بمديح من اوباما واليسار والديموقراطيين، وهي في الوقت نفسه عطلت خطة الفلسطينيين القاضية بالذهاب الى التصويت في الجمعية العامة حول عضوية فلسطين في المنظمة فحصلت على حظوة في عيون اليمين والجمهوريين واصدقاء اسرائيل.
واشرفت رايس على مبادرة واشنطن لاستصدار قرارات عقوبات اقتصادية من مجلس الامن بحق ايران لثنيها عن الاستمرار في برنامجها النووي، وهو ما لاقى استحسانا اميركيا من اليمين واليسار، وكذلك من مؤيدي اسرائيل من الاميركيين.
رايس كانت من اوائل مستشاري اوباما للشؤون الخارجية اثناء حملته للوصول الى الرئاسة في العام 2008، الى جانب آخرين من امثال دينيس روس وسامنتا باور.
ولقربها منه، لم يعين اوباما رايس في منصب سفيرة اميركا في الامم المتحدة فحسب، بل اعاد للمنصب عضويته في «مجلس الامن القومي» وموقعه داخل «الاجتماعات الحكومية» بعدما تم اخراج السفير من موقعه الوزاري اثناء ولاية الرئيس السابق جورج بوش على اعتبار انه يتبع وزارة الخارجية تراتبيا وتنظيميا.
بيد ان موقف رايس من سورية يبقى محيرا، ويبدو انه يعكس الى حد كبير تفكير الرئيس الاميركي المتردد بشأن اي تدخل من شأنه ان يؤثر سلبا على حظوظ اعادة انتخابه. فرايس، وباور، كانتا شاهدتين على مجازر رواندا في العام 1994، وابدتا ندمهما علنا على عدم مبالاة الولايات المتحدة اثناء وقوع المجازر. ومن المعروف عن رايس تعليقها، في وقت لاحق، حول موقف بلادها تجاه المجازر، بالقول: «لقد اقسمت على نفسي انني اذا واجهت ازمة مماثلة مرة اخرى، سأقف الى جانب اتخاذ خطوات دراماتيكية، بما فيها الذهاب الى هناك حاملة مشاعل اذا ما اقتضى الامر ذلك».
وعندما شاركت الولايات المتحدة في اطلاق عمليات «تحالف الاطلسي» في وجه قوات معمر القذافي في ليبيا، اشارت الصحافة الاميركية الى ان رايس لعبت دورا في اقناع اوباما بضرورة التدخل على خلفية «عقدة الذنب» التي تحملها من موقفها حول راوندا.
لكن «عقد الذنب» هذه اختفت لدى رايس في موضوع التدخل الدولي في سورية، اذ تبرز السفيرة الاميركية كواحدة من المطالبين بالتوصل الى «حل سياسي» بين الرئيس السوري بشار الاسد وقوى المعارضة السورية المطالبة باسقاط حكمه.
وتتبنى رايس في الشأن السوري كل الاعذار التي يتبناها آخرون في ادارة اوباما، مثل ان «سورية ليست ليبيا»، وان «الدفاعات الجوية السورية اقوى بكثير من نظيرتها الليبية»، وان «انشاء ممرات انسانية او مناطق آمنة تتطلب بالضرورة ارسال قوات برية غربية»، او ان «المزيد من العسكرة في سورية ينعكس سلبا على وضع المنطقة عموما».
لذا، ورغم ان رايس كتبت في احدى تغريداتها على الانترنت ان «النظام السوري يكذب على العالم، وعلى شعبه، والكذاب الاكبر هو الاسد نفسه»، الا انها التزمت في العالم الحقيقي خط اوباما بالاصرار على تفادي التدخل الاميركي في الشأن السوري حتى بعد مقتل اكثر من 10 الاف مدني سوري على ايدي قوات الاسد.
رايس قد تصبح رئيسة مبنى وزارة الخارجية في منطقة «فوغي بوتوم»، وقد تخلفها في منصبها زميلتها سامنتا باور، التي عملت ايضا كمستشارة للسياسة الخارجية لدى اوباما المرشح، ولكن تم اقصاؤها على اثر ادلائها بتصريح قالت فيه ان اوباما قد لا يحترم موعد الستة اشهر لسحب الجيش الاميركي من العراق على اثر انتخابه. باور تعمل اليوم، وان في الظل، كمستشارة في «مجلس الامن القومي».
ومن المجلس نفسه يستعد رئيسه دونيلون لاحتمال تولي منصب وزير خارجية. ودونيلون هو احد اكبر مهندسي سياسة العقوبات على ايران وفتح الحوار معها في الوقت نفسه، وهو ما يعزز من حظوظه تولي المنصب خصوصا في حال ادت المفاوضات بين مجموعة دول «5+1» وايران، والتي تنعقد جولتها المقبلة في بغداد في 23 مايو المقبل، الى اي نتائج ايجابية تذكر.
اما المرشح الثالث، جون كيري، فهو من الساعين الى المنصب منذ بدء الولاية الاولى لاوباما، حتى قبل ان يقرر اوباما ترشيح كلينتون كوزيرة خارجية على اثر اتفاق بين المرشحين الديموقراطيين الى الرئاسة في العام 2008 قضى بسحب كلينتون ترشيحها لمصلحة الرئيس الحالي. منذ ذلك الحين، يحاول كيري تعزيز دوره كعراب السياسة الخارجية من خلال منصبه رئيسا للجنة الشؤون الخارجية، وهو عمل خصوصا لاحراز تقدم في سياسة الانفتاح الاميركية على بشار الاسد قبل اندلاع الثورة السورية في مارس من العام الماضي.
ويستعد لين باسكو، البالغ من العمر 69 عاما، الى التقاعد من منصبه كوكيل الامين العام للامم المتحدة للشؤون السياسية، ما دفع بالمنظمة الى البدء بعملية توظيف تم اختصارها الى ثلاثة مرشحين، ابرزهم فيلتمان. يذكر ان اميركيا يشغل تقليديا هذا المنصب منذ سنوات كثيرة.
فيلتمان، البالغ من العمر 53 عاما، هو احد ابرز الديبلوماسيين العاملين في وزارة الخارجية، وهو فاز بمنصبه الحالي بفضل كلينتون، التي كانت تبحث عن مستشارين لها مؤهلين ابان تعيينها في منصبها. ومع اقتراب موعد رحيل عرابته كلينتون، قد يكون خياره الافضل تولي منصبه الجديد في الامم المتحدة، وهو في حال حدوثه، سيعزز من حضور الامين العام بان كي مون في المواضيع الشرق الاوسطية نظرا لخبرة فيلتمان الطويلة في هذا المجال، على عكس باسكو الذي امضى حياته الديبلوماسية متخصصا في شؤون الاتحاد السوفياتي السابق ودول الكتلة الاشتراكية السابقة.

كمال صليبي في جامعة تافت

الصورة: عبد الرحيم ابو حسين يلقي المحاضرة الافتتاحية

نظم مركز عصام فارس لدراسات شرق المتوسط و الدراسات اللبنانية في جامعة تافت في بوسطن،نهار الجمعة في 20 نيسان الفائت، مؤتمرا بعنوان "كمال صليبي وفكره التاريخي". 
بداية رحبت مديرة المركز الدكتورة ليلى فواز بالحضور الذي تضمن مجموعة من الأكاديمين والشخصيات من ضمنها السفير نواف سلام، ممثل لبنان الدائم في الأمم المتحدة، والدكتور وليد الخالدي، مستعرضة المدرسة التاريخة التي أسسها الصليبي ودوره في تاريخ لبنان الحديث. ثم القى الدكتور عبد الرحيم ابو حسين المحاضرة الافتتاحية بعنوان "كمال صليبي وتاريخ لبنان: إرث متجدد" حيث فصَل كتابات أستاذه و مساهماته في كتابة واعادة قراءة تاريخ لبنان والعالم العربي، بالأضافة الى تأثير الصليبي على أجيال متعاقبة من الباحثين الذين نهلوا من فكره ومن قيمه الإنسانية. وقد استمر المؤتمر خلال النهار حيث تعاقب على الكلام ثلة من الباحثين الذين تطرقوا الى ابحاثهم الخاصة في ضوء معرفتهم الشخصية والأكاديمية للمؤرخ الذي بفضوله و شغفه العلمي أرسى مدرسة فكرية امتدت عبر أرجاء الوطن العربي والعالم.

الاثنين، 23 أبريل 2012

أميركا وإيران: من يغلب من؟

حسين عبد الحسين
المجلة

تقول الروايات المتواترة من داخل الكونغرس انه اثناء احدى الجلسات المغلقة التي كان خلالها مسؤولون كبار في ادارة الرئيس باراك اوباما يتحدثون حول آخر المستجدات في المواجهة مع ايران، بادر احد اعضاء مجلس الشيوخ الى القول: “باختصار يا سادة، الرجاء قولوا لنا، في مواجهتنا مع ايران، من يغلب من؟”

هذا السؤال لخص التضارب في التقارير الاميركية حول وضع المواجهة مع ايران، اذ هي تتراوح بين من يقول ان ايران ستكون قادرة على انتاج قنبلة نووية في اقل من عام، وانها تستخدم المفاوضات مع مجموعة “الخمسة زائد واحد” لتضييع الوقت، وفي تقارير اخرى ان ايران مازالت بعيدة جدا عن اقتناء اي سلاح نووي، وانه مازال بامكان واشنطن ردعها عن ذلك بتوجيه ضربة عسكرية مركزة ضد المنشآت النووية الايرانية.

ما هوا اكيد داخل واشنطن ان الادارة الاميركية تعتبر نفسها نجحت في بناء تحالف دولي متماسك في مواجهة الطموح النووي الايراني. هذا التماسك يفرض على اوباما محاولة الابتعاد عن توجيه ضربة عسكرية ضد ايران، قدر المستطاع، اذ يعتقد الرئيس الاميركي، حسبما ورد مرارا على لسان مصمم سياسة واشنطن تجاه ايران المستشار الرئاسي السابق دينيس روس، ان من شأن توجيه ضربة اميركية منفردة ان تعطل التحالف الدولي وتضعضع العقوبات الدولية التي تم التوصل اليها حتى الآن والتي، بحسب مسؤولي اوباما، صارت تؤثر سلبا في الاقتصاد الايراني.

لذلك، تعتقد واشنطن ان المفاوضات ليست في مصلحة طهران، على ما يحلو للكثيرين تصويره، بل هي ضد مصلحة الايرانيين. ويقول مسؤول اميركي ان المفاوض الايراني هو مثل قصة الدمية الخشبية “بينوكيو” التي كان يزداد انفها طولا مع كل كذبة تطلقها. “في كل مرة يأتي الايرانيون الى المفاوضات، تتضح عدم جديتهم اكثر فأكثر ويصبح تشديد القبضة على عنقهم اقوى، من ضمن ذلك العقوبات، وربما في مرحلة لاحقة ضربة عسكرية بمباركة دولية شاملة”.

على ان وجهة نظر الادارة الاميركية، التي تظهر الولايات المتحدة متقدمة في المواجهة ضد ايران، لا يمكن تأكيدها، خصوصا وان طهران تبدو اكثر ثقة وتمارس استفزازات اكبر في المنطقة وضد دول العالم.

الاستماع الى تصريحات المسؤولين الايرانيين، المتناقضة اصلا، لا تشي كذلك بأي معلومات مفيدة، فالمفاوض الايراني سعيد جليلي يقول ان “ايقاف” بلاده لصادراتها النفطية الى اوروبا ادى الى تراجع الاقتصادات الاوروبية، فيما يقول الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، في تصريح مختلف وفي وقت سابق، ان مخزون ايران من العملات الاجنبية لن ينفد قبل سنتين، اي انه سينفد بعد ذلك التاريخ، والسؤال هو، ان كانت ايران تعتمد على مخزونها المحدود من العملات الاجنبية الضرورية لاقتصادها، لماذا “اوقفت” صادراتها النفطية الى دول اوروبية؟

اما الاجابة الارجح فهي ان الدول الاوربية قررت مقاطعة النفط الايراني، ولكن امهلت نفسها بعض الاشهر حتى انتهاء صلاحية العقود الموقعة مع طهران، فقامت طهران، في محاولة لحفظ ماء الوجه، بوقف صادراتها الى اوروبا للايحاء بانها هي التي مازالت تمسك بزمام المبادرة.

بعد جولة المفاوضات الاخيرة في اسطنبول يوم السبت الماضي، خرج المسؤولون من الطرفين، الايراني والدولي، يتحدثون عن ايجابية المفاوضات، مع العلم ان التقارير الواردة من تركيا تظهر بأن المفاوضات لم تعد كونها اكثر من ثلاث جلسات دردشة، تمهيدا لجلسات دردشة مشابهة تم الاتفاق على عقدها في بغداد في 23 مايو المقبل.

من يغلب من في المواجهة بين العالم وايران؟ الاجابة مازالت غامضة ويعزز غموضها تناقض التصريحات العالمية والاميركية والايرانية. وحتى تظهر المزيد من المعلومات، ستبقى الاجابة حول الجهة الغالبة في المواجهة العالمية ضد ايران موضوع أخذ ورد، وسيقى سؤال السناتور الاميركي، وكثيرين غيره في اميركا وحول العالم، من دون اي احابة.

لكن في هذه الاثناء، ربما يستفيق العالم يوما على حكام طهران وهم يلوحون بصواريخهم النووية الجاهزة للاطلاق، وربما تتسلل القاذفات الاميركية تحت جنح الظلام وتحول المنشآت النووية، وبعض منشآت “الحرس الثوري الايراني” كذلك، الى ركام.

الثلاثاء، 17 أبريل 2012

أوباما مصمّم على «التسوية الكبرى» مع إيران

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

داخل «مبنى ايزنهاور التنفيذي» المجاور للجناح الغربي للبيت الابيض، حيث المكتب البيضاوي للرئيس باراك اوباما، حركة غير اعتيادية في الايام القليلة الاخيرة. «الربيع العربي» لا يقلق مسؤولي السياسة الخارجية داخل المبنى، ولا ارتفاع عدد القتلى في سورية او الوضع في السودان او ليبيا. كل هذه الامور متروكة للوزارات المعنية، الخارجية والدفاع والمالية. ما يشغل بال العاملين في «مجلس الأمن القومي» هو رسم كل سيناريوات للتوصل الى تسوية مع ايران، حسب طلب اوباما شخصيا، على حد قول بعض المعنيين.
على عكس سلفه جورج بوش، يفضّل اوباما ان يبقي سياسته الخارجية، وحتى الحروب التي تخوضها بلاده، في السر. حتى المسؤولين في وزارة الخارجية، ومعظمهم ديبلوماسيون محترفون ممن عملوا في الادارات السابقة بما فيها حكومات بيل كلينتون وبوش، لا يعرفون الكثير عما يجري داخل اروقة البيت الابيض و«مبنى ايزنهاور».
ويمسك «مجلس الأمن القومي» بمفاصل السياسة الخارجية، ووزارة الخارجية تتفرج الى درجة انه لم يعقد اي مسؤول رفيع في الوزارة اي جلسة، سرية او علنية على غرار ما كان يحصل في ايام بوش، مع الصحافيين المعتمدين منذ وصول اوباما الى الحكم.
لكن على رغم التعتيم الاعلامي، يصعب اخفاء مزاج الرئيس وفريقه الصغير المحيط به، ويمكن تلخيص مقاربته نحو ايران بكلمتين راجتا اثناء ايامه الاولى في الرئاسة في مطلع العام 2009: «التسوية الكبرى».
يعزز اصرار اوباما على هذه التسوية مع ايران ان الفكرة مدعومة من اكبر شخصيات في الحزب الجمهوري، وان كان الجمهوريون عموما لا يتحدثون عنها علنا بل يعمدون الى مهاجمة ما يصورونه «خنوع» الرئيس الاميركي امام الايرانيين. اما الشخصيات الجمهورية التي تؤيد التسوية مع ايران، فأبرزهم وزير الخارجية السابق وعراب السياسة الخارجية هنري كيسنجر، اضافة الى وزير خارجية سابق آخر ذي وزن سياسي كبير ونفوذ وهو جيمس بيكر. يضاف الى الاثنين السناتور الجمهوري السابق تشاك هايغل، وآخرين.
«التسوية الكبرى» هي تكرار للانفتاح الاميركي على الصين مطلع السبعينات، والذي قاده كيسنجر نفسه، وبموجبه، تفتح واشنطن صفحة جديدة مع طهران، وتتحول ايران من عدوة الى صديقة، مع علاقات ديبلوماسية وتجارية واقتصادية، ولكن من دون الطلب من ايران التخلي عن نموذجها من «الحكومة الاسلامية».
اما الابرز والجديد في هذا السيناريو الذي يتم تحديثه اليوم، هو اعتراف اميركي بدور ايران كقوة اقليمية اساسية في المنطقة، على عكس في الماضي حينما اقتصرت عروض واشنطن طهران بانفتاح اميركي مقابل التخلي عن طموح ايران انتاج السلاح النووي.
يقول مسؤول اميركي من المعارضين لهذا السيناريو: «تفكير المؤيدين للتسوية مع ايران هو انه اذا اصبحت طهران حليفتنا، فلا خوف من طموحاتها الاقليمية».
ويضيف انه «عندما كان شاه ايران حليفنا، كنا اول من زوده بالتقنية النووية»، وان «الرئيس (اوباما) لا يعارض فكرة تخصيب ايران لليورانيوم، على شرط عدم تحويله الى اسلحة نووية، وفي حال تحوّلت ايران الى صديقة، تصبح بيننا ثقة ولاخوف من البرنامج النووي الايراني».
وكان اوباما حمّل رئيس حكومة تركيا رجب طيب اردوغان، قبل اسابيع، عرضا اميركيا الى مرشد الثورة علي خامنئي يتم بموجبه منح تخصيب ايران لليورانيوم الى درجة ما دون التسليح المباركة الدولية، مع تخلي طهران عن تخصيب بدرجات أعلى. وفي المقابل، يتم رفع بعض العقوبات الدولية والمباشرة بالبدء في خطوات بناء ثقة بين طهران والعواصم الغربية.
على ان المسؤول الاميركي يرى ان في «التسوية الكبرى» مخاطر كبيرة، اولها «عدم ثبات النظام الايراني»، وامكان انهياره يوما ما ووصول البرنامج النووي الى ايدي متطرفين. ويضرب مثالا على ذلك باكستان، التي يصفها بـ «صديقة اميركا اللدودة»، ويقول ان هناك خوفا اميركيا دائما على مستقبل النظام واسلحته النووية، ما يجبر واشنطن على انفاق الملايين سنويا لمراقبة النووي الباكستاني والتأكد انه تحت سيطرة اناس يمكن للولايات المتحدة التواصل معهم في شكل دائم.
ثم ان بعض معارضي التسوية الاميركية مع ايران يفعلون ذلك من باب مساندتهم لاسرائيل، فاذا تحولت ايران الى حليفة وقوة مهيمنة في منطقة الشرق الاوسط، واستمرت في عدائها لاسرائيل مثلما استمرت الصين في شيوعيتها حتى بعد انفتاحها على واشنطن، فان ذلك «سيشكل مشكلة لنا ولحليفتنا»، على حد تعبير المسؤول نفسه.
آخر المعلومات الواردة من داخل دوائر اوباما المحكمة، وهي معلومات شحيحة لا يمكن تأكيدها، ان الرئيس الاميركي لا يعارض كذلك التفاوض على دور ايران في سورية ولبنان والعراق. مرة اخرى، يبدو ان التفكير هو انه في حال تحولت طهران الى صديقة لواشنطن وصارت خطوط الاتصال مفتوحة بين الاثنين، لن يكون من الصعب لجم هذه المجموعة المسلحة او تلك في اي من الدول التي تحتفظ ايران فيها بنفوذ وتمول ميليشيات.
الامر نفسه ينطبق على حلفاء اميركا في الخليج، اذ ينتفي الخطر الايراني، حسب السيناريوات المتواترة من داخل الادارة، في حال انقلبت طبيعة العلاقة الاميركية - الايرانية.
هل يتنامى النفوذ الايراني على حساب نفوذ حلفاء اميركا الآخرين في المنطقة، نسأل المسؤول الاميركي، فيجيبنا بالقول: «اذا تحوّلت ايران الى صديقة، فلا خوف من تنامي نفوذها، ويمكن لاميركا ان تحمي حلفاءها في المنطقة، لكنها لا يمكن ان تفرض لهم اي نفوذ بل عليهم فعل ذلك بأنفسهم، وايران اليوم متقدمة على حلفاء اميركا بمجهودها، ويبدو ان اوباما لا يعتقد ان علينا استخدام اي من مواردنا لقلب الصورة، بل نكتفي بصنع السلام وتنظيم المنافسة بين نفوذ هذا الحليف وذاك».

الأحد، 15 أبريل 2012

مصادر أميركية لـ «الراي»: تراجع الغرب أحرج الأسد وروسيا وأجبرهما على التجاوب

| واشنطن من حسين عبدالحسين |
جريدة الراي

لم تكن واشنطن السبت ذات الطقس الربيعي الاستثنائي مهتمة كثيرا بشؤون السياسة، ماعدا نفر من العاملين في الكونغرس ممن حضروا الى مكاتبهم بلباس غير رسمي واجروا اتصالات مع البعثة الاميركية في نيويورك تابعوا خلالها صدور قرار عن مجلس الامن بشأن الوضع في سورية، هو الاول منذ اندلاع الانتفاضة المطالبة برحيل بشار الاسد عن السلطة منذ اكثر من عام.
وقال احد العاملين في الكونغرس لـ «الراي»: «اقفلت الادارة جميع الاعذار في وجه روسيا، وتبنينا وجهة نظرها للحل في سورية»، مضيفا: «لم يكن بالامكان افضل مما كان، والقرار هو قرار الحد الادنى الممكن اتخاذه في ظل التوافق الدولي الهش و في ظل الفيتو الروسي الصيني المستمر لقراراتنا».
وكان مجلس الامن صادق على قرار حمل رقم 2042 يتم بموجبه ارسال فريق من نحو 30 مراقبا عسكريا غير مسلحين، على ان يتم لاحقا ارسال كامل بعثة المراقبين التي يمكن ان يصل عدد عناصرها الى 250 حسب تقديرات الامم المتحدة.
القرار لقي ترحيبا ضعيفا لدى دوائر الكونغرس، حيث سبق ان دعا عدد من اعضاء مجلس الشيوخ من امثال جون ماكين وجو ليبرمان، اللذين عادا لتوهما من تركيا بعد عقدهما لقاءات مع المعارضة السورية وقيادات «الجيش السوري الحر» هناك، الى استخدام القوة الجوية لانشاء حزام امني يؤوي السكان السوريين الهاربين من عنف قوات الاسد.
ويقول المتابعون للشأن السوري من الجمهوريين في الكونغرس ان المشكلة في اداء واشنطن تكمن في ان اوباما يعتقد ان اي تحرك ذي طابع عسكري قد يكلفه، «حتى لو القليل القليل»، من رصيده السياسي داخليا، وهو ما يرفضه الرئيس الاميركي، خصوصا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر، والتي يأمل فيها ان يفوز اوباما بولاية ثانية.
وتابع العامل في الكونغرس: «هذا ما نجنيه من استخدام الديبلوماسية وحدها غير مقرونة بقوتنا المسلحة»، لكنه اضاف انه يعتقد ان «ما حصل لناحية الاجماع الدولي المفاجئ وضع روسيا والاسد في موقف حرج. عندما ينفد من الاعذار، يجبران على الانصياع الى خطة الحد الادنى التي اقترحها الروس اصلا، ولكنهم فعلوا ذلك في الماضي مستندين الى معارضتنا واصرارنا على سقف اعلى... نحن اليوم نزلنا اليهم، وهم اصبحوا في موقع المجبر على تنفيذ النقاط التي طالب بها الروس منذ اليوم الاول لاندلاع الازمة قبل عام».
وفي وزارة الخارجية، التقط ديبلوماسيون اميركيون متابعون للشأن السوري اشارات مفادها ان موسكو اجبرت الاسد، اثناء زيارة وليد المعلم الاخيرة الى موسكو، على القبول بوقف النار وتنفيذ خطة انان. وقال احد الديبلوماسيين: «في تقديراتنا ان الاسد كان يفضل استمرار الانقسام الدولي حتى يستطيع النفاذ من خلاله واستمراره في العمل العسكري لتحقيق ما يعتقده يساهم في القضاء نهائيا على الثورة ضد حكمه».
واضاف الديبلوماسي: «صحيح ان الغرب تراجع عن مواقفه الاصلية المطالبة برحيل فوري للأسد، ولكن في تراجعنا انهينا الانقسام الدولي، وصار الاسد في مواجهة اجماع دولي، وان جاءت المواقف الدولية مخففة».
وتابع الديبلوماسي: «انظر، يوم الجمعة، خرج عشرات الاف السوريين الى الشوارع... تصور ان المجتمع الدولي نجح في تطبيق ثمانين في المئة من خطة انان على الاقل، تصور ان مراقبين محترفين دوليين يراقبون المدن السوريين ويمنعون قوات الاسد من الاعتداء على المتظاهرين السلميين... تصور ان تدخل وسائل الاعلام الاجنبية الى داخل سورية وترسل تقاريرها من هناك».
وقال: «كل هذه النقاط هي مطالب موسكو في الاساس، الرئيس (باراك اوباما) قال اننا نسير خلف قيادة (الرئيس الروسي المنتخب فلاديمير) بوتين، وهذا ما نفعله، وهذا ما يبدو انه يحقق بعض المطالب الاساسية التي كان السوريون يطالبون بها، اولها التظاهر السلمي للمطالبة برحيل النظام، وهذا ما سيتم تثبيته في مبادرة انان، وبعد ذلك، لكل حادث حديث».

السبت، 14 أبريل 2012

الكونغرس: تجاوز الاستجوابات نزع فتيل الأزمة... موقتاً

|واشنطن - من حسين عبدالحسين |

جاء في تقرير «خدمة ابحاث الكونغرس» حول الكويت، المحدث على غير عادة في فترة قصيرة لم تتجاوز الشهرين، ان «مجلس الامة برهن انه حازم كالمجالس السابقة»، متحدثا عن «نجاح» استحقاق استجواب النائب صالح عاشور لرئيس الوزراء، اواخر الشهر الماضي، اذ ان «المعارضين لم يتقدموا بتصويت طرح ثقة، ما ساهم بنزع فتيل الازمة جزئيا... على الاقل موقتا».
وكان آخر تقرير صدر في 8 فبراير الماضي، واستبعدت فيه الخدمة «نشوب ما اسمته (انتفاضة شعبية) في الكويت على غرار ما تشهده بعض الدول العربية، معتبرة ان في البلاد تقليدا من حرية الرأي، خصوصا من خلال الافتتاحيات والمقالات التحليلية» الواردة في الصحف المختلفة. 
وورد في تقرير فبراير، كما في التقرير الحالي، ان «البحبوحة النسبية» التي يعيشها الكويتيون تساهم كذلك في تثبيت الاستقرار، وان «الكويت مجتمع ثري حيث يبدو ان اكثرية المواطنين لا ترغب بالمخاطرة برفاهيتها الاقتصادية».
ويرى التقرير ان الاضطرابات التي حصلت في الكويت لم تتعد كونها احداثا ثانوية، «لذلك لم تدل ادارة (الرئيس باراك) اوباما بأي تصريحات، على مستوى رفيع، حول هذه الاحداث او حول ردة فعل الحكومة الكويتية تجاهها»، وانه «لا توجد اي دلائل تشير الى ان الاضطرابات اثرت في علاقة الولايات المتحدة والكويت».
ولفت التقرير المحدّث الى حكم قضائي بايقاف صدور جريدة «الدار»، والى الحكم على محمد المليفي بالسجن سبع سنوات «لكتابته تغريدة فيها اهانة لمعتقدات الشيعة».
وكرر التقرير ما ورد في سابقه حول موقف الكويت اقليميا، بالقول انه «جزئيا بسبب التخبط، تميل الكويت الى تبني المواقف الاجماعية داخل مجلس التعاون الخليجي»، مضيفا ان «التوكيل الكويتي يبدو ظاهرا في موقف البلاد من الصراع العربي - الاسرائيلي، كذلك في موقفها من الانتفاضات في اليمن وسورية والبحرين».
ولكن التقرير الاخير اضاف انه تم «حل الشؤون الثنائية الكويتية - العراقية اثناء زيارة رئيس حكومة العراق نوري المالكي الى الكويت، منتصف مارس، ما مهد الطريق لحضور سمو الامير صباح الاحمد الجابر الصباح لمؤتمر قمة جامعة الدول العربية الذي انعقد في بغداد بين 27 و29 مارس».
وذكر التقرير ان زيارة المالكي ساهمت كذلك في التوصل الى حل للقضية المرفوعة من قبل «الخطوط الجوية الكويتية» والمطالبة بمبلغ مليار و200 مليون دولار كعطل وضرر عن طائرات كويتية تمت سرقتها اثناء الغزو العراقي في العام 1990. وبموجب الحل الذي تم التوصل اليه، ستسدد بغداد تعويضات للكويت بقيمة 300 مليون دولار، وستساهم بـ200 مليون دولار في الاستثمار في شركة خطوط جوية كويتية - عراقية مشتركة. وختم التقرير انه على اثر زيارة المالكي، تم استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين عاصمة البلدين.
وأعاد التقرير التذكير بالسياسة الاقتصادية الكويتية مشيراً إلى ان الأزمة المالية العالمية خلال العامين 2008 و2009 تسببت في إحداث اضطراب اقتصادي، وذلك على خلفية تراجع أسعار الأسهم (في البورصة الكويتية) وتأثيرات انخفاض أسعار النفط. وكما أشرنا آنفاً، فإن التنازعات بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية تسببت في تأجيل تمرير إجراءات (اقتصادية) تحفيزية تهدف إلى معالجة تلك الأزمة. لكن مع انحسار الأزمة، اتخذ البرلمان الكويتي (مجلس الأمة) خطوات في سبيل محاولة ضمان العافية الاقتصادية الكويتية على المدى الطويل. فلقد مرر المجلس تشريعا بدأ سريانه في سبتمبر من العام 2010، وهو التشريع الذي يهدف إلى خصخصة قطاعات كبرى في الاقتصاد الكويتي، وحسب تقارير، فإن خطة الخصخصة، التي تستهدف مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، تمضي قدما بشكل جيد، لكن هناك بعض الكويتيين - خصوصا أولئك المجنسين حديثا والأقل رخاء من مواطنيهم الأقدم عهدا بالجنسية - يخشون أن الخصخصة ستجلب معها معدلات بطالة أعلى، والواقع أن الميزانية الكويتية الضخمة التي تم اعتمادها في أواخر يونيو 2011 ربما كان الهدف من ورائها هو التخفيف من حدة تلك المخاوف. ومع ذلك، فإن المأزق السياسي في الكويت إلى جانب توقعات حدوث ركود اقتصادي سياسي واقتصادي هما أمران تسببا في تراجع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في الكويت بشكل ملموس بالمقارنة مع جاراتها. فخلال السنوات العشر الفائتة، لم يُستثمر في الكويت سوى 800 مليون دولار أميركي، وفي المقابل، وخلال تلك الفترة الزمنية ذاتها، تم استثمار 10 مليارات في البحرين و73 مليارا في الإمارات العربية المتحدة و130 مليارا في السعودية.
والواقع ان ذلك المأزق السياسي بين الحكومة والمجلس تسبب ايضا في عرقلة التحرك في مبادرات كبرى عدة، وكان أبرز تلك المبادرات مشروع التنمية. فهذا المشروع، الذي حظي بدعم من جانب الحكومة، كان من شأنه أن يفتح أبواب حقول النفط الشمالية في الكويت أمام الاستثمارات الأجنبية لانتاج نحو 500 ألف برميل نفط يوميا لتضاف إلى الانتاج الكويتي الحالي. وقد دأب مجلس الأمة على عرقلة ذلك المشروع الذي تبلغ قيمته 8.5 مليار دولار أميركي طوال أكثر من 10 سنوات، وذلك بسبب مخاوف على سيادة الكويت، كما ان مراقبين يقولون انه لا يوجد أي حل وسط في الأفق. وفي ما يخص مشروع لإنشاء مصفاة نفطية رابعة تقدر تكلفتها بنحو 8 مليارات دولار أميركي، فإن مجلس الأمة عرقل ذلك المشروع أيضاً في العام 2008 تحت زعم ان العقود التي تمت ترسيتها من جانب شركة النفط المملوكة للدولة لم تتقيد بالاجراءات المحددة من جانب اللجنة المركزية للمناقصات، وهي الجهة التي تتولى التعامل مع جميع عقود القطاع العام، وهكذا فإن ذلك المشروع ايضا لم يتقدم الى الامام حتى الآن.
كما ان الازمة المالية التي ضربت في العام 2008، مضافا اليها التناحر السياسي الداخلي، تسببا ايضا في جعل الكويت تلغي مشروع شراكة مع مؤسسة داو كيميكال، وهي الشراكة التي كانت تستهدف انشاء اضخم منتج للبوليثيلين على مستوى العالم، فبتاريخ 29 ديسمبر 2008، قررت الحكومة الكويتية إلغاء ذلك المشروع الذي كان من شأنه ان تستثمر الكويت من خلاله 7.5 مليار دولار اميركي من جانب شركة الصناعات البتروكيماوية المملوكة للدولة، كما ان شركة داو كيميكال قد ابرمت اتفاقا حول تلك الشراكة في نوفمبر من العام 2008، لذا فإن داو كيميكال عبرت عن اندهاشها ازاء إقدام الكويت على إلغاء الاتفاق بعد مرور 4 اشهر فقط على ابرامه، وكانت داو كيميكال قد خططت فعليا لاستخدام عوائد ذلك الاستثمار من اجل تمويل شرائها لاسهم شركة «روم آند هاس» وهي الصفقة التي تمت في نهاية المطاف على الرغم من اقرار الإلغاء الكويتي.
ومازال القطاع النفطي الكويتي المملوك للدولة يسهم بما نسبته 75 في المئة من الدخل الحكومي كما انه يشكل ما نسبته 90 في المئة من ايرادات الصادرات الكويتية وتستورد الولايات المتحدة نحو 260 الف برميل يوميا من النفط الخام الكويتي (اي ما يعادل 3 في المئة تقريبا من اجمالي الوارادات النفطية الاميركية)، وكانت قيمة الصادرات الاميركية الى الكويت قد بلغت 2.7 مليار دولار خلال العام 2011، وهو الرقم القريب جدا من السنوات القليلة السابقة على ذلك العام.
وتتمثل معظم تلك الصادرات الاميركية الى الكويت في الاغذية والمعدات الصناعية والسيارات اما بالنسبة الى اجمالي الواردات الاميركية من الكويت خلال العام 2011 فإنه بلغ نحو 7.8 مليار دولار اميركي.
ومثلما هو حال دول خليجية اخرى، فإن الكويت تنظر الى الاستخدام السلمي للطاقة النووية باعتبارها مساويا في اهميته لاهمية اقتصادها، وذلك على الرغم من ان ذلك يتسبب دائما في اثارة مخاوف بين البعض في الولايات المتحدة واسرائيل وفي دول اخرى ازاء النوايا النهائية من وراء السعي الى تطوير برنامج نووي.
ويشار الى ان الكويت تتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في سبيل ضمان المراقبة الدولية على اي نشاط نووي في الكويت.
وهنالك مناقشات حاليا حول اعادة احياء المشروع، وفي العام 1994، اصبحت الكويت عضوا مؤسسا في منظمة التجارة العالمية، وفي فبراير من العام 2004 وقعت الولايات المتحدة والكويت اتفاقية اطارية للتجارة والاستثمار (TIFA)، وهي الاتفاقية التي يُنظر اليها غالبا باعتبارها تمهيدا لابرام اتفاقية تجارة حرة (FTA) بين البلدين، وهو الامر الذي اعلنت الكويت انها تسعى اليه، وكانت الكويت قد منحت نفطا بقيمة 500 مليون دولار اميركي الى الولايات المتحدة التي تضررت باعصار كاترينا.

الخميس، 12 أبريل 2012

تقرير / الجمهوريون يدفعون في اتجاه ضربة ضد إيران... وأوباما متردد

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تدور مواجهة سياسية قاسية بين الحزبين الديموقراطي، بقيادة الرئيس باراك اوباما، ومنافسه الجمهوري حول كيفية التعامل مع ملف ايران النووي. وفيما يصر الجمهوريون على ضرورة توجيه ضربة عسكرية لتفادي ما يرونه حتمية التعايش مع ايران واسلحتها النووية، يعتقد اوباما ان امامه متسعا من الوقت لوقف الزحف النووي الايراني، على خلفية ان زعماء طهران لم يقرروا حتى الساعة مباشرة برنامجهم التسليحي.
ابرز الاسباب التي تدفع اوباما الى تأخير شن ضربة هو السبات المعهود الذي تعيشه واشنطن في سنتها الانتخابية الرئاسية كل اربع سنوات، اذ يخشى اوباما، لا ان تتحول عملية عسكرية اميركية «جراحية» واستباقية ضد الايرانيين الى حرب مفتوحة، بل من مغبة تأثير هذه المواجهة على اسعار النفط العالمي، الذي يعيق بدوره، في حال ارتفاع اسعاره بسبب المواجهة العسكرية، النمو الهزيل للاقتصاد الاميركي.
كذلك يعتقد اوباما ان من شأن اي ضربة عسكرية ان تؤدي الى انفراط عقد التحالف الدولي الذي يفرض عقوبات اقتصادية، اصبحت موجعة لايران بحسب معظم المراقبين حول العالم. في هذا المضمار، يكرر المبعوث الرئاسي السابق، وباني التحالف الدولي ضد ايران، دينيس روس ان شن اي ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الايرانية قد يؤدي الى زعزعة التحالف ونهاية العقوبات، وقد يولد تعاطفا مع النظام الايراني عالميا وداخل ايران.
لذا، يقول روس ان الضربة العسكرية تأتي فقط حينما يتأكد العالم من ان ايران تراوغ، وان في نيتها صناعة سلاحا نوويا. ويعتقد روس ان جولة المحادثات المقبلة، التي لم يتحدد زمانها او مكانها بعد، ستكون الاخيرة والحاسمة، فاما تتعامل ايران بايجابية وتنهي طموحاتها النووية بشكل يمكن تأكيده دوليا، ما يؤدي الى انفتاح في المقابل عليها وانهاء العقوبات، واما تستمر طهران في سلبيتها، فتدفع اميركا نحو شن ضربة عسكرية.
بيد ان الباحث الاميركي من اصل ايراني في «معهد كارنيغي للسلام» كريم سادجادبور يعتقد ان مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي مصمم على التوصل الى انتاج السلاح النووي. وويقول سادجادبور انه خصوصا بعد المثال الليبي، اي بعدما تخلى معمر القذافي عن برنامجه النووي في مقابل انفتاحا عالميا عليه، لم يمنع ذلك من انهيار نظامه فيما بعد، لا بسبب الانتفاضة الداخلية المطالبة بانهاء حكمه فحسب، بل بسبب تدخل «التحالف الاطلسي» جويا والذي ساهم، الى حد كبير، في حسم المواجهة لمصلحة الثوار.
لكن اوباما وفريقه مصران على تأجيل اي مواجهة، على الاقل الى ما بعد الانتخابات المقررة في نوفمبر. اوباما يعلم ان التأجيل لن يأتي من دون تكلفة سياسية داخلية، خصوصا في مواجهة الضغط الجمهوري ومطالبة اللوبي الموالي لاسرائيل بتوجيه ضربة على وجه السرعة، لذا قام الفريق الرئاسي بشن حملة سياسية تهدف الى اقناع الرأي العام الاميركي بأن موضوع ايران مازال تحت السيطرة، وبأن الرئيس مهتم بالتوصل الى حل سلمي مع الايرانيين.
على هذه الخلفية، قام الصحافي في صحيفة «واشنطن بوست» دايفيد اغناتيوس المعروف بقربه من ادارة اوباما بكتابة مقالة، لم يضمنها الكثير من الاسرار، وانما لفت الى قيام الرئيس الاميركي بالطلب من رئيس حكومة تركيا رجب طيب اردوغان، اثناء لقاء الاثنين في سيول، بحمل مبادرة حل الى خامنئي.
وجاء في الحل الاميركي المطروح، بحسب اغناتيوس، ان اوباما اقترح على خامنئي حفط ماء الوجه الايراني بالسماح لطهران دوليا بتخصيب اليورانيوم الى درجات منخفضة لا تتجاوز 4 في المئة، والتخلي عن التخصيب العالي الذي يتجاوز 20 في المئة، وتسليم المجتمع الدولي مخزون اليورانيوم العالي التخصيب الذي في حوزة الايرانيين حاليا، والاتفاق على مراقبة البرنامج دوليا بشكل شفاف.
في المقابل، تعهد اوباما برفع العقوبات الدولية والاميركية وبدء بسياسة انفتاح على طهران.
الا ان تصريحات اردوغان التي تلت زيارته خامنئي اظهرت عنادا ايرانيا وفشلا ذريعا للمبادرة، مما دفع بفريق اوباما الى الانتقال الى الخطوة التالية، فتصدرت الصفحة الاولى في «واشنطن بوست» مجددا مقالة مفادها ان الرئيس السابق جورج بوش كان اول من امر بتعزيز جمع المعلومات الاستخباراتية حول ايران كخيار ثالث للضربة او للاحتواء، وان التعزيز يتضمن تكثيف صور الاقمار الاصطناعية، وصور طائرات شبح التجسسية من دون طيار، والتنصت على جميع خطوط الاتصال الايرانية، والاستعانة بكادر بشري من الجواسيس داخل ايران.
وذكرت الصحيفة ان الدائرة المولجة مراقبة ايران داخل «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي ايه) انفصلت عن «مكتب الشرق الادنى» وتحولت الى وحدة منفصلة اطلق عليها اسم «بيت فارس»، وتمت زيادة عدد الخبراء العاملين على الموضوع الايراني من عشرات الى مئات، كما عمدت الوكالة الى زيادة الموازنة المرصودة لعملهم اضعافا مضاعفة.
وحسب الصحيفة، التي نسبت معلوماتها الى مسؤولين رفيعين في ادارة اوباما، فان تحسن المعلومات حول ايران ادى الى التوصل الى نتيجة مفادها ان القيادة الايرانية لم تقرر حتى الآن الانتقال ببرنامجها من المدني الى العسكري، وانه حتى لو قررت ذلك، فان واشنطن ستعلم وسيكون امامها متسعا من الوقت، ستة اشهر على الاقل، لتوجيه ضربة ضد المنشآت تعيد البرنامج الى نقطة البداية.
لم يعجب الجمهوريون رأي مسؤولي اوباما، ووصفوا التسريبات الى «واشنطن بوست» بـ «المناورة السياسية الرخيصة»، وتصدى عدد من خبرائهم في مراكز الابحاث للمقالة وعمدوا الى تفنيدها. وكان ابرز الجمهوريين الذي تولوا الرد نائبة رئيس «اميريكان انتربرايز انستيتيوت» دانيال بليتكا، التي قللت من اهمية معلومات الاستخبارات الاميركية، وقالت ان الوكالة اخطأت مرارا، وانها غالبا ما تدلي بآرائها لاهداف سياسية، عادة للدفاع عن الرئيس وادارته. 
واتهمت بليتكا الـ «سي آي اي» بالفشل في المعرفة المسبقة بالتجارب النووية الهندية، وفشلها في كشف شبكة خان الباكستانية للمبيعات النووية الدولية، وفي كشف البرنامج النووي السوري، والعراقي، والكوري الشمالي، وفي فشلها في تنبوء وقوع هجمات 11 سبتتمبر، والثورة الايرانية، والربيع العربي.
ووصفت بليتكا مقالة الـ «واشنطن بوست» على انها جزء «من حرب معلومات يشنها اوباما ضد... اسرائيل». 
وقالت بليتكا ان ما تعرفه واشنطن عن منشآت ايران النووية يفيد بأنها تحت طبقات من الاسمنت المقوى، وانه ليس بوسع طائرات التجسس من دون طيار ومناظيرها العاملة بأشعة ما تحت الحمراء اختراق هذه الطبقات

الأربعاء، 11 أبريل 2012

ماذا تعرف أميركا عن برنامج إيران النووي؟

واشنطن - من حسين عبد الحسين
المجلة

تقول إحدى الروايات الاميركية المتناقلة منذ حين ان الرئيس السابق جورج بوش طلب من مدير “وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي ايه) السابق مايكل هايدن اعداد جلسة تقييم حول الملف النووي الايراني. أثناء الجلسة، اتضح ان واشنطن تعاني نقصا فادحا في المعلومات حول النشاط الايراني، مما دفع بوش، على غير عادته، بالتوجه غاضبا الى هايدن بالقول: “لا اريد ان يجد اي رئيس اميركي نفسه في وضع مجبر فيه على الاختيار بين توجيه ضربة عسكرية الى المنشآت النووية الايرانية، او تبني سياسة احتواء للتعايش مع ايران نووية”.

منذ ذلك الوقت، تبنت واشنطن خطة تقضي بتخصيص امكانات هائلة لجمع المعلومات الاستخباراتية الخاصة بإيران. وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تحقيقا اشارت فيه الى انه تم انشاء مكتب مكلف جمع المعلومات حول ايران، بعدما كان الامر في يد “مكتب الشرق الادنى”. وتقول الصحيفة ان عدد العاملين في ما صار يعرف بـ “بيت بلاد فارس” ارتفع من عشرات الى مئات، وهو يتضمن محللي صور الاقمار الاصطناعية، وصور طائرات شبح التجسسية من دون طيار، التي تحطمت احداها في ديسمبر الماضي.

كما يتضمن العمل الاستخباراتي المخصص لنظام طهران عمليات تنصت على جميع الهواتف الايرانية، وعمليات اختراق لشبكة الانترنت، وحواسيب مؤسسات الدولة و”الحرس الثوري الايراني”، وعمليات تنسيق مع اجهزة استخبارات دول حليفة في المنطقة. كل هذه العمليات الاميركية، بحسب الصحيفة، ادت الى ازدياد هائل فيما تعرفه الولايات المتحدة حول تطور الملف النووي الايراني.

تحقيق الـ “واشنطن بوست”، المنسوب الى مسؤولين كبار في الادارة الاميركية، يعتبر ان القيادة في ايران لم تتخذ حتى الآن قرار صنع سلاح نووي، حسب المعلومات الاستخبارية الاميركية، وانه في حال قرر الايرانيون ذلك، فسيحتاجون الى سنة على الاقل، وهو ما يعطي الرئيس باراك اوباما متسعا من الوقت لتنفيذ ضربة عسكرية تعيق القرار وتؤخر صناعة السلاح النووي الايراني سنوات عديدة.



وجاء التحقيق بعد يومين فقط من مقالة للكاتب في الصحيفة نفسها، المعروف بقربه من ادارة اوباما، دايفيد اغناتيوس، اشار فيه الى ان اوباما حمّل رئيس حكومة تركيا رجب طيب اردوغان رسالة الى مرشد الثورة الايراني علي خامنئي، عرض عليه فيها موافقة المجتمع الدولي على استمرار عملية تخصيب ايران لليورانيوم من العيار الخفيف، حفظا لماء وجه النظام، وتخلي طهران عن التخصيب الى الدرجات العليا القابلة للتصنيع العسكري. في مقابل التعاون الايراني، يرفع المجتمع الدولي العقوبات ويبدأ انفتاحه على طهران.

لم تعجب “تسريبات” فريق اوباما الى صحيفة “واشنطن بوست” اليمين الاميركي المطالب بتوجيه ضربة على وجه السرعة الى ايران لمنعها من حيازة السلاح النووي، فوصفت نائبة رئيس مركز ابحاث “اميريكان انتربرايو انستيتيوت” اليمينية المحافظة دانيال بليتكا مقال الصحيفة بانه جزء “من حرب معلومات يشنها اوباما ضد.. اسرائيل”.

وقدمت بليتكا، في ايميل ارسلته الى عدد من المعنيين بالموضوع، عددا من النقاط هدفت من خلالها الى تفنيد وجهة نظر اوباما، واعتبرت ان ما تعرفه واشنطن عن منشآت ايران النووية يفيد بأنها تحت طبقات من الاسمنت المقوى، وانه ليس بوسع طائرات التجسس من دون طيار ومناظيرها العاملة بأشعة ما تحت الحمراء اختراق هذه الطبقات.

واضافت بليتكا ان التجسس على التيليفونات والفاكسات الاميركية لا يشي بالكثير، وانها على دراية بعمل شبكات العملاء المزدوجين، وان طهران بارعة في تضليل اميركا في هذا المضمار. ومما قالته بليتكا ان تاريخ “وكالة الاستخبارات المركزية” الاميركية مليء بالاخطاء، من ضمنها فشل الوكالة في التنبؤ بقيام الهند بتجارب نووية، وفشلها في كشف شبكة خان الباكستانية للمبيعات النووية الدولية، وفي كشف البرنامج النووي السوري، والعراقي، والكوري الشمالي، وفي فشلها في تنبؤ وقوع هجمات 11 سبتمبر، والثورة الايرانية، والربيع العربي.

واتهمت بليتكا ادارة اوباما باستخدام المعلومات الاستخباراتية لاهداف سياسية. بيد ان بليتكا اغفلت ذكر فشل الاستخبارات الاميركية في تقدير وجود اسلحة دمار شامل عراقية، ربما لان بليتكا وفريق من اليمين الاميركي استند الى المعلومات الاستخباراتية نفسها لشن الحرب في العراق، وهو ما يثبت نظرية بليتكا ان الاستناد الى تقارير الاستخبارات الاميركية علنا غالبا ما يكون ضمن حملة سياسية اكثر منها تشخيصا دقيقا للواقع على الارض.

السبت، 7 أبريل 2012

حسين عبد الحسين: مشكلة لبنان هي في اللبنانيين

جريدة الجمهورية - لبنان: أكد الكاتب والمدوّن حسين عبد الحسين أن ما دفعه الى مغادرة لبنان عام 2004 هو احباطه مما آلت اليه الامور مجتمعياً وثقافياً وفكرياً، إضافة الى إدراكه «ان التغيير في مدى زمني منظور هو أمر مستحيل»، مضيفاً «أن في لبنان مشكلة في العقد الاجتماعي، أي في العلاقة بين الفرد والدولة»، وشدد على «أن مشكلة لبنان سياسياً هي اللبنانيين»، معتبراً «أن البعثات الديبلوماسية اللبنانية لا تعرف دورها، فهي ضعيفة سياسياً وتعمل بعجرفة وكأن المهاجرين يركضون وراءها». وهنا نص الحوار:

• ما هي الأسباب التي دفعتك الى مغادرة لبنان؟ ومنذ كم سنة تعيش في الخارج ؟

ـ انتقلت الى العيش في واشنطن مطلع عام 2004. اما الاسباب التي دفعتني الى مغادرة لبنان فمتعددة. السبب الاقتصادي لم يكن واحداً منها، بل أن السبب الرئيسي كان احباطي مما آلت اليه الامور مجتمعياً وثقافياً وفكرياً في لبنان، وادراكي ان التغيير في مدى زمني منظور هو أمر مستحيل. كنت قد امضيت 10 سنوات قبل ذلك ناشطاً في العمل الصحافي مع المرحوم جبران تويني في ملحق "نهار الشباب"، ثم في العمل الطلابي في الجامعة الاميركية في بيروت. انا عندما اصبحت لبنانياً بموجب مرسوم التجنيس 1994 (مع اني مواليد بيروت لأُم لبنانية وعشت في لبنان حتى ذلك التاريخ ما يقارب العقدين، وهي شروط تكفي للحصول على أي جنسية في العالم)، قال لي مأمور النفوس ان عليّ ان اقدم له ورقة من رجل الدين الذي يمثل الملّة التي انتمي اليها. ازعجني ذلك الترتيب ولم يقبل الموظف ادراجي في القيد من دون تلك الوثيقة. شعرت يومها أني لم أحصل على الجنسية اللبنانية، بل على صك انتماء الى الطائفة الشيعية، التي تنتمي بدورها الى دولة لبنان، أي اني مواطن لبناني بالواسطة، شيعي أولاً، ثم لبناني ثانياً. العقد الاجتماعي لم يكن بيني وبين دولة لبنان، بل بيني وبين مفتي الطائفة، الذي من دونه لم أكن لأُصبح لبنانياً.

في لبنان مشكلة في العقد الاجتماعي، أي في العلاقة بين الفرد ودولة لبنان. هذه المشكلة طاردتني وما زالت تطاردني اليوم. تزوجت من امرأة من طائفة مختلفة، وطبعاً الزواج المدني الاختياري غير متوافر في لبنان. تزوجنا في واشنطن "بشحطة قلم". عندما ولد إبننا، أرسلت لنا الحكومة الاميركية أوراقه الثبوتية بالبريد، فيما انا ما زلت ابحث عن طريقة لتسجيله عبر سفارة لبنان لأننا لم نسجل زواجنا لبنانياً، والسبب اني وزوجتي لا نوافق على مسألة نقل نفوس الزوجة الى قيد الرجل لأنه انتقاص من حقوق المرأة.

هذه المشكلات ليست ادارية أو تقنية فحسب، بل هي تعكس فلسفة وجود الوطن اللبناني كوطن للمجموعات المذهبية، لا الافراد، وانا اعارض الانتماء الى مذهب مما جعلني خارج الوطن حتى عندما كنت في داخله. وفي العام 2004، انتقلت الى وطن يمكنني ان اعيش فيه وأن انتمي إليه بلا واسطة.

• هل وجدت صعوبة في التأقلم في البلد الذي تعيش فيه؟ وما هي أبرز العوائق التي واجهتك في البداية؟

ـ انا كنت أفضل حالاً بسبب تعليمي الاميركي وعملي في صحيفة انكليزية، لم أواجه عوائق في اللغة أو الثقافة على غرار المجموعة التي انتقلت من لبنان الى واشنطن في الوقت نفسه. لكن مع كل ذلك، من الصعب اقتلاع انسان من الجذور والطلب منه ضرب جذور في بلد آخر. في السنين الاولى تكون الاوضاع صعبة، وفيها كثير من الحنين الى الوطن والانزعاج من الغربة. فيما بعد، يصبح الفرد تلقائيا ابن البلد، يصبح لديك حلاّقك ومصبغة ثيابك ومقهاك المفضل الذي تعرف أصحابه، ويبدأ الشعور بأن المدينة اصبحت وطناً (هوم بالانكليزية). يتأكد لديك هذا الشعور عند أول اجازة تقضيها في بيروت، خصوصاً اذا انقضى وقت طويل نسبياً على وجودك في المغترب. في آخر رحلاتي الى بيروت، كان البلد تغير منذ ان تركته، وانا طباعي تغيرت كذلك. صرت متحمساً للعودة الى بيتي في واشنطن، ولو لم يكن لدي أهل واصدقاء في لبنان، لكنت صرفت النظر عن زيارة لبنان نهائياً. ثم ان اميركا هي احسن المغتربات، خصوصاً بالمقارنة مع أوروبا. في اميركا الجميع مهاجرون من كل أصقاع الارض، والاميركيون يتوقعون مستوطنين جدداً من امثالي، على عكس في اوروبا. لقد أخذتُ عشرين عاما لأُصبح لبنانياً، وخمسة أعوام فقط لأُصبح أميركياً.

• اليوم كيف تنظر الى لبنان كوطن يؤمن حد خدمات لمواطنيه، وعلى كل المستويات؟

ـ انا لا أُريد خدمات من دولة لبنان، بل حقوق. موضوع ادارة الدولة، مثل خدمات الكهرباء والماء والبنية التحتية هو موضوع تفصيلي، خصوصاً في بلد لا يتجاوز عدد سكانه أربعة ملايين نسمة ولا تتجاوز موازنته السنوية العشرة مليارات دولار، هذه بالكاد تكون موازنة شركة عالمية، مثل شركة "هوندا"، وفي الامكان ان نستخدم اموال الضرائب اللبنانية لنستأجر شركات خاصة تدير كل مفصل من مفاصل الدولة. لكن العصابات السياسية لا يناسبها ذلك، فكل واحدة تصوّر نفسها حامية طائفتها وتحول التفويض الشعبي والنفوذ السياسي قوة تتمكن من خلالها من تحقيق ارباح مالية خيالية. تصور مثلاً ان اغنى سياسي في اميركا، ميت رومني، تبلغ ثروته 250 مليون دولار، وهذا الرقم ضحالته مضحكة بالمقارنة مع ثروات المسؤولين اللبنانيين.

• ما هي العادات التي أكتسبتها في البلد حيث تعيش، وهل تغيرت نظرتك الى القانون وطريقة تطبيقه؟

ـ في زمن العولمة، لا تتغير العادات بنحو كبير بين دولة وأُخرى. أنا لم اصل الى واشنطن مرتدياً الشروال وحاملا زوادة فيها حبات جوز وسندويش تين، كما لا يوجد في واشنطن اميركيون يقودون أحصنة في الشوارع. الاختلافات بين الثقافات تقلصت. ثم اني في لبنان كنت أحترم القانون، وأحترم خصوصاً المواعيد التي أُحددها، وأُحاول أن أكون مواطنا صالحاً. ما تعلمته في الولايات المتحدة هو أن الوطن لا يرتبط بالأرض ولا بالتاريخ ولا بالأنساب. الوطن هو شركة نفعية، مثل أي شركة أُخرى، يدخل فيها المواطن إراديا فيلتزم واجباته ويتمتع بحقوقه تلقائياً. وفي ثقافة الاميركيين أن نظامهم مبني على الثقة الى حد السذاجة. يمكن لكثيرين استغلال هذا النظام، ولكن في اللحظة التي يتم فيها إكتشاف أن فلاناً كذب في موضوع ما، يتحول ذلك طامة كبرى وتصبح صدقية الشخص في خبر كان. الكذب تحت القسم هو احد اسوأ ما قد يتركبه المواطن الأميركي، لا في عيون القانون فحسب، بل في عيون الناس. الاوطان تبنى على مبدأ أن أكثر الناس هم من أهل الخير ويتكلمون بصدق الى أن يثبُت العكس. القلة ممن يتجاوزون القانون، تكون لهم الدولة في المرصاد. ولكن لا يمكن دولة في العالم أن تزرع رجل بوليس الى جانب كل مواطن، كما في الدول العربية ولبنان. وحتى لو أكثرت الدول العربية من الشرطة، فإن افراد الشرطة ليسوا من المريخ، وهم ابناء الثقافة نفسها، ولا شك في أنهم سيتورطون في الفساد بدلاً من ان ينفذوا القانون.

• في رأيك ما الذي ينقص لبنان اليوم؟ نظام ؟ خدمات؟ وكيف تصف علاقة الدولة بالمواطن حيث تعيش بالمقارنة مع لبنان ؟

ـ مشكلة لبنان هي في ثقافة اللبنانيين، والثقافة هنا ليست بمعنى تربية أو علم، بل العادات المجتمعية والقيم السائدة. ما الذي يدفع اللبنانيين الى إعتبار أن هذا الموضوع مهم، وذاك الموضوع تافه، أو هذا إنسان مهم، وآخر أقل أهمية؟ الاجابة هي القيم المجتمعية السائدة والتي تتوارث عبر الاجيال. للأسف الثقافة اللبنانية السائدة مبنية على فكرة أن الشكل هو أهم من المضمون، حتى أصبحت حياة جميع اللبنانيين هي في الشكل فقط، وكذلك دولتهم ودستورهم، شكلية. ثم أن غياب الثقافة يؤدي الى سطحية ذهنية. طبعاً الجميع يطالب باتفاق الطائف وهو جزء من الدستور. أذهب واقرأ اتفاق الطائف، كأنه مقالة صحافية عابرة لكثرة سطحيته. لا فلسفة دستورية فيه، ولا عمق، ولا مواعيد تطبيق، ولا بدائل في حال عدم التطبيق. اللبنانيون يعانون من مشكلة ثقافية تعوق فهمهم للدولة الحديثة وطريقة عملها، ووضع الدولة اللبنانية يعكس ذلك، وهو ما اعطى أُمراء الحرب وزعماء الميليشيات وضباط الاحتلال السوري مسافة واسعة للعبث بما تبقى من الوطن.

• ما الذي تشتاق اليه في لبنان ولا تجده في الخارج؟

ـ عندما أكون في لبنان، أكون محاطا بأكثرية من اللبنانيين، أي أن الثقافة اللبنانية تغلب في الاماكن العامة، وهذا ـ لو تركنا مسألة الدولة جانباـ يشعرني بسرور، أي أني ومعظم الآخرين نتكلم اللغة نفسها، نضحك للفكاهة نفسها، ذوقنا في المآكل متشابه الى حد كبير، والموسيقى العربية... وهكذا. في الولايات المتحدة خليط بشري هائل، نشترك في ثقافة عامة، ولكن في الأُمور الأُخرى كالهوية الثقافية العربية اللبنانية، موجودة في بيوت المغتربين وجمعاتهم فقط.

• هل تعتبر أن مشكلة لبنان سياسياً هي الطائفية أو المذهبية، الإقطاعية وتوارث السلطة، غياب السيادة، غياب الأحزاب والأطر للتعبير عن أفكار الشباب وطموحاته...الخ؟

ـ مشكلة لبنان سياسياً هي اللبنانيين. اكثر الشكاوى التي تسمعها من اللبنانيين هي أن "كل المشكلة في الزعماء" أو "خلي الدولة تفعل كذا وكذا". في ما خص الزعماء، هؤلاء هم نتاج الشعب اللبناني ولم يأتوا من المريخ، كذلك الدولة، هي ليست كائناً منفصلاً عن اللبنانيين، بل انعكاساً لحالهم. المفاهيم لدى اكثرية اللبنانيين بالية، وهي تولد سياسة بالية كذلك. في 14 شباط 2006، اشتركت في ذكرى مقتل رئيس الحكومة رفيق الحريري في ساحة الشهداء. كان السُباب ضد الشيعة أكثر من المطالبة بالعدالة. أستخدم هذا المثال للدلالة على تخلف المفاهيم السياسية لدى أكثرية اللبنانيين. انا اطالب يوميا حزب الله بالقاء السلاح، لا لأن حزب الله حزباً لطائفة واحدة، أو طائفة ونصف (مع مسيحيي ميشال عون)، بل لأن استخدام العنف هو جزء من سيادة الدولة، التي ننتخبها ونموّلها بضرائبنا وفي امكاننا ان نحاسبها متى شئنا. اذا كان حزب الله يريد الحفاظ على سلاحه، فليسمح لنا مثلاً بانتخاب قيادته والتصويت على سياساته ومحاسبته. حينها لا يخيفني السلاح خارج الدولة. يصبح حزب الله ملكنا، هو وسلاحه، لأنه يأتمر حينها بقرار الشعب اللبناني. ولكن ان يكون سلاحه عصياً على آرائنا ومحاسبتنا لادائه، هذه هي المشكلة. في 14 آذار البعض يريد نزع السلاح، أو أن يحصل على سلاح مشابه، أي أن المشكلة لدى هؤلاء ليست في سيادة الدولة، بل في ضعف طائفتهم في مواجهة الطائفة الأُخرى.

خذ توارث السلطة مثلا آخر، حتى في الاتحادات الرياضية يرث الابناء آباءهم في الرئاسة. المشكلة ليست عند الاقطاع وحده. المشكلة هي أن اللبنانيين يؤمنون باحقية نجل فلان في ملء مركز والده الراحل أو المتقاعد، في أي منصب حكومي أو حزب أو مقعد نيابي أو جمعية خيرية أو نقابة عمالية. فكر مثلاً في المدة الطويلة جداً التي بقي فيها ملحم كرم نقيباً للمحررين، ومحمد بعلبكي نقيباً للصحافة. كيف نوجه اللوم الى رئيس البرلمان نبيه بري لترؤسه المجلس منذ 1992 فيما كل منصب آخر، في الدولة وخارجها، يشغله الشخص نفسه منذ انتخابه. لقد كانت نقابة المحررين مقفلة في وجهي أيام عملي في لبنان، اما في واشنطن، فقد انتسبت الى نقابة الصحافة في 24 ساعة. هذه الامثلة هي للتعبير عن مشكلة في المفاهيم لدى اللبنانيين، لدى حزب السلاح ولدى الاحزاب المعترضة عليه، يغيب مفهوم الدولة وكيفية عملها عند الاثنين.

• هل تعتبر أن لبنان قادر على التغلب على مشاكله، ما هي سبل الحل برأيك؟

ـ لا، لبنان ليس قادراً على التغلب على مشاكله في المدى المنظور. سبل الحل قد تكون بنسخ تجارب الشعوب الأُخرى التي سبقتنا في هذا التخبط الذي يلد انظمة لا يمكن ان تولّد إلاّ أزمات. كيف إنتقلت أوروبا من عصور الظلام الى عصر التنوير؟ التفسيرات متعددة، ولكننا نعلم أن المحرك الأبرز كان الثورة الصناعية، التي سمحت بالانتقال من الجماعة الى المواطن. عندما يتحول الفرد من عضو في قبيلة يمنحها الولاء وتمنحه الأمن الجسدي والمادي الى فرد لديه مدخول من عمل منفرد، يتحول قراره من جماعي الى منفرد، وكذلك علاقته بالدولة. ثم يصبح لدى الفرد مصلحة في حماية مكان رزقه، أي مكان وظيفته وعمله، وكذلك بيته، فيستغني عن جزء من ضرائبه ليمول عمل دولة تقدم له، واجهزتها الامنية والادارية، الحماية الجسدية. اوروبا دخلت عصر التنوير عندما تغيرت انماط الكسب الفردي، لا عندما أصبح الجميع في بحبوحة. في الدول العربية وايران، ادت الثورة النفطية الى بحبوحة، ولكن كمية المال الهائلة تأتي الى ولي الأمر، الذي ينفقها على الموالين في قبيلته الكبيرة التي تمتد على مساحة وطن واحد أو اكثر. أي أن النفط كرّس الوضع القبلي العربي والفارسي بدلاً من تغيير أنماط تحصيل الرزق والكسب.

جبل لبنان راكم ثروة صناعية زراعية منتصف القرن التاسع عشر، ساهمت في تعزيز موارده البشرية، ومن ثم نفوذه السياسي في العالم، واستمرت ريادة لبنان حتى سبعينات القرن الماضي. ولكن الثروة اللبنانية تلاشت وظهرت الثروة النفطية. اليوم بدلاً من أن يقود لبنان ثورة فكرية، يلحق ما يتم إنتاجه فكرياً في المنطقة، والفكر في المنطقة قبلي ومتأخر كثيراً عما كان لبنان عليه قبل نصف قرن، مما ساهم في تأخير لبنان بدلاً من تعزيز تقدمه.

• هل تعتبر أن لبنان يستفيد من المهاجرين؟ وهل ستصوت في الإنتخابات المقبلة اذا سمح بذلك في السفارات؟

ـ لن أُصوّت لأن في دائرتي محدلة تحسم. لو كنا في ظل نظام إنتخابي نسبي ودائرة واحدة، لكان لصوتي مفعولاً أكبر من عملية أداء الطاعة التي يقوم بها معظم اللبنانيين لطوائفهم وزعمائها في الدوائر المختلفة. اما بالنسبة الى علاقة لبنان بالمهاجرين، أنا لا يمكنني الحديث باسمهم، ولكني أعتقد أن البعثات الديبلوماسية اللبنانية لا تعرف دورها، فهي ضعيفة سياسياً لدى عواصم العالم بسبب إنهيار الدولة في بيروت. ولكن هذه البعثات تعمل بعجرفة وكأن المهاجرين يركضون وراءها. يمكن أن الشخص الديبلوماسي مهم في بيروت، ولكن في بلد مثل أميركا، حيث يعتقد كل مواطن نفسه القيمة العليا، لا يمكن التعامل مع اللبنانيين الطريقة نفسها. المسؤول في لبنان يتوقع الطاعة والإحترام لدى اللبنانيين كتحصيل حاصل. المسؤول في أميركا يستجدي إحترام الناس له. هذا الاختلاف في المفاهيم يؤثر سلبا على علاقة السفارات اللبنانية في اميركا بالمهاجرين اللبنانيين. انا شخصيا أعتقد أن على حكومة لبنان وسفارتها ان ترجواني لاقناعي بجدوى ابقاء الاتصال معها. لا حقوق مكتسبة للسفارات اللبنانية لدى اللبنانيين المهاجرين، وهو ما لا تفهمه السفارات اللبنانية والقنصليات، خصوصاً في الولايات المتحدة.

• عادة يُقال أن اللبناني يلتزم القوانين حين يعيش في المهجر ولكنه عندما يعود في العطل الى لبنان يعود الى عاداته في القيادة والتهرب من الضرائب وما الى ذلك، هل هذا ينطبق عليك؟ ولماذا في رأيك؟

ـ عادة عندما يشعر المرء بأنه في بيته، يسمح لنفسه بالتراخي تجاه القوانين، كما أنه لا يوجد مغترب ممن يحب ان يتم اتهامه أو إتهامها بالسذاجة في حال التزام قوانين لا يلتزمها اي لبناني. انا لم أقد السيارة في لبنان منذ هجرتي، ولم أتعاط شؤوناً تحتاج الى مراعاتي للقوانين عموماً غير ان اقف في الصف عندما أصل الى مطار رفيق الحريري الدولي، وهذا الموضوع غالبا ما يكون محترماً لدى معظم الوافدين ولدي.

• لو قدر لك أن تقود عملية تغيير في لبنان، من أين تبدأ؟ وما هو لبنان - الحلم بالنسبة اليك؟

ـ أبدأ بتعديل الدستور والغاء مبدأ التعايش واستبداله بمواطنية كاملة ومساواة للجميع واحترام حرية الدين والمعتقد مع ابقائها خارج الحيز العام. بمعنى أن المسيحسسن والمسلمين اذا كانوا لا يخافون بعضهم بعضاً، كما يحلو لهم القول، فلماذا لا نلغي نظام الملل كلياً ونستبدله بدولة مدنية وحقوق متساوية بكاملها؟ ثم نحتاج الى تشكيل اجماع عام لدعم الدستور الجديد والى مؤازرة المجتمع المدني واقامة انتخابات نسبية على اساس لبنان دائرة واحدة وانتخاب رئيس من الشعب، من أي طائفة، مع صلاحيات معززة شبيهة بالنظام الرئاسي لولاية محددة سلفاً وقابلة للتجديد مرة واحدة فقط، فنكون بذلك شكلنا برلماناً تمثيلياً واسعاً وقدرة رقابية، ورئيساً ذا صلاحيات واسعة. بعد ذلك تبدأ عملية بناء مؤسسات الدولة واقرار التشريعات الحديثة والتواصل مع المغترب لاقناعه بأن لبنان جديد يولد فعلاً.

لو كان سيناريو كهذا يلوح في الافق، لكنت أول المغتربين العائدين، ولكن للأسف، حتى في وسط الربيع العربي، كل ما نسمعه من لبنان هو تعايش وصمود ومؤامرات وبواخر كهرباء وفساد والى آخر القصة التافهة نفسها، والمشكلة أن أكثرية اللبنانيين، بعلمها او من دون علمها، تشارك في استمرار الوضع على ما هو عليه، وهو ما يزيد في احباطي ويبقيني بعيداً عن لبنان الذي احببت.

«اخوان» مصر في البيت الابيض

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في مبنى ايزنهاور، مقر ادارة الرئيس باراك اوباما التابع للجناح الغربي للبيت الابيض حيث المكتب البيضاوي، استضاف عدد من العاملين في «مجلس الامن القومي» وفدا من «الاخوان المسلمين» المصريين ترأسه عضو حزب «الحرية والعدالة» وعضو مجلس الشعب ورئيس لجنة الشؤون الخارجية فيه عبدالموجود راجح الدردري. وضم الوفد كلا من رجل الاعمال حسين القزاز، ومنسق العلاقات الخارجية في الحزب خالد القزاز، وسندس عاصم، عضو الحزب ومدير تحرير صفحة «اخوان ويب».
وجاء اللقاء من ضمن زيارة «علاقات عامة»، دامت اسبوعا، قام بها الوفد المصري الى العاصمة الاميركية، وتخللها لقاءات، مفتوحة ومغلقة، في مراكز ابحاث ومع مسؤولين على مستويات مختلفة. 
لقاء وفد «الاخوان المسلمين» مع العاملين في البيت الابيض، الثلاثاء الماضي، لم يختلف عن لقاءات سبق ان عقدها مسؤولون من الجانبين في مصر، حيث يقوم الديبلوماسيون الاميركيون وزوار القاهرة، على مستوى مساعدي وزيرة الخارجية الاميركية، فضلا عن اعضاء في الكونغرس ومجلس الشيوخ من امثال الجمهوري المخضرم جون ماكين، بعقد لقاء ات مماثلة يجول فيها الجانبان على عدد كبير من القضايا المصرية والاقليمية والدولية والاقتصادية.
ومجرد توجيه دعوة من «مجلس الامن القومي» الى وفد الاخوان يعني ان المحادثات الاميركية - المصرية في القاهرة أخذت حتى الآن منحى ايجابيا، دفع بدوره ديبلوماسيي اميركا في مصر الى الابراق الى واشنطن لاقتراح متابعة الحوارات على مستويات اعلى في العاصمة الاميركية.
على ان الابرز في زيارة الاخوان الى واشنطن كان في عقدهم لقاء مغلقا في «غرفة التجارة الاميركية»، وهي احدى مراكز الابحاث اليمينية التابعة للحزب الجمهوري، في مقر المركز المقابل للبيت الابيض، يوم الاربعاء. 
ووصف احد الحاضرين لـ «الراي» الاجتماع على الشكل التالي: «عكست ملاحظات المصريين تصريحاتهم التي نقرأها في الصحف منذ اشهر، وهي تركزت على موضوع النمو الاقتصادي في مصر، والحاجة الى خلق وظائف جديدة في البلاد، والعمل على استقطاب استثمارات اجنبية».
واضاف: «في الواقع، ركز الوفد المصري على نقطتين، الاولى هي محاولة استقطاب 150 الى 200 استثمار اجنبي في حقول السياحة والصناعة الغذائية والطاقة والطب والكومبيوتر، والثانية تقضي بانشاء وتفعيل (اس ام ايز) الاعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة».
وفي معرض الاجابة عن اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية، علمت «الراي» ان اجابة الوفد المصري جاءت على الشكل التالي: «لن نكون نحن الحزب الذي يكسر اية اتفاقية دولية». واضاف الوفد ان حزبهم سيلتزم كل الاتفاقيات التي وقعتها الحكومات المصرية في الماضي، وانه سيحترم كل تفاصيل اتفاقية كامب دايفيد للسلام بين مصر واسرائيل.
على ان الشخص الحاضر للجلسة المغلقة ادلى لـ «الراي» بالملاحظة التالية: «لم يتلفظ الوفد المصري بكلمة اسرائيل ولا مرة واحدة». كما لاحظ ان اعضاء الوفد المصري حرصوا على مصافحة الجميع بمن فيهم «كل سيدة من المشاركات في الجلسة».
وفي تعليق لصحيفة «فري برس» الكندية، وصف الناطق باسم «غرفة التجارة الاميركية» بوبي مالدونادو اللقاء بانه كان «حوارا مفتوحا وبناء سعى لتطوير فرص العمل بين الولايات المتحدة مصر»، وبانه انعقد بهدف «الحديث حول فرص العمل والاستثمار بين مصر والغرب». وشدد مالدونادو على ان «المعتقدات السياسية لم تلعب اي دور في اللقاء». 
وشارك الوفد المصري قبل يومين في مؤتمر عقده مركز ابحاث «كارنيغي للسلام الدولي» بعنوان «الاسلاميون في السلطة: رؤى من الداخل». ومن القيمين على المؤتمر وزير الخارجية الاردني السابق ونائب رئيس المركز مروان المعشر، وهو احد الاصوات الداعية الى التعامل بايجابية مع وصول حكومات اسلامية الى الحكم في الدول العربية.
وانقسم المؤتمر الى 3 جلسات، ترأس المعشر اولها التي جاءت بعنوان «بناء انظمة جديدة بعد ال انتفاضات». اما الثانية، فكان عنوانها «كتابة دستور جديد»
والثالثة «تحديات اقتصادية في المرحلة الانتقالية». وشارك في المؤتمر، الذي استمر طوال اليوم، وزير الاتصالات المغربي مصطفى الخلفي، وعضو «الاخوان المسلمين» في الاردن نبيل الكفاحي، وعضوا حزب النهضة والجمعية الوطنية التونسية صحبي عتيق واسامة الصغير، وعضو «الاخوان المسلمين» في ليبيا محمد جعير، فضلا عن افراد الوفد المصري المذكور.

الخميس، 5 أبريل 2012

ربيع أميركا الاستراتيجي

حسين عبد الحسين
المجلة

"بالنسبة للولايات المتحدة، فإن عقيدة التدخل إنسانيا لمساعدة ثورات الشرق الاوسط لن تكون ممكنة ما لم يتم ربطها بالأمن القومي الاميركي". بهذه الكلمات اختصر احد ابرز صانعي ومفكري السياسة الخارجية الاميركية هنري كيسينجر بقاء الولايات المتحدة بعيدة نسبيا عن احداث ومجريات الانتفاضات العربية.

وفي مقالة شيقة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" قدم وزير الخارجية السابق ستة أسئلة من شأن الاجابات حولها ان تحدد السياسة الاميركية تجاه الربيع العربي. "هل نعتقد ان بقاءنا في الظل من دون ربط مصلحتنا القومية بهذه الاحداث يسهل من عملية بناء الدول الخارجة من الثورة؟ هل لدينا تفضيل لأي من المجموعات التي ستأتي الى السلطة؟ او هل نحن غير مكترثين طالما ان النتيجة تأتي من خلال صناديق الاقتراع؟ واذا كانت الانتخابات هي ما يهمنا، كيف نتفادى انتخاب حكام مطلقين مستندين على اغلبيات ثابتة؟ ما هي النتائج التي تتناسب ومصالح اميركا الاستراتيجية في المنطقة؟ وهل يمكننا ان نربط انسحابنا استراتيجيا من دول في المنطقة وتخفيض نفقاتنا العسكرية مع عقيدة التدخل الانساني؟".

كيسينجر ختم بالقول إن الحديث حول "السياسة الخارجية المطلوبة تجاه الربيع العربي" مازال غائبا في واشنطن، على انه اثنى على نجاح واشنطن في "تفادي تحولها الى عثرة في وجه التحولات الثورية".

عملاق آخر في صناعة السياسة الخارجية الاميركية يتصدر هذه الحوارات المطلوبة، والغائبة حسب تعبير كيسينجر. الاكاديمي الاميركي من اصل لبناني فؤاد عجمي شن هجوما على الرئيس باراك اوباما، واتهمه بمحاولة التنصل من سياسات الانفتاح على طهران ودمشق التي اعلنها ابان دخوله البيت الابيض في العام 2008. "اقرأوا ويكيليكس من دمشق في بدايات العام 2009 (وسترون انها) مليئة بالامال المضللة واذا كان غصن الزيتون الذي تم تقديمه الى دمشق ساهم فعلا في تغيير سياسات نظامها".

عجمي كتب في صحيفة "وال ستريت جورنال" ان خمسة اشهر مرت على اندلاع الثورة السورية في مارس 2011 قبل ان يطالب اوباما بشار الاسد بالتنحي، ولكن "في اللحظة التي تمت فيها مطالبة الاسد بالرحيل، تحولنا الى مجرد مشاهدين للمأساة السورية، وقمنا بتضخيم قوة آلة القتل الاسدية، وقللنا من اهمية المعارضة، وشككنا في اهدافها وتماسكها، وامتنعنا عن تسليح المنشقين".

واضاف عجمي ان "الاستخبارات الاميركية والبيانات السياسية لم تنجح أبدا في تشخيص الوضع السوري، فكان الاسد تارة الرجل الميت الذي يمشي، وطورا الرجل الذي يتحكم بقوة". واعتبر عجمي انه في الوقت الذي احتاج فيه الثوار السوريون الى بعض الغموض في الموقف الاميركي، فعلت وزارتا الخارجية والدفاع ما بوسعهما "للتأكيد لطاغية دمشق ان ليس لديه ما يقلقه (حول امكانية تدخل عسكري من قبل) واشنطن”، وانه على ضوء السياسات الاميركية، لم يعد مستغربا الاعتقاد السائد بأن ادارة اوباما “سعيدة برؤيتها الاسد يخرج من العاصفة سالما".

وبكثير من الاناقة اللغوية، يقول عجمي ان "التاريخ هذه الايام يبدو متسامحا"، وانه "يمكن سحق الثورة السورية من دون ان يرتب ذلك اي تكاليف سياسية على السيد اوباما"، ويختم بالقول: "من المحزن ان الرئيس اصبح تجسيدا، وأداة، لتراجعنا من الشواطئ البعيدة وهمومها، في وقت يتخلى عن اصول اميركا الاستراتيجية على امل ان الشعب الاميركي لن يهتم او لن يلاحظ، وهو يعتقد ان بامكانه ان يبقي العالم بعيدا، على الاقل حتى نوفمبر، حتى ما بعد تلك الانتخابات الاخيرة".

بين كيسينجر، الذي يقترح اسئلة لحوار غائب حول السياسة الخارجية الاميركية، وعجمي الذي يعتقد ان ادارة اوباما تخلت عن مسؤوليات اميركا حول العالم واستبدلتها بمصالح انتخابية محلية ضيقة، يبدو جليا ان سياسة واشنطن الخارجية تتخبط في عهدة باراك اوباما، على الاقل بشهادة اثنين من ابرز شخصيات هذه السياسة. فهل يستمع اوباما. وهل تعمل ادارته على ربط مصالحها الاستراتيجية بالربيع العربي؟ ام انها تتخلى عن مصالحها حول العالم، وفي خضم ذلك، تترك الربيع العربي يتحول خريفا، بل شتاء قارسا جدا ودمويا، خصوصا في الحالة السورية.

الأربعاء، 4 أبريل 2012

لندن تقود «المواجهة» ضد المجازر التي ترتكبها قوات الأسد بحق المدنيين

| واشنطن من حسين عبدالحسين |

قالت مصادر اميركية متابعة للوضع في سورية ان «بريطانيا تتقدم بين دول العالم لقيادة ردة الفعل العالمية تجاه المجازر التي ترتكبها قوات (الرئيس السوري بشار) الاسد في حق المدنيين السوريين المطالبين بانهاء حكمه». وتعزو المصادر القيادة البريطانية الى تراجع اميركي وفرنسي، ربما بسبب الانتخابات الرئاسية المقبلة في باريس الاسبوع المقبل وفي واشنطن في نوفمبر.
وتضيف المصادر ان بعض الدول العربية المعنية صارت في مراحل متقدمة من التنسيق مع البريطانيين لما يمكن للندن ان تقدمه لقلب الميزان العسكري داخل سورية لمصلحة الثوار، وفي اسرع وقت ممكن.
على صعيد متصل، توصل عدد من المراقبين الاميركيين الى نتيجة مفادها ان ادارة الرئيس باراك اوباما لا تنوي التورط في سورية ابدا، ولا هي وضعت، منذ اندلاع الثورة المطالبة بانهاء حكم الاسد، اي خطط للتعاطي مع كيفية الخروج من الازمة، او التعامل مع نتائجها.
ولأن سياسة اوباما تجاه سورية تقضي بالجلوس والتفرج، فان مسؤولي الادارة الاميركية يرتجلون المواقف التي تتراوح في تناقضها بين الجزم بقرب انهيار الاسد، وبين الحديث عن استمرار تماسك النظام واجهزته العسكرية والامنية.
اسباب اصرار اوباما البقاء بعيدا عن الشأن السوري غير واضحة كذلك. في بدايات الثورة، كثر الحديث عن تأييد اللوبي الاسرائيلي في العاصمة الاميركية لبقاء الاسد ونظامه خوفا من تبعثر ترسانة الاسد من الاسلحة الكيماوية، ووصولها الى ايدي ارهابية. كذلك صدرت مواقف ضمنية موالية لاسرائيل تحذر من مغبة وقوع صواريخ ستريلا الروسية المحمولة على الكتف والمضادة للطائرات الى الايدي المعادية لاسرائيل نفسها.
بيد ان مواقف لاحقة من مؤيدي اسرائيل الاميركيين اظهرت ان لا خوف من الترسانة الكيماوية التي لا يمكن تحريكها من مخازن اسلحة الجيش السوري بعيدا عن اعين الاستخبارات، فضائيا وارضيا، لضخامتها. اما الصواريخ المضادة للطائرات، فهناك اعتقاد ان ايران تملك مخزونا منها، زودت منها في الماضي ومازالت متسعدة لتزويد «حزب الله» اللبناني لعرقلة التفوق الجوي الاسرائيلي في حال اندلاع مواجهة بين الطرفين، وان اسرائيل قادرة على التعامل معها.
مع ظهور اللامبالاة الاسرائيلية تجاه احتمالات انهيار الاسد او بقائه، اطل المسؤولون الاميركيون بمجموعة مستحدثة من التحذيرات، تصدرها موضوع الانقسامات الطائفية لمرحلة ما بعد الاسد، وخوف الاقليات، واحتمال اندلاع حرب اهلية طويلة الامد. وفي مرحلة لاحقة، اضاف المسؤولون في ادارة اوباما تحذيرات من القوة العسكرية للأسد التي تتضمن، حسب قائد الاركان مارتن ديمبسي، جهازا للدفاع الجوي يتفوق على نظيره الليبي بخمسة اضعاف.
لم تقنع مخاوف ادارة اوباما من القوة العسكرية السورية احدا من المراقبين او السياسيين الاميركيين، فشن السناتور الجمهوري المخضرم جون ماكين حملة لاقناع الادارة بضرورة تقديم المعونة العسكرية للثوار وتوجيه ضربة جوية الى قوات الاسد تصل الى حد فرض حظر جوي على حركة قواته. وفي وقت لاحق، قام ماكين وزملاؤه الجمهوري ليندسي غراهام والمستقل جو ليبرمان بتقديم مشروع قانون امام مجلس الشيوخ للتصديق عليه، يقضي بدعوة اوباما رسميا للتدخل عسكريا في سورية.
هنا بدأت ادارة اوباما بالتهويل من العواقب السياسية للتدخل العسكري الاميركي، واطل وزير الدفاع ليون بانيتا ليقول ان التدخل في سورية يحتاج الى التنسيق مع حلفاء واشنطن والى بناء تحالف دولي واسع، وهو ما يحتاج الى وقت، ربما الى ما بعد نوفمبر المقبل موعد الانتخابات الاميركية.
متابعون يقولون ان السناتور ماكين، لدى سماعه حديث بانيتا عن الحاجة الى تحالف دولي كشرط مسبق للتدخل الاميركي العسكري في سورية، علق ساخرا، «هل يحتاجون (ادارة اوباما) الى اكثر من 70 دولة» في اشارة الى اجتماع «اصدقاء سورية» الذي انعقد في تونس اولا، وفي اسطنبول ثانيا.
وتترافق حملة ماكين لحضّ اميركا على التدخل عسكريا مع بلوغ التغطية الاعلامية الاميركية للوضع السوري ذروتها، للمرة الاولى منذ اندلاع الثورة قبل عام، اذ يندر ان تخلو نشرة تلفزيون اخبارية او اي من الصحف الرئيسية الاميركية من اخبار وتحليلات للوضع السوري، حتى ان الصحف الكبرى، مثل «واشنطن بوست»، تبنت في اكثر من افتتاحية موضوع توجيه ضربات اميركية جوية لقوات الاسد، وتسليح الثوار لحسم الموقف لصالحهم.
لكن في ضوء اصرار اوباما على تجاهل احتمال اي تدخل دولي عسكري في سورية، وهو غير ممكن من دون قيادة اميركية على الاقل في المراحل الاولى كما حصل في ليبيا، لا يبدو ان اي من الدعوات السياسية والصحافية داخل واشنطن ستلقى آذانا صاغية لدى الرئيس الاميركي الذي يصب كل اهتمامه على حملة اعادة انتخابه رئيسا.
وحتى يتغير موقف اوباما، سيستمر مسؤولوه باطلاق المواقف والتحليلات وعكسها، فنرى سفير اميركا لدى سورية، المقيم في واشنطن حاليا لاسباب امنية، يكرر عدم نية العالم التدخل العسكري في سورية، ويحذر من مغبة الحرب الاهلية، ويطالب بحصر الحلول بموافقة الاسد طوعيا التخلي عن السلطة، او حتى مشاركتها مع معارضيه، وفق جدوله الزمني الذي يرتضيه، في خطة لا تبدو مختلفة بتاتا عن الخطة الروسية التي تطالب الاسد باجراء اصلاحات شكلية وتمنع اي تدخل عسكري في سورية.
وفيما يدعو فورد الى الحوار بين المعارضة والاسد، تكرر كلينتون في اسطنبول اصرار بلادها على رحيله، فيما يكرر مسؤولون آخرون تأييد بلادهم لخطة مبعوث الامم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي انان، والتي لا تتحدث عن رحيل الاسد على عكس ما اعلنته كلينتون.
«خسرنا 5 آلاف جندي، وانفقنا اكثر من تريليوني دولار، ومكثنا عقدا من الزمن في العراق، واليوم تأتي ادارة اوباما لتقول لنا ان علينا مراعاة وضع (رئيس حكومة العراق نوري) المالكي ومراعاة علاقاته الضرورية جدا مع ايران»، يقول مسؤول رفيع المستوى في الحزب الجمهوري من المعارضين لما يسميها «اللاسياسة الخارجية لاوباما». واذا كانت حال سياسة اميركا في العراق، الاهم بكثير استراتيجيا من سورية، حسب المسؤول نفسه، «على هذا الشكل المزري، فماذا نتوقع من سياسة اوباما في سورية»؟