الخميس، 31 يناير 2013

انتخابات أميركا المتواصلة وفوضى “الربيع العربي”

حسين عبد الحسين

في الوليمة التي يعقدها الكونغرس تقليديا على شرف الرئيس الأميركي كجزء من احتفالات يوم قسم اليمين، جلس نائب الرئيس الأميركي جو بايدن يتمتع بوجبة فاخرة من لحم الجواميس الأميركية، محاطا بأعضاء من مجلس الشيوخ وأصدقاء، وقال: “عجبي ما الذي سيطعموننا إياه في عام 2016″.

كانت تلك أبرز إشارة حتى الآن من نائب الرئيس الأميركي، انه لا ينوي التقاعد مع نهاية ولاية الرئيس باراك أوباما الثانية في عام 2016، بل ينوي الترشح لمنصب الرئيس والمشاركة في الوليمة المقبلة.
وفي المقابلة المشتركة لأوباما ووزيرة خارجيته المتقاعدة هيلاري كلينتون على برنامج “60 دقيقة” الشهير، يوم الأحد، لم يتوان مقدم البرنامج ستيف كروفت عن السؤال حول امكانية ترشح كلينتون لمنصب الرئاسة في عام 2016، ومعرفة ما اذا كان أوباما سيتبنى ويدعم هذا الترشيح. على أن الاثنين، اوباما وكلينتون، رفضا تقديم أي إجابة قاطعة في هذا الشأن.

في هذه الاثناء، أعلن اوباما انه بدلا من ان يحل ماكينته الانتخابية، قام بتحويلها إلى جمعية دائمة تحمل اسم “أوباما من أجل أميركا”. أما أبرز أهداف هذه الجمعية فهو تقديم الدعم السياسي الشعبي للرئيس الأميركي، ومن بعده استخدام خبرتها الواسعة بعد انتصارها الانتخابي الباهر العام الماضي، في خدمة المرشح الديمقراطي الرئاسي المقبل.

الحزب الجمهوري المنافس لأوباما وحزبه الديمقراطي يستعد بدوره لانتخابات الكونغرس للعام المقبل، كما لانتخابات الرئاسة لعام 2016. وفي هذا السياق، يبدو أن الجمهوريين ادركوا أن جنوحهم كثيرا نحو اليمين تسبب لهم بمشاكل مع الناخبين ومع بعض قاعدتهم الشعبية، فعمد الحزب، وبهدوء، الى التخلي عن “تحديد سقف الدين العام” الذي تفرضه الأكثرية الجمهورية في الكونغرس، في وقت قام الشيوخ من الحزب بالتوصل مع نظرائهم الديمقراطيين الى تسوية لإصلاح قانون الهجرة على أمل أن يساهم التراجع عن التطرف اليميني في هذا الموضوع الى تحسن شعبية الحزب مع الكتلة الأميركية الناخبة من أصول لاتينية.

كل هذه الاستعدادات الأميركية الانتخابية وبالكاد مضى ثلاثة أشهر على الانتخابات الماضية، وهو ما دفع المعلق في صحيفة “بوليتيكو جيم فانديهي” الى القول إن “الديمقراطية الأميركية تحولت الى عملية انتخابية متواصلة”.
صحيح أن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة عمدوا الى تقصير مدة ولاية عضو الكونغرس إلى عامين لإجباره على الالتصاق بقاعدته عن طريق الاستعداد المتواصل للانتخابات، الا انهم على الارجح لم يتصوروا ان الحياة السياسية في البلاد ستتحول الى حملة انتخابية متواصلة، وان كل سياسي صار يندر أن يقدم على أي خطوة يعتبر أن من شأنها أن تهدد مسيرته السياسية وحظوظ حزبه في الحكم.
باحثون أكاديميون أميركيون اعتبروا أن سبب “الوضع الانتخابي المتواصل” يعود الى الثورة في قطاعي الاعلام والاتصالات، معززة بثورة رقمية وانفجار في موقع التواصل الاجتماعي، ما جعل غالبية الأميركيين اكثر مشاركة في كل شاردة وورادة في شؤون الحكم والدولة.

هذه الثورة في مواقع التواصل الاجتماعي هي نفسها التي يعتقد البعض انها ساهمت في تفجير “الربيع العربي”.
مصر، على سبيل المثال، هي في نقاش دستوري وانتخابي متواصل منذ يناير (كانون الثاني) 2011، والمصريون ذهبوا إلى صناديق الاقتراع أربع مرات حتى الآن منذ ذلك التاريخ.
الا أن المشكلة في مصر هي أن عددا كبيرا من المصريين لم يتقبلوا حتى الآن نتائج أي من الاقتراعات الشعبية الأربعة، فاقترعوا واستمروا في الوقت نفسه في تظاهراتهم المعارضة في غالبها للرئيس المنتخب محمد مرسي وحكومته ودستوره.

وحتى تصبح الديمقراطية المصرية اكثر نجاحا، على الخاسرين في أي اقتراع شعبي بدء الاستعدادات فورا للاقتراع الشعبي المقبل، والافادة من التجربة السابقة، والبحث عن الدوائر الناخبة التي لم يحرزوا فيها نجاحات لمعالجة مكامن الخلل، وتصحيح رسالتهم وأدائهم بطريقة تتناسب أكثر وهؤلاء، وربما تستقطبهم في الانتخابات المقبلة.
هكذا، تصبح الديمقراطية المصرية في حالة انتخابية دائمة ويبقى السياسيون، الحاكمون ومعارضوهم، في حالة تأهب دائمة بهدف استرضاء الناخبين، وهو ما يؤدي من دون شك إلى تحسين أداء السياسيين ونتائج قراراتهم.
أما أن تعمل الديمقراطية المصرية جنبا إلى جنب والربيع الثوري، كما هي الحال اليوم، فلا يبدو أن النتائج ستكون اكثر من الفوضى المتواصلة في الشارع المصري، ترافقها تخبطات في قرارات حكام مصر الذين يتراجعون عن مراسيمهم وقراراتهم بأسرع مما يتخذونها.

هكذا قضت الطائفية على الديموقراطية في لبنان

بقلم حسين عبدالحسين -واشنطن

في ديموقراطيات العالم البرلمانية، عندما يتعذر الاتفاق، تذهب الحكومة الى انتخابات. في لبنان لا تُجرى الانتخابات قبل التوصل الى اتفاق. هذا التباين قد يبدو طفيفا، لكنه يعكس عمق الاختلاف في فهم الديموقراطية بين الغرب والعرب.
يبدو ان اساس الاختلاف هو مبدأ "الحرية الفردية" (Liberty) الحاضر في الغرب، والغائب عند العرب.
مفهوم الحرية الفردية بدأ مع الثورتين الاميركية والفرنسية نهاية القرن الثامن عشر. ويعتقد البعض انه نتيجة الثورة الصناعية، التي اعطت الفرد استقلالا ماليا عن الجماعة، وتاليا استقلالا في الرأي، فتحول العقد الاجتماعي، او دستور الدولة، من علاقة بين حاكم ومجموعة من الاقطاعيين من مالكي الارض والبشر، الى علاقة بين الحاكم والافراد المستقلّين ماديا ومعنويا. 
وبسبب الطفرة السكانية الناتجة عن النهضة الصناعية والاقتصادية، صار متعذرا على الاقطاعيين الامساك بالكتل السكانية الضخمة، بل صار المطلوب استفتاء شعبيا يحصي الرأي العام، ويمنح الحاكم تفويضا زمنيا محددا، ويجعله مسؤولا في اعماله امام ناخبيه، حتى لو جاء التفويض غير مباشر ومن طريق نواب كما في الديموقراطيات البرلمانية.
ومسؤولية الحاكم الاوروبي لم تعد مطلقة كما كانت عليه من قبل، بل صارت تقتصر على ادارة امور معينة في الشأن العام، وتمييزها عن الحيز الخاص، فيما كان للحاكم قبل الثورة الصناعية وقبل ظهور مبدأ "الحرية الفردية" الحق في املاء ما يرغب حتى في الشؤون الشخصية مثل الزواج والمعتقد الديني، وكان الناس حكما على مذاهب ملوكهم، وهذا ما دفع الى هجرة اوروبية واسعة في اتجاه العالم الجديد، اي القارة الاميركية، هربا من الاضطهاد الديني وغياب الحق في تملك الاراضي وانعدام الحقوق الانسانية والسياسية.
ولعبت النوادي والجمعيات النخبوية، العلنية والسرية كالماسونية، دورا كبيرا في نشر فكر فصل الدين عن الحكم، وهو ما يظهر بارزا في معتقد الماسونيين الذين ينظرون الى الافراد كاحجار متساوية، بغض النظر عن دينهم، فيما من المفروض ان يلعب الانتساب الى هذه الجمعيات دورا في صقل هذه الاحجار فكريا وحضاريا، مع ان الماسونيين تعثروا في تبنيهم المتأخر للمساواة العرقية والجندرية.
اذن "الحرية الفردية" هي في صميم العقد الاجتماعي الديموقراطي، وهي تسمح بتحويل الرعايا مواطنين، متساوين امام القانون، ويتمتعون بحرية فكرية ومادية ومعنوية، ويختارون الحاكم الذي يتناسب مع آرائهم ومصالحهم. هكذا انحلت العصبية الاثنية والعرقية والدينية القبلية، وتم استبدالها بعصبية حزبية قائمة على افكار ومبادئ ومصالح، والاحزاب الغربية - على عكس العربية - ليست مبنية على جماعات، بل في الغالب على افراد يتشاركون في الرؤى والطموحات.
وفي الولايات المتحدة فئة من غلاة "الحرية الفردية" تعرف بـ (Libertarians)، ابرزهم المرشح الجمهوري الى الرئاسة رون بول، وهؤلاء يتمسكون بهذا المبدأ الى حد انهم يعادون مبدأ الحكومة نفسه ويطالبون بحكومة اصغر، او لا حكومة بالمطلق.
هكذا، فيما تؤدي المغالاة في "الحرية الفردية" الى القضاء على الحكومة المنتخبة وتاليا حكم الاكثرية او الديموقراطية، يؤدي غياب "الحرية الفردية" كذلك الى القضاء على مبدأ المواطن، الذي يذوب في الجماعة، وهي لدى العرب تأخذ اشكالا دينية وعرقية، وتنظم نفسها بطريقة قبلية. 
هذا ما يجعل من العقد الاجتماعي للدول العربية، مثلاً في لبنان والعراق، عقدا بين حكام الجماعات، يتقاسمون بموجبه واردات الدولة، الضريبية او النفطية او بالاستدانة، ويستخدمونها لانشاء شبكة من الموالين، ظاهرها مذهبي اوعرقي وواقعها نفعي ريعي.
وفي الماضي، كان من الاسهل ان تغطي الشبكة الريعية الطائفية معظم الرعايا، ولكن بدءا منذ نصف القرن الاخير و الانفجار السكاني العربي، صار يتعذر اشراك ابناء المذهب الواحد في شبكة واحدة، وصار من الصعب لزعيم الشبكة الانفراد بزعامته نظرا الى بروز منافسين، فكان لا بد من ابقاء العصبية قائمة حتى مع تضخم حجم القبيلة. اما الوسيلة الاسهل للابقاء عليها فهي استخدام عنصر "التخويف من الآخر".
سياسة التخويف هذه يستخدمها حتى بعض الساسة الغربيين. في اوروبا هناك تخويف دائم من الوافدين المقيمين، خصوصا من الدول الاسلامية، وكذلك في الولايات المتحدة، على ان خطاب بث الذعر العنصري ما زال هامشيا، ولا يحوز على اكثر من حفنة مقاعد برلمانية يختلف عددها باختلاف الدول الغربية وتجاربها مع الهجرة.
اما في دنيا العرب، فخطاب بث الذعر الطائفي او العنصري هو في صميم "الديموقراطية" العربية. وحتى يستمر هذا التخويف، وبالتالي العصبية القبلية التي تنتج عنه، لا بد من الحفاظ على الاساطير المؤسسة لهذه الجماعات. 
من هذا القبيل، تتم استعادة اسباب الخلاف السني - الشيعي، على سبيل المثال، وهو خلاف عمره قرابة الفية ونصف، ولكن هذا الانقسام غالبا ما يعلو ويخفت، حسب حاجة ارباب القبائل، فهذا الخطاب تراجع كثيرا ابان صعود المشاعر القومية للدول العربية وايران وتركيا بداية القرن الماضي، ثم ما لبث ان عاد مع نهاية القرن لاسباب مختلفة.
والمفارقة في خطاب التخويف انه لا يلحظ اي انقلاب في الصورة. مثلا يحافظ الشيعة في لبنان على ادبيات المظلومية والمحرومية، على الرغم من انهم في طليعة المجموعة الحاكمة اليوم. كذلك يحاول التيار التابع للنائب ميشال عون الحفاظ على خطاب "الاحباط او التهميش" المسيحي، وغالبا ما يحاول الثأر لهذا "التهميش" من المجموعة السنية في لبنان، مع العلم ان لدى عون 10 وزراء في الحكومة منذ سنتين، فيما التيار السني التابع لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري خارج الحكم، والحريري خارج البلد قسرا.
ان غياب المواطنين المتمتعين بالحرية الفردية مسخ الديموقراطيات العربية، ومنها اللبنانية، التي تسمي نفسها احيانا "ديموقراطيات توافقية"، وفي هذا تناقض لان الديموقراطية هي حكم الاكثرية فيما التوافقية هي الحكم بالاجماع. 
وغياب الحرية الفردية في لبنان قوّض مفهوم الانتخابات والبرلمان، الذي صار هامشيا مقارنة بالمجالس القبلية، كطاولة الحوار او لجنة مناقشة قانون الانتخابات، ما جعل الاتفاق القبلي شرطا لحصول الانتخابات البرلمانية او لاي عملية تصويت داخل مجلس النواب، وما جعل الخلاف القبلي سببا لعدم حصول الانتخابات، او حتى لاغلاق مجلس النواب بالكامل مثلاً في الاعوام 2006 و2007 و2008.
هذا الغياب للحرية الفردية قضى على الديموقراطية اللبنانية، ان وجدت، فالانتخابات وحدها في لبنان لا تحدد وجهة البلد سياسيا او اقتصاديا او استراتيجيا، بل صارت تحددها مجموعة عوامل قبلية مثل تعداد افراد القبيلة الطاغية، ونفوذها المالي، وقوتها المسلحة، التي تتقدم على مبادئ الديموقراطية البرلمانية.
وغياب الديموقراطية البرلمانية غيّب بدوره الخطاب الانتخابي المطلوب، والذي من المفترض ان يتركز على تقديم المرشحين المختلفين، فرادى او مؤتلفين، لرؤيتهم وخطتهم لمستقبل لبنان في المديين المتوسط والبعيد، والخطوات المطلوبة لادراك هذه الرؤى. كذلك انقلب الحوار في الجمهورية اللبنانية حفلات عتاب واتهامات وتخوين وتخويف وتحفيز طائفي ابتلع الدولة ومؤسساتها، كما المجتمع ومؤسساته، وصار يصعب معرفة كيف يمكن كسر الحلقة القبلية الطائفية والخروج منها الى ديموقراطية فعلية.

كيري: «أناس في الخليج» يسلّحون «النصرة» وإذا انهارت سورية فسيكون لدينا خطر أكبر من «الكيماوي»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

حسم المرشح الى منصب وزير الخارجية الأميركي السناتور جون كيري الجدل الدائر حول موقفه تجاه إيران بالقول انه سيتبنى سياسة الرئيس باراك اوباما التي تقول بضرورة منع إيران من حيازة السلاح النووي، ومعارضة مبدأ «الاحتواء» او «التعايش مع» إيران نووية. لكن كيري لم يغلق الباب امام التوصل الى حل ديبلوماسي مع الإيرانيين، حتى لو تطلب ذلك حوارا ثنائيا بين واشنطن وطهران، شريطة ألا «يخطئ احد الفارق بين الديبلوماسية وبين تصميم أميركا على تقليص الخطر النووي».
وكان لافتا ان كيري لم يتطرق في شهادته الى الوضع في سورية، ولكنه اضطر الى تقديم اجابات حول اسئلة اعضاء اللجنة في هذا السياق، وبدا مرتبكا، وكرر العموميات التي يطلقها المسؤولون الأميركيون حول سورية. وما قاله كيري ان الرئيس السوري «بشار الأسد فوت فرصة تاريخية، وان عليه ان يتنحى اليوم، وان ذلك يتم من خلال اقناعه ان لا مفر من رحيله، وعبر التنسيق مع الروس والاطراف الدولية من اجل تأمين انتقال منظم للسلطة».
ووجه كيري اصابع الاتهام الى من اسماهم «اناس في الخليج» بتزويد «جبهة النصرة»، الذي وضعته وزارة الخارجية على لائحة التنظيمات الارهابية أخيرا، بالاسلحة. وقال كيري ان الروس يؤيدون رحيل الأسد، لكنهم يختلفون مع الأميركيين في شأن التوقيت وطريقة الرحيل، وهو ما دفع السناتور الجمهوري جون ماكين الى التهكم حول هذه النقطة، والقول انه لو كان الروس يريدون رحيل الأسد، لما استمروا بدعمه في السلاح وفي مجلس الأمن.
وفي شهادته امام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، اثناء جلسة الاستماع من اجل المصادقة على تعيينه اول من امس، قال كيري: «علينا ان نتوصل الى حلول للاسئلة التي تحيط برنامج إيران النووي». واضاف: «الرئيس اكد اننا سنفعل ما علينا فعله من اجل منع إيران من حيازة سلاحا نوويا».
وتابع كيري: «أكرر هنا اليوم، سياستنا ليست الاحتواء، بل المنع، وعقارب الساعة تدق في مساعينا لتأمين تجاوب (إيراني) مسؤول». وقال كيري: «هذه الادارة، بالعمل مع الكونغرس وبتحالف دولي غير مسبوق، وضعت عقوبات ادت الى شلل في إيران، والرئيس اوباما قال مجددا ومجددا انه يفضل حلا ديبلوماسيا لهذا التحدي، وانا سأعمل لاعطاء الديبلوماسية كل فرصة كي تنجح، ولكن يجب ألا يخطئ أحد الفارق بين الديبلوماسية وبين تصميم أميركا على تقليص الخطر النووي».
كيري أشار الى حادثة احراق الشاب التونسي محمد بوعزيزي لنفسه من دون ان يسميه، واشاد بالشباب المصري الذي قاد الثورة في ساحة التحرير، وقال ان هؤلاء أرادوا التغيير، ولم يكونوا «حركة اسلامية».
رئيس اللجنة السناتور الديموقراطي روبرت مينندز كان افتتح جولة الاسئلة بسؤال حول إيران، وقال ان «إيران تزعم انها تريد يورانيوم مخصباً بدرجات عالية من اجل برنامج سلمي، لكن دولة تريد برنامجا كهذا لا تتصرف كإيران»، وتابع «تحت قيادتكم، هل ستتابعون برنامج العقوبات بالتعاون مع الكونغرس»، فاجاب كيري: «نعم». وأضاف: «سيكون اساسيا ان يتجاوب الإيرانيون تجاوبا كاملا، والرئيس قال انه مستعد للحوار، حتى لو كان ثنائيا، والجميع يأمل انه يمكن تحقيق تقدم على الصعيد الديبلوماسي».
ثم توجه كيري الى النظام الإيراني بالقول: «انا اقول هذا للإيرانيين، لقد اعترفوا بسلمية برنامجهم النووي، ولا صعوبة في اثبات ذلك، دول اخرى فعلت ذلك (قبلهم)، وهو يتطلب تفتيشا دقيقا من قبل وكالة الطاقة الذرية». وتابع: «حتى الدول التي تدعم إيران كالصين وروسيا، تؤيد موقفنا هذا، واقول للإيرانيين ان لا أجندة لدينا، واذا كان برنامجهم سلميا، فيمكنهم ان يثبتوا ذلك».
كبير شيوخ الحزب الجمهوري في اللجنة السناتور عن ولاية تينيسي بوب كوركر تطرق الى الموضوع السوري بالسؤال: «لقد أمضيت وقتا كثيرا مع (بشار) الأسد في سورية في محاولة لتقريبه الى التحالف الغربي، واعلم انه كان يعتقد نفسه جسرا مع إيران، هل كان هناك اي شيء من تلك الحوارات معه يمكنك الافادة منها اليوم؟».
وأجاب كيري: «نعم، في بعض الاوقات هناك ما يمكن فعله في السياسة الدولية، لكن ان مرت اللحظة، تضيع الفرصة». واضاف: «كانت هناك لحظة لسورية، الرئيس الأسد قال لي لدي 500 الف شاب يوميا لا عمل لديهم وعلي ان اغير. كان يحاول ايجاد طريقة مع الغرب. التاريخ تغير، وهو قام بقرارات خاطئة ومدانة، ولا اعتقد انه يمكن له البقاء رئيس دولة في سورية، حتى الروس قالوا انهم يعتقدون ان المعارضة تفوز، وقاموا باخراج مواطنيهم».
وسألت السناتور جين شاهين (زوجها من اصول لبنانية): «ما المرحلة النهائية لسورية، ماذا يحصل للاسلحة الكيماوية في حال سقوط الأسد؟ في ليبيا هناك حديث عن اسلحة القذافي وقعت في ايدي ارهابيين، وهناك مجهود دولي لتأمين هذه الاسلحة بعد سقوط الأسد. كيف ترى شكل التحالف الذي سيقوم بذلك؟».
ورد كيري بالقول: «سياسة الرئيس واضحة، لدينا دلائل انهم يستخدمون، او سيستخدمون (الاسلحة الكيماوية)، والادارة تعد خطط طوارئ مع الحلفاء في المنطقة ومع تحالف الاطلسي». واضاف: «لا استطيع الحديث عن ذلك لان لا معلومات لدي بعد ولكني اعلم انهم يضعون الخطط. مرة اخرى، لا اعرف التفاصيل، واعرف انه كان هناك حديث مع الروس عندما كان هناك تحريك للاسلحة واعتقد ان هناك قلقاً في كل مكان من ذلك».
وقدم كيري قراءته للوضع السوري فقال: «نحن نحتاج الى تغيير حسابات بشار الأسد. الآن الأسد لا يعتقد انه يخسر، والمعارضة تعتقد انها تربح، وهذه ليست معادلة تسمح بالتوصل الى تسوية لانتقال (السلطة).» واضاف: «هدف ادارة اوباما والمجتمع الدولي هو نوع من الانتقال المنظم، والمبعوث الثاني الاخضر الابراهيمي منخرط، بعد كوفي انان، والاثنان وجدا ان لا نية للحوار». 
ومما قاله كيري ايضا ان «الروس لديهم نية في رحيل الأسد، ولكن لديهم رأياً مختلفاً حول التوقيت والطريقة»، وانه عندما يصبح وزيرا للخارجية، سيعمل على «جس النبض، ونرى اين نحن؟... وعلينا ان نفهم ما تأتي عليه الخطة الاولى والثانية والثالثة خصوصا عند الحديث عن النصرة والقاعدة (التي تأتي) من العراق».
إلا ان ماكين الذي يؤيد تدخلاً أميركياً في سورية الى جانب الثوار، خالف كيري، وقال: «في سورية نزرع الريح، وسنحصد العاصفة، والعاصفة ستكون عندما ينتشر تنظيم القاعدة». وأضاف ماكين متوجها الى كيري: «اقدر تفاؤلك بخصوص الروس، لكنهم يزودون (الأسد) بالاسلحة ويحمونه في الامم المتحدة، وسياسة بوتين نفسها في روسيا مشكلة، لا اعتقد ان المطلوب في سورية هو المزيد من الحوار، بل علينا ان نقول لهم اذا كان هناك حظر جوي ام لا حتى يعرفوا كيف يدافعون عن انفسهم؟». 
وتابع ماكين: «لقد عقدنا الكثير من الحوارات وجلسات الاستماع، ولم نفعل شيئا، 60 الفا في عداد الاموات، و22 شهرا، وكل ما يأتيني من الادارة هو ان سقوط الأسد محتم. انا أوافق على ذلك، ولكن ماذا سيحصل في هذه الاثناء؟ يمكننا فعل المزيد من دون ارسال جنود على الارض لإيقاف هذه المجزرة، والا يحكم علينا التاريخ، واحثك على البحث عن سياسة مختلفة».
بدوره أجاب كيري: «جون، انا وانت تحدثنا عن هذا بالتفصيل. اريد ان اقول لك ان لا تفاؤل لدي من الروس، الطريقة الاسهل للحل هو ان يحضّوا الأسد على تغيير حساباته. ما يقلقني هو انه اذا انهارت الدولة، لا احد يعرف كيف يعيدها وسيكون لدينا خطر اكبر مع الاسلحة الكيماوية».
ووجه كيري اصابع الاتهام الى من اسماهم «اناس في الخليج» لدعمهم «تنظيم النصرة» في سورية بالسلاح، وقال ان هؤلاء «لا يترددون في ارسال الاسلحة، والنصرة دخلت المعادلة والحركة على الارض اسرع من حركة السياسة، وهو ما يعقد الامور اكثر، وما يقلقني ايضا هو عمق الانقسام الطائفي، السنة، الشيعة، وآخرون، 74 في المئة من سورية مسلمون، يعني 16 في المئة علويين وبعض الشيعة، العلويون 13 في المئة، المسيحيون 10 في المئة، الدروز 3 في المئة. هذه هي المخاطر، ولا يمكن لأحد القول كيف ستتجه الامور؟، ولكن بغض النظر عن توجهاتنا الحزبية، علينا التفكير بمصلحة الولايات المتحدة وبمصلحة أصدقائنا كإسرائيل، وان نتوصل الى معادلة يمكن تطبيقها». 
هنا ختم ماكين: «كل يوم في سورية هو الى الاسوأ، لذا يبدو لي ان السياسة الحالية لا تعمل وعلينا ان نفكر في احتمالات اخرى، وسأقدر كثيرا لو قمت انت بانتهاج سياسة جديدة».

الأربعاء، 23 يناير 2013

كلينتون: لم نكن نعلم أن مبارك والقذافي وبن علي... سيرحلون

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

في اطلالتها الاخيرة في منصبها وزيرة للخارجية، قالت هيلاري كلينتون ان «الثورات العربية خلطت موازين القوى وحطمت القوى الامنية في انحاء المنطقة، ولم نكن نعلم ان مبارك والقذافي وبن علي سيرحلون» واوضحت في جلسة استماع امام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، امس، ان «عدم الاستقرار في مالي خلق منطقة آمنة للارهابيين الذين يتطلعون الى بسط نفوذهم والى تخطيط هجمات اكثر من النوع الذي شاهدناه الاسبوع الماضي في الجزائر».لكن على عكس العقد الماضي عندما كانت واشنطن تنبري لضرب مناطق «الارهابيين الآمنة» بتدخلها عسكريا، لا يبدو ان الولايات المتحدة اليوم تنوي استخدام قوتها، بل تعمل على «تحصين» بعثاتها الديبلوماسية والمنشآت التي يقيم فيها اميركيون حول العالم.
وفي هذا السياق، قالت كلينتون: «كما تعهدت لكم في رسالتي الشهر الماضي، التنفيذ بدأ على صعيد التوصيات الـ 29، وفرقنا بدأت بترجمتها الى 64 امر عمليات، وكل هذه الاوامر تم تكليفها الى مكاتب ودوائر معينة (في وزارة الخارجية)، مع جداول زمنية للتطبيق». واضافت ان «85 في المئة من هذه الاوامر تم تنفيذها، وان التنفيذ الكامل سيتم مع نهاية مارس».
الجلسة انعقدت برئاسة رئيس اللجنة الجديد السناتور الديموقراطي عن ولاية نيوجيرزي روبرت منيندز، والذي خلف جون كيري الذي سيمثل امام اللجنة، اليوم، في جلسة استماع للمصادقة على تعيينه وزيرا للخارجية خلفا لكلينتون.
واستذكرت كلينتون احداث الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي في 11 سبتمبر الماضي، والذي راح ضحيته السفير كريس ستيفنز وثلاثة اميركيين آخرين، وقالت انها في ذلك اليوم كانت في الوزارة تتابع وفريقها عن كثب اوضاع التظاهرات امام السفارة الاميركية في القاهرة، وانها كانت على اتصال دائم مع الرئيس باراك اوباما واعضاء «مجلس الامن القومي» ورئيس الاركان الجنرال مارتن ديمبسي.
وتأثرت كلينتون لدى حديثها عن استقبالها التوابيت التي حملت جثث ستيفنز ورفاقه، الى جانب الرئيس الاميركي، ومحاولتها مواساة اهلهم واقاربهم.
بيد ان بعض الشيوخ من اعضاء اللجنة من الحزب الجمهوري حاولوا الهجوم على كلينتون حول ما أسموه «عدم الاستعدادات» الاميركية قبل وقوع هجوم بنغازي، وهي تهمة وجهها كبير الجمهوريين في اللجنة، والذي تسلم منصبه للمرة الاولى امس، السناتور عن ولاية تينيسي بوب كوركر.
الا ان كلينتون ردت بقوة معتبرة ان احداث العالم العربي برمتها فاجأت الجميع، وقالت: «عندما كنت هنا في جلسة الاستماع للمصادقة على تعييني وزيرة للخارجية قبل اربع سنوات، لم يكن احد يعرف ان (الرئيس المصري السابق) حسني مبارك سيرحل، وان (العقيد الليبي معمر) القذافي سيرحل، وان (الرئيس التونسي زين العابدين) بن علي سيرحل».
واضافت: «لم يتنبأ احد منا ذلك، ولم يتنبأ احد في تلك البلدان ذلك ايضا».
الوزيرة الاميركية المتقاعدة وصفت الثورات العربية بـ «الفرصة العظيمة»، ولكنها اعتبرتها تحمل «تهديدا» في الوقت نفسه للمصالح الاميركية. وقالت: «هذه الدول لا خبرة لها في الديموقراطية، وقادتها الجدد لا خبرة لهم في ادارة الدول او قوى الامن، والجهاديون ينتشرون».
وتابعت: «لقد قتلنا عددا كبيراً من قادتهم في افغانستان وباكستان، ولكن علينا ان ندرك ان هذه حركة كبيرة، ويمكن لنا ان نقتل قادة منها، ولكن قبل ان تنشأ ديموقراطيات في المنطقة، ستبقى هذه مشكلة».

أميركا تغلق في مارس «مكتب المفتش العام» الذي كشف فضائح فساد بينها «مخطط الكويت»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

اكثر من 80 من مانحي العقود الحكومية والمتعهدين تمت محاكمتهم بتهم فساد، 22 منهم لضلوعهم فيما عرف بـ «مخطط الكويت»، و91 آخرين مازالوا قيد التحقيق، فيما نجحت الحكومة الاميركية في استعادة قرابة 200 مليون دولار من الاموال المهدورة، من اصل 60 مليارا انفقتها على برامج اعادة الاعمار في العراق منذ العام 2004.
كل ذلك تحقق بفضل جهود «مكتب المفتش العام لاعادة اعمار في العراق»، الذي انشأته ادارة الرئيس السابق جورج بوش في اكتوبر 2004، والذي سيقفل ابوابه في مارس المقبل مع نفاد الاموال التي يخصصها الكونغرس له سنويا.
ومنذ قيامه، اصدر المكتب 217 تقريرا، و487 توصية، شملت الادارات والمشاريع المختلفة. ويقدر المكتب ان توصياته ساهمت في زيادة فاعلية الاموال المصروفة بواقع مليار دولار، فيما ساهمت في اقتطاع مبلغ 600 مليون دولار «غير لازمة» من الاموال التي كانت مرصودة.
ويتباهى المسؤولون في هذه الوكالة الحكومية بكشفهم ما يسمونه «مخطط الكويت»، لا لتورط كويتيين او الحكومة الكويتية فيه، بل لان كل المشبوهين فيه كانوا او مازالوا يقيمون في الكويت.
وتظهر تقارير «مكتب المفتش العام» ووثائق المحاكمات اللاحقة ان معظم المتورطين تم الحكم عليهم باحكام مختلفة، وبعضهم في السجن اليوم، فيما عدد منهم مازال حرا طليقا، مثل جورج لي، الذي «يعتقد المحققون انه مازال في الكويت، مع الكثير من المال المسروق»، حسب صحيفة «واشنطن بوست».
وحسب الرواية الاميركية، ارسل المتعهد الاميركي المقيم في الكويت جورج لي «ايميل» الى غلوريا دايفيس، وهي برتبة رائد في الجيش الاميركي وتقوم بمنح عقود، حذرها من زيارته، وكتب: «لا احد منا يريد انكل سام (عبارة تستخدم للدلالة على حكومة الولايات المتحدة)، او اي احد آخر، ان ينظروا في امكان من غير المفروض ان ينظروا فيها».
ذاك الـ «ايميل» كان اول خيط قاد «مكتب المفتش العام»، بالتعاون مع «مكتب التحقيق الفيدرالي» (اف بي آي) ووكالات حكومية اخرى، الى المباشرة بالتحقيق، الذي تضمن التجسس على رسائل الكترونية، والتنصت على مكالمات هاتفية، والطلب من مصارف حول العالم كشف حسوبات بنكية للمشبوهين.
وكان لي ودايفيس قد تعارفا للمرة الاولى في العام 2003، في الكويت، بعد فترة قصيرة من تسلم دايفيس منصبها. وفي يناير 2004، منحت دايفيس شركة لي عقدا «يتعلق بالحافلات»، حسب وثائق المحكمة الاميركية.
وفي صيف 2004، توطدت العلاقة بين الاثنين، فتكفل لي بنفقات «علاج المساج» في الكويت للضابطة الاميركية، ثم عين ابنها مسؤولا في شركته، وهي بالتالي منحته خريف 2004 عقدا بملايين الدولارات من اجل تعبئة «المياه المعدنية» للجيش الاميركي، فقدم لها تذكرة سفر درجة اولى الى تايلاند حيث قامت برحلة استجمام، وفتحت اثناءها حسابا مصرفيا باسمها، حولت اليه في ما بعد مبلغ 80 الف دولار.
ومطلع العام 2005، بعد ان انتقل ابن دايفيس للاقامة في الكويت والعمل في شركة لي، كتبت الضابطة الى لي تشكره على «كل ما فعلته لي ولعائلتي»، وعرضت عليه ان «تقوم بما تقدر عليه من جهتها لمساعدة» شركته. وبالفعل، قامت دايفيس بتقديم جورج لي وابنه جاستن الى ضباط آخرين ممن يمنحون عقودا عسكرية.
ومن ابرز من تعرف اليهم جاستن لي الرائد جون كوكرهام، «الذي اصبح بمثابة قائد عصابة لمجموعة من ضباط منح العقود ممن تدربوا في فورت سام هيوستن، في تكساس، وممن اعطوا عقودا كبيرة لعائلة لي، في مقابل رشاوى»، حسب المحققين الاميركيين.
وفي العام 2006، وصلت الرائدة دايفيس الى بغداد في ابتعاث عسكري ثان لها، لكنها لم تكن مدركة ان المحققين الفيدراليين ينتظرونها هناك بعدما وشى بها صاحب احدى شركات التعهدات المنافسة لشركة عائلة لي.
في تلك الليلة، اعترفت دايفيس بتقاضيها رشاوى بلغ مجموعها 225 الف دولار، وصعدت الى غرفتها في الفندق، وانتحرت باطلاقها النار على رأسها من مسدسها العسكري.
وقدم الادعاء العام احكاما بالسجن مدتها اقصر لكل من يعترف بالذنب من افراد مجموعة الفساد في العقود الاميركية، واعترف كوكرهام قائد المجموعة بجمعه اكثر من 9 ملايين دولار من تقاضيه الرشاوى، فيما كان آخر المعترفين، في يوليو الماضي، المتعهد جاستين لي، الذي يقضي حكما بالسجن فيما والده جورج حر ويفترض انه في الكويت.
تقارير «مكتب المفتش العام لاعادة اعمار العراق» مليئة بالروايات حول الفساد الذي رافق حرب العراق، يعزز هذه التقارير تحقيقات ووثائق المحاكمات الاميركية التي ادت الى احكام مختلفة بالسجن وباعادة الاموال المسروقة.
لكن الحرب في العراق انتهت، وحرب افغانستان شارفت النهاية اواخر العام المقبل، ومع انسحاب آخر جندي اميركي من البلدين، ومحاسبة آخر مرتكب في قضايا الفساد المالي، تسعى واشنطن الى اقفال صفحة من الماضي المرير لهاتين الحربين.
ومن المرجح ان يتوقف الكونغرس عن تمويل «مكتب المفتش العام لاعادة اعمار العراق» في شهر مارس المقبل، فيما يقبع بعض الفاسدين في السجن، ويهيم البعض الآخر في دنيا الله الواسعة، الا اذ طالتهم يوما يد العدالة الاميركية، وهي المعروفة بأنها لا تسامح ولا تنسى.

الثلاثاء، 22 يناير 2013

أوباما في طبعته الثانية



حسين عبد الحسين

جيمي كارتر في ذاكرة الأميركيين هو صاحب خطاب “المرض الأميركي” الذي تحدث فيه للأميركيين عن أفول قوتهم، وحثهم على تقنين استخدامهم للنفط. وهو الرئيس الذي أطل عبر التلفزيون مرتديا سترة من الصوف وهو يجلس داخل البيت الأبيض، لأنه أراد أن يجعل من القصر الرئاسي أمثولة للمنازل الأميركية، فيقلص الأميركيون من اعتمادهم على أجهزة التدفئة ويلبسون ثيابا تعينهم على البرد، وذلك من أجل توفير الطاقة.

أما رونالد ريغان، فيعتبره الأميركيون رئيسهم الذي استعاد القوة الأميركية بإعادته الاقتصاد إلى الذروة وإلحاقه الهزيمة بالاتحاد السوفياتي، وتاليا تحقيق الانتصار في الحرب الباردة.

ولا يتذكر الأميركيون أن كارتر هو الرئيس الأميركي الوحيد الذي نجح في رعاية اتفاقية سلام عربية – إسرائيلية، أو أن فريقه هو الذي بدأ مسيرة النهوض الاقتصادية التي اثمرت في عهد ريغان. كذلك لا يتذكر الأميركيون أن ريغان، وهو سبق أن عمل ممثلا من الصف الثاني في هوليوود، كان ساذجا في كل شؤون الحكم الى درجة أنه في خضم اجتماع مهم لمجلس الأمن القومي، التفت الى أحد الحاضرين وقال: “ان وضعت حبة حلوى من اللون الأحمر وأخرى من اللون الأخضر في فمي في نفس الوقت، فأي واحدة تعتقد ان طعمها سيطغى؟”.

تقول البروفسورة في جامعة برينستون آن ماري سلوتر، وهي خرجت للتو من “شعبة التخطيط” في وزارة الخارجية، إنه في “الولاية الاولى يبرر الرئيس سبب وجوده في الحكم، وفي الولاية الثانية، يبرر سبب وجوده في التاريخ”.
هكذا، عندما يقف الرئيس باراك اوباما في خطاب القسم اليمين لولايته الثانية، يدرك انه سيخصص مقبل الأيام لترسيخ الصورة التي يحب أن تبقى في ذاكرة الأميركيين بعد خروجه من الحكم في عام 2016.

من داخل البيت الأبيض، تتواتر الروايات بأن أوباما في طبعته الثانية صار يبدو مختلفا حتى قبل أدائه القسم، ففي جلسة عقدها مع مجموعة ممن يعرفون بـ”المؤرخين الرئاسيين”، نزع أوباما حذائيه، وجلس معهم يحتسي الشاي ويدردش عما يجول في خاطره، وهذه خطوة فسرها العالمون بخبايا شخصيته، من امثال ديفيد مارانيس مؤلف احد الكتب حول قصة حياة الرئيس الأميركي، بأنها تظهر ثقته بنفسه وارتياحه ونيته على التفلت من الصرامة التي فرضها على نفسه في الولاية الاولى.

ويعتبر مارانيس ان شخصية اوباما حتى الآن كانت عبارة عن سياسي يفعل ما في امكانه، حتى لا يقع في أفخاخ سياسية، حتى لو كان ذلك يعني تفاديه مواجهات سياسية يؤمن بها، مثل نيته مواجهة لوبي السلاح وفرض قوانين تضبط السلاح الفردي المتفلت من عقاله، والذي يؤدي إلى ارتكاب مجزرة بين الحين والآخر يروح ضحيتها أبرياء، وغالبا بينهم أطفال.
هذا في السياسة الداخلية.

أما في السياسة الخارجية، فلم تنبر النخبة الأميركية المثقفة لتنبؤ ما سيقدم عليه أوباما في ولايته الثانية.
البروفسور الأميركي من أصل لبناني فؤاد عجمي كان وحده من بادر الى استشراف ملامح الولاية الثانية خارجيا، في مقالة في صحيفة “واشنطن بوست”، واستدل على ذلك بسلسلة الترشيحات التي قدمها اوباما لفريقه المقبل، والتي تصدرها السناتور الديمقراطي جون كيري وزيرا للخارجية، والسناتور الجمهوري السابق تشك هايغل وزيرا للدفاع.
السناتوران بطلا حرب من مشاركتيهما في حرب فيتنام، ما دفع عجمي إلى اعتبار أن تجربة هذه الحرب هي التي سترسم سياسة اوباما الخارجية المقبلة.

“الثلاثة (اوباما، كيري، هيغل) ينفون انهم من القائلين بحتمية الانحدار وممن يعتقدون أن قمة القوة الأميركية أصبحت من الماضي”، حسب عجمي، الذي يضيف: “هناك تشاؤم في قلب نظرتهم الى العالم (مبني على اعتبار) اننا مفلسون اقتصاديا.. وان الانخراط الخارجي يبدأ جيدا وينتهي بالعقم، واننا لا نعلم كفاية حول كيف تدور الأمور في هذه الأماكن البعيدة كي نقوم بمساعدة أكثر من الحاقنا الضرر”.
كيف سيتصرف أوباما في ولايته الثانية؟
التنبؤات كثيرة، ولكن الأكيد أن الرجل دخل مرحلة كتابة تاريخه، وان حذره من الوقوع في الخطأ في هذه المرحلة قد لا يقل شأنا عن حذره الكبير في ولايته الأولى، والتي شهدت تراجعا للقوة الأميركية حول العالم لم يكن العالم قد شهد له مثيلا منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية.

الأربعاء، 16 يناير 2013

واشنطن: لا تنسجم مع الحقيقة التقارير عن استخدام الأسد «الكيماوي»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

قالت مجلة «فورين بوليسي» ان القنصل العام الاميركي في اسطنبول سكوت فريدريك كيلنر ارسل مذكرة سرية الى وزارة الخارجية، الاسبوع الماضي، كتب فيها ان قوات الرئيس السوري بشار الاسد استخدمت اسلحة كيماوية ضد الثوار في مدينة حمص بتاريخ 23 ديسمبر، الا ان البيت الابيض اعتبر ان تقرير المجلة «لا ينسجم مع ما نعتقد انه حقيقي بشان برنامج الاسلحة الكيماوية السوري». 
وقال المتحدث باسم مجلس الامن القومي في البيت الابيض تومي فيتور في بيان ان «التقارير التي اطلعنا عليها عبر وسائل الاعلام حول حوادث مزعومة تتضمن اسلحة كيماوية في سورية لم تكن منسجمة مع قناعتنا حول حقيقة برنامج (هذا البلد) بهذا الصدد».
واوضح ان «الرئيس (باراك) اوباما كان واضحا للغاية حين اعلن انه اذا ما ارتكب نظام الرئيس الاسد الخطأ الفادح واستخدم اسلحة كيماوية او اخل بواجباته القاضية بضمان امنها، فسوف يتحمل المسؤولية».
وكتب الصحافي جوش روغان، المعروف بقربه من دوائر وزارة الخارجية، في «فورين بوليسي» ان كيلنر اجرى عشرات المقابلات مع ناشطين سوريين واطباء ومنشقين سوريين في «واحدة من اكثر التحقيقات عمقا وتفصيلا قامت بها الحكومة الاميركية للتحقق من مزاعم وردتها من مصادر داخل سورية». 
وتضمنت التحقيقات الاميركية لقاء بين كيلنر والعميد المنشق مصطفى الشيخ، الذي سبق ان عمل في برنامج الاسلحة الكيماوية السورية.
ونقل روغان عن مصادر في الخارجية قولها: «لا نستطيع ان نؤكد مئة في المئة، ولكن من خلال اتصالاتنا مع سوريين، يمكن القول بحزم ان آيجنت-15 تم استخدامه في حمص في 23 ديسمبر».
ورغم انه سبق لأوباما ان حذر الاسد من مغبة استخدام اسلحة كيماوية، الا ان الاعتقاد السائد هو ان واشنطن تحاول تفادي التدخل قدر الامكان، حتى في حال ثبت استخدام الاسد لهذا النوع من الاسلحة.
وعلقت مصادر اميركية متابعة بالقول انه «يمكن للأسد ان يستخدم قذيفة كيماوية هنا او هناك من دون ان يؤدي ذلك الى عقوبة ضده، ويمكن ان يرجح هذا الاستخدام الكفة لمصلحته على حساب الثوار، على ما نعتقد انه حصل في معركة حمص الاخيرة وسمح له باسترداد مساحات كان خسرها، وكان من غير الممكن له استعادتها من دون ما من شأنه ان يغير اللعبة، مثل الاسلحة الكيماوية».
وبحسب المذكرة الاميركية، فان قوات الاسد اطلقت الغاز الكيماوي من قذيفة دبابة في حمص.
واضافت المصادر: «الارجح ان التدخل الاميركي او الاطلسي لن يأتي الا في حال تم استخدام الاسلحة الكيماوية على نطاق واسع يؤدي الى ايقاع عدد كبير من القتلى في صفوف المدنيين».
وكان رئيس الاركان الجنرال مارتن ديمبسي قد صرح لاحد المواقع التي تعنى بالشؤون الدفاعية، يوم الجمعة الماضي، انه لا يمكن لبلاده او لتحالف الاطلسي منع الاسد استباقيا من استخدام الاسلحة الكيماوية، لان ذلك يتطلب مراقبة دائمة ومعلومات استخباراتية متدفقة بشكل متوصل، معتبرا ان افضل وسيلة لردع الاسد هي ان يعرف الرئيس السوري ماذا ستكون عليه ردة الفعل في حال قيامه باستخدام هذه اسلحة كيماوية.
في هذه الاثناء، نقل روغان عن مصادر في الادارة قولها ان استخدام الاسد لغاز آيجنت-15، المعروف ايضا باسم «ب.ز»، كان بهدف امتحان الغرب ومعرفة اين تقع الخطوط الحمراء بالضبط. وقالت هذه المصادر: «(استخدامه للغاز) يعكس قلق كثيرين في الولايات المتحدة من ان النظام تبنى سياسة تصعيد لمعرفة ما يمكنه ان ينجو بفعله (من دون عقاب) في وقت يزداد يأسه».
وسبق لناشطين ان بثوا على موقع «يوتيوب»، في الايام التي تلت الهجوم الكيماوي المزعوم في الاسبوع الاخير من الشهر الماضي، صورا لمصابين تظهر عليهم آثار تنشق غازات سامة.
ونقلت «فورين بوليسي» عن المذكرة الاميركية ان التحقيق الاميركي في تركيا تضمن كذلك الاتصال باطباء سوريين يعملون في المستشفيات الميدانية في حمص، وحصلوا منهم على مواصفات دقيقة لاعراض المصابين. وحسب الاطباء السوريين، فان القذيفة الكيماوية تسببت بمقتل خمسة وجرح 60، 10 منهم كانوا في حالة خطرة.
وقال الاطباء انهم اخذوا عينات من المصابين، ولكنه لم يتسن لهم اخضاعها لاي فحوصات مخبرية بسبب انعدام الموارد، وعدم توفر امكانية ارسال هذه العينات الى خارج حمص المحاصرة.
وتقول المعلومات الطبية ان الغازات التي استخدمتها قوات الاسد في حمص ادت الى حالات غثيان وتقيؤ وهلوسة، واثرت في الجهاز العصبي للمصابين، ومفعولها بقي سار لايام، وادت في بعض الحالات الى الموت.
على ان غاز «آيجنت-15» ليس من اكثر الغازات فتكا المتوفرة في ترسانة الاسد الكيماوية.
وعلمت «الراي» ان جهات اميركية متابعة تعتقد ان الانذارات العلنية والسرية التي ارسلها الاميركيون الى الاسد، اثنته عن استخدام غاز السارين، الذي كانت قوات الاسد قد اعدته للاستخدام فعلا. ولكن التحذيرات لم تثنه عن استخدام غازات اخرى، خصوصا تلك التي لم تلتزم سورية بحظرها حسب اتفاقية حظر انتشار الاسلحة الكيماوية، مثل «آيجنت-15».
وجاء تقرير المجلة والتوضيح الرسمي الاميركي عشية اجتماع اللجنة الاميركية المعنية بالشأن السوري، والتي تتشكل من عاملين في وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الامن القومي، والمقرر اليوم.
على انه رغم النفي الرسمي، لا شك ان انباء استخدام الاسد لاسلحة كيماوية سيثير موجة من الاخذ والرد، سرا وعلنا، داخل العاصمة الاميركية، فيما من المتوقع ان يتلقف التقرير مؤيدو التدخل العسكري في سورية، من امثال السناتور الجمهوري المخضرم جون ماكين، ويستخدمونه لممارسة المزيد من الضغط على اوباما وادارته لايلاء الوضع السوري اهمية اكبر.

هم ونحن.. العلم والخرافة

حسين عبد الحسين 

يقول دايفيد أكسلرود كبير مستشاري الرئيس باراك أوباما إنه أثناء مناقشة جدوى قيام الحكومة الأميركية بإنفاق مئات مليارات الدولارات من أجل إنقاذ قطاع السيارات المتهالك في العام 2009، “لم ينظر الرئيس إلي، بل استمع الى آراء وزرائه ومستشاريه الاقتصاديين، وشعر بأن تدخل الحكومة خطوة ضرورية”. ويضيف: “بعدما أعلن قراره بالتدخل، وقفت واقتربت من طاولة الاجتماع وقلت له، السيد الرئيس، اعتقد انه من واجبي ان اعلمك بأن استطلاعاتنا للرأي تشير الى ان خطوة الانقاذ المالية لقطاع السيارات غير مرغوبة شعبيا”.

أكسلرود يروي الواقعة للدلالة على أن اوباما قرر التدخل لانقاذ هذا القطاع من دون اعتبارات انتخابية، خصوصا بعدما اظهرت نتائج انتخاب اوباما لولاية ثانية ان ولاية أوهايو، التي كان يظن البعض انها متأرجحة بين الحزبين والتي يعتمد اقتصادها على عمل مصانع السيارات، اقترعت له بكثافة، وان سكان الولاية أيدوا أوباما لأن حكومته انقذت هذا القطاع الذي عاد الى سابق ازدهاره.

لكن رواية أكسلرود تظهر ان الرئيس الأميركي، كما الزعماء في معظم الديمقراطيات الغربية، يدرسون قراراتهم بتمحيص، ويستمعون الى الآراء المتوفرة كافة، ويأخذون قراراتهم أحيانا لا بناء على ما هو مرغوب شعبيا فقط، بل ما يعتقدونه الأفضل في مصلحة بلادهم وشعبهم لأنهم يفكرون في ما سيكتبه التاريخ عن عهدهم وعن آدائهم أثناء حكمهم للبلاد.

“إذا عملتم بجهد والتزمتم قوانين اللعبة، لا بد من ان تتقدموا على غيركم (في الحياة)،” يقتبس فرانك لونتز، وهو خبير اميركي لاستطلاعات الرأي الشعبية، عن أوباما قوله، ويضيف لونتز: “هذه الجملة كانت للجمهوريين، وأوباما سرقها منهم، وحان الوقت لاستعادتها منه”.

ويستفيض لونتز في مقالة في “واشنطن بوست” عن ضرورة إجراء تغييرات “في رسالة الحزب الجمهوري الى الأميركيين”، ويضرب أمثلة بالقول: “بدلا من المطالبة بحكومة صغيرة، يجدر (بالجمهوريين) الحديث عن حكومة كفوءة وفعالة، فالعبارة الاولى عقائدية وتعود الى لغة الثمانينات، اما الثانية فهي اللغة العملية اليوم”.

ويضرب لونتز مثالا آخر حول ضرورة العناية بالعبارات التي يقدمها الجمهوريون للأميركيين، ويقول: “اوباما يسأل أميركا، هل يجب على الاغنياء دفع المزيد من الضرائب، و60 في المائة من المستطلعين يجيبون نعم، ولكن اذا ما قلبنا السؤال إلى، هل يجب على الحكومة ان تأخذ ضرائب أكثر، تأتي الاجابة لا ساطعة”.

رواية اكسلرود ومقالة لونتز تظهران ان السياسة في أميركا فن: القرارات مدروسة بعناية وفقا لتأثيرها ولشعبيتها، والتصريحات مدروسة كذلك وفقا لتأثيرها على آراء الأميركيين.

واذا ما أجرينا مقارنة سريعة بين الديمقراطية الأميركية ونظيرتها المصرية الناشئة، لرأينا فارقا مهولا.

فمنذ انتخابه، اتخذ الرئيس المصري محمد مرسي عددا من القرارات التنفيذية، التي تبدو أنها اقرب الى العشوائية منها الى أي شيء آخر. حاول إلغاء قرار القضاء حل البرلمان، فلم ينجح، ثم اتخذ قرارا بمصادرة بعض صلاحيات السلطة القضائية، فأثار قراره عاصفة اعتراضات ومواجهات شعبية، فتراجع عنه، ثم اتخذت حكومته قرارا بوقف الدعم الحكومي لبعض السلع وزيادة بعض الضرائب، فأثارت تظاهرات وغضبا شعبيا، فتراجعت عن قراراتها ولكنها خسرت قرضا كانت تنوي الحصول عليه من “صندوق النقد الدولي”.

وفي وقت لاحق، اجرى مرسي حركة تغييرات حكومية، مع ان حكومته لم تتشكل منذ فترة بعيدة، ولم يعرف السبب خلف هذه التغييرات الحكومية، او الحكمة منها، وعلى اي اساس جرت.

ثم يخرج مرسي في مقابلة مع مجلة تايم، فيتحدث عن فيلم “كوكب القردة” بطريقة مبهمة، حتى الذين اجروا معه المقابلة كتبوا انهم لم يفهموا مقصده او سبب استخدامه الفيلم للتشبيه.

وفي يوم آخر، حديث لمرسي عن السياسة الخارجية معظمه بالسلب وباستخدام عبارة “لا لكذا ولا لكذا”، ثم تصريح ضد من يسميهم “فلول مبارك”، وتصريح آخر حول انخفاض احتياطي النقد في المصرف المركزي، لكنه يعطي الرقم بالجنيه المصري، وهو ما يجعل من تصريحه مبهما لأن النقد المصري ممكن لحكومة مرسي طباعته بينما الاحتياطي غالبا ما يقاس بالعملات الاجنبية، وهو ما اظهر وكأن مرسي وفريقه لا يفهمان في الاقتصاد ولا يعرفان عن ماذا يتكلمان.

في واشنطن قرارات مدروسة وتصريحات مرسومة، وفي القاهرة، تخبط في القرارات التي تتخذ بنفس السرعة التي يتم التراجع عنها، وتصريحات مبهمة باللغتين وعدم إلمام بالمواضيع، وهو ما يجعل المتابع يعتقد وكأنهم يعملون في العلوم، فيما نحن نمارس التنجيم والخرافة.

الثلاثاء، 15 يناير 2013

هل يتجرّع خامنئي «كأس السم» إعلاء لمصلحة إيران؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تكثر في جلسات المسؤولين والخبراء الاميركيين المخصصة حول تقييم الوضع الايراني استعادة تصريح مرشد الثورة الراحل روح الله الخميني، الذي قال العام 1988، ابان اعلان قبول بلاده قرار مجلس الامن الرقم 598 القاضي بوقف النار مع العراق بعد ثماني سنوات من الحرب، ان قبوله القرار كان «اصعب عليه من تجرع كأس من السم»، وانه فعل ذلك «لمصلحة الثورة».
ويستخدم المسؤولون والخبراء هذا التصريح غالبا للدلالة على انه رغم «عقائدية» النظام في ايران، الا أنه في نهاية المطاف «واقعي»، وربما عقلاني، وانه سيتلقف الرسالة الدولية التي تقول انه «ممنوع عليه صناعة او انتاج او حيازة اسلحة نووية»، ويتصرف على اساس مصلحته.
ويسود الاعتقاد في واشنطن ان الموقف الايراني منقسم «عموديا»، وان الكلمة الفصل ستكون في يد مرشد الثورة الحالي علي خامنئي، الذي كانت تعتقد الولايات المتحدة حتى الماضي القريب انه لم يحسم خياره في الذهاب نحو انتاج السلاح النووي، وهو الموقف الذي تحاول ادارة الرئيس باراك اوباما البناء عليه لمباشرة مفاوضات تأمل في ان تفضي يوما الى عودة العلاقات الطبيعية كاملة بين واشنطن وطهران.
وحتى الماضي القريب، كانت واشنطن تعتقد ان طهران تلتزم بكمية من اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المئة من دون تجاوزها، فالتقارير تشير الى انه لطالما كان بحوزة الايرانيين 91 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المئة، وانه كلما ازداد هذا المخزون، يعمد الايرانيون الى تحويل الفائض الى قضبان يتم استخدامها لاغراض العلاج والابحاث الطبية في مفاعل طهران.
ويقول الخبراء ايضا ان الاغراض الطبية لا تحتاج الى عدد كبير من قضبان اليورانيوم، وانه من غير الممكن اعادة القضبان الى حالتها السابقة بعد تحويلها، ما يشير الى انه كان في طهران قرار بالاستمرار في التخصيب، وفي الوقت نفسه ابقاء المخزون على حاله. 
لكن في نوفمبر الماضي، اظهرت التقارير ان مخزون اليورانيوم الايراني المخصب بدرجة 20 في المئة وصل الى 135 كيلوغراما، مع العلم ان الكمية المطلوبة لصناعة قنبلة نووية تبلغ 200 كيلوغراما. هذه الزيادة دقّت ناقوس الخطر في العواصم الغربية، واحدثت انقساما بين من يعتقدون ان طهران ماضية في التخصيب بكميات مطلوبة لصناعة السلاح، ومن يعتبرون ان الزيادة هي بهدف المفاوضات.
الولايات المتحدة مستعدة للمفاوضات فورا، حسب المسؤولين فيها، والفريق الذي يختاره الرئيس باراك اوباما لسياساته الدفاعية والخارجية، يبدو انه متحمس لهذه المفاوضات. لكن الاستعداد الاميركي ليس مفتوح الامد، فمصمم الخطة الاميركية للتعاطي مع الملف الايراني، المبعوث الرئاسي السابق دينيس روس، يكرر ان العام 2013 سيكون عام الحسم، فاما ان تتوصل ايران الى اتفاق مع المجتمع الدولي، واما تذهب الامور في اتجاه التصعيد العسكري.
روس هو الذي يعتقد ان الوصول الى مفترق الطرق هذا لم يكن ممكنا من دون دفع الامور الى خواتيمها، اي بناء تحالف واسع يقدم الى ايران مفاوضات مفتوحة وفي الوقت نفسه، يفرض عليها عقوبات قاسية، فان تعثرت العقوبات والمفاوضات واستمر التخصيب، يصبح العمل العسكري مبررا.
كما يسود الاعتقاد في العاصمة الاميركية ان العقوبات العالمية أثّرت في شكل سلبي هائل في الاقتصاد الايراني، فالعملة الوطنية فقدت أكثر من 80 في المئة من قيمتها، ما يدفع المسؤولين الايرانيين انفسهم الى الحديث علنا عن قسوة العقوبات وتأثيرها. 
على سبيل المثال، يتناقل الخبراء والمسؤولون تصريحا قبل ايام لوزير التجارة والصناعة الايراني مهدي غضنفري يقول فيه ان «العقوبات تضغط على اقتصاد البلد، وتحولت الى عائق لقيامنا بتأمين ما نحتاجه، لانه ليس لدينا نقد (اجنبي)، ولا يستطيع المصرف المركزي تحويل اي عملات او نقلها من اجل استيراد السلع التي تحتاجها البلاد».
هذا بالضبط هو الهدف المنشود للعقوبات الدولية على ايران، والتي اطلقت عليها وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون، ابان اقرارها في مجلس الامن، اسم «عقوبات ذات اسنان».
في الوقت نفسه، تلتقط الاوساط الاميركية اشارات من المتطرفين الايرانيين تشير الى تمسكهم «بالمسار الايراني الحالي»، لكن هذه الاوساط تعتقد ان كل المجموعات المتشددة «ستتجرع كأس السم نفسه وتتخلى عن البرنامج النووي ان طلب منها خامنئي ذلك».
هنا يصبح السؤال: ماذا يدور في بال خامنئي؟
التكهنات الاميركية متضاربة. فثمة تصريحات ايرانية تشير الى استعداد ايران لاستئناف المفاوضات مع مجموعة دول مجلس الامن والمانيا، في الجولة الرابعة، والتوصل الى حل، لكن في الوقت نفسه، لا تفهم الاوساط الاميركية المتابعة معنى المماطلة الايرانية في تحديد موعد المفاوضات، 
فالاميركيون كانوا يتوقعون عودة الايرانيين الى المفاوضات مباشرة بعد اعادة انتخاب اوباما لولاية ثانية، اي في شهر نوفمبر الماضي. 
لكن الديبلوماسيين الايرانيين مازالوا يماطلون في تحديد الموعد في اتصالاتهم مع نظرائهم الاوروبيين، الامر الذي استفزّ حتى الروس، الاقرب الى طهران، ودفع رئيس وفدهم سيرغي ريابكوف الى القول ان التصرفات الايرانية «اصبحت غامضة وترسل الاشارات الخاطئة» حول نوايا طهران.




«فريدوم هاوس» تخفض ترتيب الكويت في «الحريات السياسية»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

للمرة الثانية في عامين، قامت جمعية «فريدوم هاوس» في تقريرها السنوي عن «الحريات حول العالم» بتخفيض ترتيب الكويت بمنحها درجة 5، بدلا من 4، لناحية «الحريات السياسية». 
وكانت الجمعية نفسها خفضت درجات الكويت من 4 الى 5 في العام 2011 لناحية «الحريات المدنية الفردية». ورغم التخفيضين، مازالت الكويت مصنفة في مصاف الدول «الحرة جزئيا»، حسب تقرير هذا العام، لكنها تراجعت من المركز الاول الى الاخير بين الدول العربية المصنفة في الخانة نفسها.
وجاء في التقرير، الذي يصدر اليوم وحصلت «الراي» على نسخة مبكرة منه، ان «تصنيف الحريات السياسية في الكويت انخفض بسبب ازمة برلمانية ومحاولات الحكومة تقويض المعارضة السياسية عن طريق تعديل القانون الانتخابي».
وقبل اندلاع الانتفاضات الشعبية في بعض الدول العربية، اي في تقرير العام 2010، كانت الكويت ولبنان والمغرب الدول العربية الوحيدة المصنفة في خانة الدول «الحرة جزئيا». وفي العام 2011، انضمت تونس الى هذه الخانة وتصدرتها بدرجة 3 للحريات السياسية و4 للحريات المدنية الفردية.
وفي تقرير العام 2013، انضمت الى خانة الدول العربية «الحرة جزئيا» كل من مصر، التي تساوت مع الكويت بـ 5 درجات لكل من الحريات «السياسية» و«المدنية الفردية»، وليبيا، التي تقدمت على الكويت وصارت تتساوى مع لبنان والمغرب بدرجتي 4 و5 لكل من نوعي الحريات. 
ويمنح التقرير السنوي الدول درجات تتراوح بين 1، للدول التي يصنفها «حرة» تماما، و7، للدول «غير الحرة» ابدا، فيما تحوز لقب «حرة جزئيا الدول التي تترواح معدلاتها للحريات السياسية والحريات الفردية بين درجتي 3 و5. 
وقال التقرير هذا العام ان عدد الدول التي ارتفع تصنيفها حول العالم بلغ 16، ولكنه اعتبر الرقم متواضعا مقارنة بالعام الماضي حيث بلغ عدد الدول التي سجلت الحريات فيها تحسنا 28 دولة.
واضاف التقرير ان اكثر المكتسبات للحرية في العالم كانت في مصر وليبيا وبورما وساحل العاج. 
وتابع: «فيما شهدت منطقة الشرق الاوسط التحسن الاكبر، سجلت كذلك تراجعات ملحوظة، فيما تضمنت لائحة الدول التي تراجعت فيها الحريات كلا من العراق، والاردن، والكويت، ولبنان، وعمان، وسورية، والامارات العربية المتحدة».

الأحد، 13 يناير 2013

ترشيح هيغل وزيراً للدفاع مازال مثيراً للجدل في أميركا

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في مقهى «نيسبريسو» المطل على جادة ماديسون في مدينة نيويورك، جلس عدد من الصحافيين الاميركيين والعرب يدردشون في مواضيع الساعة، منها ترشيح الرئيس باراك اوباما للسناتور الجمهوري السابق عن ولاية نبراسكا تشاك هيغل الى منصب وزير دفاع ليخلف ليون بانيتا المتقاعد.

وهم في مجلسهم، لمح الصحافيون احد المقربين من السناتور الديموقراطي عن ولاية نيويورك تشاك شومر يمر امام المقهى، فتبادلوا السلام وانضم اليهم، ليخبرهم انه خرج للتو من لقاء فطور في مطعم «وينتر»، القريب جدا والواقع على جادة «بارك» المحاذية. الفطور عقده كبار اركان المنظمات اليهودية الاميركية من المقيمين في المدينة، وحضره شومر، وطغى على اللقاء موضوع ترشيح هيغل.

«انا لا اشعر بالارتياح تجاه هذا الترشيح، وينتابني بعض القلق»، ينقل المقرب من شومر عنه قوله لمسؤولي المنظمات اليهودية - الاميركية، وهو شعور يعكس مزاج كثيرين من المعنيين بالسياسة الخارجية الاميركية، وخصوصا الشرق اوسطية، ممن يعتبرون ان واشنطن متراخية في التعامل مع تمدد النفوذ الايراني في المنطقة.

وفي الحالة اليهودية، زيادة في القلق تجاه احتمال تحول ايران قوة نووية، مع ما يشكله ذلك من خطر على أمن اسرائيل ومستقبلها.

منذ ترشيح هيغل الاسبوع الماضي، اعتبر كثيرون ان المصادقة المطلوبة عليه في مجلس الشيوخ ستمر من دون عرقلة تذكر. 

اللوبي الموالي لاسرائيل، المعروف بـ «ايباك»، حبس انفاسه ولم يصدر عنه مواقف معارضة للترشيح، فهذا اللوبي، ورغم قوته ونفوذه، يختار معاركه بحنكة، وهو على الارجح لا يريد الظهور في موقف المعادي للرئيس الاميركي، او في صف هذا الحزب ضد ذاك، فـ «ايباك» مجموعة تعمل على حصد تأييد اميركي من الحزبين، ولا مصلحة للدخول في مواجهة داخلية كهذه قد تنعكس على العلاقات سلبا مع الرئيس او مع بعض الديموقراطيين.

في الوقت نفسه، كانت معظم التوقعات بين الخبراء تجمع على ان جلسة المصادقة على جون برينان مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية «سي آي اي» هي التي ستكون مثيرة للجدل، نظرا لاعتبار كثيرين ان برينان هو مصمم حملة اغتيالات كوادر «تنظيم القاعدة» بطائرات من دون طيار، بمن فيهم اليمني حامل الجنسية الاميركية انور العولقي، ما يثير قلق بعض الاميركيين الذين يطالبون بتوضيحات حول آلية اتخاذ القرار بالتصفية التي تشبه حكم الاعدام. 

كما يطالب اميركيون ان تتضمن قرارات التصفية هذه عددا اكبر من الاشخاص، ربما قضاة او اعضاء في الكونغرس، حتى لا ينحصر تنفيذ العدالة بيد السلطة التنفيذية، وهو ما يعتبر تجاوزا ضد مبدأ فصل السلطات.

لكن يبدو انه على رغم صمت اللوبي الاسرائيلي ضد هيغل، لن تكون المصادقة على برينان وحدها الحامية الوطيس، بل قد تؤدي المصادقة على هيغل كذلك الى اثارة مواجهة سياسية داخل الحزب الديموقراطي نفسه، وداخل الحزب الجمهوري ايضا الذي ينقسم على نفسه حول دعم هيغل الجمهوري، او مواجهته بسبب انضمامه الى ادارة ديموقراطية.

عادة، لا تثير معارضة سناتورا واحدا مشكلة لدى البيت الابيض، الذي عمد العاملون فيه الى الاتصال بجميع اعضاء مجلس الشيوخ لحشد التأييد وللحصول على الاصوات المطلوبة للمصادقة على برينان وهيغل وجون كيري، علما ان كيري لا يحتاج الى تزكية، فهو ما زال سناتورا ويترأس «لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ» ومن المتوقع ان يمر تعيينه بسهولة.

لكن عندما تأتي المعارضة ضد ترشيح هيغل من سناتور بارز مثل شومر، وهو الثالث في التراتبية الحزبية لدى الديموقراطيين داخل مجلس الشيوخ، يشعر البيت الابيض بالقلق، ويضاعف من مجهوده لحشد التأييد لهيغل.

في هذه الاثناء، برزت الى الواجهة معطيات تشير انه لطالما كان هيغل مقربا من اللوبي الموالي لنظام بشار الاسد داخل العاصمة الاميركية. 

صفا رفقا على سبيل المثال، وهو طبيب لبناني - اميركي وناشط في الجالية العربية، اطلق عليه السفير السوري السابق في واشنطن عماد مصطفى لقب «افضل اصدقائي» على مدونته. وتظهر تقارير التبرعات الانتخابية انه بين 1995 و2006، سدد رفقا مبلغ 7550 دولارا اما لحملة هيغل الانتخابية او للوبي «ساندهيلزباك»، الذي كان هيغل يترأسه.

ورفقا كان من اكثر المناوئين للثورة السورية اثر اندلاعها، وكان رئيسا «للجنة العربية الاميركية لمكافحة التمييز» حينما قامت بمنع عازف البيانو السوري مالك جندلي من لعب معزوفة، في حفلها السنوي في واشنطن، وكانت المعزوفة بعنوان «وطني» لتأييد التظاهرات ضد حكم الرئيس بشار الاسد. وفي وقت لاحق، اعتدى موالون للنظام على جندلي الاب والام في سورية.

كذلك رندة فهمي، وهي وترأس شركة لوبي عملت في الماضي لمصلحة انظمة عربية انهارت أخيرا، تبرعت في العام 2005 بمبلغ الف دولار لـ «ساندهيلز باك».

ويرد في تقارير التبرعات الانتخابية اسماء عرب، سوريين ولبنانيين وغيرهم، من المعروفين بتأييدهم للأسد وللرئيس اللبناني السابق اميل لحود ولسياسيين لبنانيين آخرين موالين للأسد، كلهم تبرعوا لهيغل، الذي التقى الرئيس الراحل حافظ الاسد في 1998 وقال ان «السلام يأتي من خلال الحوار مع الآخرين لا من خلال الحراب والبنادق».

ولقربه من اللوبي الموالي للاسد ولايران، صوّت هيغل في مجلس الشيوخ العام 2007 ضد ادراج «الحرس الثوري الايراني» على لائحة التنظيمات الارهابية، بعدما قدم عدد من الاعضاء قانونا بذلك وعللوه بقيام هذا التنظيم الايراني «بتخطيط وتشجيع والمشاركة بقتل» جنود اميركيين في العراق.

هذه الهالة المحيطة بهيغل والتي تشير الى ميله نحو تأييد النظامين السوري والايراني، هي التي تدفع كثيرين الى معارضته، ان كانوا من المؤيدين لاسرائيل اومن المعارضين لها، كذلك من الديموقراطيين الاميركيين مثل شومر والمقدمة المعروفة في شبكة «ام اس ان بي سي» رايتشل مادو، ومن الجمهوريين المعروفين من امثال بيل كريستول و»شبكة فوكس» اليمينية بأكملها. ومع ان المعارضين، وخصوصا في مجلس الشيوخ، قد لا يذهبون حتى النهاية في معارضة مكلفة سياسيا، اذ يخشى المعارضون ان تتهمهم الادارة بعرقلة عملها، فان جلسة الاستماع وعملية المصادقة التي ستليها، يبدو حتى الآن انها ستكون حامية جدا ومثيرة للجدل.

السبت، 12 يناير 2013

دعوات لأوباما لـ «القيام بما هو أخلاقي» وإغلاق معتقل غوانتانامو

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في الذكرى الحادية عشرة لافتتاح معتقل غوانتانامو، التقى الناشطون الاميركيون المطالبون باغلاقه في مركز ابحاث «نيو اميركا فاوندايشن» الليبيرالي، في مايبدو انه اصبح طقسا سنويا يلتقي فيه الناشطون ويطالبون الرئيس باراك اوباما باغلاق المعتقل عن طريق محاكمة المذنبين والافراج عن الابرياء.
المتحدثون هذا العام هم انفسهم متحدثو العام الماضي: المحامي توماس ويلنر، الذي سبق ان ترافع باسم المعتقلين امام المحكمة العليا، واندي وورثنغتون، وهو صحافي ومؤلف كتاب «خارج القانون: قصص من غوانتانامو» واحد مؤسسي حملة «اغلاق غوانتانامو»، وموريس دايفيس، وهو قاض عسكري سابق في المعتقل قدم استقالته لرفضه محاكمة متهمين بناء على اعترافات تم انتزاعها منهم تحت التعذيب.
اما الغائب الابرز هذا العام فكان عضو الكونغرس الديموقراطي عن ولاية فيرجينيا جيم موران، وهو احد القلائل من معارضي استمرار المعتقل وكان حضر اللقاء العام الماضي، في الذكرى العاشرة، وادلى بخطاب شن فيه هجوما قاسيا على حزبه بسبب صمته حول الموضوع.
وكما في العام الماضي، يأتي لقاء غوانتانامو هذا العام بعد اقل من اسبوعين على تمديد العمل لمدة سنة بـ «قانون الدفاع الوطني»، الذي يجيز للسلطات العسكرية الاميركية اعتقال اي مواطن اميركي او غير اميركي مشتبه بقيامه بنشاطات ارهابية، واحتجازه الى اجل مفتوح من دون الحاجة الى مسار قضائي.
في غوانتانامو العام 2012، أفرجت السلطات الاميركية عن خمسة معتقلين، لينخفض العدد الاجمالي من 171 الى 166. 
يذكر ان 12 كويتيا سبق ان تم اعتقالهم في المعتقل المذكور منذ افتتاحه في 11 يناير 2002. وفي السنوات اللاحقة، تم الافراج عنهم جميعهم باستثناء اثنين هما فوزي خالد العودة، البالغ من العمر 35 عاما، وفائز محمد الكندري، ابن الـ 37 عاما. 
وعلى مدى العقد الماضي، عملت الحكومة الكويتية حثيثا ومازالت تعمل اليوم، عن طريق سفارتها في واشنطن، للافراج عن المعتقلين الكويتيين في غوانتانامو. ويندر ان يعقد المسؤولون الكويتيون، الذين يزورون العاصمة الاميركية، لقاءات مع نظرائهم الاميركيين من دون اثارة موضوع استمرار اعتقال العودة والكندري والمطالبة باعادتهم الى الكويت.
ولم يتم حتى الآن توجيه اي تهم للعودة، فيما وجهت النيابة العامة العسكرية تهما الى الكندري بتقديم «المساعدة العينية للارهاب» و«التآمر» بسفره الى «مخيم الفاروق» التابع لـ «تنظيم القاعدة» في وقت ما بين «اغسطس وديسمبر 2001»، وقيامه «بتدريب» اعضاء من هذا التنظيم. كما ورد في القرار الاتهامي ان الكندري عمل في الوقت نفسه «مستشارا» لزعيم التنظيم اسامة بن لادن، وانه قام «بانتاج اشرطة فيديو وكاسيت تحضّ على الانضمام الى القاعدة والمشاركة في الجهاد».
في لقاء هذا العام، حضّ ويلنر اوباما على ايلاء موضوع اغلاق المعتقل اولوية، وقال: «نحن نعرف ان لا مكافأة سياسية في مواجهة الكونغرس والمصرين على استمرار المعتقل، ولكن هناك بالتأكيد مكافأة اخلاقية ترتبط بصورة الرئيس وذكراه بعد خروجه من الحكم».
وروى ويلنر كيف تصرف اوباما منذ دخوله البيت الابيض، وقال ان من اوائل المراسيم التي اصدرها اوباما هو مرسوم اغلاق معتقل غوانتانامو في مهلة عام، «لكن الادارة عندما بدأت بمراجعة ملفات المعتقلين، وجدت انه لا توجد ملفات قضائية او استخباراتية تفصيلية حول كثيرين منهم، فبدأت الادارات باعداد هذه الملفات، وتأخر موعد الاغلاق».
ومن العقبات الاخرى للافراج عن معظم المعتقلين، يقول ويلنر، هو ان كل قضية افراج تحتاج الى اجماع تام من جميع الادارات المعنية، اي وزارات الدفاع والعدل والخارجية والامن الوطني واجهزة الاستخبارات، وفي حال لم تمنح اي من الادارات موافقتها، تبقى قضية المعتقل معلقة.
وورثنغتون تحدث بدوره عن صعوبة عودة بعض المعتقلين الى دولهم. وقال ان في المعتقل مجموعتين رئيسيتين، مجموعة من 30 معتقلا يمنيا، ومجموعة المعتقلين الباقين. عودة اليمنيين، تواجه معوقات من قبيل عدم استقرار اليمن، وسيطرة «تنظيم القاعدة» على بعض المناطق، وخوف الوزارات الاميركية المعنية من معاودة بعض اليمنيين الانضمام الى هذا التنظيم في حال عودتهم. كذلك، تحدث وورثنغتون عن صعوبة عودة الصينيين المسلمين، المعروفين بالويغور، الى بلادهم من دون احتمال مواجهتهم لعقوبة اقسى من بقائهم في غوانتانامو.
ويقول الصحافي البريطاني انه حتى تقبل بعض الدول ان تستقبل المفرج عنهم من غوانتانامو، على الحكومة الاميركية نفسها قبول استقبال عدد منهم، وهو ما ترفضه جميع الولايات الاميركية التي اقترحت عليها حكومة اوباما استقبال مفرج عنهم للعيش فيها. وبلغ عدد المفرج عنهم حتى الآن ممن استقبلتهم دول غير الولايات المتحدة، بما فيها دولهم الاصلية، 52 دولة.
وتشير الارقام انه ابان انتخاب اوباما رئيسا، كان في غوانتانامو 242 معتقلا، تمت الموافقة على الافراج عن 126 منهم، 87 من هؤلاء مازالوا في المعتقل بانتظار الانتهاء من تدبير وجهة نهائية لهم. 
كذلك، هناك 46 معتقلا ممن لم يتم التوصل الى حل حول مصيرهم، ما يعني انهم سيبقون قيد الاعتقال في غوانتانامو، ومن دون محاكمة، حتى اشعار آخر، وهو الامر الذي يدفع الناشطين كل عام الى المطالبة بمحاكمة الجميع والافراج عمن تثبت براءتهم، فالاعتقال من دون محاكمة «ليس من المبادئ التي قامت عليها الولايات المتحدة، وليست المبادئ التي دفعت اجدادنا الى الهجرة اليها»، يختم ويلنر.
وفي واشنطن (ا ف ب)، تظاهر نحو مئتي شخص أول من أمس، في ذكرى مرور 11 عاما على وصول الدفعة الاولى من المعتقلين الى سجن غوانتانامو، للمطالبة باغلاقه «الآن» ودعوة الاميركيين الى العمل من اجل الدفاع عن سمعة بلدهم.

الأربعاء، 9 يناير 2013

العدل أساس الحل

حسين عبد الحسين

“هسه إنت ما تعرف اِسمي؟” قال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ردا على سؤال أحد قضاة جلسات محاكمته -وكانت تلك ربما المرة الوحيدة التي بدت على وجه صدام ابتسامة ساخرة- قبل أن يسارع إلى التذاكي على القاضي بالقول، “إذا كنتم لا تعرفوني، لماذا جئتوا بي إلى هنا”. وفي جلسة أخرى من جلسات المحاكمة المتلفزة، قدم الادعاء شاهدا من وراء حجاب. طبعا الخوف على حياة الشاهد من الانتقام ضروري، لكن كان يمكن إظهار وجهه وتقديم حماية دائمة له مقابل شهادته، وإلا ما نفع ما كان يقوله إذا كان من غير الممكن التحقق من هويته علنا؟

تلك المحاكمة كانت جزءًا من منظومة القضاء الهزيل التي قدمها العراقيون لمحاكمة رئيسهم ومساعديه وتاريخهم. وحتى تكتمل المأساة، ظهر فيديو لإعدام صدام وفيه هتافات حزبية، وتحولت العدالة المفروض أنها باسم الشعب العراقي إلى حفلة ثأر حزبية ضد صدام. ولم يكن تنفيذ إعدامات أخرى أفضل حالا، إذ ترافقت غالبا مع فشل تنظيمي وتغطية إعلامية تجاوزت حرمة الموت وشوهت صورة العدالة، مقدمة للعراقيين صورة عراقهم الجديد، التي لم تبد مختلفة عن الذي سبقه، إذ يتقدم الثأر على العدالة، والفشل التنظيمي على ما سواه.

ولأن بعض السوريين يدركون أنهم قد يجدون أنفسهم ذات يوم في موقع كالعراقيين من قبلهم، تنهار فيه مؤسسات دولتهم بأكملها مع نهاية نظامهم ورئيسه بشار الأسد، قامت بعض المجموعات المعارضة بالعمل على إعداد أطر قانونية، تسمح بتحقيق العدالة في المناطق التي تتراخى قبضة النظام فيها وتتحول إلى سيطرة المعارضة ومقاتليها.

كذلك، تأمل هذه المجموعات السورية في تكريس فكرة أن مساعدي الأسد فقط هم من سيُلاحَقون قضائيا بعد انهيار النظام، وفي هذا إشارة قوية على أن الحكم السوري بعد الأسد لن يسعى إلى الانتقام من طائفة العلويين بشكل جماعي، بل سيسعى إلى ملاحقة أشخاص بسبب ما ارتكبوه أثناء وجودهم إلى جانب الأسد. هذا المجهود تقوده “مجموعة الدعم السورية”، وهي مجموعة من الناشطين غالبهم من رجال الأعمال الأميركيين من أصل سوري، ومقرها العاصمة الأميركية.

المعلق الأميركي في صحيفة “واشنطن بوست” التقط محاسن هذا المجهود، وكتب أن “هذه الخطة القانونية الانتقالية هي أفضل فكرة قدمها الثوار السوريون لأنها تعالج ليس دموية الأسد وحسب، بل الخطر الحقيقي في أن تتحول سورية إلى دولة مارقة تعمها الفوضى في وقت تستمر الحرب وتنتشر الكراهية”.

ودعى إغناتيوس الحكومتين الأميركية والبريطانية إلى تبني هذه الخطة، وقال إن “الحكومتين تدعمان أفكارا حول الشفافية والمصالحة عموما، ولكنهما لم تتبنيا أي صيغة محددة في سوريا” حتى الآن. وأرفقت “مجموعة الدعم السورية” مسودة خطتها بالقول إنه “ما لم يُعالج خوف العلويين وتوجسهم كطائفة، فلن تصل سوريا إلى حل بالضرورة مع مغادرة الأسد السلطة، ما سيشكل خطرا كبيرا على استقرار سوريا في المستقبل”.

لا شك في أن جزءا كبيرا من فشل العراق في بناء دولة حديثة يرتبط بفشل القيمين عليه في مرحلة ما بعد صدام بتأسيس مرحلة مبنية على العدالة، وهو ما بدا جليا أثناء محاكمات صدام وصحبه، وفي القضاء الثأري الذي يلاحق مسؤولين عراقيين من دون غيرهم اليوم.

دولة عربية أخرى تعاني بسبب كثرة الجرائم وندرة العثور على المجرمين هي لبنان، وهو الأمر الذي دفع مجلس الأمن إلى إنشاء “المحكمة الدولية الخاصة بلبنان” لمحاكمة قتلة رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وسياسيين وصحافيين لبنانيين آخرين. لكن المحكمة الدولية تسير ببطء شديد أفقد بعض مؤيديها الثقة بإمكانية وصولها إلى نتائج، ما فاقم من عدم الاستقرار في لبنان، إذ في غياب العدالة، تسيطر عقيدة الثأر والانتقام القبلي.

هكذا، تبدو المحاولة السورية في وضع العدالة ضمن أسس الثورة ضد حكم نظام بشار الأسد فكرة ممتازة، وهو ما دفع أمثال إغناتيوس إلى تبنيها والإشادة بها، ودعوة حكومات العالم إلى تسويقها.

للأسف يبدو أن أصوات مدافع الأسد مازالت، في سوريا اليوم، أعلى من أصوات المشاريع الذكية مثل مشروع “مجموعة الدعم السورية” حول العدالة في مرحلة ما بعد الأسد، لكن لا شك أن السوريين سيجدون أنفسهم، عاجلا أو آجلا، في حاجة إلى مشاريع كهذه.

الخرافي عن تصريح الخارجية الأميركية: الكويت ما هي طوفة هبيطة

| واشنطن من حسين عبدالحسين - الكويت - غادة عبدالسلام |

تفاعلت تصريحات الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند ودعوتها الكويت الى «احترام حرية التجمع والتعبير» فأعلن رئيس مجلس الأمة السابق جاسم الخرافي وبالكويتي الفصيح أن «الكويت ما هي طوفة هبيطة»، في حين أرجع السفير الأميركي لدى الكويت ماثيو تولر «عدم فهم» تصريح نولاند الى «التضخيم الاعلامي» بينما اعتبرت واشنطن وعلى لسان مصادر في «الخارجية» لـ «الراي» أن «لا خلفية سياسية» لتصريحات الناطقة باسم الوزارة فيكتوريا نولاند. 
واستغرب الخرافي تصريح وزارة الخارجية الاميركية الذي عبر عن «استياء» واشنطن من بعض الاحكام التي صدرت على مغردين كويتيين اساؤوا الى الذات الاميرية، ووجه اللوم الى السفير الاميركي في الكويت الذي «لا يقوم بدوره في ايصال الحقيقة لادارته»، متمنيا من المسؤولين الاميركيين ان يدرسوا تصريحاتهم جيدا قبل اطلاقها وان تكون مستندة الى وقائع ومعطيات صحيحة، ومؤكدا ان الكويت «ما هي طوفة هبيطة».
وقال الخرافي: «اشعر بالاسى والالم من تصريح الناطقة باسم الخارجية الاميركية التي هاجمت الاجراءات القانونية والدستورية التي تمت في الكويت، واتذكر واقارن بين ما قامت به الكويت من اجراءات قانونية ودستورية وبين ما تقوم به الولايات المتحدة من انتهاكات لكل الاجراءات القانونية والدستورية في ما يتعلق بحق المسجونين في معتقل غوانتانامو».
وختم الخرافي تصريحه: اقول بالكويتي الفصيح... «الكويت ما هي طوفة هبيطة»
من جهتها، اعتبرت مصادر في وزارة الخارجية الأميركية ان «لا خلفية سياسية» لتصريحات الناطقة باسم الوزارة فيكتوريا نولاند الاثنين الماضي، والتي دعت فيها الحكومة الكويتية الى «الالتزام بقيمها التي تقوم على احترام حرية التجمع والعمل المشترك والتعبير»، ووصفتها بـ «الامور المنصوص عليها في شرعة حقوق الإنسان وفي الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، التي وقعت عليها الكويت».
وتزامنت تصريحات المسؤولة الاميركية مع الحكم الصادر بحق المغرد راشد العنزي، والذي قضى بسجنه سنتين بسبب إساءته الى الذات الاميرية.
وقالت نولاند ان «لدى الولايات المتحدة موقفا واضحا حيال اصدار عقوبات بالسجن على اشخاص بسبب مواقفهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي»، مؤكدة ان «الجانب الأميركي اثار القضية مع الحكومة الكويتية»، دون أن تقدم المزيد من التفاصيل حول ذلك.
بدورها، قالت المصادر الاميركية ان «الموقف الأميركي هو بالضبط ما قالته نولاند، ولا أبعاد أخرى له»، و«ان لا احد في واشنطن يرغب في ان يأخذ الموضوع حجما أكبر من حجمه». 
وعلمت «الراي» ان «مكتب حقوق الإنسان» في وزارة الخارجية الأميركية هو الذي طلب من البعثة الاميركية في الكويت إثارة الموضوع مع السلطات الكويتية، فيما تابعت المصادر ان هذه ليست المرة الأولى التي «نتحادث بها مع الحكومة الكويتية في شؤون تتعلق بحقوق الإنسان ونبدي رأينا ونستمع إلى رأيهم». ووصفت تبادل الآراء بـ «الشأن الروتيني».
يذكر ان «مكتب حقوق الإنسان» في وزارة الخارجية الأميركية هو المسؤول عن إعداد التقرير السنوي لحقوق الإنسان في الدول حول العالم، وهو لا يتدخل عموما في تحديد السياسة الخارجية. 
واستفاضت المصادر الأميركية في الاشادة بـ «الحياة السياسية الكويتية»، وقالت ان «واشنطن تعتقد ان النظام السياسي في الكويت يتطور بشكل مميز»، وان «الولايات المتحدة تبدي رأيها من اجل المزيد من التطوير»، وانه «في فترة قصيرة نسبيا رأينا المرأة تنال حقوقا، ويترافق ذلك مع تقليد في حرية التعبير والصحافة لا تضاهيها الدول الأخرى في المنطقة، ولذلك نحن دعونا الحكومة الكويتية للحفاظ على تقاليدها المعروفة بها لناحية حرية التعبير».
وتابعت ان «مواقف واشنطن من الحريات في الكويت، كما في بقية دول العالم، هو موقف في العلن، ويتم تحديثه سنويا في التقرير السنوي (لحقوق الانسان)، كما في تقارير الحريات الدينية والاتجار بالبشر وغيرها». 
وختمت المصادر ان «العلاقة بين الولايات المتحدة والكويت مميزة، وتعود الى سنوات كثيرة»، وان «الموقف من سجن العنزي مبدئي غير سياسي، ويتعلق بموقف ونظرة الولايات المتحدة الى قدسية حرية الرأي داخل اميركا وحول العالم».
في الموضوع نفسه، وفي حين اعتبر السفير الاميركي لدى الكويت ماثيو تولر ان «التضخيم في الاعلام الكويتي حول تعليق الناطقة باسم الخارجية الاميركية على حرية الرأي في الكويت، كان نتيجة عدم فهم للتصريح»، لفت الى أن «حرية الرأي من القيم التي تهتم بها الكويت»، ومشددا على «ثقة بلاده بوجود احترام قوي لحرية التعبير في الكويت»، وحثها في الوقت نفسه على «المحافظة على هذا الأمر».
ولفت تولر الى ان «الولايات المتحدة تلمس مدى رغبة الحكومة الكويتية بالافراج عن مواطنيها المعتقلين في غوانتانامو»، مؤكدا «انخراط الحكومة الاميركية في مباحثات مع نظيرتها الكويتية لتطبيق القوانين والقرارات الاميركية واخلاء سبيلهما».

الاثنين، 7 يناير 2013

أوباما يرشح هيغل وزيرا للدفاع وبرينان مديرا لـ «سي آي اي»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

الاشارة الوحيدة، التي يرسلها ترشيح الرئيس باراك أوباما للسناتور السابق تشاك هيغل وزيرا للدفاع ومستشاره لشؤون الارهاب جون برينان مديرا لـ «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي)، هي تصميم الادارة الأميركية على فتح حوار مع النظام الايراني وحلفائه في المنطقة في اطار الانفتاح على ايران الذي يسعى اليه أوباما منذ ما قبل انتخابه رئيسا في العام 2008.
وسيخلف هيغل وزير الدفاع الحالي ليون بانيتا، الذي بلغ من العمر 75 عاما وقرر التقاعد، فيما سيحل برينان رئيسا للاستخبارات بعد شغور المركز على اثر استقالة رئيس الوكالة السابق الجنرال دايفيد بترايوس بعد انكشاف علاقته العاطفية مع كاتبة سيرته. وسبق لأوباما ان اعلن ترشيح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور الديموقراطي جون كيري وزيرا للخارجية خلفا لهيلاري كلينتون.
وفي حال مصادقة مجلس الشيوخ على تعيين كيري، وهي مصادقة من المتوقع ان تمر بسهولة، وعلى تعيين هيغل، الذي يتوقع ان يمر بعد معركة سياسية، يصبح ثلاثة زملاء واصدقاء من اعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ في العام 2008، أوباما وكيري وهيغل، في اعلى ثلاثة مناصب حكومية سيادية في البلاد، الرئاسة والخارجية والدفاع.
المواجهة السياسية التي يتوقع ان يثيرها تعيين هيغل مع معارضي الرئيس الأميركي، وخصوصا من مؤيدي واصدقاء اسرائيل، تأتي على خلفية مواقفه قبل تقاعده وخروجه من المجلس في العام 2008، فهم يأخذون عليه ما يصفونه بعدوانيته تجاه اسرائيل، وهو كان اطلق عليهم في الماضي تسمية «اللوبي اليهودي» بدلا من «الاسرائيلي»، وهي تسمية يضعها كثيرون منهم في خانة «معاداة السامية».
اصدقاء اسرائيل يأخذون على هيغل كذلك معارضته، اثناء عمله سناتورا، لاستمرار واشنطن في تمويل قاعدة عسكرية أميركية - اسرائيلية مشتركة في مدينة حيفا، وينسبون اليه قوله «دع الاسرائيليون يسددون ثمنها».
لكن صراحة هيغل مع الاسرائيليين واصدقائهم ليست وحدها ما يثير قلقهم وقلق مجموعات أميركية اخرى، مثل «المحافظين الجدد»، بل اصراره على ما يعتبره ضرورة مبادرة واشنطن على فتح حوار فوري وغير مشروط مع ايران هو المشكلة الحقيقية بالنسبة لهم. ويعتبر هيغل، وهو مقاتل سابق في فيتنام وحائز على وسامين ما يجعله بطلا عسكريا بامتياز، انه يمكن لواشنطن الانفتاح على طهران مثلما قامت بالانفتاح على بكين في سبعينات القرن الماضي، على الرغم من الاختلاف العقائدي الكبير بين العاصمتين.
وحسب كتابه «أميركا: الفصول المقبلة»، يعتقد هيغل، وهو جنى ثروة طائلة بسبب اعماله في الصين في الثمانينات، انه يمكن للانفتاح الأميركي على ايران ان يعود بفائدة اقتصادية كبيرة على أميركا والمستثمرين الأميركيين. وهو يميل ايضا الى تبني سياسة «عدم التدخل» في العالم، ما اكسبه تأييد «الليبراليين الجمهوريين» من امثال المرشح الرئاسي السابق رون بول، وابنه السناتور الجمهوري راند بول، و»مركز ابحاث كاتو» اليميني، الذي يديره ممولا الحزب الجمهوري الرئيسيان ورجلا النفط الاخوان تشارلز ودايفيد كوك.
على ان المشكلة الرئيسية لدى معارضي تعيين هيغل لا تكمن في مطالبته بالحوار مع ايران، بل في اجندة هذا الحوار، فواشنطن منخرطة في حوار مع الايرانيين منذ مدة، ان كان من خلال محادثات مجموعة «دول خمس زائد واحد» او عن طريق محادثات غير رسمية يقوم بها اكاديميون وباحثون. 
المشكلة هي في ما تصر طهران على اضافته الى اجندة الحوار، خصوصا في الشأنين السوري والبحريني، وهو ما رفضته ادارة أوباما حتى الآن على الاقل، وهو ما يبدو ان هيغل لا يعارضه من باب «تجنيد الايرانيين للمساهمة في ايجاد حلول في هذه الدول»، على غرار سياسة «الانخراط» مع بشار الاسد، التي طالب بها كل من هيغل وكيري في الماضي، واعلنا ان هكذا سياسة من شأنها ان تدفع الاسد الى لعب دور ايجابي في حل مشاكل في العراق ولبنان، وذلك قبل ان يتقاعد هيغل من مجلس الشيوخ وقبل ان يتراجع كيري عن تمسكه بـ «الانخراط» مع الاسد على اثر اندلاع الثورة السورية في مارس 2011.
وان كان هيغل وكيري يعتقدان ان بامكانهما مباشرة الحوار مع طهران في ملفات اقليمية مثل سورية والبحرين، فان برينان يعتقد - حسب تصريحاته الماضية - ان على واشنطن «الانخراط مع العناصر المعتدلة في حزب الله» اللبناني. 
وبرينان هو احد المستشرقين الذين يجيدون العربية، وسبق ان عاش في مصر في اوائل السبعينات، ودرس في «الجامعة الأميركية في القاهرة»، وينقل عنه اصدقاء انه «يحب الاستماع الى اغاني ام كلثوم والشيخ امام». وفي منتصف السبعينات، انضم برينان الى «سي آي اي»، وتدرج فيها حتى اصبح مديرا اداريا لها منتصف العقد الماضي، قبل ان يجمعه المسؤول السابق في ادارة كلينتون انتوني لايك بالمرشح باراك أوباما في العام 2007، حيث نشأت بينهما علاقة وطيدة جدا.
وكمستشار لشؤون الارهاب، او «قيصر الارهاب» حسب التسمية المحلية، لعب برينان ادوارا اساسية في ملف اليمن، وخصوصا في موضوع مكافحة «تنظيم القاعدة» هناك. كما لعب دورا محوريا في خروج الرئيس السابق علي عبدالله صالح من الحكم. وفي الصورة التي تظهر أوباما وافراد فريق الامن القومي يتابعون عبر النقل الحي عملية مقتل اسامة بن لادن في مايو 2011، ظهر برينان وهو يقف خلف الرئيس الأميركي مباشرة في «غرفة الاوضاع» في قبو البيت الابيض.
بين كيري صديق الاسد السابق، وهيغل المطالب بحوار غير مشروط مع ايران، وبرينان الداعي للانخراط مع «حزب الله»، تبرز مشكلة ادارة أوباما مع اصدقاء القوى الاخرى في منطقة الشرق الاوسط، وخصوصا اسرائيل، اذ يخشى مؤيدو تل ابيب في العاصمة الأميركية من ان يؤدي انفتاحا كالذي يريده هيغل الى عودة ايران، في العقود المقبلة، الى سابق عهدها كحليف رئيسي لواشنطن في المنطقة، لكن هذه المرة على حساب اسرائيل والقوى الاقليمية الاخرى.
هذه الخشية الاسرائيلية من هيغل هي نفسها التي دفعت اللوبي الايراني في العاصمة الأميركية الى تأييد هيغل والى توجيه رسالة الى أوباما طالبت فيها بالانفتاح الفوري على طهران. وجاء في رسالة «المجلس الوطني الايراني الأميركي»، الذي يرأسه الايراني تريتا بارسي، ان العقوبات ادت مفعولها وان طهران صارت مستعدة للحوار والتوصل الى حل. ووقع الرسالة عدد من الناشطين الأميركيين في هذا اللوبي، منهم السفير السابق في السعودية شاس فريمان، ووكيل وزارة الخارجية السابق توماس بيكيرينغ، والاكاديميين جوان كول وجيم والش. وهذه المجموعة نفسها، وقعت مع آخرين، عريضة الى أوباما تؤيد تعيين هيغل وزيرا للدفاع.

الأربعاء، 2 يناير 2013

ألو طهران…؟



حسين عبدالحسين

كتب دايفيد سانغر في صحيفة “نيويورك تايمز” أن إدارة الرئيس باراك أوباما حاولت استئناف الحوار غير الرسمي، الذي كانت بدأته قبل أشهر مع النظام في إيران والذي تم تأجيله بسبب الانتخابات الأميركية. وينقل سانغر عن المسؤولين الأميركيين قولهم إن الإيرانيين “لم يقولوا لا للحوار، لكنهم لم يقولوا نعم كذلك”، أي “أنهم ببساطة لم يجيبوا على اتصالنا”.

الحوار مع إيران هو في صلب السياسة الخارجية لأوباما، والتي وصفها البروفسور في جامعة هارفرد ستيفن والت، في مجلة “فورين بوليسي”، بسياسة “الحد الأدنى”، وقال إن اوباما تفرغ لإصلاح الوضع الاقتصادي الداخلي، ولم يتول زمام المبادرة خارجيا، بل تابع العمل حسب الجدول الزمني الذي كان وضعه سلفه جورج بوش، ان كان في موعد انهاء حربي العراق وافغانستان، أو في قتل أسامة بن لادن.

ويقول والت إن الاتفاق ممكن بين العالم وايران، بشرط ان يقبل العالم تخصيبا محدودا يقوم به الإيرانيون، في مقابل التزام ايران بتوقيع وتنفيذ البروتوكول الإضافي من ميثاق وكالة الطاقة الذرية لحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل. لكن خطوة كهذه ستحتاج الى تنازل من طهران، وهو ان لم يحصل وتم التوصل الى اتفاق رغما عن ذلك، يتم اتهام أوباما بأنه يسعى الى إرضاء النظام الإيراني.


على ان الحوار مع ايران مبني على رؤية اوباما تجاه علي خامنئي، واعتبار ان الأخير لا يرغب فعلا في صناعة سلاح نووي، وهذا الاعتبار مبني على مراقبة مخزون ايران من اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المئة، اذ يعتقد الخبراء أن هذا المخزون لم يتجاوز 91 كيلوغراما بين مايو (أيار) وأغسطس (آب) الماضيين، وأن الإيرانيين عمدوا إلى تحويل أي فائض منه الى قضبان نووية تستخدم في المعالجة الطبية.

لكن مع حلول 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رصدت العواصم العالمية ازديادا في مخزون اليورانيوم الإيراني المخصب حتى بلغ 135 كيلوغراما. يذكر أن إيران تحتاج الى 200 كيلو من اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المئة للوصول الى تخصيب 90 في المئة، وتاليا لإنتاج مادة كافية لصناعة قنبلة نووية واحدة.
ارتبكت إدارة أوباما وراحت تبحث عن تفسير للزيادة في المخزون الايراني. البعض قال إن ايران زادت من مخزونها كورقة تفاوض، وهي ستتخلى عن الفائض عند التوصل الى اتفاق يتم بموجبه تخفيف بعض العقوبات الدولية عنها. البعض الآخر في ادارة اوباما رأى أن إيران ماضية في تخصيبها حتى تصنيع القنبلة.

ما هي وجهة النظر الأقرب إلى اعتقاد الرئيس الأميركي؟ يصعب تحديد ذلك، ولكن يمكن رصد آراء المبعوث الرئاسي السابق الذي كان مكلفا الملف الإيراني، دينيس روس، والذي يعمل اليوم باحثا في “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”.
في كتاباته واطلالاته العامة والخاصة، غالبا ما يعتبر روس أن على العام 2013 أن يكون عام الحسم مع ايران، وأن العقوبات الدولية عليها بلغت ذروتها، فإما يتم التوصل إلى “مساومة كبرى” مع الايرانيين تتخلى بموجبها طهران عن طموحاتها النووية في مقابل برنامج نووي سلمي مراقب دوليا، وانهاء العقوبات وبدء الانفتاح على الغرب واميركا، وإما ضربة عسكرية تنهي البرنامج الايراني.

يذكر أن روس كان واحدا من أبرز الداعين الى تأجيل العمل العسكري ضد ايران اثناء رئاسة بوش، وهو لعب دورا مركزيا فيما بعد في تصميم العقوبات الدولية التي تم اقرارها في مجلس الأمن، وكان يكرر أن أي حل مع ايران يحتاج إلى دفع الأمور إلى أقصاها قبل التفكير في حسم عسكري.
أي سيناريو سيتبنى أوباما مع إيران بعد ارتفاع مخزونها من اليورانيوم المخصب؟ الإجابات متضاربة، ولكن ما يبدو جليا حتى الآن هو أن واشنطن تحاول الاتصال بطهران، فيما الملالي في إيران لا يجيبون.