الجمعة، 22 مايو 2015

أميركا تتبنى "الحشد" الشيعي

حسين عبدالحسين

في موقفها المعلن، تكرر الولايات المتحدة تأييدها انشاء قوة من عشائر غرب العراق السنية تحت اسم "الحرس الوطني" مثلما تكرر حديثها عن تدريب "المعارضة السورية المعتدلة". على أرض الواقع، لا حرس وطنياً في العراق ولا تدريب لثوار سوريا بل تقارب متزايد بين اميركا وايران وحلفاء ايران، وتنسيق غير معلن مع الميليشيات الشيعية المعروفة بـ "الحشد الشعبي".

منتصف الشهر الماضي، زار رئيس حكومة العراق حيدر العبادي العاصمة الاميركية. قبل لقائه والرئيس باراك أوباما، أطل نائب الرئيس جو بايدن في خطاب في "كلية الدفاع الوطني" العسكرية، وتحدث مطولا ومفندا الادعاءات القائلة بأن المقاتلات الاميركية تحولت الى سلاح جو "الحشد"، الذي يأتمر بأوامر ضباط "الحرس الثوري الايراني". وقال بايدن انه بعدما تعثرت الحملة العسكرية في تكريت، اتصل المسؤولون العراقيون مع رجاء مشاركة المقاتلات الاميركية، فردت واشنطن انها مستعدة لذلك على شرط ان تتألف القوات الارضية من الوحدات النظامية التابعة للعبادي من دون غيرها. وهكذا كان، يقول بايدن: اشترك سلاح الجو الاميركي، وغزت قوات العبادي تكريت.

في اليوم التالي، زار العبادي البيت الابيض والتقى أوباما في المكتب البيضاوي. حاول المسؤول العراقي جاهدا، وعلانية، ان يحصل على موافقة اميركية لمشاركة "الحشد" في معارك غرب العراق ضد تنظيم "الدولة الاسلامية"، لكن أقصى ما تمكن ان يقوله أوباما في العلن هو ان مشاركة الميليشيات الشيعية كان مفهوما في الأيام الاولى التي تلت انهيار القوات النظامية في الموصل في حزيران يونيو الماضي، وان الدفاع العفوي عن بغداد اقتضى تشكيلها. لكن منذ ذلك الحين، حسب أوباما، تغيرت الموازين ولم يعد وجود "الحشد" الشيعي مبرراً الا اذا كانت الميليشيات تحت سلطة العبادي.

واشنطن عارضت، منذ الصيف الماضي، مشاركة "الحشد" في العمليات العسكرية غرب العراق. وفي جلسات الاستماع المتعددة التي عقدها الكونغرس للقادة العسكريين الاميركيين، كرر هؤلاء حديثهم عن امتناعهم عن تأمين اي مساندة لمقاتلي "الحشد".

لكن بعض التقارير غير العلنية الواردة من بغداد الى واشنطن تشير الى انه "في العراق، من غير الممكن معرفة اين تنتهي ميليشيات الحشد الشعبي واين تبدأ سلطة وزارة الداخلية". كما رصدت التقارير الاميركية ان السلاح الأميركي الذي كانت واشنطن زودته للقوات النظامية العراقية اصبح في ايدي مقاتلي "الحشد".

ومع انهيار الرمادي امام هجوم "الدولة الاسلامية"، بعد ما يقارب العام على الحملة الجوية التي يشنها تحالف دولي مؤلف من اكثر من ٦٠ دولة، تبين ان القوات النظامية العراقية لا فائدة منها، ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولي وزارة الدفاع الاميركية، هذا الاسبوع، انهم لا يمانعون انخراط "الحشد" في معركة استعادة الرمادي، على شرط ان لا يكون في صفوف الميليشيات الشيعية مستشارون ايرانيون.

هكذا، تدرج الموقف الاميركي من اقامة "حرس وطني" من العشائر السنية لاستعادة المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الاسلامية"، الى موقف يرفض تشكيل "حرس وطني" مستقل ويصر على وضعه بامرة العبادي، الى موقف لا يمانع انخراط "الحشد" الشيعي في معارك غرب العراق على شرط ان يكون تحت امرة العبادي بدلا من الضباط الايرانيين. وهذا سياق ان تابع تطوره، لا شك انه سيصل الى مرحلة عدم ممانعة -- بل تأييد -- ادارة ضباط "الحرس الثوري الايراني" لمعارك "الحشد الشيعي" في غرب العراق، وربما ينقلب في وقت لاحق ينقلب التنسيق غير المباشر بين المقاتلات الاميركية والضباط الايرانيين، عبر وسطاء عراقيين، الى تنسيق عسكري مباشر وكامل بين واشنطن وطهران.

يوم تسلم أوباما الحكم في ٢٠٠٩، لم يقدم على اي تعديلات في خطة سلفه جورج بوش، ولم يلتزم مهلة ستة اشهر التي كان حددها لنفسه للانسحاب من العراق، بل ترك الامور تدير نفسها حسبما كانت مقررة. ثم بعد انتهاء مفاعيل قرارات بوش، تسلم أوباما الدفة، فأعلن انسحابا كاملا من العراق، على عكس نصيحة من قالوا بضرورة الابقاء على قوة صغيرة. ثم سلّم "قوات الصحوات" لرئيس الحكومة السابق نوري المالكي، على عكس النصيحة كذلك، فتخلص المالكي من قادة الصحوات واوقف مرتبات المقاتلين. وبعد انهيار الموصل، اجمعت النصائح لأوباما على ضرورة اعادة احياء الصحوات تحت اسم الحرس الوطني. لكن أوباما ظل يماطل ويراهن على ايران، وهو رهان تتقلب نتائجه بين انهيارات بغداد امام "الدولة الاسلامية"، والمزيد من التوغل الايراني في العراق بمباركة اميركية لـ "الحشد" الشيعي، مع ما يعني ذلك من المزيد من الاخلال بالموازين االعراقية والمزيد من الصراع والدماء.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008