الاثنين، 16 نوفمبر 2009

صــــورة عـــن انتخـــابـــات العـــراق المـقـبــلـــة

بقلم حسين عبد الحسين – واشنطن

‏قبل اسابيع من موعد الانتخابات البرلمانية في العراق، ما زالت الصورة ضبابية في وقت لم يكتمل الشكل النهائي لبعض التحالفات، يضاف الى ذلك غياب احصاءات مستقلة للرأي، مما يجعل التكهن بهوية الرابح عملية مضنية ومعقدة.

لكن في العراق عدد من الامور الثابتة. كما قد تسعفنا نتائج الانتخابات المحلية في 14 محافظة، في شهر كانون الثاني الماضي، في رسم صورة تقريبية عن ميزان القوى الحالي.

في الامور الثابتة انه، على عكس مجلس النواب اللبناني حيث المقاعد موزعة سلفا على الطوائف بغض النظر عن حجمها السكاني، يتمتع البرلمان العراقي بتمثيل ادق، ولا يراعي الطوائف او الاثنيات، بل تفوز الكتل بعدد مقاعد يساوي نسبة الاصوات التي تحوز عليها، على ان هذه الكتل هي التي تحدد الاطار الديني أو الاثني أو السياسي الذي تمثله قبل وبعد انتخابها.

من الثوابت ايضا ان الدستور العراقي حدد نسبة مقعد في البرلمان لكل مئة الف مواطن. هذه النسبة مبالغ فيها، ولو تم استخدامها في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لبلغ عدد اعضاء الكونغرس 2800 بدلا من 535.

المفوضية العليا للانتخابات في العراق قامت بتحديث عدد السكان والناخبين، بالاعتماد على "بطاقة الحصة التموينية" في غياب اي احصاء سكاني، فتوصلت الى ان عدد سكان البلاد قد بلغ 30 مليون ونصف المليون، فيما بلغ عدد الناخبين 18 مليونا. وبناء على الارقام المحدثة، توافق سياسيو العراق على زيادة عدد مقاعد البرلمان من 275 الى 311.

في هذه الاثناء، تبرز اربعة تحالفات سياسية كبرى، موزعة على ثلاثة كتل سكانية، دينية واثنية، هي الشيعة والسنة والكرد، ويصبح التغيير السياسي الابرز بين انتخابات 2005 وانتخابات 2010 هو التالي: انقسام الكتلة الشيعية اثنتين، واندماج القوتين السنيتين مع ابرز السياسيين الليبراليين، وظهور معارضة كردية، ونشوء تحالف شيعي – سني مغمور قد يشكل مفاجأة.

في الوضع الشيعي، يخلف "الائتلاف الوطني العراقي" سلفه "الائتلاف العراقي الموحد"، مع الحفاظ على الطابع الشيعي، فيما يضم مرشحين سنة لا ثقل يذكر لهم. ويتألف هذا من "المجلس الاسلامي العراقي الاعلى"، بزعامة الوجه الجديد عمار عبد العزيز الحكيم، و"التيار الصدري" التابع لمقتدى الصدر، و"تيار الاصلاح" الذي انشأه رئيس الوزراء الاسبق ابرهيم الجعفري، و"حزب الفضيلة"، و"حزب الدعوة – تنظيم العراق"، والاخير يعاني من انشقاقات لا متناهية يبدو انها قضت على مجمل ثقله الشعبي.

اما التحالف الشيعي الآخر بقيادة رئيس الحكومة نوري المالكي، والذي يطلق على نفسه اسم "ائتلاف دولة القانون"، فهو يحاول الخروج فعليا من طابعه الشيعي وتحويل نفسه ائتلافاً وطنياً شاملاً. لكن تحالف المالكي ما زال يتمتع بغطاء المرجع الشيعي الاكبر علي السيستاني. اما السبب في بقاء الغطاء، فمرده الى ان كل التيارات الشيعية الاخرى، ما عدا رئيس الحكومة، تتخذ لنفسها مرجعية دينية ما.

فالـ "مجلس الاعلى" حاول، منذ اليوم الاول بعد انهيار حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، استبدال مرجعية السيستاني وتعويم محمد سعيد الحكيم، وهو ابن عم عمار واحد المراجع الاربعة الكبرى في النجف، بالاضافة الى السيستاني والشيخين محمد اسحق الفياض وبشير النجفي.

اما الاحزاب الشيعية الاخرى فتتخذ لنفسها مرجعيات دينية ذات وزن اصغر، فيتبع تيار الصدر الشيخ كاظم الحائري، المقيم في ايران، فيما يتبع "حزب الفضيلة" الشيخ محمد اليعقوبي.

اضافة الى التباين بين المرجعيات الشيعية، ينفرد المالكي من بين اقرانه الشيعة بتأييده لحكومة عراقية مركزية قوية، كما السيستاني، فيما يطمح آل الحكيم وحلفاؤهم الى ابقاء حكومة بغداد ضعيفة، بغرض انشاء فيديرالية شيعية متمكنة في الجنوب. وفيما يبتعد المالكي في الخفاء عن طهران، ما زالت الاطراف الشيعية الاخرى قريبة منها.

وسيتنافس حلفاء الامس، اي المالكي و"الائتلاف الوطني العراقي"، لتحقيق انتصارات في تسع محافظات ذات غالبية شيعية تبلغ الكتلة الناخبة فيها ستة ملايين وهي – بحسب حجمها السكاني – البصرة، وذي قار، وبابل، والنجف، والقادسية، وواسط، وميسان وكربلاء والمثنى. كذلك، سيصل التنافس الى بغداد، وفيها ثلاثة ملايين ناخب ونصف المليون، وقد اظهرت انتخابات المحافظات ضمور الكتلة السنية فيها الى ما دون الربع، فيما تصطف كتلة الاقلية الكردية الشيعة، اي الفيليين، الى جانب المالكي.

اما الاحزاب السنية، المنضوية تحت لواء رئيس الوزراء السابق الشيعي اياد علاوي تحت اسم "الحركة الوطنية العراقية"، فابرزها "جبهة الحوار" بقيادة صالح المطلك، و"الحزب الاسلامي" وريث "جبهة التوافق" المنحلة، بقيادة نائب الرئيس طارق الهاشمي ورئيس البرلمان اياد السامرائي، وحزبا رافع العيساوي واسامة النجيفي.

ومن المتوقع ان يحقق هذا التحالف نتائج كبيرة في المحافظات ذات الثقل الشعبي السني، اي الانبار وديالى وصلاح الدين، حيث تبلغ الكتلة الناخبة اكثر من مليونين بقليل. كذلك، قد يفوز هذا التحالف مجددا بمحافظة نينوى، صاحبة ثاني اكبر كتلة ناخبة في العراق تفوق المليون ونصف المليون، نصفها من السنة وربعها من الكرد والباقي اقليات، حيث تتنافس كل المجموعات على الفوز بالموصل، عاصمة المحافظة.

بدورهما، يجاهد الحزبان الكرديان الرئيسيان، "الديموقراطي" برئاسة مسعود البارزاني و"الاتحاد الوطني" بزعامة جلال طالباني، لابقاء سيطرة "التحالف الكردستاني" على المحافظات الثلاث، وفيها ما مجموعه مليونان ونصف مليون ناخب، خاصة وسط ظهور حالة تمرد قادها ركن "الاتحاد الوطني" السابق ناشروان مصطفى، حيث اظهرت انتخابات برلمان الاقليم فوز فريقه بـ 27 من اصل 111 مقعدا.

اما التحالف الرابع، "ائتلاف وحدة العراق"، فهو بقيادة وزير الداخلية جواد البولاني، وفي عضويته احمد ابو ريشة، زعيم قوات الصحوة في الانبار. وترتفع الترجيحات في مصلحة البولاني اذ يعمل ربع القطاع العام في وزارة الداخلية، ويقول عارفون ان معظمهم يدينون بالولاء له، مما يرجح ان يقدم مفاجأة. وهناك احتمال في ان ينضم هذا التحالف الى ائتلاف علاوي والاحزاب السنية.

وتقول اوساط عراقية ان ائتلاف البولاني يتمتع بدعم مالي قطري، فيما يحوز تحالف علاوي والسنة على دعم سعودي، وتحالف الحكيم والشيعة على دعم ايراني، ويعوّل المالكي على الخدمات التي تقدمها مجالس المحافظات التسع التي فاز بها مناصروه.

اما باقي دول الجوار، مثل سوريا، فلا نفوذ سياسياً لديها داخل العراق. واذا ما استخدمنا نسب نتائج انتخابات المحافظات الاخيرة في سيناريو لبرلمان مؤلف من 311 مقعدا، يظهر ان تحالف المالكي سيحوز على 80 مقعدا، متقدما "الائتلاف الوطني العراقي" بـ خمسة مقاعد، وسيأتي في المرتبة الثالثة كل من "حركة وحدة العراق" بستين مقعدا، و"التحالف الكردستاني" بعدد مطابق، ويبقى 36 مقعدا تتنافس عليها التحالفات الاخرى.

التوقعات صعبة، خاصة بالنظر الى الخريطة السياسية المعقدة والى "اللائحة النهائية للكيانات المصادق عليها"، والتي بلغ عددها 296، وباب المفاجآت مفتوح. ولكن من المستبعد ان تتقهقر الكتل الكبرى، وخصوصا المالكي، الذي يبدو انه يكسب مع حصول كل تفجير في البلاد تعاطفا شعبيا اكبر للقضاء عليها، على عكس ما يقصده من يقف خلف هذه التفجيرات.

(صحافي وزميل زائر في معهد تشاتهام هاوس البريطاني)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق