الثلاثاء، 23 فبراير 2010

حسين عبد الحسين : عندما يصبح مستقبل العراق ضحية تاريخه

الرئيس السابع للولايات المتحدة اندرو جاكسون حكم البلاد بين الاعوام 1829 و1837، ودخل التاريخ كاحد اهم الجنرالات الاميركيين نظرا لدوره في التصدي للبريطانيين العائدين يومذاك للاستيلاء على مستعمراتهم الاميركية في ماعرف بحرب الـ 1812.

لكن على الرغم من بطولاته العسكرية، ينفر من جاكسون الاميركيون من السكان الاصليين – او ما نطلق عليهم اليوم خطأ اسم الهنود الحمر – وكذلك الاميركيون من اصل افريقي، والذين كانوا يعانون من عبودية البيض لهم في ذلك الوقت.

جاكسون، وهو ينتمي فكريا واجتماعيا الى زمن متأخر لم ير في العبودية شواذ، فأيدها، وهو اثناء خدمته في الجيش، وفي فترة رئاسته في ما بعد، كان من اشد المؤيدين لطرد السكان الاصليين من ولاية ميسيسيبي الجنوبية الى الاراضي المحاذية لها، التي تقع اليوم في ولاية اركنسا.

وبعد فشل المفاوضات بين جاكسون وزعماء قبائل السكان الاصليين، ارغمهم الرئيس الاميركي عنوة على مغادرة اراض كان هؤلاء قد عاشوا فيها وتوارثوها جيلا بعد جيل، وقبل مئات السنوات من وصول جاكسون واجداده الى القارة الاميركية. انذاك فر السكان مذعورين، وقضى كثير منهم نحبهم على الطريق، في ما اطلق عليه لاحقا اسم "درب الدموع".

مع نهاية القرن العشرين، كان الاميركيون جميعهم قد حازوا على حقوقهم المدنية والسياسية، واصبحوا متساوين امام القانون والدستور، وبقي جاكسون، مؤيد العبودية وترحيل السكان الاصليين، في الذاكرة الاميركية كواحد من اهم رؤساء الولايات المتحدة، تجد كتبا عنه في ارجاء البلاد، فيما صوره معلقة في المباني العامة، الى جانب من سبقه ومن لحقه في الحكم.

لم يطالب ضحايا الامس بشطب جاكسون من التاريخ ولا باجتثاث ذكراه، بل على العكس، اظهروا الكثير من التسامح والتزموا بشعار "اللي فات مات". واليوم يعرف العالم باجمعه جاكسون، فصورته تتصدر ورقة النقود من فئة العشرين دولارا.

اما الشعوب التي لم تتصالح مع نفسها حتى اليوم، والشعب العراقي في مقدمتها، فهي تفعل عكس ما يفعله الاميركيون، فالعراقيون اليوم ثأريون، غالبا ما يحاضرون عن ضرورة "الصفح عند المقدرة"، ولكن من دون الالتزام بالشعارات التي يتحدثون عنها، شأنهم في ذلك شأن سياسييهم، الذين يبرعون في فن الخطابة والوعظ، من دون ادنى التزام بما يقولونه.

ونحن في هذه السطور لا نتحدث عن ضرورة ابقاء الرئيس الراحل صدام حسين في الذاكرة العراقية، فهو باق لان كتب التاريخ تروي الاحداث، ولا يمكن شطب هذه الاحداث وشخصياتها بقرار، حكومي او غيره. اما الحكم على مرحلة صدام حسين، فلا ضير من الاختلاف حوله.

الا ان ما نقصده هو ذاك الخلاف الازلي - الابدي حول واقعة كربلاء، والاختلاف الشيعي – السني، ومحاولة الشيعة اليوم اجتثاث التاريخ، ومحاكمته، وممارسة ظلم مضاد ضد السنة، كتعويض مفترض عن السنين التي حكمت فيها مجموعة سنية العراق – بجميع طوائفه – بكثير من العنف والرعونة.

واسوأ ما في الخلاف الشيعي – السني، انه يغيب اعلاميا وكتابيا فيما يفيض شفهيا، وخصوصا عندما يتأكد المتحدثون من خلو المستمعين من الطائفة الاخرى، فيشتم الشيعة السنة، وظلمهم، منذ ان أمر يزيد بقتل الحسين. ثم تستمع الى السنة، فتراهم يشتمون الشيعة و يتحدثون عنهم كمذهب فارسي او يهودي معاد للعرب والعروبة منذ زمن الفتوحات، وهكذا دواليك.

والطريف في الأمر انه على الرغم من اللعنات على شخصيات رحلت عن هذا العالم، فان التاريخ لن تتغير احداثه، فالتاريخ للتاريخ، والاميركيون كانوا السباقين في رفع هذا الشعار، فابتعدوا عن اجتثاثه او محاسبته، وفتحوا صفحة جديدة، فمرت الايام، ودخلوا حروبا عالمية، قاتلوا فيها جنبا الى جنب، وطوروا من ممارستهم الديمقراطية، فتصالحوا مع انفسهم وتساووا في الحقوق والواجبات.

طبعا المصالحة الاميركية لم تنجب مساواة فورية، بل انتظرت اجيالا حتى تلاشت الكراهية من النفوس، وتجلت المصالحة مع الذات في وصول اميركي من اصل افريقي الى البيت الابيض، قبل عام فقط.

اما انتخاب باراك اوباما رئيسا، فهو يشبه ان يقوم العراقيون بتناسي عداواتهم التاريخية المستحكمة، وثأريتهم ضد بعضهم البعض والتي تجلب المزيد من الثأر يوما بعد يوم، وانتخاب، مثلا، احد اتباع الدين المندائي الصابئي، او الايزيدي، رئيسا للحكومة، من دون الالتفات الى مذهبه، او لون بشرته، او طبقته الاجتماعية، بل بحصر الاختيار بمقدرة المرشح على تطوير العمل العام في البلاد، وتطبيق ما امكن من سياسات تقود العراق نحو ايام افضل.

لكن العراقيين ما زالوا بعيدين كل البعد عن الصفح، والتسامح، ونبذ الانقسام الديني والطائفي والعرقي.

اما ان جاء اليوم الذي نرى فيه صورة يزيد على فئة الخمسة دنانير، وصورة الحسين على العشرة، وصدام حسين على الخمسة وعشرين، والملوك الهاشميين، ونوري السعيد، والعارفين وعبد الكريم قاسم على العملات الاخرى، يومها سنعرف ان العراقيين قد استفاقوا من ترهاتهم المذهبية، وان ما يهمهم هو مستقبل بلادهم واولادهم، وانهم لن يدعوا المستقبل يصبح ضحية الماضي، البعيد منه او القريب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق