الخميس، 20 يناير 2011

برنامج إيران النووي في مأزق

بقلم حسين عبد الحسين

جريدة الراي

ان يقول رئيس «الموساد» الاسرائيلي مائير داغان انه لن يكون بمقدور ايران انتاج قنبلة نووية قبل العام 2015، وان تحذر موسكو من «تشرنوبل ايرانية» في مفاعل بوشهر، وان يعمل البيت الابيض على تسريب معلومات عن الاضرار التي احدثها فيروس «ستكسنت» في البرنامج النووي الايراني الى الصحافي الموثوق في صحيفة «نيويورك تايمز»، وكشف قصة قصف اسرائيل لمفاعل الكبر السوري دايفيد سانغر، كل هذا يعني ان طهران في مأزق نووي.

اليوم، يجتمع في اسطنبول ممثلو مجموعة دول الخمس زائد واحد، اي اميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والمانيا، مع ممثلين عن النظام الايراني. واللقاء هو لمتابعة الحوار الذي بدأ في جنيف في ديسمبر الماضي. ما الذي سيطلبه المجتمع الدولي من ايران؟ الاجابة جاءت، اول من امس، في المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيسان باراك اوباما والصيني هو جينتاو، في البيت الابيض.

وقال اوباما ان واشنطن وبكين اتفقتا على «منع انتشار الاسلحة النووية، واتفقنا ان على ايران الايفاء بالتزاماتها الدولية، وعلى التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن التي تفرض عقوبات على ايران».

واضاف: «مع شركائنا في دول الخمس زائد واحد، سنستمر في العرض على ايران فرصة للحوار والاندماج في المجتمع الدولي، ولكن فقط في حال ايفائها بالتزاماتها».

ويعلق مراقبون، بان كلام الرئيس الاميركي يعني ان المجتمع الدولي سيطلب من ايران، في لقاءات اسطنبول، ان تلتزم متطلبات مجلس الأمن الواردة في القرار 1929، وملخص هذه انه يحق لايران انتاج الطاقة النووية لاغراض سلمية، ولكن باشراف تام وكامل لوكالة الطاقة الذرية، وهو ما تحاول طهران التملص منه منذ العام 2007.

ويقول البروفيسور في جامعة هارفرد اولي هاينونن، ان مشكلة ايران الرئيسية هي «عدم تطبيقها البند الثالث من البروتوكول الاضافي لاتفاقية حظر انتشار اسلحة الدمار الشامل».

ويروي انه منذ العام 2003، اصدرت «وكالة الطاقة الذرية 31 تقريرا تلخص زياراتها التفقدية للمفاعلات الايرانية». ولكن، حسب الوكالة، هناك اجزاء من البرنامج النووي تخفيها طهران، ويضرب مثالا على ذلك ان ايران اعترفت، بعدما كشف العالم مفاعل قم في سبتمبر 2009، ان العمل بدأ فيه في 2007، ويلفت الى ان ابقاء ايران هذا المفاعل بعيدا عن اعين الوكالة لمدة سنتين «يشي بعدم شفافية ايرانية».

حسب هاينونن، لدى ايران اربعة مفاعلاً معروفة، الاساسي بينها هو في ناتانز، وواحد في بوشهر تحت اشراف الروس، وثالث متهالك في طهران يتم استخدامه للاغراض الطبية ويتم حاليا استبداله ببناء جديد في آراك، اما الرابع فهو في قم.

ويروي هاينونن، قصة البرنامج النووي الايراني، فيعتبر ان اليورانيوم تم استيراده في زمن الشاه قبل العام 1979، وفي مطلع التسعينات استوردت ايران من الارجنتين المادة التي تستخدمها في مفاعل طهران. اما البرنامج النووي الذي عكف على اتمامه النظام الاسلامي، فبدأ في الثمانينات بشراء وثائق من الباكستاني عبد القادر خان، وهذا كان يعمل في مفاعل هولندي قام بانتاج نموذج لجهاز الطرد المركزي الذي تتم فيه عملية تخصيب اليورانيوم. سرق خان النموذج وطار به الى باكستان، التي انجزت برنامجها، قبل ان يحول خان نفسه الى شبكة في السوق السوداء ويبيع النموذج الى كوريا الشمالية وايران وليبيا.

نموذج اجهزة الطرد المركزي «بي 1»، والاكثر تطورا «بي 2»، تقوم ايران بتصنيعها محليا وتطلق عليها اسم «اي ار 1» و«اي ار 2». وهذه عبارة عن انابيب مصنوعة من معادن داخلها محركات تدور بسرعة، وحسب جودة المعادن تكون جودة اجهزة الطرد.

يعتبر هاينونن ان ايران كانت تواجه مشاكل اصلا في هذا النموذج المحلي الصنع، اذ غالبا ما تتوقف الأجهزة عن العمل ويتم استبدالها، وتظهر تقارير وكالة الطاقة انه قبل العام 2009، شهد الانتاج الايراني لليورانيوم انخفاضا، وهو ما اعتقده البعض، خطأ، انه رضوخ من قبل طهران امام الضغط الدولي، بيد ان التراجع كان سببه مشاكل تقنية مزمنة.

هذه المشاكل ظهرت حتى قبل ان يوقع الرئيس السابق جورج بوش على قرار ضاعف بموجبه الانفاق الاميركي على البرنامج السري لمجابهة البرنامج النووي الايراني في يناير 2009. اما عن اوباما، الذي يبدو انه يهوى اكثر المواجهات السرية، كما ظهر جليا في زيادة الاعتماد الاميركي على هجمات الطائرات من دون طيار في افغانستان وباكستان وحتى اليمن، تضاعفت موازنة الحرب السرية على برنامج ايران النووي.

لم تتأخر نتائج هذه الحرب الاميركية السرية في الظهور، فكان فيروس «ستكسنت»، الذي زرعته اجهزة الاستخبارات الاميركية في كمبيوترات استوردتها ايران من شركة «سيمينز» الالمانية، وهذه الاخيرة كانت هدف انتقادات في يونيو 2009، عندما كشفت وسائل اعلام انها باعت طهران اجهزة تكنولوجية حديثة استخدمها النظام الايراني في رقابة الانترنت وفي تنسيق اتصالات الباسيدج اثناء حملة قمع «الحركة الخضراء» الشعبية.

الا ان «سيمينز» هذه المرة، بالتعاون مع مختبر للابحاث تابع لوزارة الطاقة الاميركية في ولاية ايداهو، انتجت «ستكسنت»، الذي تم تصميمه خصيصا لاستغلال نقاط الضعف في كمبيوترات «سيمينز»، التي استوردتها طهران بدورها لبرنامجها النووي.

وتم تجريب الفيروس على مفاعل نووي بني خصيصا باستخدام اجهزة الطرد المركزي «بي 1» الليبية، التي تخلى عنها العقيد معمر القذافي لمصلحة الاميركيين في العام 2004. وكتب سانغر ان واشنطن استعانت بخبراء متقاعدين اسرائيليين لتشغيل نموذج «بي 1»، الذي يعتقد انه كان مستخدما في مفاعل ديمونا الاسرائيلي النووي الموجود في صحراء النقب. وبعد ان تم التأكد من حسن عمل «ستكسنت»، تم ارسال الكمبيوترات الى ايران، وقام الايرانيون بوصلها الى شبكتهم، فانتقل الفيروس الى كل الكمبيوترات المشغلة للبرنامج النووي في ناتانز وبوشهر وقم.

وما يفعله «ستكسنت»، هو انه يعطي الامر للمحركات داخل اجهزة الطرد المركزية بالدوران بسرعة هائلة، ما يؤدي الى انفجارها، وفي الوقت نفسه، يؤشر الفيروس على الكمبيوترات الى ان التخصيب يجرى طبيعيا. ويعتقد مسؤولون غربيون ان الفيروس ساهم في تعطيل معظم اجهزة الطرد المركزية الايرانية، وان تخصيب اليورانيوم وصل الى حالة من الشلل التام.

هذا النجاح الباهر الذي حققته الحرب السرية الاميركية ترافق مع حرب سرية اخرى، يعتقد ان اسرائيل تقوم بها، وتتمثل في اغتيال علماء نوويين ايرانيين، مثل مسعود علي محمد، الذي تم اغتياله في يناير 2010، ومجيد شهرياري، الذي قتل في نوفمبر 2010. وتعتقد الاوساط الغربية ان طهران الان تخفي عالمها النووي محسن فخري زادة في محاولة لحمايته.

الغرب اذاً فاز في الجولة الاولى، وايران في مأزق، وما يعقد الامور ان المأزق النووي الايراني يأتي بتكلفة باهظة، وهي العقوبات الدولية، التي تحظر على ايران استيراد المعادن التي تحتاجها في صناعة اجهزة طرد مركزية لتخصيب اليورانيوم.

كما تؤثر العقوبات على الوضع الاقتصادي لايران عموما، مع انها لا تطول صادرات البلاد النفطية، وهذه مقرونة بارتفاع اسعار النفط عالميا، وضعت المزيد من السيولة في أيدي حكام طهران، وهو ما تعمل واشنطن حاليا على ايقافه.

في اسطنبول اليوم وغدا، لن يكون ممثلو المجتمع الدولي في عجالة من امرهم في الطلب من ايران ايقاف تخصيبها لليورانيوم، بل سيقدمون عروضا للايرانيين «للاندماج في المجتمع الدولي» ستبدو سخية.

بيد ان معظم المسؤولين الاميركيين لا يتوقعون «حلحة» ايرانية، اذ انهم يرون ان «حكام ايران شعبويون ويفضلون المكابرة على مصلحة شعبهم الفعلية».

ويقول المسؤولون: «لن يكون هناك بديل عن عودة ايران الى الالتزام بالبروتوكول الاضافي، على سبيل المثال، ولن يتم استبدال التفتيش الدولي بمهرجانات شعبية تتم فيها دعوة ممثلين عن دول العالم الى زيارة المفاعلات الايرانية».

حتى تركيا، صديقة ايران ونصيرتها في المفاوضات النووية، لم تلب دعوة طهران لزيارة المفاعلات. «العالم مُجمِع على الالتزام بالمعاهدات الدولية، ولن تنفع المناورات الاعلامية الايرانية، وهذا ما قاله الرئيسان (اوباما وجتنتاو) في مؤتمرهما الصحافي اليوم»، وبهذا يختم المسؤول الاميركي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق