الخميس، 22 سبتمبر 2011

هل نجح الإسرائيليون في وأد خيار الدولة الفلسطينية؟


قد يكتب التاريخ ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس تراجع عن المضي قدما في تقديم طلب انتساب دولة فلسطين الى الجمعية العمومية للامم المتحدة حسبما كان مقررا اليوم. وقد يكتب التاريخ ان تراجع عباس جاء اثر لقائه غير المقرر مع نظيره الاميركي باراك اوباما، والذي استمر زهاء الساعة، اول من امس. ولكن حقيقة الامور هي انه، حتى قبل لقاء عباس - اوباما في نيويورك، نجح الاسرائيليون في انتزاع اكثر من ثلث الاصوات لمصلحتهم في الجمعية العمومية، وهو ما يكفي لاسقاط الخيار الفلسطيني بالتصويت.
في عضوية الجمعية العمومية 192 دولة، يحتاج الفلسطينيون الى اكثرية الثلثين، اي
129 صوتا، لانتزاع اقرار الامم المتحدة بعضويتهم كدولة. ويحتاج الفلسطينيون الى اعلام الأمين العام، الذي يقوم بدوره بتقديم الطلب الى مجلس الأمن، فاذا صوتت تسع دول ايجابا ولم تمارس اي من الدول الدائمة العضوية حق النقض «الفيتو»، يتم تحويل طلب العضوية الى الجمعية العمومية للتصويت النهائي.
قبل ثلاثة اشهر، كان لدى الفلسطينيين اكثر من عشرة اصوات داخل مجلس الأمن مؤيدة لترشيحهم الى الجمعية العمومية، وكان لديهم اكثر من 135 صوتا مؤيدة لعضويتهم في الجمعية العمومية.
كان بإمكان واشنطن ممارسة حق الفيتو لمنع طلب الفلسطينيين من وصول الجمعية العمومية، ولكن الفيتو كان سيضع اميركا في مواجهة لا سابق لها مع الشعور الشعبي العربي ويضعها كذلك في موقف حرج مع العواصم العربية حليفتها.
ولكن لتفادي الاعتماد على الفيتو الاميركي، عمدت الديبلوماسية الاسرائيلية والجمعيات المؤيدة لاسرائيل حول العالم، في الاسابيع القليلة الماضية، بالاتصال بعدد كبير من الدول الاعضاء لإقناعها بضرورة عدم التصويت لعضوية دولة فلسطين.
وتتباهى المجموعات المؤيدة لاسرائيل في الولايات المتحدة انها قامت، في الاسابيع الثلاثة الماضية، بعقد اجتماعات مكثفة مع ممثلي حكومات اكثر من 120 دولة عضوة في الامم المتحدة، ونظمت «رحلات تثقيفية» لهؤلاء الى «القدس ورام الله»، ونجحت باقناعهم بوجهة نظر اسرائيل القائلة: إن «حل الصراع العربي - الاسرائيلي لن يأتي من خلال التصويت في الامم المتحدة، بل يأتي حصرا من خلال المفاوضات».
مع حلول يوم الثلاثاء الماضي، عقدت الجمعيات المؤيدة لاسرائيل جلسة اجرت خلالها جردة للدول التي «انتزعت منها ضمانات بالتصويت ضد قيام الدولة الفلسطينية».
وتقول مصادر اميركية عليمة ان اسرائيل واصدقاءها احصوا «81 دولة كعدد الدول التي أكدت تصويتها ضد عضوية فلسطين في الجمعية العمومية». كما نقلت المصادر الاميركية عن الاسرائيليين قولهم: انهم نجحوا في تقويض الاصوات التسعة التي يحتاجها الفلسطينيون في مجلس الأمن لارسال طلب العضوية الى الجمعية العمومية، وانخفض عدد الاصوات المؤيدة للفلسطينيين الى ستة فقط». هذا النجاح في الديبلوماسية الاسرائيلية ادى الى ارتياح اميركي اذ ازاح عن كاهل واشنطن احتمال اضطرارها الى ممارسة الفيتو ضد ارسال طلب العضوية الفلسطينية الى الجمعية العمومية.
حمل اوباما، ترافقه وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، «الارقام الاسرائيلية» الى فندق «والدورف استوريا» حيث يقيم الرئيس عباس والوفد الفلسطيني المرافق، وقدمها اليه، فيما انتظرت مندوبة اميركا الدائمة لدى الامم المتحدة سوزان رايس خارج الفندق في احدى السيارات المرافقة في الموكب الرئاسي.
نقلت المصادر الاميركية عن الرئيس اوباما «تقديمه نصيحة» الى عباس بعدم المجازفة بالمضي في تقديم طلب ترشيح لن يحوز على اكثرية لا في المجلس ولا في الجمعية. وذكّر اوباما عباس بأنه في حال قرر المضي قدما في تقديم طلب العضوية لتسجيل موقف في السياسة، فان خطوته ستنعكس سلبا على علاقته بواشنطن، وانها ستحرم السلطة الفلسطينية الاموال الاميركية واموال الضرائب الفلسطينية التي تجنيها اسرائيل.
لم يستغرق لقاء اوباما مع عباس اكثر من ساعة، هرع بعدها اوباما الى مكتبة نيويورك العامة حيث كان يستضيف رؤساء الدول المشاركة في الجمعية العمومية في لقاء كوكتيل. وصل اوباما متأخرا اكثر من 40 دقيقة الى اللقاء الذي يستضيفه، ولكن رسالته السياسية كانت وصلت الى عباس، الذي صار كمن «بلع الموسى»، فان مضى قدما بطلب الانتساب، يخسر اموالا وعلاقات دولية، وان تراجع يبدو وكأنه رضخ للضغوط الدولية بعيدا عن تطلعات الفلسطينيين.
عضوية فلسطين في الامم المتحدة لم تسقط بسبب عباس، بل سقطت للسبب نفسه الذي ادى الى اعلان دولة اسرائيل في الامم المتحدة في العام 1948: نجاح ديبلوماسي اسرائيلي باهر وغياب وشلل فلسطيني خصوصا، وعربي عموما، لا مبرر واضح له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق