جريدة الجمهورية - لبنان: أكد الكاتب والمدوّن حسين عبد الحسين أن ما دفعه الى مغادرة لبنان عام 2004 هو احباطه مما آلت اليه الامور مجتمعياً وثقافياً وفكرياً، إضافة الى إدراكه «ان التغيير في مدى زمني منظور هو أمر مستحيل»، مضيفاً «أن في لبنان مشكلة في العقد الاجتماعي، أي في العلاقة بين الفرد والدولة»، وشدد على «أن مشكلة لبنان سياسياً هي اللبنانيين»، معتبراً «أن البعثات الديبلوماسية اللبنانية لا تعرف دورها، فهي ضعيفة سياسياً وتعمل بعجرفة وكأن المهاجرين يركضون وراءها». وهنا نص الحوار:
• ما هي الأسباب التي دفعتك الى مغادرة لبنان؟ ومنذ كم سنة تعيش في الخارج ؟
ـ انتقلت الى العيش في واشنطن مطلع عام 2004. اما الاسباب التي دفعتني الى مغادرة لبنان فمتعددة. السبب الاقتصادي لم يكن واحداً منها، بل أن السبب الرئيسي كان احباطي مما آلت اليه الامور مجتمعياً وثقافياً وفكرياً في لبنان، وادراكي ان التغيير في مدى زمني منظور هو أمر مستحيل. كنت قد امضيت 10 سنوات قبل ذلك ناشطاً في العمل الصحافي مع المرحوم جبران تويني في ملحق "نهار الشباب"، ثم في العمل الطلابي في الجامعة الاميركية في بيروت. انا عندما اصبحت لبنانياً بموجب مرسوم التجنيس 1994 (مع اني مواليد بيروت لأُم لبنانية وعشت في لبنان حتى ذلك التاريخ ما يقارب العقدين، وهي شروط تكفي للحصول على أي جنسية في العالم)، قال لي مأمور النفوس ان عليّ ان اقدم له ورقة من رجل الدين الذي يمثل الملّة التي انتمي اليها. ازعجني ذلك الترتيب ولم يقبل الموظف ادراجي في القيد من دون تلك الوثيقة. شعرت يومها أني لم أحصل على الجنسية اللبنانية، بل على صك انتماء الى الطائفة الشيعية، التي تنتمي بدورها الى دولة لبنان، أي اني مواطن لبناني بالواسطة، شيعي أولاً، ثم لبناني ثانياً. العقد الاجتماعي لم يكن بيني وبين دولة لبنان، بل بيني وبين مفتي الطائفة، الذي من دونه لم أكن لأُصبح لبنانياً.
في لبنان مشكلة في العقد الاجتماعي، أي في العلاقة بين الفرد ودولة لبنان. هذه المشكلة طاردتني وما زالت تطاردني اليوم. تزوجت من امرأة من طائفة مختلفة، وطبعاً الزواج المدني الاختياري غير متوافر في لبنان. تزوجنا في واشنطن "بشحطة قلم". عندما ولد إبننا، أرسلت لنا الحكومة الاميركية أوراقه الثبوتية بالبريد، فيما انا ما زلت ابحث عن طريقة لتسجيله عبر سفارة لبنان لأننا لم نسجل زواجنا لبنانياً، والسبب اني وزوجتي لا نوافق على مسألة نقل نفوس الزوجة الى قيد الرجل لأنه انتقاص من حقوق المرأة.
هذه المشكلات ليست ادارية أو تقنية فحسب، بل هي تعكس فلسفة وجود الوطن اللبناني كوطن للمجموعات المذهبية، لا الافراد، وانا اعارض الانتماء الى مذهب مما جعلني خارج الوطن حتى عندما كنت في داخله. وفي العام 2004، انتقلت الى وطن يمكنني ان اعيش فيه وأن انتمي إليه بلا واسطة.
• هل وجدت صعوبة في التأقلم في البلد الذي تعيش فيه؟ وما هي أبرز العوائق التي واجهتك في البداية؟
ـ انا كنت أفضل حالاً بسبب تعليمي الاميركي وعملي في صحيفة انكليزية، لم أواجه عوائق في اللغة أو الثقافة على غرار المجموعة التي انتقلت من لبنان الى واشنطن في الوقت نفسه. لكن مع كل ذلك، من الصعب اقتلاع انسان من الجذور والطلب منه ضرب جذور في بلد آخر. في السنين الاولى تكون الاوضاع صعبة، وفيها كثير من الحنين الى الوطن والانزعاج من الغربة. فيما بعد، يصبح الفرد تلقائيا ابن البلد، يصبح لديك حلاّقك ومصبغة ثيابك ومقهاك المفضل الذي تعرف أصحابه، ويبدأ الشعور بأن المدينة اصبحت وطناً (هوم بالانكليزية). يتأكد لديك هذا الشعور عند أول اجازة تقضيها في بيروت، خصوصاً اذا انقضى وقت طويل نسبياً على وجودك في المغترب. في آخر رحلاتي الى بيروت، كان البلد تغير منذ ان تركته، وانا طباعي تغيرت كذلك. صرت متحمساً للعودة الى بيتي في واشنطن، ولو لم يكن لدي أهل واصدقاء في لبنان، لكنت صرفت النظر عن زيارة لبنان نهائياً. ثم ان اميركا هي احسن المغتربات، خصوصاً بالمقارنة مع أوروبا. في اميركا الجميع مهاجرون من كل أصقاع الارض، والاميركيون يتوقعون مستوطنين جدداً من امثالي، على عكس في اوروبا. لقد أخذتُ عشرين عاما لأُصبح لبنانياً، وخمسة أعوام فقط لأُصبح أميركياً.
• اليوم كيف تنظر الى لبنان كوطن يؤمن حد خدمات لمواطنيه، وعلى كل المستويات؟
ـ انا لا أُريد خدمات من دولة لبنان، بل حقوق. موضوع ادارة الدولة، مثل خدمات الكهرباء والماء والبنية التحتية هو موضوع تفصيلي، خصوصاً في بلد لا يتجاوز عدد سكانه أربعة ملايين نسمة ولا تتجاوز موازنته السنوية العشرة مليارات دولار، هذه بالكاد تكون موازنة شركة عالمية، مثل شركة "هوندا"، وفي الامكان ان نستخدم اموال الضرائب اللبنانية لنستأجر شركات خاصة تدير كل مفصل من مفاصل الدولة. لكن العصابات السياسية لا يناسبها ذلك، فكل واحدة تصوّر نفسها حامية طائفتها وتحول التفويض الشعبي والنفوذ السياسي قوة تتمكن من خلالها من تحقيق ارباح مالية خيالية. تصور مثلاً ان اغنى سياسي في اميركا، ميت رومني، تبلغ ثروته 250 مليون دولار، وهذا الرقم ضحالته مضحكة بالمقارنة مع ثروات المسؤولين اللبنانيين.
• ما هي العادات التي أكتسبتها في البلد حيث تعيش، وهل تغيرت نظرتك الى القانون وطريقة تطبيقه؟
ـ في زمن العولمة، لا تتغير العادات بنحو كبير بين دولة وأُخرى. أنا لم اصل الى واشنطن مرتدياً الشروال وحاملا زوادة فيها حبات جوز وسندويش تين، كما لا يوجد في واشنطن اميركيون يقودون أحصنة في الشوارع. الاختلافات بين الثقافات تقلصت. ثم اني في لبنان كنت أحترم القانون، وأحترم خصوصاً المواعيد التي أُحددها، وأُحاول أن أكون مواطنا صالحاً. ما تعلمته في الولايات المتحدة هو أن الوطن لا يرتبط بالأرض ولا بالتاريخ ولا بالأنساب. الوطن هو شركة نفعية، مثل أي شركة أُخرى، يدخل فيها المواطن إراديا فيلتزم واجباته ويتمتع بحقوقه تلقائياً. وفي ثقافة الاميركيين أن نظامهم مبني على الثقة الى حد السذاجة. يمكن لكثيرين استغلال هذا النظام، ولكن في اللحظة التي يتم فيها إكتشاف أن فلاناً كذب في موضوع ما، يتحول ذلك طامة كبرى وتصبح صدقية الشخص في خبر كان. الكذب تحت القسم هو احد اسوأ ما قد يتركبه المواطن الأميركي، لا في عيون القانون فحسب، بل في عيون الناس. الاوطان تبنى على مبدأ أن أكثر الناس هم من أهل الخير ويتكلمون بصدق الى أن يثبُت العكس. القلة ممن يتجاوزون القانون، تكون لهم الدولة في المرصاد. ولكن لا يمكن دولة في العالم أن تزرع رجل بوليس الى جانب كل مواطن، كما في الدول العربية ولبنان. وحتى لو أكثرت الدول العربية من الشرطة، فإن افراد الشرطة ليسوا من المريخ، وهم ابناء الثقافة نفسها، ولا شك في أنهم سيتورطون في الفساد بدلاً من ان ينفذوا القانون.
• في رأيك ما الذي ينقص لبنان اليوم؟ نظام ؟ خدمات؟ وكيف تصف علاقة الدولة بالمواطن حيث تعيش بالمقارنة مع لبنان ؟
ـ مشكلة لبنان هي في ثقافة اللبنانيين، والثقافة هنا ليست بمعنى تربية أو علم، بل العادات المجتمعية والقيم السائدة. ما الذي يدفع اللبنانيين الى إعتبار أن هذا الموضوع مهم، وذاك الموضوع تافه، أو هذا إنسان مهم، وآخر أقل أهمية؟ الاجابة هي القيم المجتمعية السائدة والتي تتوارث عبر الاجيال. للأسف الثقافة اللبنانية السائدة مبنية على فكرة أن الشكل هو أهم من المضمون، حتى أصبحت حياة جميع اللبنانيين هي في الشكل فقط، وكذلك دولتهم ودستورهم، شكلية. ثم أن غياب الثقافة يؤدي الى سطحية ذهنية. طبعاً الجميع يطالب باتفاق الطائف وهو جزء من الدستور. أذهب واقرأ اتفاق الطائف، كأنه مقالة صحافية عابرة لكثرة سطحيته. لا فلسفة دستورية فيه، ولا عمق، ولا مواعيد تطبيق، ولا بدائل في حال عدم التطبيق. اللبنانيون يعانون من مشكلة ثقافية تعوق فهمهم للدولة الحديثة وطريقة عملها، ووضع الدولة اللبنانية يعكس ذلك، وهو ما اعطى أُمراء الحرب وزعماء الميليشيات وضباط الاحتلال السوري مسافة واسعة للعبث بما تبقى من الوطن.
• ما الذي تشتاق اليه في لبنان ولا تجده في الخارج؟
ـ عندما أكون في لبنان، أكون محاطا بأكثرية من اللبنانيين، أي أن الثقافة اللبنانية تغلب في الاماكن العامة، وهذا ـ لو تركنا مسألة الدولة جانباـ يشعرني بسرور، أي أني ومعظم الآخرين نتكلم اللغة نفسها، نضحك للفكاهة نفسها، ذوقنا في المآكل متشابه الى حد كبير، والموسيقى العربية... وهكذا. في الولايات المتحدة خليط بشري هائل، نشترك في ثقافة عامة، ولكن في الأُمور الأُخرى كالهوية الثقافية العربية اللبنانية، موجودة في بيوت المغتربين وجمعاتهم فقط.
• هل تعتبر أن مشكلة لبنان سياسياً هي الطائفية أو المذهبية، الإقطاعية وتوارث السلطة، غياب السيادة، غياب الأحزاب والأطر للتعبير عن أفكار الشباب وطموحاته...الخ؟
ـ مشكلة لبنان سياسياً هي اللبنانيين. اكثر الشكاوى التي تسمعها من اللبنانيين هي أن "كل المشكلة في الزعماء" أو "خلي الدولة تفعل كذا وكذا". في ما خص الزعماء، هؤلاء هم نتاج الشعب اللبناني ولم يأتوا من المريخ، كذلك الدولة، هي ليست كائناً منفصلاً عن اللبنانيين، بل انعكاساً لحالهم. المفاهيم لدى اكثرية اللبنانيين بالية، وهي تولد سياسة بالية كذلك. في 14 شباط 2006، اشتركت في ذكرى مقتل رئيس الحكومة رفيق الحريري في ساحة الشهداء. كان السُباب ضد الشيعة أكثر من المطالبة بالعدالة. أستخدم هذا المثال للدلالة على تخلف المفاهيم السياسية لدى أكثرية اللبنانيين. انا اطالب يوميا حزب الله بالقاء السلاح، لا لأن حزب الله حزباً لطائفة واحدة، أو طائفة ونصف (مع مسيحيي ميشال عون)، بل لأن استخدام العنف هو جزء من سيادة الدولة، التي ننتخبها ونموّلها بضرائبنا وفي امكاننا ان نحاسبها متى شئنا. اذا كان حزب الله يريد الحفاظ على سلاحه، فليسمح لنا مثلاً بانتخاب قيادته والتصويت على سياساته ومحاسبته. حينها لا يخيفني السلاح خارج الدولة. يصبح حزب الله ملكنا، هو وسلاحه، لأنه يأتمر حينها بقرار الشعب اللبناني. ولكن ان يكون سلاحه عصياً على آرائنا ومحاسبتنا لادائه، هذه هي المشكلة. في 14 آذار البعض يريد نزع السلاح، أو أن يحصل على سلاح مشابه، أي أن المشكلة لدى هؤلاء ليست في سيادة الدولة، بل في ضعف طائفتهم في مواجهة الطائفة الأُخرى.
خذ توارث السلطة مثلا آخر، حتى في الاتحادات الرياضية يرث الابناء آباءهم في الرئاسة. المشكلة ليست عند الاقطاع وحده. المشكلة هي أن اللبنانيين يؤمنون باحقية نجل فلان في ملء مركز والده الراحل أو المتقاعد، في أي منصب حكومي أو حزب أو مقعد نيابي أو جمعية خيرية أو نقابة عمالية. فكر مثلاً في المدة الطويلة جداً التي بقي فيها ملحم كرم نقيباً للمحررين، ومحمد بعلبكي نقيباً للصحافة. كيف نوجه اللوم الى رئيس البرلمان نبيه بري لترؤسه المجلس منذ 1992 فيما كل منصب آخر، في الدولة وخارجها، يشغله الشخص نفسه منذ انتخابه. لقد كانت نقابة المحررين مقفلة في وجهي أيام عملي في لبنان، اما في واشنطن، فقد انتسبت الى نقابة الصحافة في 24 ساعة. هذه الامثلة هي للتعبير عن مشكلة في المفاهيم لدى اللبنانيين، لدى حزب السلاح ولدى الاحزاب المعترضة عليه، يغيب مفهوم الدولة وكيفية عملها عند الاثنين.
• هل تعتبر أن لبنان قادر على التغلب على مشاكله، ما هي سبل الحل برأيك؟
ـ لا، لبنان ليس قادراً على التغلب على مشاكله في المدى المنظور. سبل الحل قد تكون بنسخ تجارب الشعوب الأُخرى التي سبقتنا في هذا التخبط الذي يلد انظمة لا يمكن ان تولّد إلاّ أزمات. كيف إنتقلت أوروبا من عصور الظلام الى عصر التنوير؟ التفسيرات متعددة، ولكننا نعلم أن المحرك الأبرز كان الثورة الصناعية، التي سمحت بالانتقال من الجماعة الى المواطن. عندما يتحول الفرد من عضو في قبيلة يمنحها الولاء وتمنحه الأمن الجسدي والمادي الى فرد لديه مدخول من عمل منفرد، يتحول قراره من جماعي الى منفرد، وكذلك علاقته بالدولة. ثم يصبح لدى الفرد مصلحة في حماية مكان رزقه، أي مكان وظيفته وعمله، وكذلك بيته، فيستغني عن جزء من ضرائبه ليمول عمل دولة تقدم له، واجهزتها الامنية والادارية، الحماية الجسدية. اوروبا دخلت عصر التنوير عندما تغيرت انماط الكسب الفردي، لا عندما أصبح الجميع في بحبوحة. في الدول العربية وايران، ادت الثورة النفطية الى بحبوحة، ولكن كمية المال الهائلة تأتي الى ولي الأمر، الذي ينفقها على الموالين في قبيلته الكبيرة التي تمتد على مساحة وطن واحد أو اكثر. أي أن النفط كرّس الوضع القبلي العربي والفارسي بدلاً من تغيير أنماط تحصيل الرزق والكسب.
جبل لبنان راكم ثروة صناعية زراعية منتصف القرن التاسع عشر، ساهمت في تعزيز موارده البشرية، ومن ثم نفوذه السياسي في العالم، واستمرت ريادة لبنان حتى سبعينات القرن الماضي. ولكن الثروة اللبنانية تلاشت وظهرت الثروة النفطية. اليوم بدلاً من أن يقود لبنان ثورة فكرية، يلحق ما يتم إنتاجه فكرياً في المنطقة، والفكر في المنطقة قبلي ومتأخر كثيراً عما كان لبنان عليه قبل نصف قرن، مما ساهم في تأخير لبنان بدلاً من تعزيز تقدمه.
• هل تعتبر أن لبنان يستفيد من المهاجرين؟ وهل ستصوت في الإنتخابات المقبلة اذا سمح بذلك في السفارات؟
ـ لن أُصوّت لأن في دائرتي محدلة تحسم. لو كنا في ظل نظام إنتخابي نسبي ودائرة واحدة، لكان لصوتي مفعولاً أكبر من عملية أداء الطاعة التي يقوم بها معظم اللبنانيين لطوائفهم وزعمائها في الدوائر المختلفة. اما بالنسبة الى علاقة لبنان بالمهاجرين، أنا لا يمكنني الحديث باسمهم، ولكني أعتقد أن البعثات الديبلوماسية اللبنانية لا تعرف دورها، فهي ضعيفة سياسياً لدى عواصم العالم بسبب إنهيار الدولة في بيروت. ولكن هذه البعثات تعمل بعجرفة وكأن المهاجرين يركضون وراءها. يمكن أن الشخص الديبلوماسي مهم في بيروت، ولكن في بلد مثل أميركا، حيث يعتقد كل مواطن نفسه القيمة العليا، لا يمكن التعامل مع اللبنانيين الطريقة نفسها. المسؤول في لبنان يتوقع الطاعة والإحترام لدى اللبنانيين كتحصيل حاصل. المسؤول في أميركا يستجدي إحترام الناس له. هذا الاختلاف في المفاهيم يؤثر سلبا على علاقة السفارات اللبنانية في اميركا بالمهاجرين اللبنانيين. انا شخصيا أعتقد أن على حكومة لبنان وسفارتها ان ترجواني لاقناعي بجدوى ابقاء الاتصال معها. لا حقوق مكتسبة للسفارات اللبنانية لدى اللبنانيين المهاجرين، وهو ما لا تفهمه السفارات اللبنانية والقنصليات، خصوصاً في الولايات المتحدة.
• عادة يُقال أن اللبناني يلتزم القوانين حين يعيش في المهجر ولكنه عندما يعود في العطل الى لبنان يعود الى عاداته في القيادة والتهرب من الضرائب وما الى ذلك، هل هذا ينطبق عليك؟ ولماذا في رأيك؟
ـ عادة عندما يشعر المرء بأنه في بيته، يسمح لنفسه بالتراخي تجاه القوانين، كما أنه لا يوجد مغترب ممن يحب ان يتم اتهامه أو إتهامها بالسذاجة في حال التزام قوانين لا يلتزمها اي لبناني. انا لم أقد السيارة في لبنان منذ هجرتي، ولم أتعاط شؤوناً تحتاج الى مراعاتي للقوانين عموماً غير ان اقف في الصف عندما أصل الى مطار رفيق الحريري الدولي، وهذا الموضوع غالبا ما يكون محترماً لدى معظم الوافدين ولدي.
• لو قدر لك أن تقود عملية تغيير في لبنان، من أين تبدأ؟ وما هو لبنان - الحلم بالنسبة اليك؟
ـ أبدأ بتعديل الدستور والغاء مبدأ التعايش واستبداله بمواطنية كاملة ومساواة للجميع واحترام حرية الدين والمعتقد مع ابقائها خارج الحيز العام. بمعنى أن المسيحسسن والمسلمين اذا كانوا لا يخافون بعضهم بعضاً، كما يحلو لهم القول، فلماذا لا نلغي نظام الملل كلياً ونستبدله بدولة مدنية وحقوق متساوية بكاملها؟ ثم نحتاج الى تشكيل اجماع عام لدعم الدستور الجديد والى مؤازرة المجتمع المدني واقامة انتخابات نسبية على اساس لبنان دائرة واحدة وانتخاب رئيس من الشعب، من أي طائفة، مع صلاحيات معززة شبيهة بالنظام الرئاسي لولاية محددة سلفاً وقابلة للتجديد مرة واحدة فقط، فنكون بذلك شكلنا برلماناً تمثيلياً واسعاً وقدرة رقابية، ورئيساً ذا صلاحيات واسعة. بعد ذلك تبدأ عملية بناء مؤسسات الدولة واقرار التشريعات الحديثة والتواصل مع المغترب لاقناعه بأن لبنان جديد يولد فعلاً.
لو كان سيناريو كهذا يلوح في الافق، لكنت أول المغتربين العائدين، ولكن للأسف، حتى في وسط الربيع العربي، كل ما نسمعه من لبنان هو تعايش وصمود ومؤامرات وبواخر كهرباء وفساد والى آخر القصة التافهة نفسها، والمشكلة أن أكثرية اللبنانيين، بعلمها او من دون علمها، تشارك في استمرار الوضع على ما هو عليه، وهو ما يزيد في احباطي ويبقيني بعيداً عن لبنان الذي احببت.
الله يحمى بلادكم وسائر بلاد العرب والمسلميين
ردحذف