| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
في جلسة خاصة، اشتكى ديبلوماسي أميركي سبق ان عمل على الملف السوري من ان هذا الملف لا يحظى بأولوية داخل أروقة القرار الاميركي. وضرب مثالا على ذلك بالقول انه اتصل مرة بزميل في الادارة طالبا منه العون في الاتصال بعواصم خليجية من اجل حشد الدعم السياسي والمالي للمعارضة السورية، فكانت الاجابة: «اثناء حديثه مع زعماء خليجيين، يحتاج الرئيس (باراك اوباما) الى تركيز الانتباه على الازمة اليمنية... ربما نحاول ان نتحدث مع الخليجيين في الموضوع السوري بعد اسابيع ريثما ننتهي من اليمن».
الولايات المتحدة تخوض حربا شبه سرية ضد «تنظيم القاعدة» في اليمن، وغالبا ما تستخدم طائراتها من دون طيار لتصفية زعماء هذا التنظيم. وكان جون برينان مستشار الرئيس لشؤون الارهاب، والمرشح اليوم لمنصب مدير «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي ايه)، هو المكلف بهذا الملف، وهو كان على تنسيق متواصل مع السلطات اليمنية، ولعب دورا حاسما في التوصل الى خروج الرئيس السابق علي عبدالله صالح من الحكم.
أما ملف العراق، على سبيل المثال، فكان تحت اشراف نائب الرئيس جو بيدن ومستشاره انتوني بلينكن، الذي اصبح اليوم نائب مستشار الامن القومي للرئيس الاميركي، وهو ما يؤشر الى الاهمية التي كان يتمتع بها الموضوع العراقي بالنسبة لادارة اوباما حتى الانسحاب من العراق نهاية العام 2011.
الملف السوري لم يشرف عليه يوما احد من وزن بيدن او برينان، اللذين يتمتعان بقناة اتصال مفتوحة مع اوباما.
في الماضي القريب، تابع الازمة السورية بيروقراطيان كفوءان هما مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان وزميله فريد هوف، الذي كان منتدبا اصلا للعمل على المسار السوري في فريق مبعوث السلام جورج ميتشل. اليوم، حتى هذان المخضرمان خرجا من وزارة الخارجية، ولم يعد غير السفير الاميركي السابق في سورية روبرت فورد مكلفا العمل على الموضوع، ويبدو ان فورد هو صاحب اعلى مرتبة ممن يتابعون الوضع السوري داخل الادارة الاميركية.
تدني اهمية الملف السوري لدى اوباما مبني على ثلاثة اعتبارات.
الاول هو عدم اعتقاد الادارة الاميركية ان لسورية اهمية استراتيجية تذكر تستأهل أي اجراءات اميركية غير بعض الديبلوماسية والمساعدات الانسانية. اما لمعرفة كيفية تقييم ادارة اوباما للاهمية الاستراتيجية لدول المنطقة العربية، فيمكن مقارنة سورية بالعراق، حيث استثمرت اميركا اكثر من ترليوني دولار وخسرت قرابة 5 آلاف جندي للاطاحة بنظام صدام حسين.
أما ابرز ما في العراق فيتمثل بكونه من بين اربع او خمس دول تتمتع بأكبر احتياطات نفطية في العالم. وعودة العراق الى بيع النفط في السوق سمحت بعزل السوق الايرانية من دون ارتفاعات تذكر في سعر برميل البترول عالميا. ثم انه كان يمكن للعراق ان يلعب دورا حليفا اساسيا لواشنطن في المنطقة، وان يساهم في مواجهة النفوذ الايراني المتمدد.
ورغم نقاط الافضلية الاستراتيجية التي يتمتع بها العراق، اعتبر اوباما ان تورط اميركا فيه كان مكلفا، وان الافضل لها الخروج منه بأقل خسائر ممكنة، ومن دون ربط الخروج بأي فوائد اميركية تذكر.
هذا في العراق. اما سورية، فانتاجها النفطي لم يتعد المئتي الف برميل يوما، وهو رقم ضئيل لا يؤثر في اسعار السوق سلبا ام ايجابا. ثم ان سورية كانت دوما حليفة ايران، ومن غير الواضح ان اي نظام سيخلف حكم الرئيس بشار الاسد سيبني علاقة مميزة مع واشنطن او انه سيكون بمقدوره مجابهة النفوذ الايراني.
هكذا تعتقد الولايات المتحدة انه، رغم ان في اضعاف بشار الاسد فائدة لها على صعيد المواجهة مع ايران، ولكن ليس في سورية استراتيجيا ما يدعو الى التورط فيها عسكريا.
السبب الثاني لتدني اهمية الملف السوري عند اوباما هو تدني اهمية سورية لدى الرأي العام الاميركي. والمعروف ان الاميركيين غالبا ما يميلون الى عزل انفسهم دوليا بعد كل حرب كبيرة، كما حصل بعد الحربين العالميتين وبعد حربي كوريا وفيتنام، ويحصل اليوم بعد نهاية «الحرب على الارهاب» والانسحاب من العراق والانسحاب المقرر من افغانستان العام المقبل.
ثم ان السوريين المطالبين باهتمام اميركي اكثر بثورتهم ضد نظام الاسد لم يقوموا حتى الآن بأي خطوات من شأنها استمالة الرأي العام الاميركي وجعله تاليا يمارس الضغط على ادارة اوباما لدفعها على ايلاء الازمة السورية الاهمية المطلوبة.
الاميركيون بشكل عام يعتقدون انهم قدموا الغالي والنفيس من اجل حرية العراقيين والافغان، وان مكافأتهم جاءت على شكل عودة عدد كبير من ابنائهم وبناتهم الى بلادهم في التوابيت، ومن دون تقدم يذكر على صعيد الحرية والديموقراطية في هذين البلدين.
«نكران الجميل» لدى العراقيين والافغان هو الشعور الاميركي السائد، وهو ما ينسحب على سورية اليوم اذ تعتقد غالبية الاميركيين، حسب الاستطلاعات، ان تدخل بلادهم في سورية سينقلب ضدهم، وانهم لن ينالوا كلمة شكر من احد.
ومن المفيد هنا تقديم مقارنة سورية بالوضع العراقي قبل الحرب ضد صدام، فالمعارضون العراقيون لعبوا دورا هائلا في استمالة الرأي العام الاميركي لمصلحة الحرب، وأغدق بعض المعارضين العراقيين الوعود بأن عراق ما بعد صدام سيكون صديق اميركا في المنطقة، وان العراقيين سيستقبلون الجنود الاميركيين «بالورود والحلويات». ومن نافل القول ان ما حدث بعد الحرب هو العكس، وان من ابرز من تحدثوا عن صداقة عراقية - اميركية بعد صدام هم اليوم من رجالات طهران في بغداد.
اذاً، لم يصدف ان توجه اي معارض سوري يتمتع بوزن بطلب مباشر الى الولايات المتحدة للقيام بأي تدخل، عسكري او سواه، في سورية، اذ ان طلبات المعارضين السوريين جاءت غالبا على شكل مناشدة عامة للمجتمع الدولي عموما، وهكذا دعوات لا يمكن البناء عليها حملات مؤثرة في الرأي العام الاميركي.
السبب الثالث والاخير لتدني اهمية سورية هو ان اوباما لا يعتقد ان من واجب اميركا وحدها التدخل لاسباب انسانية لوقف مجازر حول العالم، وهو في مقابلته الاخيرة مع مجلة «ذا نيو ريببلك»، قال: «كيف أوازي بين عشرات الالاف الذين قتلوا في سورية مع عشرات الآلاف الذين يقتلون حاليا في الكونغو؟» على ان واشنطن قد لا تمانع اي تدخل عسكري في سورية لاسباب انسانية، ولكن على شرط ان يأتي ذلك من ضمن تحالف دولي، على غرار التدخل في ليبيا، وان تكون حربا سهلة وقصيرة تسمح للاميركيين بالاعتماد على تفوقهم التكنولوجي والجوي، من دون استخدام أي جنود على الارض او التورط في مواجهة - وان جوية فقط - مفتوحة الامد وبالتالي غير محسوبة تكاليفها المالية.
لكل هذه الاسباب، تقبع الثورة السورية في أسفل سلم اولويات اوباما.
طبعا تدني اهمية الملف السوري لا يعني أبدا ان اوباما مستعد لقبول طروحات روسيا او للعودة عن تنديده بالاسد واصراره على رحيله. لكن المواقف الاميركية المتشددة ضد الاسد لن تقترن بأي خطوات سياسية او ديبلوماسية او عسكرية ملموسة من شأنها ان تساهم في تسريع الحسم لمصلحة الثوار.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق