الأربعاء، 27 أغسطس 2014

'المنحبكجية'..داخل ادارة أوباما

حسين عبدالحسين

"لا يعني (ضرب الدولة الإسلامية داخل سوريا) تحالفا مع الأسد، بل ما نحتاجه ببساطة هو محاربة عدو للولايات المتحدة من دون التورط في الحرب الأهلية السورية"، يكتب السفير السابق في سوريا والعراق ولبنان ريان كروكر في "صحيفة نيويورك تايمز" هذا الأسبوع، مكرراً مقولة يرددها كثيرون داخل الإدارة الأميركية وخارجها ان مصير الأسد لا يعنيهم، بل أن دعوتهم لتوسيع الحرب الأميركية في العراق لتشمل أجزاء من سوريا يهدف فقط للقضاء على "الدولة الإسلامية". لكن كروكر يكذب.

ففي كانون الأول/ديسمبر الماضي، كتب كروكر في الصحيفة نفسها مقالة حملت عنوان "الأسد أقل الخيارات سوءا في سوريا"، وجاء "انه حان الوقت للتفكير بمستقبل لسوريا لا يتضمن الإطاحة بالأسد لأن هذا في الغالب ما سيكون عليه المستقبل". في تلك المقالة، اعتبر كروكر ان الرئيس باراك أوباما تجاوز "مبدأ أساسياً في الشؤون الخارجية" مفاده "أنك ان قدمت سياسة، عليك ان تتأكد ان لديك الوسائل لتنفيذها، وفي سوريا، من الواضح اننا لم نفعل ذلك".

وكتب كروكر في ديسمبر: "لقد اسأنا تقدير قدرة الأسد وعلينا ان نقبل انه لن يذهب، وان البديل هو وقوع بلد عربي أساسي في ايدي القاعدة". لكن النجم الدبلوماسي السابق قلل في المقالة نفسها من إمكانيات التنظيمات الإسلامية، واعتبر ان قوات الأسد الاحسن تسليحا وتنظيما ستستعيد كل سوريا، "ربما تحافظ القاعدة على بعض الجيوب في الشمال، لكنه سيحافظ على دمشق".

هذا السفير، الذي تعتقده واشنطن أبرز خبرائها في الشؤون الخارجية والذي عهدت اليه إدارة العراق، توقع قبل اقل من سنة ان تتقهقر التنظيمات الإسلامية امام الأسد. ثم في اليوم الذي تلى انتزاع "الدولة الإسلامية" مطار الطبقة العسكري في الرقة من قوات الأسد، بعد معركة دامية، كتب كروكر ان على أميركا ضرب الدولة بغض النظر عن مصير الأسد، وهذا ليس انقلابا في موقف كروكر فحسب، بل يشي بخوفه من نجاح الإسلاميين بالقضاء على الأسد، ويريد ضمنيا ان تشارك اميركا في منع انهياره، ولكنه هذه المرة لا يقول ذلك صراحة.

والانقلاب في الموقف من رافض للتدخل الى مطالب بضرب اهداف تابعة "للدولة الإسلامية" في سوريا، كما في العراق، ليس حكرا على كروكر وحده، بل يمثل موقف عاملين في فريق أوباما، وان كان هؤلاء يتفادون الادلاء بمواقفهم علنا.

في مقدمة هؤلاء يأتي مسؤول الشرق الأوسط داخل مجلس الامن القومي الأميركي روبرت مالي، الذي قدم تصورا للأزمة السورية، قبل أكثر من عام وقبل تعيينه في منصبه، شبيهاً بموقف كروكر السابق والقاضي بأن لا جدوى من أي تدخل عسكري أميركي، وأن الحرب في سوريا لا تتعلق بسوريا وحدها، بل هي جزء من مواجهة إقليمية أكبر وأوسع، وان لا مصلحة لواشنطن بالتدخل فيها.

ومالي مؤيد قديم للأسد، وهو زاره في دمشق مرارا قبل وصول أوباما الى الحكم، وكان من أكبر الداعين لتبني "سياسة الانخراط مع الأسد" قبل اندلاع الثورة في آذار 2011. وفي شباط الماضي، عين أوباما مالي في منصبه الحالي، ويقول عاملون في الإدارة الأميركية ان مالي اليوم يؤيد توسيع الضربات الأميركية في العراق لتشمل سوريا.

وتصوير الثورة السورية على أنها جزء من منظومة إقليمية سياسة بدأت مع الأسد نفسه، الذي حاول منذ اليوم الأول انتزاع وصف ثورة عن الانتفاضة المطالبة بإنهاء حكمه، وقام بفرض تسميات عليها تراوحت بين اعتبارها تدخلا إقليميا في الشؤون السورية او تصوير قمعه لها وكأنه جزء من الحرب العالمية ضد الإرهاب.

كروكر، مالي، وكثيرون غيرهم من المسؤولين الاميركيين الحاليين والسابقين، كرروا موقف الأسد نفسه، وقالوا انها ليست ثورة بل أزمة إقليمية، وان لا مصلحة لأميركا الدخول فيها، قبل ان ينقلبوا الى مطالبين بتدخل واشنطن لضرب "الدولة الإسلامية" التي يبدو انها صارت تهدد الأسد ونظامه الى حد ما، اذ على الرغم من تفوق قوات الأسد، وخصوصاً في الجو، انتزعت الدولة منه كامل محافظة الرقة تقريباً.

والى كروكر ومالي، يبرز رئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي، الذي خاض معارك شرسة اثناء اجتماعات فريق الأمن القومي برئاسة أوباما مصرّاً على ضرورة بقاء أميركا خارج الحرب في سوريا، قبل ان ينقلب في ليلة وضحاها الى مطالب بتدخل أميركي فوري وسريع في العراق، وهو كان الشخص الذي لعب دورا محوريا في اقناع أوباما بضرورة التدخل جويا في شمال العراق الغربي.

بعد التدخل في العراق، قال ديمبسي ان قواته قد توسع ضرباتها لتشمل اهداف "الدولة الإسلامية" داخل سوريا، فلاقى هجوما من سياسيين كبار كان في طليعتهم السناتور الجمهوري جون ماكين، المؤيد للتدخل الأميركي العسكري في سوريا منذ الأشهر الأول للثورة، الذي اتهم ديمبسي بالتقلب، فما كان من الأخير إلا ان تراجع نوعا ما، معتبرا ان الإسلاميين في سوريا لا يشكلون خطرا على أميركا في الوقت الحالي، وان خطرهم إقليمي فقط، وانه سيقدم توصيات بضرب أهدافهم في سوريا اذا ما شكلوا خطرا على بلاده.

لكن موقف ديمبسي شكل تناقضاً مع موقف رئيسه وزير الدفاع تشاك هايغل، الذي قال الأسبوع الماضي ان لدى "الدولة الإسلامية" جهوزية تناهز مقدرات "تنظيم القاعدة" قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وان خطر الدولة على واشنطن داهم، وان على أميركا التدخل لدرء هذا الخطر.

مثل الفريق المتناسق، يقف مؤيدو الأسد في واشنطن داخل الإدارة وخارجها، يتبنون الموقف نفسه، وينقلبون الانقلاب نفسه، وغالبا ما تكون مواقفهم صدى لمواقف يقرأها كثيرون او يسمعونها من الأسد ونظامه، او أن ذلك من باب المصادفة فحسب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق