حسين عبدالحسين
تحوّل وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، إلى أول كبش فداء للسياسة الخارجية المترنحة، التي يقودها الرئيس باراك أوباما، منذ تسلمه الحكم في العام 2009. صحيح أن عدداً لا بأس به من العاملين في فريق أوباما، بدأوا يقفزون من السفينة قبل سنتين من نهاية حكمه، فخرج وزير العدل أريك هولدر، الشهر الماضي، ووجد نائب مستشارة الأمن القومي انتوني بلينكن نفسه في مواجهة مجلس الشيوخ لتولي منصب وكيل وزارة الخارجية، إلا أنه لم يكن مقرراً يوماً أن يخرج هاغل قبل نهاية حكم أوباما، فالرجل جاء إلى الإدارة بخروجه من التقاعد، وهو يتمتع بثروة جمعها في الصين، قبل دخوله مجلس الشيوخ في العام 1996، وخروجه منه في العام 2008.
لكن الضغط السياسي الداخلي تصاعد في وجه الرئيس الأميركي، وخصوصاً بعد الهزيمة الضخمة التي مني بها حزبه في الانتخابات النصفية مطلع تشرين ثاني/نوفمبر، وفشل الولايات المتحدة في وقف تمدد تنظيم الدولة الإسلامية، الذي شن هجوماً ضد الرمادي بعد ثلاثة أشهر من الضربات الجوية، التي تكلف الأميركيين حوالي 8 ملايين دولار يومياً. ما دفع باتجاه مراجعة سياسة أوباما في العراق وسوريا، من وجهة نظر غالبية الأميركيين.
ولطالما كان هاغل، على الرغم من انتمائه للحزب الجمهوري، من المؤيدين لـ"تسوية كبرى" مع الإيرانيين، حتى قبل خروجه من مجلس الشيوخ. وهو سبق أن التقى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في دمشق، ودعا إلى تسوية مع الإيرانيين شبيهة بتلك التي توصلت إليها أميركا مع الصين، في عهد الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون في العام 1972.
وأدى موقف هاغل اللين إلى تقاربه مع زميله السناتور أوباما المرشح للرئاسة، ثم مع الرئيس أوباما الذي عينه وزيراً للدفاع بتكلفة سياسية عالية، إذ تعرض هاغل لهجوم عنيف من مجلس الشيوخ أثناء جلسة المصادقة على تعيينه، ولم يبل بلاء حسناً أمام هجوم زملائه السابقين من الحزبين.
وراح هاغل يشرف على سياسة أوباما القاضية بـ"تقليص" التواجد الأميركي في الشرق الأوسط، وتخفيض موازنة وزارة الدفاع عموماً، ولكنه لم يجد نفسه يوماً في دائرة المقربين من الرئيس، على الرغم من متانة الصداقة التي تجمع بينهما. فهاغل لم يشارك في صناعة قرار تعليق الضربة التي كانت مقررة ضد قوات الرئيس بشار الأسد، على إثر مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق صيف 2012، بل علم بالقرار، الذي اتخذه أوباما بالتشاور مع مسؤولين أدنى مرتبة من هاغل، عبر الهاتف.
والصيف الماضي، كان رئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي هو من أقنع أوباما بضرورة شن ضربات جوية لوقف هجوم تنظيم الدولة ضد كردستان العراقية، بدلاً من أن يلعب هاغل هذا الدور.
ولضعفه وقلة نفوذه، لم تكن مفاجأة، أن يتحول هاغل إلى أول كبش فداء للفشل الذي تعاني منه واشنطن في مجهودها العسكري ضد تنظيم الدولة. هكذا، أرسل أوباما رسالة إلى معارضيه، مفادها أنه يدرك الحاجة لاستبدال وزير دفاعه المحسوب على الحمائم، بآخر من الصقور. بكلام آخر، استقالة هاغل هي بمثابة رسالة وجهها أوباما للأميركيين يقول فيها ضمناً: "أنا فهمتكم"، وسأعمل على تغيير في السياسة الدفاعية في مواجهة تنظيم الدولة.
لكن من يعرف الرئيس الأميركي، يدرك أن تضحيته بهاغل هي عبارة عن مناورة سياسية لا غير. فتعيين خلف له، والمصادقة عليه، وتثبيت الخلف نفسه في المركز، سيستغرق شهوراً قبل التوصل إلى استراتيجية أميركية جديدة لمواجهة التنظيم. وهذا سيكون على غرار المماطلة المستمرة في المفاوضات النووية مع الإيرانيين، التي يبدو أنها تحولت إلى هدف بحد ذاته، وتحولت عملية تمديدها إلى تهدئة سياسية يستفيد منها الطرفان في واشنطن وطهران.
ومن نافل القول، إن تمديد المفاوضات يقلص من الفترة التي يمكن لأوباما رفع العقوبات خلالها على إيران بمراسيم تنفيذية، بعيداً عن موقف الكونغرس الرافض لرفعها، من دون التفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني. ومع تمديد المفاوضات إلى حزيران/يونيو، وفي حال تمخضت عن التوصل لاتفاقية نهائية، ما يتيح للرئيس تعليق العقوبات لمدة لا تتجاوز السنة ونصف، حتى خروجه من البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير 2017.
استقالة هاغل، كما تمديد المفاوضات مع إيران، تكتيكان متشابهان لرئيس بنى برنامجه السياسي على تقليص النفوذ الأميركي حول العالم، وهو لا يرغب في تعديله، بل يسعى إلى كسب الوقت حتى يحين وقت خروجه من الحكم، لتصبح المشاكل برسم خلفه للتعاطي معها.