الاثنين، 29 يونيو 2015

حتى انت يا بترايوس؟

حسين عبدالحسين

قدمت مجموعة من المستشارين السابقين للرئيس باراك أوباما، ممن يعلمون حاليا في مراكز الابحاث، عريضة الى البيت الابيض شككوا فيها بامكانية نجاح اي اتفاقية مع ايران في وقف برنامجها النووي. وقدمت العريضة في الوقت نفسه نصائحا للادارة الاميركية حول ضرورة تغيير سياساتها في العراق وسوريا واليمن.
ومما ورد في العريضة دعوتها الحكومة الاميركية الى العمل على “تحييد الميليشيات التي تدعمها ايران” في العراق، والى فصل هذه الميليشيات عن “الوحدات الشيعية (المعروفة باسم الحشد الشعبي) التي لا تسيطر عليها ايران”.
ومن غير المستغرب ان يوقع “خبراء” في مراكز الابحاث على نصائح سيئة من هذا النوع، اذ تعج هذه المراكز بأشخاص يتصفون بسطحية معرفتهم وشح معلوماتهم حول العالم العربي وشؤونه، في وقت يعتقد كثيرون ان هؤلاء الخبراء غالبا ما يكتسبون مراكزهم — لا بسبب معلوماتهم — بل بسبب علاقاتهم الشخصية التي تفتح لهم الابواب للوصول الى هذه المراكز المرموقة والمشاركة في تقديم نصائح وسياسات تكون في الغالب خاطئة.
على ان من موقعي العريضة برز اسم مدير “وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي اي) السابق الجنرال دايفيد بترايوس. والى السمعة الكبيرة التي اكتسبها بترايوس كبطل حرب العراق، الذي أشرف على “خطة زيادة القوات” ونجح في وأد الحرب الاهلية فيه، سبق ان صنفت كبرى المجلات الاميركية الرصينة بترايوس كواحد من أذكى مئة مثقف أميركي.
ونظرا لسمعته العسكرية والفكرية، بدا مستغربا ان يوقع شخص يتعاطى السياسة الخارجية، من طراز بترايوس، على عريضة تطالب بفصل الوحدات الشيعية العراقية الموالية لايران عن وحدات “الحشد الشعبي”، فالحشد ليس تنظيما عفويا، بل ميليشيا منظمة بادر الى انشائها رئيس الحكومة السابق نوري المالكي تحت مسمى “سرايا الدفاع الشعبي”، وتلقفها خلفه حيدر العبادي وتابع رعايتها، ثم تم تغيير اسمها بعد انهيار القوات العراقية في الموصل، قبل عام، حتى يتماشى الاسم مع فتوى المرجع علي السيستاني القائلة بضرورة حشد العراقيين لتنظيم دفاع الشعبي.
ومقاتلو “الحشد الشعبي” اليوم يتسلمون رواتبهم من وزارة الداخلية العراقية، التي تبلغ موازنتها السنوية 3,8 مليار دولار ويترأسها الوزير محمد الغبّان، وهو عضو “منظمة بدر”، أقدم الميليشيات الشيعية العراقية وأكثرها ولاء لايران.
ويتألف “الحشد الشعبي” من عدد من الاجنحة المسلحة لأحزاب سياسية تقسم الولاء علنا لمرشد الثورة الايرانية علي خامنئي، وتطلق عليه تسمية قائد الأمة، مثل سرايا الخرساني. وخرسان هي محافظة تقع شمال شرق ايران، وفيها مدينة مشهد التي يعتقد الشيعة انها تستضيف مرقد الامام الثامن علي الرضا، الذي يطلق عليه الايرانيون لقب “سلطان خرسان”.
وشعار ميلشيا “الحشد الشعبي” نفسه مستوحى من شعار الباسدران الايراني، والباسدران هي القوات غير النظامية الموالية للنظام، وهي ساهمت بشكل كبير في قمع “الثورة الخضراء” ضد النظام في العام 2009.
وشعار الباسدران هو غالبا عبارة عن كتابة مع سلاح كلاشينكوف مائل على خلفية صفراء، وهو ايضا شعار “الحشد” وشعار ميليشيات متعددة منضوية تحت لواء هذا الحشد، وهو كذلك يشبه شعار “حزب الله” اللبناني.
في ظل هذا التماهي بين “الحشد الشعبي” والعقائد السياسية وشعارات الميليشيات الايرانية الموالية للنظام، وفي ظل حكومة عراقية موالية بالكامل لطهران يشغل وزارة الداخلية فيها “ميليشيوي” موالي لايران كذلك، يصبح من شبه المستحيل معرفة الفارق بين الميليشيات العراقية التي تدعمها ايران وتلك التي تسمي نفسها “الحشد الشعبي”، بل يمكن القول ان ميليشيا “الحشد الشعبي” نفسها هي احدى اكثر التنظيمات الناشئة حديثا والموالية للايرانيين.
وان يعتقد الخبراء الاميركيون ان السبيل الى اصلاح السياسة الاميركية في العراق يقضي بفصل “الحشد الشعبي” الموالي لايران عن “الميليشيات التي تدعمها ايران” هو اعتقاد ممكن نظرا الى الشح الفكري الذي يسيطر على عقول هؤلاء الخبراء. ولكن ان يرد بين اسماء هؤلاء الخبراء اسم مفكر كبير وصاحب تاريخ عريق في العراق مثل دايفيد بترايوس، فذلك خيبة أمل كبيرة تشي بأن السياسة الاميركية، في عهدة أوباما كما في عهدة معارضية او خلفائه من بعده، ستستمر غارقة في الاضطراب نفسه الذي كلف منطقة الشرق الاوسط الكثير على مدى العقود الماضية، ومازال يكلفها الكثير اليوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق