الثلاثاء، 30 يونيو 2015

لوبي إماراتي في واشنطن.. قوة خفية للاسد وإيران

حسين عبدالحسين

يكتب كبير الباحثين في "معهد دول الخليج العربي"، الصديق حسين ايبش، أن "سياسة قطر الخارجية الحذرة قد تكون مؤشرا أن قطر قررت أن التنسيق مع جيرانها الخليجيين سيعود عليها بنتائج افضل من أن تحاول أن تتصرف كقوة عظمى صغيرة". وفي مقالته التي نشرها في صحيفة "نيويورك تايمز"، يوحي ايبش وكأن قطر تراجعت وتغيرت، ويعزز مصداقيته أنه يكتب مقالته من الدوحة، فضلا عن ارتباط اسمه بمركز ابحاث يوحي وكأنه منبثق عن "مجلس التعاون الخليجي". لكن ما خفي في مقالة ايبش أعظم مما ظهر.

اولا، من غير المفهوم كيف غيرت قطر سياستها الخارجية، فهي منذ اندلاع حرب العراق عانت من حكامه الجدد، فكان "مجلس الحكم" الذي عينته واشنطن أول من حظر عمل فضائية الجزيرة في العراق وأغلق مكاتبها. وكما في العراق حيث وقفت في صف المعارضة العراقية، كذلك في سوريا، كانت قطر من اوائل الدول التي أيقنت أن الحلول مع الرئيس بشار الأسد غير ممكنة، وسارت في دعم معارضيه. اما في مصر وليبيا، فما زالت الدوحة تنحاز الى جانب الثوار منذ ايام الربيع العربي في العام ٢٠١١.

ثانيا، من غير المفهوم تهكم ايبش واتهامه الدوحة بمحاولة التصرف كقوة عظمى. ولكن متى انكشف السبب بطل العجب، فـ "معهد دول الخليج العربي" الفاخر، الذي تم افتتاحه مؤخرا في واشنطن، يعمل بتمويل كامل من الامارات العربية المتحدة. وعلى عكس ادعاءات ايبش أن قطر هي التي تحاول التصرف كقوة عظمى، تشير بيانات الانفاق على شراء النفوذ داخل واشنطن، اي العملية المعروفة بـ "اللوبي"، أن الامارات العربية المتحدة تصدرت الانفاق العالمي بأنفاقها ١٤ مليون دولار في العام ٢٠١٤، متفوقة على دول عظمى ذات علاقات تجارية ضخمة مع اميركا مثل المانيا وكندا.

ومن يطالع بيانات اللوبي الاماراتية في واشنطن، وهي بيانات واجب تقديمها علنا حسب القانون، يرى بأن اللوبي الاماراتي يكاد أن يبتاع لنفسه تأييدا مع كل عامل في السياسة الخارجية الاميركية. هكذا، شن السيد مارك لينش المحرر في مجلة "فورين بوليسي" العام الماضي هجوما ضد قطر والكويت بتهمة التراخي مع متمولين يرسلون اموالا الى "تنظيمات اسلامية متطرفة" في سوريا. وألّفت دراسة لهذا الغرض اليزابيث ديكنسون، التي سبق أن عملت في صحيفة "ذي ناشونال" التي تملكها حكومة ابوظبي، والتي ينشر فيها ايبش مقالا اسبوعيا. وخلصت ديكنسون الى أن متمولين خليجيين في قطر والكويت يرسلون اموالا الى تنظيمات اسلامية "تقاتل الى جانب تنظيمات ارهابية". طبعا الشيطان في التفاصيل، فالدراسة لم تثبت تمويلاً خليجياً للتنظيمات الارهابية نفسها، ولكن الدراسة ولدت انطباعا تلقفه آخرون من اصدقاء الامارات في واشنطن، من امثال صديق اسرائيل جوش روغان، الذي اتهم في مقالة الحكومة الكويتية نفسها بالتورط في تمويل ارهابيين في سوريا.

وشارك في الحملة عدد من اصدقاء الامارات ممن سبق أن عملوا في وزارة المالية في عهد الرئيس السابق جورج بوش، ومن ديبلوماسيين اميركيين سابقين في الامارات، وهؤلاء استخدموا علاقاتهم بمساعد الوزير دايفيد كوهين، الذي يعمل اليوم نائبا لمدير "وكالة الاستخبارات المركزية" (سي آي اي)، فقام الأخير بتسريب ادعاءات الى ديكنسون، ما لبث أن قالها حرفيا في خطاب علني له.

ومن اصدقاء اسرائيل الآخرين، ممن تظهر بيانات اللوبي اتصال اماراتي معهم، جوديث ميلر، وهذه الاخيرة هي بطلة قصة أسلحة الدمار الشامل العراقية عندما كانت تعمل في "نيويورك تايمز". وبعد فضيحة عدم العثور على هذه الاسلحة، طردت الصحيفة "جودي"، التي صارت تعمل مع شبكة "فوكس" اليمينية. ومن يراقب مواقف جودي منذ ربيع العام ٢٠١١ سيلاحظ انقلابا حادا في موقفها من الثورة المصرية، التي أيدتها بشدة، قبل أن تنقلب عليها وتتحول الى الداعمة الاولى للانقلاب، ما دفع القاهرة الى منحها مقابلة مع الرئيس عبدالفتاح السيسي بثتها "فوكس". وبين مواقف جوديث الداعمة للثورة وللديموقراطية المصرية ومواقفها المستجدة الداعمة للانقلاب لقاء مع عاملين لمصلحة الامارات في واشنطن.

من هي الدولة التي تلتزم أكثر الاجماع الخليجي: قطر ام الامارات؟ لنأخذ سوريا مثلا، حيث تتطابق مواقف قطر مع السعودية و"مجلس التعاون". اما الامارات، او من يعمل في خدمتها مثل السفير الاميركي السابق في مصر ورئيس "معهد الدول الخليج العربي" فرانك ويزنر، الذي كتب علنا ومرارا مقالات جاء فيها أن الحل الوحيد في سوريا يتمثل باعادة تأهيل الأسد ودعمه للقضاء على الارهاب. وحث ويزنر زميله السابق السفير السابق ريان كروكر، مهندس الانفتاح الاميركي على ايران في افغانستان والعراق في زمن بوش، على اتخاذ موقف مؤيد للأسد، وهو ما فعله كروكر مرارا وعلنا في كبرى الصحف الاميركية.

ولنأخذ مثلا آخر: ايران، التي تحتل جزرا اماراتية. مع أن الموقف الاماراتي الظاهر يشي بالتزام الامارات الجبهة العربية ضد تدخل ايران ونفوذها المتعاظم في العالم العربي، الا أن تقارير اميركية متعددة اشارت في الماضي الى قيام طهران باستخدام الامارات كمصرف بديل لها في ظل العقوبات الدولية المفروضة على النظام الايراني. كذلك سبق أن اشارت تقارير اميركية الى قيام ايران بشراء لوازم برنامجها النووي عن طريق شركات وهمية مركزها الامارات. ولزيادة تأكيد الصداقة الاماراتية - الايرانية، تشير نظرة الى مجلس "معهد دول الخليج العربي" الى عضوية السفير الاميركي السابق توماس بكيرنغ، وهو من اكبر رعاة اللوبي الايراني في واشنطن والداعين الى رفع كامل وغير مشروط للعقوبات عن ايران والى تحالف اميركي معها.

قد يشي صوت فضائية الجزيرة الواسعة الانتشار أن الدوحة تسعى الى زعامة اقليمية او عالمية ما، ولكن اللوبي الاماراتي في واشنطن، وديبلوماسية الامارات، ومعهدها وكتّابها في "نيويورك تايمز" وغيرها، وصداقة هؤلاء المتينة مع المدافعين عن الأسد وايران، كلها تشي بعكس ما كتبه ايبش تماما في مقالته. ربما كان الأجدى للزميل ايبش أن يدبّج مقال بعنوان "الامارات مستمرة بمسارها" بدلا من مقالته التي حملت عنوان "قطر تغير مسارها". وربما كان الأصدق لو أنه ارسل مقالته من ابوظبي بدلا من كتابتها في الدوحة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق