الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

تل ابيب: تقاعُس الأميركيين في التنف سمح لإيران باستكمال «الهلال»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

عرضت مجموعات سورية من المعارضة المسلحة على المبعوث الرئاسي الأميركي إلى التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» بريت ماكغورك أن تتولى أمن المناطق السورية التي يتم استعادتها من التنظيم شرق الفرات، علماً أن عديد المقاتلين المنضوين تحت لواء هذه المجموعات يبلغ نحو 1100 مقاتل، وهم يتمركزون في قاعدة التنف على الحدود العراقية - السورية - الأردنية، بحماية عسكرية أميركية.

يؤكد المتابعون أن ماكغورك لم يوافق إلا على إرسال 100 مقاتل من المعارضة إلى المناطق المحررة، وهو لم يفعل ذلك إلا بشرط الحصول على تواقيع هؤلاء المقاتلين على تعهدات بعدم الانخراط في أي عمليات عسكرية هجومية ضد أي من الأطراف المتواجدة في المنطقة، بما فيها «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) ذات الغالبية الكردية، وقوات الرئيس السوري بشار الأسد والميليشيات المتحالفة معها والموالية لإيران.

والمقاتلون المعارضون السوريون هم جميعهم ممن سبق للسلطات الأميركية أن أجرت تحقيقات في خلفياتهم السياسية وانتماءاتهم، وتأكدت من عدم وجود أي ارتباط بينهم وبين مجموعات تعتبرها واشنطن متطرفة.

لكن لماذا يعارض ماكغورك المواجهات المسلحة بين المعارضين السوريين الموالين لواشنطن، وبين قوات الأسد والميليشيات الموالية لايران، في وقت لا ينفك الرئيس دونالد ترامب يعلن عداءه لإيران ونيته مواجهتها ومواجهة ميليشياتها؟

الإجابة تكمن في أن ماكغورك هو من المسؤولين المُعيّنين منذ عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وانه يعمل بموجب رؤية أوباما وسياسته المؤيدة للتفاهم بين الولايات المتحدة وإيران، حتى لو كان ذلك يعني سيطرة ايرانية على مناطق تسمح بوصل «الهلال الإيراني» من طهران إلى بيروت، مروراً بالعراق وسورية.

والتباين بين ميل ماكغورك إلى مصادقة إيران والتحالف معها، وبين إعلان ترامب عداءه لطهران، هو تباين أغضب إسرائيل، أقرب حلفاء أميركا في منطقة الشرق الاوسط والعالم، فالإسرائيليون يعتقدون أن «الهلال الايراني» يشكل أكبر تهديد على دولتهم، وأن تقاعس أميركا في توسيع نفوذها في محيط التنف، وإقامة حاجز معاد لإيران في وادي الفرات وصولاً إلى حدود الاردن، هو تقاعس يهدد أمن إسرائيل ويدفعها إلى الانخراط أكثر فأكثر في تسديد ضربات للميليشيات الموالية لإيران داخل سورية.

على أن التباعد بين الإدارة الأميركية وإسرائيل، يزداد وضوحاً مع مرور الأيام، وعلى الرغم من الصداقة الحميمة التي تجمع رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو ومستشار الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر، إلا أن الهوة بين واشنطن وتل أبيب تتسع مع مرور الوقت، فيما تعلو أكثر فأكثر أصوات المسؤولين الاسرائيليين ممن يحمّلون أميركا مسؤولية الفشل في وقف التوسع الايراني داخل سورية.

ويبدو أن التباعد بين ترامب واسرائيل بدأ منذ ما قبل دخول الرئيس الأميركي البيت الابيض مطلع العام الجاري، إذ تشير تقارير في واشنطن إلى أن المسؤولين الاميركيين في عهد أوباما حذّروا الإسرائيليين من أن مشاركتهم معلومات سرية استخباراتية مع ترامب قد تجد طريقها الى موسكو، وهو ما حصل فعلياً في مناسبتين: الأولى كشف فيها ترامب أن إسرائيل هي التي اكتشفت خطة «داعش» لتفخيخ أجهزة «أيباد» وكومبيوترات محمولة على متن طائرات مدنية، والثانية كشف فيها بعض الاسرار العسكرية حول ما تعرفه إسرائيل عن مجريات الاحداث في سورية.

تكرار ترامب كشف معلومات استخباراتية، يحصل عليها من إسرائيل، أمام الروس، زاد من التباعد بين تل أبيب وواشنطن، على الرغم من التقارب الصوري، فترامب هو الرئيس الاميركي الوحيد الذي زار حائط المبكى في القدس أثناء ولايته الرئاسية.

ويبدو أن هذا التباعد بات يجبر الإسرائيليين على اللجوء أكثر فأكثر إلى موسكو للحصول على معلومات أميركية، وهو ما يعني أن ترامب حوّل موسكو إلى منتهى المعلومات الاستخباراتية والى نقطة الارتكاز التي يقصدها أركان الاستخبارات حول العالم، مقابل خدمات يقدمها هؤلاء للروس للحصول على المعلومات منهم.

تل أبيب ممتعضة من واشنطن، لكنها عكفت على تحميل «الباقين من زمن الرئيس أوباما»، من أمثال ماكغورك وغيره في وزارتي الخارجية والدفاع، مسؤولية الأداء الأميركي الذي لا يناسب الاسرائيليين، وهو ما يعني أن العلاقة بين الطرفين، والتي تبدو ممتازة في الوقت الحالي، قد تتدهور في أي لحظة، وقد يخرج التدهور إلى العلن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق