الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

"خطة ولايتي" السورية

حسين عبدالحسين

بدا الاسبوع الماضي وكأن الحرب السورية تقترب من خاتمتها، مع اعلان ايران وبعض ميليشياتها الانتصار، ومع خروج شخصيات سورية معارضة لتسوية مع الرئيس السوري بشار الأسد من المجموعة السورية المقيمة في الرياض، ومع ظهور الأسد وحيداً في سوتشي أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجنرالاته. وأعقب بوتين لقاءه الأسد باتصالات مع زعماء العالم، منهم نظيره الاميركي دونالد ترامب، بالتزامن مع لقاء قمة روسي - تركي - ايراني.

لكن على الرغم من كل التحركات الدبلوماسية والضجيج الاعلامي، وعلى الرغم من الافراط في الايجابية التي يظهرها ترامب بتكراره الحديث عن التوصل الى حل سلمي في سوريا يوقف سيل الدماء فيها، لا تبدو أي من البيانات الصادرة أو الخطط المرسومة في عواصم العالم قابلة للتنفيذ على الأرض السورية لوقف القتال الدائر فيها.

تصريح وحيد يبدو أنه يفوق كل التصريحات الباقية في الأهمية، ويشي بتطورات الاحداث السورية في المستقبل القريب والمتوسط، هو ذلك الصادر عن مستشار مرشد الثورة الايراني علي ولايتي، الذي زار بيروت وحلب، وقال، بحسم لا يقبل الكثير من الجدل، إن إيران ستستعيد سيادة الأسد على كل الاراضي السورية، بما فيها شرق الفرات الواقعة تحت سيطرة "قوات سوريا الديموقراطية" بإشراف أميركي، والاراضي الشمالية حيث النفوذ التركي، كما الجنوبية، الخاضعة لسيطرة قوات سورية معارضة من مشارب متنوعة.

تطور العمليات العسكرية على الأرض السورية يعكس تصريحات ولايتي. قوات الأسد والميليشيات الايرانية تطلق نيرانها في الاتجاهات التي حددها ولايتي، مع مهلة زمنية مفتوحة لاستعادة المناطق التي اشار اليها المسؤول الايراني.

وتطور العمليات العسكرية على الأرض السورية يعكس عقم معظم الحركات الدبلوماسية حول العالم، وهي تحركات تتم استعادتها للمرة الثانية والثالثة والرابعة، فاستقدام الأسد الى روسيا للوقوف في حضرة بوتين وجنرالاته كان الثاني من نوعه منذ عام 2015، فيما اعلان بوتين نهاية الاعمال العسكرية في سوريا حصل للمرة الثالثة على الأقل.

مؤتمر المعارضة السورية في الرياض، بدوره، هو تكرار لسلسلة طويلة من اللقاءات والاستعراضات السياسية. اما مؤتمر أستانة فوصل إلى نسخته السادسة، فيما لقاء جنيف يدخل جولته الثامنة في أقل من ست سنوات.

كل اعلانات بوتين ومؤتمرات قادة العالم والمعارضين السوريين تبدو وكأنها تجري في عالم آخر، فالحرب السورية تدور وفق جدول زمني تفرضه تطورات ساحات المعارك وخطط "الحرس الثوري" الإيراني، ما يجعل تصريحات ولايتي حول التطورات المتوقعة في سوريا التصريحات الاقرب للواقع والاكثر مصداقية.

في ستينات وسبعينات القرن الماضي، انفقت التنظيمات الثورية العربية جلّ وقتها في اصدار بيانات الادانة والاستنكار، التي ترافقت مع تظاهرات شعبية حاشدة، ضد كل انواع المشاريع والخطط العالمية، من "مخطط سايكس-بيكو التقسيمي"، الى "خطة روجرز" و"مشروع كيسنجر" وما الى هنالك من خيالات دبلوماسية غربية وعربية قلّما تحقق اي منها على ارض الواقع.

في هذا الزمن، تكتفي الكوادر الثورية العربية بالانتقال من فضائية الى اخرى، والاطلالة على البرامج الاخبارية والحوارية المختلفة، لتصرخ وتدين، لكن لا صراخ ثوريي العرب، ولا خطط قادة العالم تبدو ذات تأثير في أرض الواقع السورية. وحدها التنظيمات المسلحة الموالية للثورة الايرانية ومرشدها ومستشاريه تبدو صاحبة رؤية وخطة وتأثير في مجريات الاحداث وتطوراتها.

على الرغم من كل ايحاءاته عن التسوية التي سيفرضها في سوريا، وعلى الرغم من الحشد الدبلوماسي الدولي الذي يسعى اليه الرئيس الروسي، لا تبدو "خطة بوتين" ذات مصداقية. وحدها "خطة ولايتي" تبدو الاكثر مصداقية وقابلية للتحقق، وهي خطة لم يطلقها الايرانيون في ممرات الدبلوماسية العالمية وقاعاتها، بل على أرض المعركة في حلب الشهباء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق