الجمعة، 27 يوليو 2018

ترامب يتراجع عن «حُبِّه المعلن» لروسيا... موقتاً

واشنطن - من حسين عبدالحسين

… وتراجع ترامب، إذ بعد اسبوعين من تحديه غالبية الاميركيين، من الحزبين، وإصراره على ممالأة نظيره الروسي فلاديمير بوتين، تراجع الرئيس الاميركي دونالد ترامب عن موقفه المؤيد من دون تحفظ لروسيا، والمعادي بلا حدود لحلفاء الولايات المتحدة، وفي طليعتهم ألمانيا والاتحاد الاوروبي.
وعلى الرغم من تحفظ البيت الابيض ومصادره حيال تقديم تبرير للتغيير الواسع في السياسة الاميركية تجاه روسيا، يبدو بما لا يقبل الشك ان تراجع ترامب جاء على اثر اسبوعين كانا بمثابة الكارثة عليه وعلى حزبه سياسياً، وفي وقت تظهر كل استطلاعات الرأي التي يجريها الحزب الجمهوري، من دون الإعلان عن نتائجها، حتمية خسارة الجمهوريين لمجلس النواب في الكونغرس أمام «موجة شعبية ديموقراطية عارمة». 
وتظهر استطلاعات الرأي، بما فيها الصادرة عن المراكز التابعة للحزب الجمهوري مثل «راسموسن»، تأخر الجمهوريين عن الديموقراطيين بسبع نقاط مئوية لو جرت انتخابات الكونغرس غداً. ويظهر المركز نفسه انحفاض نسبة التأييد لترامب الى 42 في المئة، وهي من المرات النادرة التي تنخفض شعبيته الى ما دون 50 في المئة حسب استفتاءات هذا المركز الجمهوري.
وللمقارنة، أظهرت استطلاعات الرأي، التي سبقت دورتيْ انتخاب 2006 و2010 والتي شهدتا «موجة عارمة» شعبياً أدت لانقلاب الغالبية من ايدي الجمهوريين للديموقراطيين في الاولى وبالعكس في الثانية، تقدماً للحزب الذي اكتسح الانتخابات بواقع خمس نقاط مئوية فقط، ما يعني أن فارق سبعة في المئة، التي يشير إليها مركز «راسموسن» المحافظ، من شأنه أن يؤدي الى زلزال سياسي، لا «موجة عارمة» فحسب. 
أما مراكز استطلاعات الرأي المستقلة وغير الحزبية، فتظهر أرقامها تفوقا للديموقراطيين على الجمهوريين بأكثر من عشر نقاط مئوية لو جرت انتخابات الكونغرس غدا، وهو ما يعني خسارة حتمية للجمهوريين للغالبية التي يتمتعون بها في الكونغرس، وهذا لو حصل، بالتزامن مع التحقيقات التي يديرها المحقق الخاص ومدير مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) السابق روبرت مولر حول امكانية تواطؤ ترامب وحملته الرئاسية مع موسكو في اختراق حسابات ايميل الديموقراطيين، فهو سيعّرض ترامب لامكانية خلعه من الرئاسة. 
ويترافق التدهور المريع وغير المسبوق لشعبية ترامب والجمهوريين مع سباق في تطورات الاحداث في التحقيقات، التي اصبحت متعددة ومتزامنة، والتي تطول ترامب، منها تحقيقات مولر حول امكانية تواطؤ ترامب مع الروس، ومنها ايضا تحقيقات غير مرتبطة بمولر من قبيل قيام ترامب بتسديد اموال لنجمات اباحيات سبق ان خاض معهن مغامرات جنسية مقابل التزامهم الصمت حول هذه العلاقات.
ومع اقتراب مولر من كشف التفاصيل الدقيقة لعلاقة حملة ترامب بموسكو، ومع اعلان السلطات الاميركية توقيفها مواطنة روسية مقيمة في واشنطن بتهمة العمل لمصلحة الاستخبارات الروسية، ومع ما يبدو انقلابا لمحامي ترامب السابق مايكل كوهين على الرئيس الاميركي ونشر المحامي - عن طريق المحكمة - تسجيلات تثبت تورط ترامب في تسديد اموال للنجمات الاباحيات، وهو التورط الذي سبق ان نفاه ترامب علنا في الماضي القريب. هكذا يبدو وضع الرئيس مهزوزا، سياسيا وقانونيا.
ترامب يبدو انه قرر التصدي لكل هذا التقهقر بخطة على محورين: الاول يقضي بتراجعه عن الحب غير المفهوم تجاه روسيا ورئيسها بوتين، والثاني بمحاولة قضائه على مولر وتحقيقه.
في المحور الاول، أعلن البيت الابيض تأجيله الدعوة التي كانت مقررة الى بوتين لزيارة البيت الابيض في الخريف، وهو موسم الانتخابات النصفية الاميركية. كما أعلن فريق ترامب عن نيته ترؤس لقاء موسع لمجلس الأمن القومي للتباحث في كيفية التصدي لهجمات روسية الكترونية محتملة لتقويض الانتخابات الاميركية المقررة في نوفمبر، وهي المرة الاولى التي يتراجع فيها ترامب عن إصراره أن لا تدخلات روسية في الانتخابات الاميركية الماضية أو المستقبلية. 
في المحور الثاني، بادر عضوا الكونغرس الجمهوريان مارك ميدوز وجيم جوردان، والاثنان حليفان لترامب، إلى تقديم مشروع قانون يهدف لخلع وكيل وزير الخارجية رود روزنستاين من منصبه بسبب رفضه تسليم وثائق تتعلق بمكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي). وروزنستاين هو ممن عينهم ترامب وكيلا لوزير العدل، وهو اصبح مسؤولا عن ملف التحقيقات مع روسيا، وتاليا عيّن مولر وصار مشرفا على عمله، بسبب تورط وزير العدل جيف سيشنز في اتصالات مع سفير روسيا السابق في واشنطن سيرغي كيسيلياك، ما حرم الوزير امكانية الاشراف على التحقيقات بسبب امكانية وجود تضارب مصالح. 
وسبق لترامب ان أعرب مراراً عن غضبه من قيام سيشنز بتنحية نفسه عن ملف التحقيقات مع روسيا، ثم أطلق حلفاءه لانتقاد روزنستاين ومهاجمته، وقام هؤلاء بعقد جلسات استماع مفتوحة في الكونغرس لاستجوابه، لكن المسؤول العدلي اجاب مستنطقيه بشراسة، فارتفعت شعبيته، وانخفضت شعبية المشرعين المستجوبين.
وتزامن تراجع ترامب عن التصاقه ببوتين مع استقبال الرئيس الاميركي لرئيس المفوضية الاوروبية جان كلود جانكر في حديقة الورود في البيت الابيض، واعلان البيت الابيض عن تراجعه عن فرض رسوم جمركية على السيارات الالمانية المستوردة. 
ومع تراجع ترامب عن الحب المعلن لبوتين وروسيا، يأمل الجمهوريون في الحد من خسائرهم السياسية ونزيفهم على المستوى الشعبي. لكن تراجع ترامب قد يكون موقتاً، اذ من المحتمل ان يتراجع الرئيس الاميركي عن تراجعه ويعود الى مواقفه السابقة، وهو ما يعني انه من المبكر استشراف اي تغييرات مقبلة في السياسة الخارجية الاميركية الى ان يتبين ان كان ترامب جاداً في ابتعاده عن موسكو، وإن كان قادراً على الابتعاد عنها اصلا.
«قلة من المقربين من الرئيس هم من يعتقدون انه تغيّر فعلياً، بل يعتقدون انه سيعود الى مهاجمة حلفاء الولايات المتحدة والاقتراب من بوتين في كل فرصة تسنح له»، علّقت صحيفة «بوليتيكو» المتخصصة بالمشهد السياسي الاميركي الداخلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق