الثلاثاء، 24 يوليو 2018

قضاء عربي ولا عدالة

حسين عبدالحسين

في لبنان، قضت المحكمة بمنع مواطن من استخدام موقع فيسبوك لمدة شهر بسبب نشره تعليقا تهكم فيه على "معجزات القديسين"، بعدما أعلن لبناني آخر أن زوجته التي كانت تعاني بسبب عدم الحمل، حملت بعدما زارت "محبسة مار شربل". وقبله في مصر، أصدرت محكمة حكما قضى بسجن سائحة لبنانية بتهمة بثها على صفحتها على فيسبوك فيديو "خادش للحياء، ويزدري الأديان، ويتطاول على الشعب المصري".

وقبلهما، أصدرت محكمة لبنانية عسكرية حكما ضد الزميلة حنين غدار بتهمة انتقاد "الجيش اللبناني"، وأصدرت محكمة لبنانية أخرى أحكام سجن وغرامة بحق الزميل الآخر فداء عيتاني بتهمة إهانة وزير الخارجية جبران باسيل في تعليق على فيسبوك.

وفي لبنان أيضا، تم اعتقال وتعذيب الممثل المسرحي زياد عيتاني بتهمة "التعامل مع العدو"، أي إسرائيل، في تهمة ثبت أنها مفبركة بدواع انتقامية، ما أدى لاعتقال ضابط أمن لبنانية، ثم تم الافراج عنها، على ما يبدو بسبب النفوذ الواسع الذي يتمتع به زوجها والمحيطون بها.

الأحكام هذه، إما جائرة تستهدف حرية الرأي والتعبير، أو أحكام مضحكة وغير مبنية على تشريعات، مثل حكم منع مواطن من استخدام موقع فيسبوك. طبعا في حالة منع استخدام فيسبوك، يبدو أن القاضية التي رفضت في الماضي الموافقة على إقفال محطة تلفزيونية لبنانية كانت انتفضت في حينه على وصاية آل الأسد على لبنان، يبدو أنها حاولت امتصاص نقمة المدعين "بالتي هي أحسن" ومن دون سجن أو تغريم المدعى عليه.

لكن الانطباع العام لتصرفات القضاء العربي، المصري واللبناني وغيرهما، هو أنه قضاء شذ عن دوره، وراح يتصرف بموجب تعليمات الحكام ومصالحهم، ويبرر قمع الحريات، ويرمي الناس في السجون بسبب إدلائهم بآرائهم، وهي أحكام مبنية على ادعاءات باطلة وشعارات شعبوية، على طراز أحكام "إضعاف الشعور القومي" و"تخريب العلاقة مع دولة شقيقة"، التي كانت تسطرها محاكم صدام حسين وحافظ وبشار الأسد ضد معارضي النظامين، وهو ما أكسب المحاكم العراقية والسورية، وقريبا على ما يبدو المصرية واللبنانية، اسم "محاكم الكنغارو". أما دول هذه المحاكم، فغالبا ما تكتسب اسم "جمهوريات الموز".

أما المفارقة الكبرى في أداء القضاء العربي فتكمن في أنه يندر أن يعثر على مجرم حقيقي أو مختلس للمال العام، ففي لبنان، ما تزال سلسلة من جرائم اغتيالات القادة السياسيين، منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، من دون مرتكبين. وفي مصر ولبنان، اللتين تكادان تتصدران الترتيب العالمي للدول التي تعاني من الفساد، لم يجد القضاء المصري أو اللبناني فاسدا واحدا يحاكمه ويرميه في السجن (في لبنان استثناء واحد في العقد الماضي في محاكمة استهدفت أحد مستشاري رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري).

وفي لبنان، ادعى القضاء على رجل دين من مدينة صيدا الجنوبية بتهمة "إقامة تنظيم عسكري"، وفي نفس الوقت، يقوم "حزب الله" اللبناني، أكبر تنظيم عسكري غير حكومي في منطقة الشرق الأوسط، باستعراض مقاتليه وقدراته وشبكة اتصالاته الخاصة، من دون أن يحرك القضاء اللبناني ساكنا.

في القول العربي المأثور أن "العدل أساس الحكم"، أما في لبنان، فيتباهى رئيسه ميشال عون أن حكمه هو "حكم القوي"، وكأن لبنان والمنطقة، التي تعاني من دوامة عنف غير مسبوقة في التاريخ، تحتاج إلى المزيد من الأقوياء، بدلا من حاجتها للعدالة.

والمفارقة، في حالة الرئيس اللبناني عون، تكمن في أنه هو نفسه كان ضحية لغياب العدالة، ما أجبره على تمضية عقد ونصف العقد في منفاه في باريس، وكان كل مرة يسعى فيها للعودة إلى لبنان، يلوح له القضاء اللبناني، مدفوعا من حكام لبنان في دمشق، بفتح ملفات حول اختلاسات مزعومة يفترض أنه قام بها أثناء ترؤسه حكومة عسكرية نهاية ثمانينات القرن الماضي.

لا يجوز سجن لبنانية 11 عاما في مصر (خفضت إلى 8 لاحقا)، مهما كانت أقوالها، ولا يجوز إصدار أحكام بسجن صحافي شتم وزير الخارجية اللبناني، ولا تجوز محاسبة أي من "يتهكم على الأديان" أو "يزدري المعتقدات" أو "يوهن نفسية الأمة". السجن هو للقتلة وشركائهم، وللمختلسين ومن يقف وراءهم. وإقحام القضاء في تمثيليات تهدف للقمع باسم العدل ينتقص من العدل أولا، ومن الحكم الذي يفترض أنه مبني عليه ثانيا.

قد يكون أفضل لحكام مصر ولبنان، وسورية والعراق، أن يبنوا حكمهم على العدل، بدلا من القوة. أما أن يواصل الحكام تقويض القضاء، فربما على المواطنين أن يحذو حذو حكامهم، وأن يقدموا سلسلة من الادعاءات ضد الحكام بتهم "عدم احترام الدستور"، و"تحويل القضاء إلى العوبة"، و"تحويل الدولة إلى أضحوكة"، وهي ادعاءات تتناسب ولا شك مع الاتهام بـ"إضعاف الشعور القومي" و"بث الوهن في نفسية الأمة" و"التطاول على الشعب".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق