واشنطن - من حسين عبدالحسين
في وقت كان كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية يتدارسون إمكانية فرض عقوبات اقتصادية على تركيا، بسبب قيامها بتشغيل منظومة الدفاع الصاروخية الروسية «اس 400»، والتي يدّعي الأميركيون أنها تهدد مقاتلاتهم وتكشف أسرارها، نشرت وكالات الأنباء العالمية، نقلاً عن مسؤولين أتراك، أن أنقرة ترفض مساندة خطة داخل حلف شمال الأطلسي لدعم دول البلطيق وبولندا ضد التهديدات العسكرية الروسية، ما لم يوافق التحالف على دعم الاجتياح التركي لمناطق الأكراد شمال شرقي سورية، وعلى تمويله ورشة لبناء وتوطين مليونين من اللاجئين السوريين، الذين تنوي أنقرة اعادتهم من تركيا الى مناطق سورية تسيطر عليها.
وفي النقاش الجاري حول تركيا، يرى المسؤولون الأميركيون ان تركيا صارت بمثابة «حصان طروادة» داخل «الأطلسي» لمصلحة روسيا، وان من مصلحة «الناتو» طرد أنقرة. ويعتبرون في الوقت نفسه، ان الأوروبيين يخشون طرد أنقرة من التحالف لأسباب متعددة، منها قدرتها على فتح باب تدفق اللاجئين غير الشرعيين الى أوروبا، ومنها قدرة الرئيس رجب طيب أردوغان على تحريك بعض الجاليات التركية المقيمة في الدول الاوروبية، خصوصا في ألمانيا، لإثارة القلاقل.
على أن الولايات المتحدة، حسب مسؤوليها، لا تخشى تركيا، ويمكنها على الأقل تعليق عضويتها من دون طردها، وهو ما يعني إخراج الضباط الأتراك من التنسيق الاستخباراتي والأمني والعسكري داخل «الأطلسي». كما يمكن لواشنطن ممارسة ضغوطات، من قبيل فرض عقوبات مالية واقتصادية على حكومة أنقرة ومسؤوليها.
وكان تشغيل انقرة لمنظومة «اس 400» أدى لخسارة الليرة التركية نصف نقطة مئوية من قيمتها أمام العملات الاجنبية، وهو ما يعكس هشاشة اقتصاد تركيا ووضعها المالي، خصوصا في حال تعرضها لعقوبات أميركية.
وعلى الرغم من تغاضي الرئيس دونالد ترامب عن تصرفات أردوغان، واقتراب الأخير من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلا أن غالبية حزب ترامب الجمهوري، ومعهم الديموقراطيين، صاروا ينفرون من أردوغان، ويصفون تركيا بأنها أصبحت «إيران لايت»، أي «نسخة مخففة من إيران»، لناحية إيذائها المصالح الغربية والأميركية.
ولطالما تغنى الجمهوريون، وفي طليعتهم المؤرخ برنارد لويس، بالديموقراطية التركية، ضارباً إياها كمثال على إمكانية التعايش بين النصوص الإسلامية والديموقراطية الحديثة. لكن موقف الجمهوريين اليوم صار مختلفاً، وصار تأييد أنقرة في واشنطن يقتصر على ترامب وبعض العاملين في اللوبي التركي والأتراك الأميركيين.
وفي هذا السياق، كتب كبير الباحثين في معهد كاتو اليميني، دوغ بانداو، انه باستثناء ترامب، والعدد الكبير من الأميركيين ممن يعملون في لوبيات مؤيدة لاردوغان، والاتراك الأميركيين ممن يتمسكون بولائهم للوطن الأم، «لم يتبق لأنقرة إلا عدد قليل من الأصدقاء في واشنطن».
ويتهم بانداو، أردوغان باقامة «ديكتاتورية ناعمة». ويقول انه «مع مرور الوقت، نمت قسوة السلطان الحديث (أردوغان)، ونما معه جنون العظمة».
ويتابع بانداو، في مقالة في مجلة «ناشونال انترست»، ان الانقلاب الفاشل ضد أردوغان في العام 2016 «شكّل حادثة مشابهة لحادثة حريق الرايخستاغ لأدولف هتلر، وهو حريق قدّم ذريعة وفرصة لهتلر لسحق خصومه».
في تركيا، يقول الباحث الأميركي: «تم اعتقال عشرات الآلاف وسجنهم، وإطلاق النار عليهم أو اضطهادهم». ويضيف: «وفي وقت سابق من هذا العام، وللمرة الأولى في تاريخ تركيا، رفض أردوغان قبول نتيجة انتخابات شرعية بسبب خسارة حزبه العدالة والتنمية رئاسة بلدية إسطنبول، كبرى مدن تركيا، وأجبر المدينة على إعادة إجراء الانتخابات، فخسرها بهامش اكبر من الأصوات».
ويختم: «مع ذلك، فيما يبدو أن ظهر أردوغان للحائط، انتخابياً، إلا أن غزوه الأخير لسورية نال استحسانا عابرا للتيارات السياسية».
ووسط الدعوة لتعليق عضوية تركيا في «الناتو» وفرض عقوبات اقتصادية عليها، علت أصوات أميركية تطالب بسحب نحو 50 صاروخاً نووياً تنشرها الولايات المتحدة في قاعدة انجرليك في جنوب شرقي تركيا. ويخشى الأميركيون أن يعمد أردوغان الى أخذ هذه الصواريخ «رهينة» وابتزاز أميركا والعالم للموافقة على حصول أنقرة على أسلحة نووية، وأن يصرّ على عدم الإفراج عن هذه الصواريخ ما لم يوافق العالم على ذلك.