الثلاثاء، 22 ديسمبر 2020

لبنان خارج نقاشات السياسة الخارجية الأميركية المقبلة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

استعداداً لتسلم الرئيس المنتخب جو بايدن، السلطة في 20 يناير المقبل، تتسابق اللوبيات المختلفة داخل العاصمة الأميركية لفرض مقربين منها داخل الإدارة المقبلة، وتسعى لتسويق وجهة نظرها، ومحاولة حمل الإدارة الجديدة على تبنيها كجزء من السياسية الخارجية للسنوات الأربعة المقبلة.

أصدقاء إسرائيل يسعون الى الحفاظ على مكانتها كأقوى حليف للولايات المتحدة، بعد بريطانيا وفرنسا، ويسعون لحمل بايدن على التنسيق مع الدولة العبرية في الملف الإيراني، فيما اللوبي الإيراني يترقب عودة بايدن للاتفاقية النووية مع إيران بلا شروط، ويقوم ببث الدعاية اللازمة للعودة لإقناع الرأي العام الأميركي بجدواها.

وهناك لوبيات متنوعة، منها من يسعى الى تخفيضات جمركية، أو عقود أسلحة، أو حمل الجيش الأميركي على إقامة قواعد على أراضيه، اما خوفاً من الخطر الصيني أو الروسي، واما أخطار أخرى.

على أن اللافت، أن بعض الدول العربية، التي كانت تتصدر النقاش الأميركي قبل سنوات، مثل لبنان، لم تعد في هذا النقاش، خصوصاً أن غالبية السياسيين اللبنانيين يعتقدون أن أزماتهم وحلولها ترتبط بهوية حكام واشنطن، وهذا غير صحيح.

لبنان يعيش بحكومة تصريف أعمال منذ العاشر من أغسطس الماضي، فيما يسعى الرئيس المكلف سعد الحريري لتشكيل حكومة بديلة.

قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، تظاهر اللبنانيون أنهم كانوا ينتظرون النتائج حتى يبنوا حكومتهم في ضوئها، لكن من غير المفهوم كيف يرى هؤلاء اللبنانيون أي فارق في سياسات الرئيس دونالد ترامب وخلفه المرتقب بايدن، تجاه لبنان.

الأهمية الاستراتيجية للبنان منخفضة منذ أن تخلت إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن عن سياسة نشر الديموقراطية، والتي نال بموجبها لبنان اهتماماً كبيراً أدى الى إجبار الرئيس السوري بشار الأسد على سحب قواته من لبنان.

لكن بعد ذلك، صار اهتمام واشنطن شبه منعدم بلبنان وشؤونه، ولا يتعدى الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لغالبية دول العالم لناحية مساعدتها على بناء قدرتها على حكم نفسها، وتقديم مساعدات إنسانية، وأخرى مادية طفيفة، فضلاً عن تدريب برامج لشرطة أو الجيش.

تقليديا، تهتم الولايات المتحدة بمساعدة الدول على ممارسة سيادتها ومنع تحولها الى «فاشلة»، لأنها تتحول الى مصدر للاجئين والإرهاب وغيره.

الاهتمام الأميركي بلبنان لا يتعدى هذا الاهتمام العام بشؤون الحكومات حول العالم، ولا يرقى ليدخل في حسابات الولايات المتحدة الاستراتيجية، باستثناء «حزب الله»، الذي تصنفه تنظيمياً إرهابياً تابعاً لإيران، وتالياً فإن سياستها تجاه هذا الحزب هي جزء من سياسة واشنطن تجاه طهران.

ارتباط سياسة واشنطن تجاه الحزب بسياستها تجاه طهران، قد يكون أدى الى اختلاط الأمور لدى غالبية السياسيين اللبنانيين، لكن الواقع هو أن لبنان لن يتأثر كثيراً بغض النظر عن سيد البيت الأبيض ووضع العلاقات بين واشنطن وطهران.

مثلا الرئيس السابق باراك أوباما، الذي وافق على الاتفاقية النووية مع إيران في 18 أكتوبر 2015، لم يتوان في 18 ديسمبر من العام من نفسه، عن توقيع القانون الذي أصدره الكونغرس، بالاجماع، وحمل اسم قانون العقوبات ضد «حزب الله».

الإيرانيون، الذي كانوا ضمّنوا الاتفاقية بنداً اعتبر أن قيام واشنطن بفرض أي عقوبات على إيران من شأنه القضاء على الاتفاقية، لم يعيروا قانون العقوبات على «حزب الله» أي اهتمام، ولا هم اعترضوا لدى الأميركيين، بل مضوا قدما بالاتفاقية التي حرمت الحزب من التعامل عبر النظام المصرفي العالمي، لكنها حررت أموالاً إيرانية مجمدة بلغت نحو 150 مليار دولار، وسمحت للإيرانيين بالعودة الى النظام العالمي.

وبتوقيعه العقوبات على «حزب الله»، لم يخرج أوباما عن الاتفاقية مع إيران، إذ أن طهران نفسها هي التي أصرت على صيغة رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها مقابل تجميدها برنامجها النووي.

أما العقوبات التي تفرضها أميركا والعالم على طهران بسبب برنامجها الصاروخي و«دعمها الإرهاب»، أي دعمها للميليشيات الموالية لها في عموم المنطقة، فهي لم تدخل في إطار التسوية بين العالم وإيران.

هكذا واصل أوباما فرض العقوبات على طهران باستثناء السماح لها بتصدير نفطها والحصول على عائداته، وهكذا سيعود بايدن الى هذا الترتيب نفسه، من دون رفع عقوبات الصواريخ والإرهاب.

ومع أن الرئيس المنتخب ألمح الى أن أي عودة للاتفاق قد تتضمن شروطاً مرتبطة بموضوع الصواريخ، لكن الصورة النهائية لسياسته لم تكتمل بعد.

وفي ما يرى بعض الخبراء، أن عودة إيران الى تصدير النفط كافية لإنعاش الخزينة التي تمول «حزب الله»، إلا أن تصدير مليوني ونصف المليون برميل نفط يومياً سيعود على طهران بنحو 40 ملياراً فقط، وهذه الأموال ليست كافية لتحسين وضع الدول الأربع التي لدى إيران نفوذ كبير فيها، أي لبنان والعراق واليمن وسورية.

العراق مثلا، يصدر أكثر من إيران، وعائداته النفطية اليوم غير كافية لوقف انهيار سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية.

ربما يتحسن وضع «حزب الله» المالي، ومعه وضع بعض حلفائه الذين ينفقون على أزلامهم، لكن الاقتصاد اللبناني في حفرة عمقها مئة مليار دولار من الدين، وحتى لو توصلت بيروت لاتفاقيات مع المنظمات المالية الدولية للحصول على 11 مليار دولار التي تم رصدها في «مؤتمر سيدر» مقابل إصلاحات حكومية، إلا أن الأزمة أعمق بكثير من أي مساعدة دولية أو أموال إيرانية الى «حزب الله».

ومن غير المعقول الاعتقاد أن اقتصادات إيران والدول المرتبطة بها، يمكنها أن تعتاش على عائدات مليونين ونصف المليون برميل نفط يوميا. الأغلب أن الأموال تنعش النظام والميليشيات، لكن طوابير الخبز والمحروقات ستبقى في سورية، والاقتصاد اللبناني سيواصل انهياره، حتى بعد رفع العقوبات عن الإيرانيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق