الخميس، 25 فبراير 2021

إدارة بايدن تقيّم علاقتها مع الكويت... «من الأفضل حول العالم»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

على جاري العادة في العاصمة الأميركية، تقوم كل إدارة جديدة إبان تسلّمها السلطة، بطلب مراجعة شاملة لكل ملفات العلاقات الدولية، بما في ذلك مبيعات الأسلحة والعلاقات الديبلوماسية والمعاهدات الاستراتيجية، والعلاقة مع الحلفاء، مثل الكويت، التي أظهرت عملية تقييم إدارة الرئيس جو بايدن أنها «من الأفضل حول العالم».

وتكرّرت المقولة المعروفة في واشنطن، أن «الكويت هي أقرب حليف للولايات المتحدة خارج تحالف الأطلسي».

وتشير تقديرات الإدارة الجديدة، الى أن الكويت «تتمتع باستقرار سياسي وأمني»، وهو استقرار ظهر عمقه مع عملية التغيير السلسة التي طرأت على رأس قيادتها بعد وفاة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وتبوؤ سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، سدة الحُكم.

ويمكن تلخيص النظرة الأميركية الى الكويت، بما ورد في تقرير «خدمة أبحاث الكونغرس»، بأن «الكويت تلعب دوراً محورياً في الجهود الأميركية المستمرة منذ عقود لفرض الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، وذلك بناء على تعاونها المستمر مع العمليات العسكرية الأميركية في المنطقة، وموقعها الرئيسي في شمال الخليج».

وجاء في أحدث هذه التقارير، المعدة لاطلاع المشرّعين الأميركيين، أن بين البلدين «اتفاقية تعاون دفاعي رسمية، تنشر بموجبها الولايات المتحدة أكثر من 13 ألف جندي» في الكويت، وهي رابع أعلى نسبة انتشار أميركي في العالم، حسب التقارير العسكرية، بعد اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية، فضلاً عن تخزين واشنطن كميات كبيرة من معداتها العسكرية في ثماني قواعد لها تنتشر في عموم الكويت.

القيادة العسكرية دأبت على ترداد قول إن قواعدها في الكويت «لعبت دوراً مفصلياً في استضافة مقاتلات التحالف الدولي للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسورية»، خصوصاً بعدما أقفلت تركيا قاعدة انجرليك، التي تنشر فيها أميركا عدداً من المقاتلات، في وجه التحالف الدولي، بعذر أن الدعم الجوي كان يهدف الى دعم مجموعات كردية مسلحة تصنفها تركيا «إرهابية».

وإلى العلاقة المتينة استراتيجياً وعسكرياً، يشيد الأميركيون بالاستقرار السياسي والاجتماعي في الكويت.

وفي هذا السياق، أورد تقرير أبحاث الكونغرس أنه «لطالما أشاد الخبراء بالنظام السياسي في الكويت كنموذج إقليمي محتمل، وذلك بسبب نجاح الكويت في إشراك الفصائل السياسية المختلفة - العلمانية والإسلامية، الشيعية منها والسنية - في الحياة البرلمانية والسياسية».

وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، لم تهتز العلاقة الأميركية - الكويتية. في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، التي أدار سياستها الشرق أوسطية مسؤولون دخلوا السياسة من عالم الأعمال والعقارات، من دون خبرة تذكر في السياسة الخارجية، على عكس الإدارات السابقة، لم تدرك إدارة ترامب الفارق بين التوافق مع الحلفاء على العلاقات الثنائية والدفاعية، والتباين في بعض المواقف الديبلوماسية في السياسة الخارجية.

ومع مضي صهر الرئيس السابق وكبير مستشاريه جارد كوشنر في عملية التطبيع الإسرائيلية مع دول عربية، بغض النظر عن موقف الجامعة العربية، ومع التزام الكويت موقف الجامعة، ولأنها شغلت المقعد العربي في مجلس الأمن على مدى عامين، بدا التباين واضحاً بينهما في الأمم المتحدة، ما دفع كوشنر الى محاولة ممارسة ضغوطات على الكويتيين لحملهم على الخروج عن بعض المواقف العربية وتبنّي مواقفه.

لكن مع رحيل ترامب وكوشنر، عاد الى واشنطن المسؤولون ممن يعرفون أن في أي تحالف، لا يمكن أن تتطابق المواقف والرؤى حول كل المواضيع الدولية، وهو ما يعني أن من المتوقع أن تعود العلاقة بين البلدين إلى سابقها: متينة لا تشوبها شوائب، حتى لو اختلفت العاصمتان في بعض المواقف الدولية أو الإقليمية، وهو اختلاف لم يفسد في الود قضية ماضياً، ولن يفسد العلاقة المميزة بين البلدين مستقبلاً.

الأربعاء، 24 فبراير 2021

«معادلة ديموقراطية»: الصواريخ والميليشيات مقابل استثمارات في إيران وتخفيف عقوبات

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بدأت الملامح الأولى تتجلى للخطة التي نشرتها «مجموعة الأزمات الدولية»، قبل أيام من تعيين رئيسها روبرت مالي حول إعادة إحياء الاتفاقية النووية مع إيران، مع إعلان طهران تراجعها عن سلسلة من الخطوات التصعيدية، وسماحها لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية باستئناف عمليات التفتيش، بحسب ما هو متفق عليه في الاتفاقية.

وجاء التراجع الإيراني بعد يوم واحد فقط على تراجع الولايات المتحدة عن إصرارها على أن أي مفاوضات أو عودة، للاتفاقية تشترط عودة إيران إلى ما كانت عليه نووياً قبل انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من اتفاقية فيينا، وإعلان واشنطن الانضمام لمفاوضات دعا إليها الأوروبيون مع طهران.

وفي وقت تواصل أوروبا قيادة عودة الطرفين الأميركي والإيراني إلى الاتفاقية، وفي وقت تقوم بتقديم تحفيزات من قبيل عقد مؤتمر، بين الأول والثالث من مارس المقبل، للاستثمار في إيران، يمضي الديموقراطيون في الولايات المتحدة، في تضخيم الخطر النووي الإيراني لإقناع الرأي العام بأن عودة أميركية غير مشروطة، هي أفضل الحلول، وأنها لن تكون حلاً نهائياً، بل مقدمة لجولات أخرى من المفاوضات مع إيران حول «نشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة»، أي رعايتها لميليشيات في الخارج، ولضبط برنامجها الصاروخي، في وقت تصرّ طهران على أن المفاوضات الوحيدة التي توافق عليها مع الأوروبيين والأميركيين هي حول العودة للاتفاقية، أو ربما تعديل بنود فيها.

وتكرر أن موضوعي الميليشيات والصواريخ، غير مطروحين للتفاوض بأي شكل.

ويدرك الديموقراطيون في واشنطن ممن يقودون إدارة الرئيس جو بايدن، ومعهم حلفاؤهم في العواصم الأوروبية، أن إيران لن تقبل مزج التفاوض النووي مع التفاوض حول الشؤون الأخرى، وهو ما قد يتطلب «محفزات» أخرى، لحملها على تقديم تنازلات حول الميليشيات والصواريخ.

وفي هذا السياق، عقد «معهد تشاتهام هاوس» البريطاني مؤتمراً لأبرز المسؤولين والخبراء المتابعين للملف الإيراني، ونشر النتائج في مجلة «فورين أفيرز» المرموقة، من دون أن يسمي أسماء المشاركين.

وجاء في التقرير أن معظم الخبراء شددوا «على أن الولايات المتحدة يجب أن تدخل الاتفاق النووي مرة أخرى، ولكن هذه المرة مسلحة بخطة عمل واضحة لمعالجة أوجه القصور فيها»، وعلى وجه الخصوص، شدد المشاركون على الحاجة إلى «مخطط لحل النزاعات الإقليمية بعد العودة للاتفاقية».

وأجمع المشاركون على أنه «فور انضمامها إلى الاتفاق النووي الموقّع في العام 2015، وسّعت إيران تواجدها في العراق واليمن ولبنان وسورية، لذلك يجب على إدارة (الرئيس جو) بايدن العودة إلى الاتفاقية بخطة محددة بوضوح للعمليات الإقليمية الموازية والمتعددة الطرف التي ستتبعها بسرعة من خلال جعل المفاوضات قائمة قدر الإمكان»، حسب التقرير، الذي أضاف أنه يمكن للإدارة الأميركية «تهدئة مخاوف المعارضين في الكونغرس وكذلك المعارضين الإقليميين، طالما أن إدارة بايدن تتشاور وتنسق مع الشركاء الإقليميين في شأن خططها».

وأشار التقرير إلى أن المشاركين اعتبروا أنه «من خلال إنشاء مسارات حل موازية للنزاع، يمكن لإدارة بايدن أن تظهر أنها ترسم مسارها الخاص بدلا من تكرار التاريخ»، ويمكنها أن «تصر على التزام جميع الأطراف بالمشاركة في عملية المتابعة كجزء من التفاوض على الاتفاق النووي وتنفيذه».

وختم التقرير بأنه «يمكن إغراء إيران بالمشاركة بوعدها بتخفيف المزيد من العقوبات، أو ضخ استثمارات إضافية في اقتصادها، مقابل التزام طهران بمواقف حاسمة لتهدئة مخاوف الأطراف الإقليمية».

لكن التقرير البريطاني لا يبدو أنه أخذ بالاعتبار أن لا طموح لدى القيادة الإيرانية في تخفيف المزيد من العقوبات، وأن جلّ ما يهمها هو قيام الولايات المتحدة برفع عقوبات كافية لتصدير أكثر من مليوني برميل نفط يوميا، وهو ما يعود على النظام بأكثر من 30 مليار دولار سنوياً، ويكفي لتمويل عمل النظام ونشاطاته الإقليمية.

وحتى توازن «فورين أفيرز» بين المقالة التي تعتبر أن الاتفاقية غير كافية من أجل تثبيت الأوضاع في المنطقة، قامت بنشر مقالة بقلم السيناتور عن ولاية كونيتيكت كريس مورفي.

ومورفي من المغمورين وحديثي العهد في شؤون السياسة الخارجية، لكنه يطمح للعب أدوار فيها، وهو ما دفعه قبل عامين إلى الانخراط في لجنة فرعية في مجلس الشيوخ لشؤون السياسة الأميركية تجاه أوروبا.

لكنها لجنة لا أضواء عليها، فما كان منه إلا أن سافر إلى أوكرانيا قبل عام، ودبّر - في طريق عودته - محطة سريعة في مدينة ميونيخ الألمانية، حتى ينعقد المؤتمر السنوي للدفاع والذي يحضره كبار مسؤولي السياسة الخارجية والدفاعية حول العالم. وبالاستنجاد بأصدقاء له، وقع مورفي في أيدي «أصدقاء إيران» في واشنطن، الذين دبروا له لقاء مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، على هامش مشاركته في المؤتمر.

لكن مورفي لم يكن نسّق موضوع لقائه مع مسؤول في حكومة أجنبية مع وزارة الخارجية، فأثار ذلك زوبعة في واشنطن حاول تفاديها بالإشارة إلى أن سبب اللقاء، أن على أميركا أن تتحاور مع الأعداء، وأنه حذّر ظريف من قيام بلاده باستهداف قواعد أميركية في العراق... ولكن هذا كان قبل عام.

منذ ذلك الوقت، تحول مورفي، لا إلى أشد المدافعين عن النظام الإيراني فحسب، بل إلى أشد المعادين لدول مجلس التعاون الخليجي. في هذا السياق، جاءت مقالته في العدد الأخير من «فورين أفيرز»، التي دعت إدارة بايدن إلى التخلي عن «عقيدة كارتر»، المبنية على تأمين مظلة حماية أميركية للخليج العربي بسبب أهمية مصادر الطاقة فيه استراتيجياً.

وقال إن «أميركا صارت شبه مكتفية، وأنه يمكنها الاستعاضة عن الطاقة الخليجية باستيراد الطاقة من المكسيك، وأن على واشنطن ألا تكترث لتهديدات الخليجيين بالانقلاب على أميركا والتحول إلى حلفاء الصين وروسيا، بل لندعهم يقومون بذلك لأن مصالح أميركا في الخليج تغيرت لكن سياستها فيه لم تتغير».

الثلاثاء، 23 فبراير 2021

هل تفتح إسرائيل الباب للأسد مجدداً للخروج من عزلته الدولية؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يعتقد المراقبون الأميركيون، أن بناء الثقة هو هدف الصفقة بين إسرائيل والرئيس بشار الأسد، والتي شهدت إفراج دمشق عن شابة كانت عبرت الحدود إلى سورية، مقابل شراء تل أبيب لقاحات روسية مضادة لفيروس كورونا المستجد، بمبلغ مليونين و200 ألف دولار، تم شحنها إلى الأسد.

وتواترت تقارير إلى العاصمة الأميركية مفادها بأن المحادثات غير المباشرة، التي أدارتها موسكو، تضمنت البحث في إمكانية قيام النظام السوري بتسليم رفات جنديين إسرائيليين فقدا أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان، في العام 1982، وهما زيفي فيلدمان ويهودا كاتز، فضلاً عن البحث عن رفات الجاسوس ايلي كوهين، والذي كانت السلطات السورية أعدمته في 1965.

وسبق لمسؤولين سوريين، على مدى العقود الماضية، أن صرّحوا بأن موقع رفات كوهين مجهول.

بدوره، بث التلفزيون الروسي برنامجاً وثائقياً عن كوهين ظهرت فيه، للمرة الأولى، لقطات فيديو تظهر الجاسوس وهو يسير قرب قيادة القوة الجوية في دمشق.

ومما تسرب عن فحوى المحادثات غير المباشرة، أن الأسد قام بإرسال فرق إلى مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، وهو شبه مدمر، للتنقيب في مواقع يشتبه أن الفصائل الفلسطينية قامت بدفن رفات الجنديين فيها.

هذا الود غير المسبوق الذي تسعى روسيا إلى رعايته بين الأسد وتل أبيب، هدفه بناء علاقة تساهم في إعادة بعض السيادة، خصوصاً الاعتراف الدولي، للرئيس السوري وحكومته.

أما مصلحة روسيا فتكمن في أن إنهاء عزلة الأسد من شأنه أن يؤدي للإفراج عن الأموال الغربية الضخمة المخصصة لإعادة الإعمار، وهو ما يسمح لها بالإفادة من الأموال الكبيرة التي أنفقتها لإنقاذ الأسد.

وأن تكللت الجهود الروسية بالنجاح، لن تكون المرة الأولى التي يلجأ فيها الأسد إلى إسرائيل للخروج من عزلته الدولية، ففي 19 يناير 2010، وخلال ندوة في «معهد هدسون» في العاصمة الأميركية، قال مساعد وزيرة الخارجية في حينها جيفري فيلتمان إن إسرائيل هي التي فتحت الباب للنظام السوري للخروج من عزلة كان المجتمع الدولي فرضها عليها على إثر اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري في فبراير 2005.

ومما كشفه فيلتمان أن نظام الأسد كان «معزولاً»، وأن «الثمن الذي دفعه للخروج من عزلته كان صفرا، وهذا انتقاد في الغالب لحكومة إسرائيل».

هذه المرة، تسعى موسكو لإقناع إسرائيل بوقف غارتها الجوية التي تستهدف قواعد تابعة لإيران، والميليشيات الموالية لها، داخل سورية.

وفي هذا السياق، أصدرت روسيا، بالاشتراك مع تركيا وإيران، بياناً مشتركاً دانت فيه «استمرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية في سورية»، ووصفتها بأنها «انتهاك للقانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي، وتقويض لسيادة سورية ودول الجوار، وتعريض الاستقرار والأمن في المنطقة للخطر».

ودعا البيان إسرائيل إلى وقف غاراتها.

وينقل المراقبون في العاصمة الأميركية استعداداً إسرائيلياً لوقف الغارات شرط جلاء الوجود العسكري والميليشياوي الإيراني بالكامل عن سورية.

ويشيرون إلى أنه في ذروة التوتر بين البلدين، لم يسبق أن أغار الإسرائيليون بهذه الوتيرة والكثافة على الأراضي السورية، «ما يؤكد أن المشكلة هي الوجود العسكري الإيراني، لا الأسد أو نظامه».

لهذا السبب، يبدو أن روسيا ترى ثغرة يمكن استغلالها لتحسين العلاقة بين تل أبيب ودمشق، إذ إن استعادة الأسد سيادته على كل الأراضي السورية - بما في ذلك جلاء القوات الإيرانية عنها - هو هدف يصبو إليه كل من الأسد وروسيا، ومعهما إسرائيل، ما يجعل من التنسيق بين الثلاثة في مصلحة كل منهم.

لكن المراقبين الأميركيين ينقلون عن المسؤولين الإسرائيليين تقديرهم أن الأسد وموسكو أضعف من أن يجبرا إيران وقواتها على الانسحاب من الأراضي السورية، الأمر الذي يدفع إسرائيل إلى مواصلة غاراتها.

ويقولون إنه «بسبب الحرب، خسر الأسد سيطرته وسيادته على معظم الأراضي السورية، لكنه لم يخسرها لمصلحة الثوار أو المتطرفين، بل لمصلحة حليفته إيران، التي استعادت الأراضي من الثوار، لكنه لم تعيدها له».

على أن رغبة إسرائيل في بقاء الأسد وطرد الإيرانيين، تفترق عن رغبة الروس في إعادة سيادة الأسد على كل الأراضي السورية وإخراجه من عزلته الدولية بشكل يسمح بإعادة تأهيل ديبلوماسياً والإفراج عن الأموال الغربية المخصصة لإعادة الإعمار.

فإسرائيل، ومعها قطاعات أميركية واسعة، لا تمانع فكرة بناء سورية مستقلة عن الأسد وحليفة للغرب.

قيام سورية هذه يكون في مناطق الشمال الشرقي، حيث الغالبية الكردية، وفي محافظة ادلب، التي تسيطر على الجزء الأكبر منها تركيا والميليشيات السورية المتحالفة معها.

وفي هذا السياق، دعا الباحث في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» آرون زيلين، إدارة الرئيس جو بايدن إلى العمل على توحيد صفوف حلفائها، أي تركيا والمليشيات الكردية السورية وحكومة كردستان العراق، وبناء تحالف يخرج مقاتلي «حزب العمال الكردستاني» من مناطقه، ويستفيد من أموال إعادة الإعمار، ويكون مكانا لإقامة حكومة سورية مستقلة، تفاوض الأسد مستقبلاً للتوصل إلى تسوية، إن سنحت الظروف لذلك.

ومن شأن هذا التحالف تأكيد عدم عودة تنظيم «داعش» الإرهابي إلى الحياة، كما يمكن لاقتصاد إعادة الإعمار أن يساهم في دعم اقتصادي تركيا وكردستان ويدفعهما للانضمام لتحالف من هذا النوع.

ودعا زيلين إلى الإبقاء على العزلة الدولية المفروضة على الأسد بسبب استحالة التوصل معه إلى أي نوع من التسويات، إذ «هو رئيس ونظام لا يسمحان لأي مساحة من التغيير».

فلسطين في أيام بداية الصهيونية

حسين عبدالحسين

خلافا لما يتصور بعض العرب اليوم، لم تكن فلسطين دولة قائمة تعيش في رغد قبل أن يفد إليها المهاجرون الصهاينة، بل كانت محافظات عثمانية زراعية قليلة الموارد، أجبرت ناسها — على غرار أقرانهم في لبنان وسوريا — على الهجرة إلى دنيا الله الواسعة، طلبا للرزق والحياة الكريمة.

وفلسطين هذه كانت قاحلة لا تقيت ناسها، ومحرومة من معظم أسباب الحضارة، وذلك حسب محمد روحي الخالدي، المولود في القدس عام 1864، والذي أتقن التركية والفرنسية، وهاجر إلى القسطنطينية، وصار قنصلا عثمانيا في بوردو الفرنسية، وعضوا في مجلس المبعوثان التركي، قبل أن يتوفى سنة 1913. 

في هذا النص الثمين، المنشور لأول مرة، يتحدث الخالدي عن "يافا وحيفا ودمشق والقسطنطينية وغيرها من مدن الممالك العثمانية"، ولكنه في نفس الوقت يبدي سخطا على السلطان عبدالحميد، الذي استقبل مؤسس الصهيونية ثيودور هيرتزل ومنحه وساما مجيديا، وكاد السلطان أن يمنح هيرتزل فلسطين امتيازا مقابل مال كثير، لولا تصدى له عزت باشا العابد، المعروف بعرب عزت. 

وكتب الخالدي، في وصف العثمانيين، أنه "لا يكاد أحدهم يسمع بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة حتى يطير قلبه فرحا ويعمى بصره وبصيرته عن حب الوطن ومنفعة الأمة ومصلحة الإسلام والمسلمين".

والفساد العثماني نفسه سمح بتدفق اليهود على الرغم من الأوامر المعاكسة. يقول الخالدي إن "نظارة الخارجية العثمانية (أصدرت) أوامرها بأن لا يمنح اليهود الأجانب حق الدخول إلى فلسطين إلا بعد أخذ سند منهم يتعهدون فيه بالخروج من الأراضي المقدسة قبل انقضاء ثلاثة شهور من تاريخ وصولهم". ويضيف: "غير أن هذا التدبير لم يفد إذ اتخذه المأمورون واسطة للرشوة والغش ولم يمنع اليهود من التوطن في فلسطين".

آراء الخالدي المعادية للسامية ظاهرة، مثل في قوله إن "في أيدي اليهود ثلث ثروة العالم مع قلة عددهم"، لكن إعجابه واضح بتنظيم الحركة الصهيونية، وتفاني اليهود، ووعيهم، وإقامتهم حكومة حتى بدون أرض، وإقامتهم مصارف تسليف للزراعة في المستوطنات، ولسكن المهاجرين، وصناديق تعاونية للاستثمار. 

في هذا السياق، يقول الخالدي: "ترى أفقر اليهود في روسيا ورومانيا يقتر على أولاده وعياله ويوفر من أجرته اليومية ومكسبه الزهيد ليدفع الشاقل السنوي للجمعيات الصهيونية". ويقارن الفلاحين اليهود بنظرائهم الفلسطينيين، فيقول إن المستعمرين يوفرون "من وارداتهم وأجورهم هذه المبالغ ويضعوها في ذلك الصندوق" لضمان صحة الماشية، "بخلاف الفلاحين في قرانا، إن توافر مع أحدهم خمسة غروش، خزقه وعلقه على رأس زوجته مصاغا لها أو اشترى به حليا آخر".

ويشير إلى أن المؤسسات الصهيونية شيّدت بنايات سكنية وباعت شققها بالتقسيط لليهود المهاجرين، حتى انتشرت هذه المجمعات السكنية في محيط القدس، وصارت "اليوم تزيد على أصل المدينة المحاطة بالسور بأربعة أو خمسة" أضعاف.

ويستغرب الخالدي السبب الذي يدفع الصهاينة إلى الهجرة لأراضي فلسطين القاحلة والمحرومة. ويقول إن "هجرة اليهود إلى فلسطين لا تقع في الغالب إلا من أوروبا الشرقية، لما هم فيه من الذل والمسكنة". ويضيف: "إما القاطنون منهم في ممالك أوروبا الغربية فهم متنعمون بالحرية والمساواة وقابضون على زمام المالية والتجارة فلا يخطر ببالهم ترك مرابحهم والتوطن في أراضي فلسطين القاحلة والمحرومة من معظم أسباب الحضارة". 

كما يستغرب الخالدي إصرار اليهود على تعليم أولادهم العبرية بدلا من الفرنسية، ويقول إن "فلسطين لا تستطيع أن تقيت رجالها"، وأنه الأجدر للرجل اليهودي أن يفيد "من المعارف الفرنساوية للحصول على قوته في البلاد الأخرى".

ويبدو أن التفوق التنظيمي لدى الصهاينة دفع الفلاحين الفلسطينيين إلى بيع أراضيهم لليهود والعمل عليها بأجور أفضل من التي كان يدفعها الملاكون من الوجهاء والاقطاعيين، وهؤلاء بدورهم كانوا يعيشون بعيدا عن الأرض والفلاحين. 

يقول الخالدي: "الفلاحون وأهل القرى يشتغلون عند اليهود بأجرة تفوق ما كان يعطيها لهم المتنفذون في البلاد". ويضيف أن اليهود علموا الفلاحين الفلسطينيين "فنون الزراعة الجديدة"، فكانت المستوطنات "أحسن زراعة من القرى"، ويستطرد القول إن "سياسة الصهيونيين (هي) تشويق الحكومة لاضطهاد كبراء البلاد وأشارفها وإذلالهم، والتسبب في انقراضهم، ثم الاستيلاء على أفكار الفلاحين البسطاء ووضعهم تحت سلطتهم المالية واستخدامهم في زراعة أراضيهم التي يمتلكونها قرية بعد قرية".

ويستعرض الخالدي ثلاثين مستعمرة يهودية، ويقول إن مجموع مساحتها بلغت 280 كيلومترا مربعا، وأن الصهاينة اشتروها من مالكين لبنانيين، مثل عائلات تويني وسرسق ومدوّر، كما من الفلاحين والبلديات. ومن يعرف شؤون لبنان، قد يعرف أن بعض الأراضي، على الجهة اللبنانية من الحدود مع إسرائيل، ما تزال سنداتها تشير إلى أنها ملك الوكالة اليهودية. 

بعد "الاحتلال العثماني"، أقام "الاستعمار الفرنسي" في سوريا ولبنان حكومتين، فيما أقامت بريطانيا حكومتين في العراق والأردن، ولكنها لم تقم دولة في فلسطين. ربما لهذا السبب تعذر على الفلسطينيين استنباط هوية قومية مستقلة عن عثمانيتهم، على غرار ما فعل جيرانهم، فجاءت ردود فعلهم ضد الهجرة اليهودية على شكل عثماني أولا، ثم قومي عربي ناصري ثانيا، إلى يوم هزيمة 1967 واعلان الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر "حرب الاستنزاف"، ورعايته نشوء قومية فلسطينية مع ميليشياتها المسلحة. ثم صهرت المواجهة مع إسرائيل هذه الهوية الفلسطينية، فصار الفلسطينيون الأكثر استخدما لعبارة "شعبنا الفلسطيني". ولأن البريطانيين لم يقيموا دولة للفلسطينيين، رحلوا، فملأت دولة اليهود الفراغ، وتصدت لها دول عربية مجاورة، فكان الصراع العربي الإسرائيلي القائم حتى اليوم.

هو تاريخ معقد وغارق في الدعاية الحزبية والقبلية، لكن هذه العصبية لم تكن جلية بعد في زمن الخالدي، وهو ما يجعل نصه أكثر صدقا من معظم النصوص التي تلت، والتي لم تعد ترى فلسطين وإسرائيل، ولا عرب ويهود، بل صار كل ما تراه صراع وحرب، ومقاطعة وانتقام.

السبت، 20 فبراير 2021

بايدن يعلن انضمام واشنطن لمفاوضات مع إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

وفقاً لما سبق وأن أوردته «الراي»، كان التراشق الإعلامي بين كل من الرئيس جو بايدن والمرشد الإيراني علي خامنئي موجهاً للاستهلاك الداخلي فحسب.

أما في دنيا الواقع، فان مسؤولي إدارة بايدن لم يقطعوا تواصلهم يوماً مع طهران، حتى في زمن الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو التواصل الذي أسهم في الانفراجات المتسارعة على طريق عودة البلدين إلى الاتفاقية النووية.

ومنذ خروجه من إدارة الرئيس باراك أوباما مطلع العام 2017، عاد روبرت مالي إلى منصبه رئيساً لـ«مجموعة الأزمات الدولية»، وهو منصب سمح له بالإبقاء على اتصالاته المحلية والدولية التي كان راكمها أثناء عمله في مجلس الأمن القومي.

وكان مالي واحد من أعلى ثلاثة مسؤولين ساهموا في صياغة الاتفاقية النووية مع إيران، إلى جانب وزير الخارجية السابق جون كيري ووكيلة الوزارة وندي شيرمان.

وحافظ كيري، بعد خروجه من الحكم، على صداقة شخصية واتصال مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والأرجح أن مالي فعل الشيء نفسه.

ومنذ فوز بايدن بالرئاسة في الثالث من نوفمبر الماضي، اندفع مالي وفريق السياسة الخارجية لدى بايدن لتفعيل الاتصال مع الإيرانيين، وجاء تعيين مالي في منصب مبعوث خاص مسؤول عن الملف الإيراني تتويجا لجهوده واندفاعه، فمضى فيها، ونشر تصوره لكيفية عودة واشنطن وطهران الى الاتفاقية النووية في بحث على موقع «مجموعة الأزمات الدولية»، قبل أيام من تركها وانضمامه رسمياً لإدارة بايدن.

ومن يراقب تطورات الأحداث في الملف الأميركي الإيراني، سيرى شبه تطابق بين البحث المذكور وما يجري حالياً، فالبحث تصور عودة تدريجية من الطرفين، أي أن يقوم كل منهما بخطوة وترد الثانية بخطوة مماثلة. لكن من يبدأ؟ ورد في البحث المذكور أن لا أميركا ولا إيران ستبادر للعودة إلى الاتفاقية، بل ان أوروبا هي التي ستفعل ذلك، وأن الحكومات الأوروبية ستحض شركاتها على العودة إلى إيران لتنشيط اقتصادها، فيما تغض الولايات المتحدة النظر عن هذه العودة ولا تفرض أي عقوبات.

مقابل ذلك، توقف طهران تخصيب اليورانيوم المرتفع النسبة.

في هذا السياق، أعلن الاتحاد الأوروبي تمويل «مؤتمر الأعمال الأوروبي - الإيراني»، بين الأول والثالث من مارس المقبل، برعاية الأمم المتحدة ومنظمة التجارية الدولية، وبهدف تحفيز الأوروبيين على الاستثمار في إيران وإقامة شراكات مع نظرائهم الأوروبيين، حتى أن مجموعة مالي سبق أن دعت الحكومات الأوروبية إلى منح الشركات الأوروبية اقتطاعات ضريبية لتحفيزها على الاستثمار في الاقتصاد الإيراني.

وتماهى بحث مالي مع التحركات الأوروبية ومع تصريحات مشابهة أدلى بها ظريف دعا الأوروبيين إلى القيام بوساطة تساهم في تذليل عقبة من يتراجع أولاً.

هكذا، لم يكن مفاجئاً إعلان الولايات المتحدة موافقتها على المشاركة في جولة ديبلوماسية من المفاوضات مع إيران.

وفي اليوم التالي للموافقة على الدعوة الأوروبية - المنسقة أصلاً مع واشنطن وطهران، أطل الرئيس جو بايدن في خطاب متلفز أمام المشاركين في مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن، معلناً: «قلنا إننا مستعدون لإعادة الانخراط في مفاوضات مع مجموعة خمسة زائد واحد في شأن برنامج إيران النووي».

وفيما قد تبدو موافقة أميركا على العودة للتفاوض مع إيران، موافقة على جس النبض الإيراني، إلا أنها في الواقع تعكس تفاهما عميقا، وهو تفاهم آخذ في الاتساع، فالمؤتمر الأوروبي لتنشيط الاقتصاد الإيراني لا يشي بأن المفاوضات التي اقترحها الأوروبيون يمكنها أن تتعثر، إذ أن الشركات تتطلب ضمانات واستقراراً، وعملها يستغرق وقتاً لإطلاقه، ولا يمكن وقفه واستئنافه بحسب التصريحات السياسية أو مجرى سير المفاوضات.

ومع أن بايدن أضاف، في خطابه، أن «علينا أيضاً معالجة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في كل أنحاء الشرق الأوسط، وسنعمل في تعاون وثيق مع شركائنا الأوروبيين والشركاء الآخرين بينما نمضي قدماً»، إلا أن هذا الاقتراح الأميركي يبدو مؤجلاً إلى ما بعد إعادة العمل بالاتفاقية النووية.

وإعلان بايدن أن على واشنطن والعالم معالجة أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار وبرنامجها الصاروخي يتضارب مع تأكيدات إيرانية علنية متكررة وقاطعة، ومفادها أن سياساتها في المنطقة وبرنامجها الصاروخي ليسا على طاولة المفاوضات مطلقاً.

لكن الرفض الإيراني لهذه الدعوة الأميركية لا يتعارض مع الديبلوماسية الأوروبية واستئناف العمل بالاتفاقية النووية، فبايدن واضح في الفصل بين الاثنين: النووي أولاً، ثم بعد العودة للاتفاقية النووية، يتجه الاهتمام نحو صواريخ إيران وميليشياتها في عموم المنطقة، أي أن الصواريخ والميليشيات لا تفسدان في الود النووي، قضية.

أما من يجد الموضوع محيرا، فما عليه إلا العودة إلى البحث الذي نشرته مجموعة الأزمات الدولية منتصف يناير الماضي، وورد فيه أن من شأن الاتفاقية النووية وعودة الاقتصاد الإيراني إلى النمو أن يؤديا لبناء جو من الثقة مع واشنطن.

هذه الثقة هي التي تأمل مجموعة الأزمات الدولية، أن تفتح الباب لنقاش ودي، تقنع فيه واشنطن طهران بوجوب تعديل سياساتها في المنطقة، والتخلي عن الصواريخ والميليشيات.

بكلام آخر، سيعود مالي وبايدن بالزمن مع إيران إلى حيث انتهت إدارة أوباما، أي اتفاقية نووية ونشاط اقتصادي يولّد إيجابية، يمكن البناء عليها للتوصل لتسويات ودية في الملفات الأخرى.

أما ان رفضت إيران هذه التسويات الودية المأمولة، فلا يبقى أمام معارضي الصواريخ والميليشيات، في أميركا وحول العالم، إلا انتظار خروج بايدن والديموقراطيين من الحكم، وعودة الجمهوريين وعودة سياسات الضغوط القصوى التي مارسها ترامب ومن المرجح أن يمارسها أي رئيس جمهوري مستقبلاً.

الخميس، 18 فبراير 2021

حذر أميركي من الانتخابات الفلسطينية وإمكانية فوز «حماس»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

قبل 92 يوماً من موعد إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية، يخشى الأميركيون من الحزبين، الديموقراطي الحاكم والجمهوري المعارض، أن تؤدي العملية الديموقراطية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة إلى مواجهة مسلّحة بين الفصائل المتنوعة، أو إلى تغلب حركة «حماس» على حركة «فتح»، وهو ما يؤدي إلى سيطرتها على كل السلطة الفلسطينية، ويجعل من التنسيق الأمني والإداري مع إسرائيل متعذّراً، وقد يؤدي إلى تحويل الضفة إلى قطاع غزة ثانٍ، أي منطقة معزولة وفقيرة ومتخمة بالصواريخ.

وتظهر استطلاعات الرأي التي انتشرت في الأوساط الأميركية، أن «فتح وحماس تتساويان في الشعبية، وتحصل كل منهما على 35 في المئة من إجمالي المقترعين، مع أفضلية بسيطة للفتحاويين قد تمنحهم الفوز بالمجلس التشريعي والرئاسة».

إلا أن «فتح» تعاني من مشكلة انقساماتها الداخلية إلى أجنحة متنافسة، منها بقيادة كل من رجلي الأمن السابقين جبريل رجوب ومحمد دحلان، ومنها بقيادة ناصر القدوة، وهو ابن شقيق الرئيس الراحل ياسر عرفات وسبق أن عمل سفيراً للسلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة ويدير اليوم «مؤسسة ياسر عرفات».

أما أقوى أجنحة «فتح» وأكثرها شعبية بين الفلسطينيين فبقيادة مروان البرغوثي، المعتقل في سجن إسرائيلي، والذي يقود من سجنه «حزب المستقبل».

ويعتقد الخبراء الأميركيون المتخصصون في الشأن الفلسطيني، أن البرغوثي يتمتع بشعبية تخوله الفوز على الرئيس محمود عباس، الذي من المتوقع أن يترشح على الرغم من بلوغه الخامسة والثمانين من العمر.

واعتبرت بعض المصادر أن فوز البرغوثي قد يفرض على إسرائيل الإفراج عنه، ولكن ترشح البرغوثي قد يؤدي إلى تقسيم أصوات «فتح» بشكل تستفيد منه «حماس»، فتفوز في الانتخابات التشريعية، وبعدها في الانتخابات الرئاسية المقرّرة في آخر يوليو.

ومن المتوقع أن ترشّح «حماس» شخصية مستقلة، غير حزبية ولكن محسوبة عليها، إلى الرئاسة.

وتواترت تقارير إلى العاصمة الأميركية مفادها بأن عباس يتمسك بالزام «الفتحاويين» الترشّح على لائحة واحدة، وأنه عرض على البرغوثي منصب رئيس المجلس التشريعي، وفي الوقت نفسه وعده بالتواسط لدى الرئيس الأميركي جو بايدن للطلب من إسرائيل الإفراج عنه.

والبرغوثي معتقل منذ العام 2002 ومحكوم بالمؤبد بسبب الدور الذي لعبه في «الانتفاضة الثانية»، إذ تتهمه إسرائيل بارتكاب أعمال قتل ضد إسرائيليين والتحريض على قتلهم.

ومن المشاكل التي ستواجهها الانتخابات الفلسطينية إمكانية عدم اعتراف كل من «فتح» و«حماس» بالنتائج في حال لم تأت في مصلحة أي منهما، فيسود الأمر الواقع من دون المقدرة على فرض النتائج، وقد تؤدي المنافسة الانتخابية الى مواجهات مسلحة بين الفصائل الأربعة عشر التي وقّعت على الاتفاقية التي أفضت إلى الإعلان عن إجراء الانتخابات.

وعلى مدى السنوات الماضية، تعذر إجراء الانتخابات بسبب خلاف بين «فتح» و«حماس» طالبت فيه الأخيرة بإجراء كل الانتخابات في اليوم نفسه، فيما أصرّت «فتح» على انتخابات مرحلية.

لكن نهاية العام الماضي، وافقت «حماس» على المرحلية، فأحرجت عباس وأجبرته على الدعوة الى الانتخابات، التي أعلنت الأمم المتحدة أن موفدها الى العملية السلمية تور ونسلاند سيقوم بمراقبة نزاهتها.

وأعلنت حركة «الجهاد الإسلامي» عزوفها عن المشاركة في الانتخابات بسبب رفضها المواثيق التي أفضت الى قيام السلطة الفلسطينية، وتاليا الانتخابات، والتي تعترف بوجود دولة إسرائيل.

على أن الخبراء الأميركيين يعتقدون أن إجراء الانتخابات على مراحل، خصوصاً التشريعية قبل الرئاسية، يبقي في أيدي عباس القدرة على نسف الرئاسية اذا لم تأت التشريعية في مصلحته.

ومن الأعذار التي يمكن التحجج بها لإلغاء الانتخابات الرئاسية، هي قيام إسرائيل بمنع فلسطينيي القدس الشرقية من المشاركة فيها، على اعتبار أن إجراء الانتخابات من دون هؤلاء الفلسطينيين هو بمثابة تنازل السلطة عن القدس الشرقية.

ويشير الخبراء الى أن عباس قام بخطوة «تفخيخ» الانتخابات الرئاسية بشكل يجبر إسرائيل على حرمان المقدسيين من التصويت فيها، اذ قام بتغيير المرسوم الاشتراعي الذي أصدره لاجراء الانتخابات باستبدال تسمية «رئيس السلطة الفلسطينية» بتسمية «رئيس دولة فلسطين».

وبموجب اتفاقيات أوسلو، المطلوب من إسرائيل رعاية تصويت المقدسيين في انتخابات اختيار «رئيس السلطة الفلسطينية» لا «رئيس دولة فلسطين».

ويمكن لإسرائيل الاشارة الى أن تغيير التسمية، وموافقتها عليه، هو بمثابة إجبارها على الموافقة على تبني اسم «دولة فلسطين»، وهو ما لا تقبله من دون التوصل إلى تسوية نهائية مع الفلسطينيين.

على عكس الأوروبيين الذين مارسوا ضغوطات كبيرة على عباس تحت طائلة وقف تمويلهم السلطة، لم تكن واشنطن متحمسة للانتخابات، اذ هي صارت تدرك - بناء على التجارب الماضية - صعوبة الحفاظ على الاستقرار، وهي تفضّل بناء القدرات الفلسطينية وتعزيز العلاقة مع الإسرائيليين، قبل الخوض في عملية انتخابية محفوفة بكل أنواع المخاطر.

وفي هذا السياق، يقول الباحث في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» غيث العمري إن «الانتخابات التي تعيد حماس إلى داخل السلطة أو تعطيها إمكانية السيطرة عليها يمكنها أن تعرض للخطر سعي عباس لإعادة العلاقات مع الولايات المتحدة».

ويعتقد أن «من المتوقع حالياً أن تقوم إدارة بايدن بعكس بعض جوانب سياسة (الرئيس السابق دونالد) ترامب تجاه السلطة الفلسطينية»، خصوصاً لناحية «إعادة بعض المساعدة الاقتصادية».

ويضيف العمري أن «إجراء انتخابات فلسطينية من شأنه أن يثير قضايا قانونية وسياسية تؤدي إلى حد كبير إلى تعقيد عودة العلاقات الفلسطينية مع واشنطن، كما قد تثير توترات مع الأردن ومصر، اللتين تنظران إلى حماس بريبة كبيرة، وعبّرت عن مخاوفها من الانتخابات مباشرة لعباس».

ويشير العمري إلى أن الاستطلاعات تشير إلى أن «ثلاثة أرباع الفلسطينيين يرغبون في إجراء انتخابات... ومع ذلك، فشلت مبادرات مماثلة في الماضي بسبب العوامل التي لم تتغير اليوم».

وما يساهم في زيادة التعقيدات «عدم استعداد حماس وفتح للتنازل عن سلطة حقيقية في أراضيهما، وهو ما من شأنه أن يعمق أزمة الشرعية الفلسطينية الحالية بدلاً من حلها»، بحسب قوله.

الأربعاء، 17 فبراير 2021

إدارة بايدن تتخبّط... وإيران لا ترحمها!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لم يمرّ شهر على دخول جو بايدن البيت الأبيض، حتى وجد نفسه وإدارته غارقين في مواجهة ضد إيران، التي لا ترحم الرئيس الأميركي الذي قدّم نفسه على أنه سيكون أكثر إنصافاً تجاهها من سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب.

وفي ظلّ هجوم نفذه «مجهولون» على قاعدة أميركية في أربيل، وراح ضحيته متعاقد أجنبي، وفي وقت شن الحوثيون في اليمن هجوماً للسيطرة على مدينة مأرب، في اليوم نفسه الذي أتمت فيه وزارة الخارجية إجراءات رفعهم عن لائحة التنظيمات الإرهابية، وفيما تتواصل هجمات المتمردين في اليمن على مواقع داخل السعودية، بدا بايدن عاجزاً حائراً، وهو ما قدم للجمهوريين فرصة لانتقاده ومقارنته بسلفه ترامب.

وزاد في الطين بلّة أن بعض التصريحات الصادرة عن البيت الأبيض أوحت وكأن بايدن سيتفادى الرد على أي من الاستفزازات الإيرانية، وأنه سيتمسك بالديبلوماسية مهما كان الثمن، وهو ما يعني أن المفاوضات مع الإيرانيين ستصبح حاجة للرئيس الأميركي للخروج من مأزقه، وستعطي طهران القدرة على إملاء شروطها مقابل تعليق هجماتها في عموم المنطقة.

وأمام الاهتزاز الواسع الذي تفرضه طهران عبر الشرق الأوسط، ووسط ارتباك بايدن، اقتصرت ردود أفعال إدارته على بيانات أثارت حملة من التهكم، خصوصاً في صفوف الجمهوريين، الذين راحوا يقارنون - عبر وسائل إعلامهم ووسائل التواصل الاجتماعي - بين انضباط إيران في زمن ترامب، وانفلاتها في زمن بايدن.

فقد أعلنت الإدارة إحالة استهداف القاعدة الأميركية في شمال العراق، على التحقيق، للتأكد من هوية من يقفون وراء الهجوم. وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي، في مؤتمرها اليومي مع الصحافيين، إن «رئيس الولايات المتحدة والإدارة يحتفظان بالحق في الرد في الوقت المناسب الذي يختارانه»، وهو التصريح الذي أثار سخرية أميركيين كثيرين، إذ قارنوا بينه وبين ما دأب المسؤولون الإيرانيون على تكراره، لناحية «تهديداتهم الفارغة» بالرد على ضربات إسرائيل ضد أهداف إيرانية في سورية.

ولفت انتباه المراقبين أن ساكي بدت وكأنها فضحت نوايا الإدارة، بغض النظر عمّا ستظهره التحقيقات، إذ قالت إن «الديبلوماسية هي أولوية هذه الإدارة»، في التعامل مع طهران وبقية دول العالم، وأشارت إلى نية واشنطن استشارة حلفائها «في كل أنحاء العالم».

بدوره، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إنه تحدث هاتفياً مع رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي حول التحقيقات اللازمة لكشف هوية المعتدين ومكافحة «العنف المتطرف».

ولفت مراقبون إلى أن الكاظمي لم ينجح حتى الآن في الكشف عن هوية أي معتدين في بغداد، حتى ممن ينفذون عمليات اغتيال ووجوههم ظاهرة على كاميرات المراقبة، فكيف له أن يساعد في الكشف عن هوية المسؤولين عن شن هجمات ضد مناطق في كردستان الخارجة أصلاً عن سيطرة الحكومة الفيديرالية المركزية في بغداد.

وعلّق الباحث في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى مايكل نايتس على الهجوم على القاعدة في أربيل، بالقول إن «إدارة بايدن تواجه الآن المهمة الصعبة المتمثلة في صياغة رد محسوب، على شرط أن يكون حازماً، كما يجب عليها أن تتخذ بعض القرارات الكبيرة حول كيفية ردع مثل هذه الهجمات على الأميركيين وعلى شركاء الولايات المتحدة في المستقبل».

وأضاف نايتس أن «المعلومات الاستخبارية السرية الأميركية تميل إلى التعرف بسرعة كبيرة على مستوى التورط الإيراني، الأمر الذي سيصل إدارة بايدن ويظهر دور طهران في الحادث».

وتابع أنه «سواء كانت إيران تنوي إجراء مثل هذا الاختبار أم لا، فإن النتيجة واحدة»، وهي أنه «يجب على إدارة بايدن، إما صياغة رد يبدو حازماً وقادراً على الردع، أو ستعاني من فقدان مبكر للمصداقية في نظر الشركاء الإقليميين».

وختم نايتس بأن «الحكومة الأميركية تواجه مأزقاً دقيقاً في العراق، الذي كان دائماً ساحة ممكنة لاختبار مبكر لإدارة بايدن».

وحتى لا تترك إدارة بايدن أي شك في أن طهران ستجبرها على العودة،«ذليلة»، إلى الاتفاقية النووية، جاء زحف الحوثيين على مأرب، وهو ما دفع الناطق باسم وزارة الخارجية نيد برايس إلى إصدار تصريح قال فيه إنه «ان كان الحوثيون جديين بالتوصل إلى تسوية عبر المفاوضات، فعليهم وقف كل أنواع التقدم العسكري».

تصريح برايس دفع المعلقين الأميركيين الى التشكيك في أن لدى إدارة بايدن خطة واضحة في اليمن. وتساءل معلقون: «هل يعقل أن وزارة الخارجية تتساءل حول نوايا الحوثيين بعدما قامت برفعهم عن لائحة التنظيمات الإرهابية، لا قبل رفعهم»؟

واعتبروا أن من الغريب أن يأمر بلينكن برفع الحوثيين عن لائحة الارهاب، وفي الوقت نفسه تتساءل وزارته حول مدى جدية الميليشيات اليمنية في التوصل إلى تسوية عبر المفاوضات.

في سياق متصل، كتب الباحث في «مجلس الأطلسي» نبيل خوري أن الصراع في اليمن هو«داخلي على السلطة... هكذا بدأ الصراع، وهكذا يجب أن ينتهي».

وقال«بدأ الحوثيون صراعهم الذي دام ست سنوات ضد الحكومة المركزية للرئيس الراحل علي عبدالله صالح في عام 2004. وعندما سقطت حكومته بسبب انتفاضة 2011، مهّد ذلك الطريق أمام الحوثيين للسيطرة على العاصمة صنعاء في 2014، وفي وقت لاحق، قاموا بمحاولة فاشلة للسيطرة الكاملة على اليمن».

وأضاف خوري: «اليوم، يسيطر الحوثيون على ما يقرب من 25 في المئة من أراضي اليمن، ولكنهم يحكمون 80 في المئة من السكان البالغ عددهم 29 مليون نسمة».

وختم بالقول: «ستطالب المجموعة الحوثية، على أقل تقدير، بدور رئيسي في أي حكومة مستقبلية، (وستطالب) بالوصول إلى ميناء بحري لمنطقتها».

الثلاثاء، 16 فبراير 2021

الأحواز عروس عروبتكم

حسين عبدالحسين

أعدم النظام الإيراني العربي الايراني علي المطيري. وكان النظام قبل ذلك بشهرين اختطف فرج الله الكعبي، وهو من العرب الإيرانيين المطالبين بانفصال الجنوب العربي، وكان يقيم في السويد إلى أن استدرجته إيران إلى تركيا، حيث تم اختطافه، وهو معتقل الآن في إيران وسيواجه في الغالب حكما بالإعدام.

وسط الحركة العالمية المعادية للكولونيالية والمطالبة بإعادة الحقوق للسكان الأصليين، يسكت عرب كثيرون، ومعهم اليسار الليبرالي الغربي والعالمي، عن واحدة من أكثر المظالم وضوحا في العصر الحديث، والتي يرتكبها النظام الإيراني بحق الأقلية العربية. 

في إيران، حوالي خمسة ملايين عربي من إجمالي السكان البالغ 80 مليونا. تعيش غالبية العرب في محافظة خوزستان الجنوبية (عربستان سابقا)، التي تحتوي أكثر من ثلاث أرباع احتياطي إيران النفطي، وهو من الأكبر في العالم. كذلك تتمتع عربستان بثروة مائية ضخمة.

لم تكن عربستان في إيران، بل ضمّها الشاه رضا في العام 1926 بعدما ساعدته بريطانيا في اختطاف حاكمها الشيخ خزعل الكعبي. وأدت المشاريع النفطية في أراضي إيران العربية إلى تدفق العاملين اليها، فتحولت الغالبية السكانية العربية إلى أقلية، وتم استبدال اسم المحافظة وأسماء المدن العربية باسماء فارسية.

وتمارس طهران سياسة محو الثقافة العربية، فتحرم مداس العرب من التمويل اللازم، وتمنعها من تعليم العربية خارج المناهج الدينية، وتفرض على السنة منهم دراسة المنهاج الديني الشيعي، وتفرض على المواليد أسماء فارسية، وتمنعهم من تسجيل أسماء عربية لا تعجب طهران، وتمتنع عن تمويل البنية التحتية، بما في ذلك إحجامها عن إعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب الإيرانية - العراقية. 

ومؤخرا قام النظام الإيراني بتحويل مياه عربستان إلى المحافظات الشمالية، ففاقم أزمة العرب المعيشية، وتفشي البطالة، وتدهور الوضع البيئي بسبب المنشآت النفطية التي تبث سمومها في الهواء فترفع معدلات الأمراض المزمنة بين السكان، في وقت تمطر السماء الكثير من الكيماوي والكبريت وباقي مشتقات النفط والغاز، وتؤدي الأمطار غالبا إلى سيول، وتودي بضحايا بسبب انعدام البنية التحتية.

وتمارس طهران سياسة عنف منظم ضد العرب، وتقوم أجهزتها باعتقالات تعسفية وقتل عشوائي، مثل إطلاق النار على مناطق العرب، فتردي منهم مارة ومن يستقلون دراجات نارية أو هوائية. كما تتأخر الحكومة الإيرانية عن تسديد مرتبات العمال لديها، مثل من يقومون بجمع القمامة، وكلما تظاهر هؤلاء، تشن السلطات حملات اعتقال بحقهم، ويتم رميهم في السجن سنوات بلا محاكمة، وإن خضعوا لمحاكمات، فغالبا ما تكون ظالمة، مثل إنزال عقوبة 40 عاما سجن بحق مراهقين بتهمة إحراق صور لخامنئي.

ويمارس النظام الإيراني سياسة تهجير وتغيير ديموغرافي ممنهجة بمنعه العرب من بناء سكن بإحجامه عن منحم تراخيص بناء، ويقوم بهدم مساكنهم بحجة بنائها بصورة غير شرعية في أراضيهم المصنفة زراعية لا سكنية.

ما الذي ينقص عرب عربستان حتى لا يتضامن معهم العرب والعالم ويجعلوا من قضيتهم قضية مركزية؟ عرب عربستان هم من الأقدم في التاريخ، أما مملكتهم التاريخية، ميسان، فعاشت 350 عاما حتى انتهت في العام 222، ميلادية ما يجعلها ثاني أطول مملكة عمرت في التاريخ العربي، بعد الخلافة العباسية التي عاشت 509 سنوات كانت آخرها في 1258 ميلادية.

وفي ميسان، كانت أولى عواصم العرب، المحمّرة، التي تسميها إيران اليوم خرمشهر، وكان اسمها شاراكس في الماضي السحيق، أسسها الصافين في العام 127 قبل الميلاد، وتوالى على حكمها أكثر من 20 ملكا من العرب، كانت أسماء كثيرين منهم المتيم بالله، وهو موازي لاسم عبدالله اليوم. مملكة ميسان هذه حكمت الخليج العربي، على ضفتيه، وصولا إلى شبه جزيرة عمان، حيث تم العثور على نقود ميسانية في أم الدور، في إمارة أم القيوين الإماراتية. 

وكان الميسانيون شركاء عرب آخرين في الحضر وتدمر والنبط في تحالف تجارة دولي كان عابرا للقارات بين الهند والبحر الأبيض المتوسط، وهو التحالف الذي كان يفيد من رحلتي الشتاء والصيف المرتبطتين باتجاه الرياح الموسمية فوق المحيط الهندي من والى الهند. 

بعد ضم عربستان، قامت طهران بمحاولات لتعديل الرواية التاريخية، وأذاعت أن عرب عربستان وبوشهر وهرمزكان هاجروا إلى هذه المحافظات (التي تشكل ساحل إيران على الخليج) في القرن السابع عشر، وهذا غير صحيح، فهؤلاء العرب يسكنون ضفتي الخليج وجزره منذ ما قبل الميلاد، ودلائل الحفريات تثبت سكن العرب جزر فيلكا الكويتية، ودلمون (أي البحرين)، وخرك الإيرانية — حيث القبور التدمرية والمسيحية النسطورية العربية — وجزر الطنب وأبو موسى، التي انتزعتها إيران من الإمارات في 1970. كلها جزر عربية، فالخليج عربي، ينبثق من بحر العرب، ويسكن ضفتيه وجزره عرب. حكمه الفرس في سني حكمهم للعرب في العراق والجزيرة في أيام البارثيين والساسانيين، لكن لا الجزيرة فارسية، ولا العراق فارسي، ولا الخليج فارسي، بل كلها عربية.

يعيش عرب إيران، وهم السكان الأصليون في مناطقهم، ظروفا صعبة، ويعانون من تمييز حكامهم الفرس ضدهم، ويعانون من الاضطهاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. هؤلاء عرب أقحاح منذ الزمن السحيق، ولا يستحقون ظلم الفرس ولا تجاهل العرب والعالم لهم، وهو ما يطرح الأسئلة التالية: أين حركات التحرر العربية؟ أين "جيش الإنقاذ العربي"؟ أين البطولات؟ أين حملات المقاطعة ونصرة أخواننا في عبادان والفلاحية؟ أين القصائد؟ أليست الأحواز عروس عروبتكم؟

"لبنان الجميل" أم "لبنان المقاوم"؟

حسين عبدالحسين

بادر أحد كتّاب الى التعليق على اغتيال الصديق لقمان سليم بالقول إنه مستعد لنقاش "لا حوار"، وأن النقاش قائم على "فكرة الخصومة والعداوة" بين فكرتين ومشروعين، كما عمد إلى استعادة تصريحات العزيز لقمان لإثبات "عمالته"، وهاجم اليسار اللبناني لأنه يتخيل ماضي لبنان على أنه "الزمن الجميل"، ويسعى للعودة اليه في رعاية غربية، وبمساندة رجال دين "من أسوأ ما عرفهم لبنان"، وهو في الغالب يقصد بطريرك الموارنة بشارة الراعي، الداعي للعودة الى لبنان ما قبل اتفاق القاهرة للعام 1969، أي ما قبل انتشار الميليشيات المسلحة الفلسطينية - وخليفتها اللبنانية القائمة حتى اليوم - على أراضيه.

الصورة التي قدمها الكاتب في غاية الدقة، فالانقسام هو بين نموذجين: واحد يدعو للعودة الى لبنان ما قبل 1969، والى الحياد في الصراعات الدولية والإقليمية، وللعودة الى المجتمع الدولي كدولة ديموقراطية سيدة وقادرة، وثانٍ يفرض نموذج "الدولة المقاومة"، المبني على المزاوجة بين حكم فعلي في أيدي ميليشيا وقائدها، وحكم شكلي في أيدي دولة صدئة ومهترئة وفاسدة، وهو ما يستنسخ النموذج الإيراني، حيث الحكم الفعلي في أيدي "المرشد" و"الحرس"، فيما الدولة شكلية.

المشكلة تكمن في أن الكاتب لا يحتمل التباين في الرأي، ويخال أن رأيه هو الوحيد الصحيح والوطني، وأن آراء معارضيه خيانة موصوفة، وأن لا بأس في أن يكون الاغتيال مصير من يتبنونها، وهذا مذهب مبني على نظرية تحريضية أطلقها أحد الميليشياويين الفلسطينيين في لبنان، وقال فيها أنه يخشى "أن تصبح الخيانة وجهة نظر". والخيانة هنا ليست الخيانة الوطنية بمعنى الجاسوسية، أو إفشاء الأسرار القومية والوطنية لحكومات أو جيوش معادية، بل اختلاف في الرأي، والدعوة الى الاستسلام في حرب لا يمكن الانتصار فيها، أو المصالحة في حرب لا آخر لها.

والجاسوسية متعذرة على من هم من أمثال لقمان، إذ هي تشترط أن يكون الجاسوس من أهل البيت، أو كما يحلو للبنانيين وصفها بـ "بيئة المقاومة"، أي أنه إن أرادت أن تعرف إسرائيل مواقع أسلحة "حزب الله" أو أماكن تنقل قادته، فهي ستحتاج الى عملاء من داخل صفوف الحزب، لا من خصوم الحزب ممن لا يمكنهم الاقتراب من أسراره.

ومن عجائب "محور الممانعة" أنه في وقت يثني العالم - عبر التاريخ - على السلام بكل أشكاله، ويعتبر أن الداعين اليه هم أصحاب الموقف الأكثر أخلاقية، يرى "محور الممانعة" في السلام خيانة وتخاذل.

لم يستحِ لقمان بمجاهرته بالدعوة للسلام، ومثله فعل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي أرسل وزير خارجيته، نائب الرئيس اليوم، فاروق الشرع، لتمضية خلوة في منتجع كامب ديفيد الرئاسي الأميركي مع رئيس حكومة اسرائيل السابق إيهود باراك. رفع الأسد يومذاك شعار "الأرض مقابل السلام". أما الأرض التي طالب بها الأسد، فكانت هضبة الجولان، ولم يربط سلامه بأي شؤون فلسطينية، فتلك كان يفاوض عليها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في ما سمّاه "سلام الشجعان"، الذي لم يعرقله احتلال إسرائيل للجنوب اللبناني يومها. لم يفاوض الأسد ولا عرفات إسرائيل لاستعادة جنوب لبنان، فلماذا يتمسك لبنان بالعداء لإسرائيل، بعد انسحابها من أراضيه، بسبب جولان سوريا أو أراضي الفلسطينيين؟

لم يقل لقمان في الغرف المقفلة ما لم يقله في العلن، وهو رجا العواصم الغربية الأخذ برأي اللبنانيين، ونشر ثقافة الديموقراطية بينهم، فالمغدور الراحل كان يعلم أن إسرائيل وعواصم العالم تنحاز للاستقرار على حساب الديموقراطية، المقرونة اليوم بالفوضى الأمنية. ومن هذا القبيل، فضّلت إسرائيل بقاء رئيس سوريا بشار الأسد على الانهيار الكامل، وكذلك في لبنان، حيث تخلّت الولايات المتحدة، في زمن الرئيس السابق جورج بوش الابن، عن دعم قرار كانت اتخذته حكومة لبنان المنتخبة، وحضتها على التنازل عنه لمصلحة "حزب الله" في اتفاق الدوحة. أما في زمن الرئيس السابق باراك أوباما، فكان مؤيدو إيران والأسد في الادارة أكثر من أن يحصوا، بعضهم بدوافع "انهاء الكولونيالية" و"نصرة الجنوب العالمي"، وبعضهم لاعتقادهم أن الشعوب العربية قاصرة ولا تفهم الديموقراطية، وأن الديكتاتورية هي الاستقرار.

هكذا قابل ستيفن سايمون، عضو مجلس الأمن القومي السابق، الرئيس السوري بشار الأسد في 2015، فيما دعا زميله في المجلس وصديقه فيليب غوردون (اليوم يعمل نائب مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس كمالا هاريس) الى الحوار مع الأسد. أما روب مالي، صديق سايمون وغوردون وزميلهما في مجلس الأمن القومي في زمن أوباما، فهو سبق أن قابل الأسد في 2008، وكان صديقاً لسفيره في واشنطن. ويتولى مالي منصب مبعوث ايران في الادارة الحالية.

يوم اجتاح "حزب الله" لبنان في 7 أيار (مايو) 2008، كان لقمان في واشنطن، وراح يستجدي ادارة بوش لعدم التخلي عن دعم الديموقراطية في لبنان، أو تسليمه للأسد أو لإيران بداعي الاستقرار. لم يطلب لقمان أسلحة أو تمويل ميليشيا أو حرب أو اغتيالات. كل ما طالب به هو دعم ثقافة الديموقراطية ونشرها، ودعم المجتمع المدني، حتى يعي اللبنانيون العلاقة بين مواقفهم السياسية ومصالحهم الاقتصادية، وكي يدركوا أنه يستحيل التمسك بالعداء الدائم لإسرائيل، وفي الوقت نفسه تحقيق نمو اقتصادي لبناني، فلكل موقف سياسي ثمن في الاقتصاد.

لا يقدم الكاتب "المقاوم" أي نظريات في السياسة أو الاقتصاد غير الشعارات الشعبوية وتخوين أصحاب الرأي المغاير، لكنه لو كان يعرف كيف تكون سياسات الدول الناجحة، مثل ألمانيا أو كوريا الجنوبية اللتين تستضيفان قواعد عسكرية أميركية، لأدرك أن لبنان في فترة حياده، بين 1949 و1969، عاش زمناً ذهبياً بلغ فيه نموه الاقتصادي معدلات قياسية، وانخفضت معدلات الفقر الى أدنى مستوياتها، وراجت مشاريع التنمية - من سد الليطاني الى انشاء "الضمان الوطني الاجتماعي" والانفاق على البنية التحتية - في وقت كانت باقي الدول العربية تعيش نكسات عسكرية واقتصادية تشبه الانتصارات الإلهية اللبنانية اليوم.

"لبنان الجميل" الذي حلم به لقمان، والذي يدعو اليه البطريرك الراعي، هو مثل كوريا الجنوبية، و"لبنان المقاوم" هو مثل كوريا الشمالية، والاختيار في أيدي اللبنانيين، هذا لو سمح لهم "حزب الله" الاختيار يوماً، من دون التخوين والاغتيال.

لقمان و"حزب الله" لم يكونا "فكرتين ومشروعين"، بل هو فكر مقابل بندقية. الفكر يمكنه الفوز بأغلبية ومشروعية للحكم، أما البندقية والاغتيالات، فاستعاضة عن ضعف الفكرة بالاستبداد. الكاتب محق أن مقالته ليست حواراً، اذ إن الحوار يكون كلمة سواء، لا كلمة مقابل اغتيال. لقمان كان الكلام، واغتياله لم ينهِ الكلام، فالفكرة لا تقتلها ست رصاصات.

الأحد، 14 فبراير 2021

تضارب بين طلب الراعي رعاية دولية وسياسة بايدن لـ «إنهاء الكولونيالية»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لبنان وحيداً... ليس على لائحة أولويات واشنطن أو العواصم الأوروبية. الرئيس الفرنسي حاول اعطاء انطباع بأن بلاده تهتم لمصير اللبنانيين، لكن زيارات ايمانويل ماكرون الى لبنان لم تتعد كونها حملة علاقات عامة هدفها تصويره وكأنه يستعيد موقع فرنسا كقوة عالمية.

أما الحقيقة، فمفادها بأن الأوروبيين، وفي طليعتهم فرنسا، يستميتون لعودة الولايات المتحدة للاتفاقية النووية مع إيران لإعادة احياء العقود الضخمة معها.

حصة باريس وحدها من العقود الإيرانية كانت نحو 20 مليار دولار، خمسة منها وقعت عليها شركة «توتال» لتطوير حقل بارس 11 الجنوبي للطاقة، و15 ملياراً تمثل نصف قيمة العقد الذي وقعته شركة «ايرباص» العملاقة للطيران، وهي شركة فرنسية - ألمانية.

ماكرون لن يجازف بعلاقته مع طهران بضغطه على«حزب الله» من أجل لبنان.

في واشنطن، أهمية للبنان أدنى منها في باريس.

الرئيس السابق باراك أوباما استخدم لبنان كجائزة ترضية للأميركيين المعارضين للاتفاقية مع إيران.

في 15 أكتوبر 2015، وقع أوباما على الاتفاقية النووية التي كانت تقضي بانهيارها في حال أظهر أي من الطرفين عدائية للآخر، أي في حال فرضت واشنطن عقوبات جديدة على طهران أو في حال أخلّت إيران بأي من التزاماتها النووية.

بعد شهرين من توقيعه الاتفاقية النووية، وقّع أوباما في 18 ديسمبر 2015 قانوناً، كان صدر بإجماع الكونغرس، وهو قانون العقوبات على «حزب الله».

لم تعترض إيران على القانون، بل مضت في رحلة شهر العسل مع أوباما، ووقعت عقودا بقيمة 30 مليار دولار مع شركة «بوينغ» الأميركية العملاقة للطيران.

بكلام آخر، أفضت الاتفاقية النووية إلى رفع العقوبات عن إيران، وتشديدها في الوقت نفسه على حليفها، أي «حزب الله».

ولم تعترض إيران، ولا حتى بتصريح.

هذه المرة، الاقتصاد الإيراني في أزمة أعمق بكثير مما كان عليه في 2015، وهو ما يعني أن طهران أكثر استماتة لعودة أميركا للاتفاقية النووية، ما يعني أن طهران أقل اكتراثاً لمصير «حزب الله» أو لبنان.

طهران لن تزج لبنان في حرب مدمرة مع إسرائيل لأن هذه الحرب محفوظة كخط دفاع أخير لوجود النظام الإيراني، وهو وجود ليس مهدداً حالياً، لا من قريب ولا من بعيد.

هذه المرة أيضاً، الإدارة الأميركية أكثر وداً بكثير من سابقتيها تجاه طهران، إذ بسبب نفوذ اللوبي الإيراني وسيطرته على السياسة الخارجية للرئيس جو بايدن، تسلم الملف روبرت مالي، وهو من الأميركيين القائلين بضرورة «إنهاء الكولونيالية» العالمية، أي الأميركية اليوم، كمفتاح السلام في العالم وازدهار الشعوب. و«إنهاء الكولونيالية» هذا، بالنسبة لمالي، يعني الوقوف على خاطر أنظمة الدول التي ستتفاوض أميركا معها، مثل في إيران وسورية.

الرئيس بشار الأسد لم يعد لاعباً إقليمياً، بل هو بالكاد يمسك سورية خارج الجيب الذي يسيطر عليه، في وقت تسيطر إيران على بقية البلاد.

أما النظام الإيراني، فالأرجح أن مالي ينوي التفاوض معه على كل شيء، لا على النووي فحسب، وهو ما يعني أن مالي سيبحث في كيفية انسحاب أميركا من المنطقة، وتسليم مفاتيحها إلى مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، بما في ذلك لبنان، وسورية، والعراق، واليمن، وأمن المنطقة.

الاتجاه الأميركي لإدارة بايدن، وقبله الأوروبي نحو إيران، لا يشي بأن أميركا أو أوروبا تشعران بمسؤولية تجاه دول منطقة الشرق الأوسط، خصوصا الدول ذات الأهمية الاستراتيجية المنخفضة، مثل لبنان وسورية، وهو ما يعني أن مناشدات بطريرك الموارنة بشارة الراعي لتدخل دولي، مثل وضع لبنان تحت سيطرة مجلس الأمن، هي مطالبات لا تعدو كونها أماني، ولا فرص واقعية لها لتتحول إلى سياسة خارجية، لا في أميركا ولا في أوروبا.

الراعي يعمل بتوجيهات الفاتيكان، الذي يخشى اندثار المسيحيين في المشرق بشكل كامل، إذ بعد تدهور أعدادهم في شمال العراق وسورية بسبب حروب «داعش»، صار وجودهم في لبنان مهدداً بسبب الأزمات المعقدة، الاقتصادية والمعيشية، والتي لا يلوح في الأفق أي ملامح لانفراجها.

ومطالب الفاتيكان والراعي للبنان، بسيطة، وتتمثل بوجوب تنفيذ قرار مجلس الأمن 1559، الذي ينص على حلّ الميليشيات وفي طليعتها «حزب الله»، كما تنص القرارات الأممية على العودة الى اتفاقية الهدنة للعام 1949 بين لبنان وإسرائيل،

وينص القرار 1701 على ضرورة ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، خصوصا لتحديد ملكية مزارع شبعا وتلا كفرشوبا.

ومن شأن الهدنة مع إسرائيل وحلّ الميليشيات أن يؤدي إلى استقرار، ومن شأن الاستقرار أن يسمح بنمو اقتصادي، وهو ما يعني انفراج الأزمة المعيشية، ويدفع لبقاء المسيحيين وتفاديهم الهجرة.

لكن لا أميركا ولا أوروبا في وارد فرض تنفيذ أي من القرارات الدولية، على الرغم من التباهي الفارغ لبايدن بأن إدارته ستعود للالتزام بالمؤسسات الدولية واتفاقياتها.

عدم المبالاة الدولية هذه حوّلت إيران إلى لاعب أوحد في لبنان، فعمد «حزب الله» إلى مهاجمة الراعي ومبادرته، وفي الوقت نفسه إلى تشتيت الانتباه عن القضية الأساس، أي تطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بلبنان، عن طريق إشغال الرأي العام اللبناني والعالمي بموضوع تشكيل الحكومات المتعاقبة، وهو موضوع يستنفذ كل الانتباه، ويغرق البلاد بتفاصيل دستورية وسياسية لا تأثير لها في العملية الإنقاذية.

لبنان وحيداً. لا اهتمام أميركياً أو دولياً بغرقه وسيطرة «حزب الله» عليه، فيما عودة أميركا وإيران للاتفاقية النووية لن تؤدي إلى رفع الحزب عن لائحة الإرهاب أو تحسين موقع لبنان.

جلّ ما ستفعله الاتفاقية هو إعادة تعويم الخزانة الإيرانية، ما يعني زيادة في التمويل الإيراني للحزب اللبناني، وتاليا زيادة في إمساك الحزب بلبنان، من دون أي قدرة فعلية له على إنهاء الأزمات الاقتصادية والمعيشية القاتلة، التي سيواصل رميها على السياسيين، العاجزين عن كل شيء بسبب سطوته.

لبنان وحيد. لا يهتم له العالم، ولا إيران، ولن يخرج من أزمته ما لم يدرك اللبنانيون، وفي طليعتهم «حزب الله»، أن خروج البلاد - لا خروج الحزب وحده - من الأزمات المميتة، يتطلب تلقف مبادرة الراعي، والعودة إلى الترتيبات التي رافقت الحقبة الممتدة بين الهدنة مع إسرائيل في 1949 و«اتفاقية القاهرة» التي سمحت بالعمل الفدائي للميليشيات الفلسطينية في لبنان ابتداء من العام 1969.

هذه الفترة هي التي يسميها اللبنانيون بـ «الذهبية»، وهي التي يطالب الفاتيكان والراعي بالعودة إليها، وهي التي يرفضها «حزب الله» وإيران، التي تفضّل إبقاء لبنان قاعدة صاروخية لها بمثابة بوليصة تأمين لبقاء نظامها في حال تعرضها يوماً لأي تهديدات وجودية من الخارج.

الخميس، 11 فبراير 2021

سيناريو اللوبي الإيراني ومالي... هيمنة طهران «تنهي الكولونيالية»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لم تهدأ بعد العاصفة التي أثارها، قيام مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) في يناير الماضي، باعتقال الأكاديمي الايراني الأميركي كاوه أفرسيابي، بتهم العمالة لطهران، وعدم تصريحه عن تقاضيه أموالاً من البعثة الايرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة، مقابل «محاولته التأثير في الرأي العام الأميركي، وفي رأي صناع السياسة الأميركية، لمصلحة مشغله الايراني، وتصوير هذه الدعاية الايرانية على أنها تحليل موضوعي».

واتهمت وزارة العدل، أفرسيابي، بتقاضي ربع مليون دولار منذ 2007، وهو العام الأخير لمحمد جواد ظريف، وزير الخارجية الايراني اليوم، كمبعوث لبلاده لدى الأمم المتحدة.

وظريف هو مؤسس اللوبي الايراني في الولايات المتحدة، فالوزير الايراني انتقل الى أميركا عام 1977 لدراسته الثانوية، ثم دخل الجامعة وتخصص فيها، وتخرّج بشهادة الدكتوراه في 1988.

أثناء اقامته طالباً في أميركا، وطّد ظريف صداقات مع كبار المتمولين الذين كانوا فرّوا من ايران، مع اندلاع الثورة وانهيار نظام الشاه في 1979.

وفي سني إقامته، عمل أيضاً لدى البعثة الايرانية للأمم المتحدة في 1982.

وعام 2002، عينت طهران ظريف رئيساً لبعثتها لدى الأمم المتحدة، فعكف الديبلوماسي الايراني على إعادة تنشيط شبكة علاقاته مع ايرانيي الولايات المتحدة، الذين تتركز غالبيتهم في لوس انجليس.

وأقنع ظريف، المنفيين، بأن بلادهم مستهدفة، خصوصا من قبل الاسرائيليين والعرب، وأن عليهم دعمها بغض النظر عن موقفهم من النظام.

كذلك نجح في ضمان زيارة معارضين ومنفيين بعد عقود على غيابهم عنها، وكسب بذلك ودهم.

وفي أثناء عمله سفيراً لدى الأمم المتحدة، تواصل ظريف مع ايراني سويدي كان انتقل الى الولايات المتحدة بحثا عن عمل، اسمه تريتا بارسي، وعمل الرجلان على تنظيم زيارات لمشرعين أميركيين الى ايران كجزء من حملة العلاقات العامة التي كانا يرسمانها لتحسين صورة النظام في واشنطن واعادة العلاقات مع ايران، حسب الشروط الايرانية.

وقام بارسي لاحقا بإنشاء «المجلس القومي للايرانيين الأميركيين»، وهو أول شبكة لوبي ايرانية.

لكن جهود ظريف أثارت حنق بعض الايرانيين الأميركيين، مثل حسن داعي الاسلام، الذي كشف علاقة بارسي بظريف والنظام الايراني، فما كان من بارسي وجمعيته الا أن رفعا دعوى قدح وذم لتكذيب داعي الاسلام، فأمرت المحكمة الطرفين بكشف مراسلاتهما الالكترونية، التي أكدت تواصل بارسي وظريف.

وفي 2013، برّأت المحكمة الفيديرالية في واشنطن داعي الاسلام، واعتبرت أن ما أورده عن علاقة بارسي بالنظام الايراني كان صحيحاً، وأمرته بتسديد عطل وضرر للمدعي، وبتغطية التكاليف القضائية.

لكن انكشاف بارسي كعميل ايراني لم يعق نشاطاته، فمضى في توسيعها، وتحالف مع حركة معاداة حرب العراق، وانقلب من السياسة الأولى التي كان انتهجها اللوبي الايراني، والتي كانت تقضي بمحاباة اسرائيل ومحاربة العرب، الى سياسة بديلة تقضي بمعاداة اسرائيل والعرب، والافادة من السياسات داخل الحزب الديموقراطي التي تسير في هذا الاتجاه.

وما يجعل اللوبي الايراني، متيناً، أنه «عضوي»، وممول من إيرانيين أميركيين، من أمثال الملياردير بيار عومديار، مؤسس موقع «اي باي»، ممول موقع «انترسبت»، الذي تحول الى اداة دعاية ايرانية.

و«لوبي عضوي»، يعني أنه معفى من مهمة التصريح عن مصادر تمويله لأنها تأتي من أميركيين، على عكس لوبيات كندا وألمانيا، مثلا، اللتين تنفقان أكثر من 15 مليون سنويا على علاقاتها العامة في واشنطن، ولكنها أموال مكشوفة ومصرح عنها لأن مصدرها خارجي.

ثم أن «اللوبيات العضوية» تسمح بالفوز بولاء أعضاء في الكونغرس بقوة الكتلة الانتخابية الايرانية الأميركية، على عكس اللوبيات الممولة من الخارج والتي تعاني من محدودية الفوز بتأييد سياسيين أميركيين.

وفي لوس انجليس وعموم ولاية كاليفورنيا، نجح بارسي في تجنيد الايرانيين الأميركيين، ومن بينهم عدد من كبار الأثرياء والعاملين في «وادي سيليكون»، فاكتسب بذلك اللوبي الايراني الولاء المطلق لبعض أعضاء الكونغرس ممن يمثلون هذه الدوائر الانتخابية، ومنهم رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي، التي هاجمت الرئيس السابق دونالد ترامب بضراوة على اثر اغتيال الجنرال الايراني قاسم سليماني.

ومن أعضاء الكونغرس من كاليفورنيا أيضاً، رو خانا، الذي عمل رئيسا لحملة المرشح الديموقراطي السابق السناتور بيرني ساندرز. وتظهر تصريحات خانا، لا تأييد مطلقاً للنظام الايراني فحسب، بل هو عداء شرس لخصوم ايران في المنطقة، مع ما يعني ذلك من تصريحات له في كبرى الصحف الأميركية يهاجم فيها بشراسة بعض الدول الخليجية.

ورمى اللوبي الايراني بثقله خلف ساندرز، الذي يتمسك بانحياز لا ريب فيه لايران ضد الدول العربية، وشن حملات تقذيع بحق جو بايدن.

لكن انتصار بايدن الرئاسي، فاجأ اللوبي، فأقنع ساندرز بعدم الانسحاب من الانتخابات التمهيدية لمصلحة بايدن الا ان قدم الأخير تنازلات.

واجتمع المرشحان، وطالب ساندرز بتنازلات على أصعدة متعددة داخلية وخارجية.

لكن اللوبيات الأميركية الاخرى داخليا أقوى من لوبيات ساندرز، فلم يتراجع بايدن لساندرز في المواضيع الداخلية، لكن الملف الخارجي لم تكن المنافسة عليه شديدة في صفوف الديموقراطيين، فقدم بايدن سلسلة كبيرة من التنازلات، وانخرط اللوبي الايراني في حملة بايدن.

ومع فوز بايدن بالرئاسة، صارت سياسته الخارجية صنيعة اللوبي الايراني، وهو ما أفضى الى تعيين روبرت مالي مبعوثا رئاسياً حول ايران.

مالي كان مشكلة حتى بالنسبة للرئيس السابق باراك أوباما، الذي أبقاه خارج ادارته في الولاية الأولى، وعينه في مناصب قيادية وانما بعيدة عن الأضواء في ولايته الثانية.

هذه المرة، دخل مالي الادارة الأميركية «فاتحاً»، وراحت نظرياته حول ضرورة «انهاء الكولونيالية» حول العالم تنتشر، ووصفه أحد أصدقائه بالقول إنه «يرى الأمور دائماً من وجهة نظر القوى التي لا تتفق مع أميركا».

ويخال الديموقراطيون من «معادي الامبريالية، أن هذه هي النظرة العادلة للأمور، فيصبح دعم أميركا للنظام الايراني هو في مصلحة الشعب الايراني، الذي يعتبره أصدقاء مالي في«انترسبت»، من شعوب العالم الثالث.

سياسة بايدن ليست غامضة ولا عرضة للتطورات والمفاوضات مع ايران، بل مدروسة تصوّر تطابقاً بين رؤية أميركا القاضية بالانسحاب من الشرق الأوسط مع سياسة ايرانية تهدف الى طرد الولايات المتحدة من المنطقة والخليج، والحلول مكانها عسكرياً وسياسياً وديبلوماسياً واقتصادياً، والهيمنة على المنطقة، وتصدير الثورة القائمة على استبدال الحكومات القائمة بحكومات بديلة ضعيفة الى جانب ميليشيات حاكمة وموالية.

هذا السيناريو يراه اللوبي الايراني ومالي«انهاء للكولونيالية» وإعطاء الشعوب حق تقرير مصيرها، وهي نظرية، وان عرجاء، تشكل غطاء أميركياً كافياً للتصور الإيراني للهيمنة.

الأربعاء، 10 فبراير 2021

محاكمة ترامب الثانية تشعل معركة «جمهورية»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

من غير المتوقع أن تفضي محاكمة دونالد ترامب الثانية، والتي افتتحها مجلس الشيوخ الثلاثاء وتستمر حتى الاثنين، إلى إدانة قضائية تمنعه من الترشح مستقبلاً، وهو ما يعني أن المحاكمة ليست فعليا حول الرئيس السابق، بل حول مستقبل الحزب الجمهوري، وهويته، وشكل معارك الانتخابات الحزبية التمهيدية التي ستسبق الانتخابات النصفية العام المقبل، والانتخابات الرئاسية في 2024.

غالبية القادة الجمهوريين ترغب الإطاحة بترامب، لكنها لا تعرف مدى الشعبية التي يحافظ عليها. ولو كان هؤلاء القادة متأكدين من أن ترامب فقد شعبيته، لانقضوا عليه، ولصوّت أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين لمنعه من الترشح لولاية رئاسية ثانية.

لكن التردد الجمهوري مرده الى الخوف من شعبيته داخل الحزب الجمهوري، ما يعطيه المقدرة على الانتقام من كل من يصوّت ضده بالإيعاز لمناصريه بالتصويت لمنافسين من يسير ضده داخل الحزب، وتالياً ينتزع مقاعد الكونغرس من معارضيه.

وبلغ خوف بعض الجمهوريين من ترامب أن 11 من أعضاء مجلس الشيوخ صوتوا ضد النظام الداخلي الذي توافق عليه الحزبان ومحامو ترامب لتحديد مجرى سير المحاكمة.

ومن الجمهوريين هؤلاء برز ثلاثة على الأقل، هم جوش هاولي وتيد كروز وماركو روبيو، ممن لديهم طموحات الترشح للرئاسة.

وسبق لكروز وروبيو أن ترشحا في الانتخابات التمهيدية للرئاسة، والتي سحقهما فيها ترامب، بعد أن أشبعهما إهانات، فاتهم كروز أن والده كان متورطا باغتيال الرئيس السابق جون كنيدي، فيما كال لروبيو سلسلة من الشتائم والإهانات.

مع ذلك، يزايد السيناتوران على محامي ترامب في الذود في الدفاع عنه في وجه محاكمته في مجلس الشيوخ.

لكن من معارضي ترامب من يتمتعون بشعبية مضمونة ويضمنون بقائهم في مقاعدهم التشريعية حتى لو حاول اقتلاعهم، ومن هؤلاء المرشح الجمهوري السابق للرئاسة السيناتور ميت رومني، الذي يمثل ولاية يوتاه ذات الغالبية المورمونية.

ولأن رومني، مورموني، ومقعده في مجلس الشيوخ مضمون، فهو يبني مواقفه باستقلالية عما إذا كانت ستثير غضب ترامب أم لا.

ومثل رومني، أربعة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ ممن سيصوتون إلى جانب الديموقراطيين، يوم الاثنين، في محاولة لحرمان ترامب من الترشح مستقبلا لأي منصب في الدولة. لكن فرض حظر سياسي على ترامب يتطلب غالبية الثلثين في المجلس، أي 67 عضواً، وهو ما يعني أن الديموقراطيين والجمهوريين ممن سيصوتون لإدانة ترامب سيبلغ عددهم 55 فقط، وهو ما يضمن تبرئة ترامب في محاكمته بتهم التحريض على العنف الذي أدى لاجتياح مؤيديه مبنى الكونغرس يوم 6 يناير.

ومازال ترامب متمسكا بروايته عن حصول تزوير في الانتخابات الرئاسية التي أقيمت في الثالث من نوفمبر، وهو على الرغم من خروجه من البيت الأبيض وانتقاله للسكن في ولاية فلوريدا الجنوبية، لايزال يرفض توقيع اسمه على انه «الرئيس السابق» على غرار ما يفعل الرؤساء الأميركيون السابقون الذين يفتتحون مكتباً يسمونه مكتب الرئيس السابق، مثل بيل كلينتون وجورج بوش وباراك أوباما.

كذلك، يرفض ترامب تسمية جو بايدن بالرئيس، وهو ما بدا جلياً في المطالعة التي أرسلها محامو ترامب إلى مجلس الشيوخ كدفوع شكلية ضد محاكمته، وأشاروا في المطالعة إلى بايدن بتسميته «نائب الرئيس السابق».

في هذه الأثناء، برزت شخصية أخرى من معارضي ترامب من الجمهوريين، وهي النائب عن ولاية وايومينغ وابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني، ليز، والتي تشغل المنصب الثالث في تراتبية الكتلة الجمهورية في مجلس النواب.

وكانت تشيني واحدة من بين عشرة جمهوريين في الكونغرس ممن صوتوا لصالح إدانة ترامب ومحاكمته مرة ثانية، وهو ما أثار غضب أنصار الرئيس السابق، الذين دعوا لطردها من الحزب وانتزاع منصبها القيادي ومقعدها النيابي.

لكن التصويت على التراتبية داخل الكتلة الجمهورية في الكونغرس تتم بطريقة سرية، فحازت تشيني على 145 صوتاً مؤيداً لحفاظها على منصبها، مقابل 61 من النواب الجمهوريين ممن اقترعوا ضدها، وهو تصويت حاز اهتماماً كبيراً في الأوساط الأميركية، اذ أظهر أن غالبية الكتلة الجمهورية تقترع ضد ترامب في الكونغرس عندما يكون الاقتراع سرياً، وتقترع معه، علناً، ما يعني أنها تعارض الرئيس السابق سراً، لكنها تؤيده علناً خوفاً من عنف أنصاره، أو من إمكانية نجاح هؤلاء الأنصار في القضاء على مستقبلهم السياسي.

هكذا، بدأت تشيني تبرز في مقام الزعيم المضاد لترامب، وهي تصور نفسها على أنها تقود الاعتدال وحركة تصحيحية داخل الحزب للإطاحة بالرئيس السابق وقبضته على الحزب، ما يعني أنه إن نجحت تشيني في مساعيها، فهي قد تترشح للانتخابات الرئاسية عن حزبها.

تشيني توجهت لمناصري الحزب بدعوتهم لعدم «احتضان الرئيس السابق».

وقالت «لا يمكننا ببساطة التغاضي عن النظر إلى الماضي، أو التظاهر بأنه لم يحدث، أو محاولة المضي قدما».

وتابعت: «لسنا حزب كيو أنون (نظريات المؤامرة التي يتداولها الجمهوريون عبر وسائل التواصل الاجتماعي)، (ولسنا حزب) معاداة السامية أو منكري الهولوكوست أو تفوق البيض أو نظريات المؤامرة».

وختمت تشيني: «هذا ليس ما نحن عليه، بل نحتاج أن نؤكد أننا كجمهوريين نحن حزب الحقيقة، وأننا صادقون بتقديمنا رواية لما حدث بالفعل في العام 2020».

إلى ذلك، وفي اليوم الأول من المحاكمة، قدم الديموقراطيون عرضاً يؤكد دستورية محاكمة رئيس سابق صار مواطنا عادياً.

وعرض النائب عن ولاية ميريلاند جايمي راسكين، وهو الذي يقود فريق الادعاء، فيلماً أظهر فيه تصريحات ترامب، ومزجها بتصرفات الغوغاء التي اجتاحت مبنى الكونغرس وارتكبت أعمال عنف.

وتوجه راسكين للشيوخ، الذين تحولوا إلى هيئة محلفين، بالقول: «لن تسمعوا مني محاضرة دستورية لأن القضية التي سأقدمها أمامكم مبنية على الوقائع فحسب، وعلى تسلسل الأحداث وترابطها».

بدوره، نأى البيت الأبيض بنفسه عن المحاكمة وأحداثها لاعتقاد بايدن أن الموضوع لا يعني رئاسته، وأنه سيستهلكها ان انغمس في المعمعة، وسيلطخ صورة بايدن بصفته الرئيس الجامع الذي يسعى لإنهاء الانقسام وإعادة الوئام بين الأميركيين في مرحلة ما بعد ترامب.

وفي ولاية جورجيا، أعلنت نيابة دائرة فولتون، أمس، فتح تحقيق جنائي مع ترامب، في قضية محاولته إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية.

الثلاثاء، 9 فبراير 2021

«تراشق» بايدن - طهران «إعلامي»... والتسوية خلال أسابيع!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يعطي كل من الرئيس الأميركي والمسؤولين الإيرانيين انطباعاً بأنهم يتشددون في مواقفهم، وأن كل منهم يعاند الآخر: جو بايدن يقول إن إدارته لن تعود عن عقوباتها ما لم تعد إيران أولاً إلى نسب وكميات تخصيب اليورانيوم التي كانت عليها إبان توقيع الاتفاقية النووية، فيما تكرر طهران أنها في موقع رد الفعل، أي أن المشكلة بدأت مع العقوبات التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب، وأن التسوية لا تكون - منطقياً - إلا بتراجع واشنطن، أولاً.

لكن العارفين في العاصمة الأميركية يشيرون إلى أن التصريحات المتبادلة هي من باب الاستعراض السياسي، وأن «قنوات الاتصال» مفتوحة والمفاوضات عبر الأوروبيين جارية على قدم وساق. ويقولون إن خطة عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية النووية صارت «ناجزة»، ويبقى مباشرة التنفيذ، الذي يستغرق أسابيع قليلة، وقد يتم إنجاز كل الأمر قبل حلول يوليو المقبل، أي قبل موعد الانتخابات الإيرانية في أغسطس.

والخطة الأميركية للتسوية تشبه تلك التي يقترحها الديموقراطيون وإدارة بايدن على الرئيس السوري بشار الأسد، ويطلقون عليها «مقاربة من مراحل»، أي أن تقوم واشنطن برفع للعقوبات تدريجيا بالتزامن مع تجاوب إيران، مثلاً أن خفّضت نسب التخصيب، تقوم الولايات المتحدة بتحرير الأموال الإيرانية المجمدة في مصارف عالمية، وان قامت بشحن الفائض العالي التخصيب إلي الخارج، تقوم واشنطن برفع الحظر عن شراء طهران، طائرات مدنية.

والخطة هي من بنات أفكار المبعوث الأميركي المسؤول عن الملف الإيراني، روبرت مالي، وكانت نشرتها بالتفاصيل على موقعها «مجموعة الأزمات الدولية»، التي كان يترأسها مالي، قبل أن يتم تعيينه مسؤولاً عن إيران.

على أن الثغرات في الدراسة كثيرة وجلية، أولها أنه يبدو أن مالي يعتقد أن وضع الخليج العربي وإيران كان مستقراً قبل خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية، وهو افتراض غير صحيح، بحسب المعلقين الأميركيين.

أما الثغرة الثانية فتتمثل في أن الدراسة لا تقدم ضمانات بأن إيران ستعود إلى المفاوضات، في حال تمت عودة الطرفين بنجاح إلى الاتفاقية، للتفاوض حول برنامجها للصواريخ البالستية ورعايتها للميليشيات التي تصنفها أميركا - وبعض دول العالم - «إرهابية»، بل إن جلّ ما يعد به مالي هو أن تفتح الاتفاقية الباب أمام إجراء محادثات أوسع مع الإيرانيين بعد العودة للاتفاقية.

ومما جاء في نص الدراسة أن «الجدول الزمني المتدرج لإعادة الجانبين إلى الامتثال الكامل هو أفضل طريق نحو خفض التصعيد النووي والإقليمي، ما يفتح الباب أمام إمكانية إجراء محادثات أوسع مع الرئيس الإيراني المقبل».

ويبدو أن مالي لا يريد انتظار عودة الطرفين إلى تسوية، بل يدعو الأوروبيين إلى مباشرة نشاطهم الاقتصادي مع إيران فوراً وقبل التسوية، ويحض الحكومات الأوروبية على منح شركاتها تحفيزات، على شكل تخفيضات ضرائبية، لحملها على الاستثمار في الاقتصاد الإيراني وإعادة تشغيل عجلته.

وتنقل الدراسة عن مسؤول إيراني، من دون أن تسميه، أنه «يبدو أن الخلاف، والتصعيد العسكري الكبير مع الولايات المتحدة في أوائل عام 2020، أثار جدلاً حاداً في طهران حول الحكمة من المزيد من الاستفزازات الإقليمية».

وأضاف: «في نهاية المطاف، لا يمكننا الفوز في المجالات العسكرية والديبلوماسية والاقتصادية حيث تتمتع الولايات المتحدة بالتفوق الطبيعي».

واعتبرت الدراسة أن «المسؤول الإيراني الكبير» اعترف أنه «كلما صعّدت إيران بشكل أكبر،زادت قوة يد الولايات المتحدة، لكن على الرغم من كل ذلك، فإن رأي الغالبية في الداخل، أن عسكرة الصراع مجدية».

وأضافت أن عصر «الضغوطات القصوى» يقترب من نهايته، وهو ما يقدم خيارين، أولهما أنه يمكن للعودة للاتفاقية النووية مع إيران أن تحصد فوائد كبيرة في مجال مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، وأن «تعيد إحياء الاتصالات الأميركية - الإيرانية التي تلاشت في ظل إدارة ترامب، وهي اتصالات لمناقشة القضايا الإقليمية».

وختمت الدراسة أن«على إيران الامتثال الكامل لالتزاماتها، مقابل عودة أميركية سريعة ورفع العقوبات، لكن هناك مخاطر بأنه في حالة إيران، قد يؤدي الفشل في التعامل بشكل معقول مع إدارة بايدن إلى تقويض التعاطف الدولي الذي كسبته بصفتها الطرف المتضرر بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاقية».

في سياق متصل، نشر الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية اليوت هنتوف، على موقع«معهد الشرق الأوسط»، مطالعة اعتبر فيها أن «إيران اليوم في وضع أصعب مما كانت عليه أثناء خوضها المفاوضات التي أفضت للتوصل للاتفاقية النووية في أكتوبر 2015».

وقال إن«إستراتيجية الضغوط القصوى ربما لم تسفر عن نتائج سياسية ملموسة، لكن ضررها الاقتصادي على إيران كان أشد من عقوبات الرئيس السابق باراك أوباما».

وتابع أن «الناتج المحلي الإيراني تقلص بأرقام مضاعفة في العام ما قبل الماضي، وهو انهيار اقتصادي جعل إيران من الدول القليلة التي لم يختلف وضع اقتصادها مع انتشار وباء فيروس كورونا المستجد، العام الماضي، عما كان عليه قبل الوباء».

وأضاف الباحث الأميركي أنه قبل الاتفاقية «كانت إيران تعاني عجزاً مالياً صغيراً، فيما يتجاوز عجزها اليوم، أربعة في المئة من ناتجها المحلي، وهي غير قادرة على الاقتراض من أسواق المال الدولية، لذا فإن استمرار العجز الضخم يؤدي إلى أزمة إيرانية لا سابق لها في العالم».

وختم هنتوف أن «إيران قادرة جدا على استعادة الإنتاج بسرعة، وبالتالي قد تشعر سوق النفط بالقلق من العودة المفاجئة لمليوني برميل من النفط الإيراني يومياً، وهو ما يعود على الجمهورية الإسلامية بنحو 35 مليار دولار من عائدات التصدير، أي ما يعادل سبعة في المئة من الناتج المحلي، وهو ما يشكل ضعف العجز المالي المقدر للحكومة هذا العام».

وداعا يا حبيبي يا لقمان

حسين عبدالحسين

هذه من أصعب المقالات التي أكتبها. الحزن يحجب الخيال فتصعب الكتابة. الدموع تملأ العينين فتصعب الرؤية. الأصابع ترتجف فتحيل الحزن غضبا. لم أخل أني سأرثي لقمان يوما. في آخر مرة تقابلنا كنا في تونس مؤتمرين حول الحريات برعاية "الحرة" و"معهد الولايات المتحدة للسلام". كان الصباح. ملأت صحني فطورا ونظرت Nلى الحديقة، رأيت لقمان. كان جالسا يرتشف قهوته ويدخّن. جلست جانبه بدون استئذان. كنا صديقين منذ أكثر من عقد. 

في رحلاتي إلى بيروت، كما في زياراته إلى واشنطن، كنا نلتقي دوريا، في غرفة فندقه، في المطاعم، في المؤتمرات. حدث أن تزاملنا في مؤتمر في مدينة نيو أورلينز الجنوبية، وخرجنا ليلا نستمتع بموسيقى الجاز، ونتعشى، وكان معنا مكرم وعبدالرحمن. لقمان يختلف عمن نسميهم ناشطين أو سياسيين، فهو مثقف من أرفع طراز، موسوعي في معلوماته، يتحدث بطلاقة بثلاث لغات. عندما يستمع، يندر أن ترى تعابير على وجهه. عندما يفكر، يبتسم، تعرف أن لقمان تلقف فكرة وينتظر حتى يعلّق عليها.

في كل سنوات صداقتنا اتفقنا فكريا بشكل تام، حول أفكار عصر التنوير، حول الحرية الفردية والعامة، حول الديموقراطية والحكومة التمثيلية، حول العدالة الاجتماعية، حول الثقافة كمؤشر رقي ونهضة. لكننا اختلفنا أيضا.

لقمان كان ناشطا شجاعا. على الرغم من محدودية موارده، كان يسعى لتأمين التمويل أينما وجده، وكان يستخدم التمويل للتوثيق، لدعم دراسات وأبحاث طلاب دراسات عليا حول الذاكرة الشفهية، ولإنتاج أفلام.

لم تستهوه الحزبية ولا الأحزاب، ولم ير نفسه زعيما أو شخصية سياسية، وكان مؤمنا بأن التغيير يبدأ فكريا وثقافيا. أما أنا، فكنت، ومازلت، جبانا. لم أعد ناشطا منذ سنواتي الجامعية. راهنت على الديموقراطية العراقية، فكان فشلها لي كمثل النكبة عند العرب. جمعت ما تبقى مني، وهاجرت. صرت أميركيا. لم أعد أتابع السياسة اللبنانية الضيقة، فقط أؤيد الحرية أو الديموقراطية أينما رأيتهما. لكل منا خياراته.

لم يكن لقمان يبحث عن ناشطين يوزعون مناشير أو يتظاهرون أو يصفقون. كان يبحث عمن يمكنهم المساهمة في نهضة كان يحلم بها. كنا الاثنين من مؤيدي الأنظمة المدنية التي لا تراعي أي توزيع إثني أو طائفي. لكن لقمان أدرك أنه إن أردنا التغيير، فعلينا أن نراعي بعض قواعد اللعبة، أي أن نتعامل مع الطائفة الشيعية على أننا منها.

"تحالف 14 آذار" اللبناني، الذي كان معارضا لميليشيا "حزب الله" ونفوذ إيران في لبنان، كان من نفس طينة النظام اللبناني السيء، الذي يتعامل مع الطوائف، حصريا، ولا يتعامل مع الأفراد على أنهم مواطنون. هكذا عندما انخرط شيعةٌ لبنانيون معارضون لميليشيا "حزب الله" في "تحالف 14 آذار"، كانت تجربتهم سيئة، إذ أن التحالف المذكور أرادهم أن ينضموا إليه بصفتهم مجموعة شيعية، لا كأفراد مستقلين يناصرون الديموقراطية وسيادة الدولة ونزع سلاح الميليشيا. 

بعد فشل ديموقراطية العراق، ومثلها فشل ديموقراطية لبنان بالتزامن مع مقتل العزيز سمير قصير، حاولت الابتعاد عن السياسة في دنيا العرب، وركّزت كتاباتي على شؤون أميركا وسياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط. أرادني لقمان أن أبقى مهتما بالشأن اللبناني. قال لي مرارا أن أبواب شيعة لبنان مفتوحة في وجهينا أكثر من غير الشيعة.

نحن نعرف الطائفة، نعرف أساطيرها وتقاليدها ومزاجها ولهجاتها. هناك شيعة كثيرون يشاركوننا أفكارنا، لكنهم يتعرضون لضغوطات من عائلاتهم ومجتمعاتهم وقراهم تحرّم عليهم الخروج عن التمسك الشيعي القبلي بـ "حزب الله" وإيران. يمكننا أن نقوّي من عزمهم عندما يرون أن منهم من خرج على الإجماع وتبنى رأيا مستقلا. يمكننا أن نحضنهم، وأن نساعدهم في بناء أنفسهم خارج سطوة الطائفة والحزب.

رأيت، منى تمر، في بهو الفندق وخلتها في طريقها للانضمام إلينا. قلت للقمان: ستكتمل عصابتكم "شيعة السفارة"، أي السفارة الأميركية، وهي التسمية التي يطلقها "حزب الله" على معارضيه الشيعة للانتقاص من وطنيتهم. فقال لي: أو أنت لست من "شيعة السفارة"؟ فأجبته ضاحكا أني "أنا السفارة نفسها"، لأني أميركي وأسكن في واشنطن. 

انفتح الباب إلى الحديقة. هذه ليست منى. هذا هشام. "صباح الخير"، قال لنا. رديت التحية، وتوجهت للقمان بالقول: "هذا صديقي الدكتور هشام الهاشمي، من أعتى مؤيدي الديموقراطية في العراق". ثم توجهت إلى هشام: "لقمان سليم، من بيروت". ثم بادرني هشام بالقول إن صديقنا المشترك سرمد أخبره أن المؤرخ العراقي جواد علي هو "جدي". تدخل لقمان: "خلته شقيق جدّك". فأجبته أن العراقيين يسمون الجد وأشقاء الجد "جدي". 

ثم سألت هشام عن سرمد. قال لي "انهزم". سرمد من العقول العراقية المستنيرة، لجأ إلى شمال العراق هربا من الديموقراطية الميليشياوية التي تفرضها إيران في بغداد. ضحك لقمان، وقال لي "هذا مثلك"، فأجبته أن "(مصطلح) 'انهزم' بالعراقي تعني 'هرب'، وأنا هربت أكثر من سرمد، أنا هاجرت“. ثم دعوت كل من لقمان وهشام إلى الهجرة. ابتسم لقمان ابتسامته الساخرة المعروفة. أما هشام، فقال: "يا معوّد، العراق بلدنا وخليهم يولّون (يرحلون)".

قال هشام تأخرنا على الباص إلى المؤتمر. كنت ما زلت منهمكا في صحن الفول. قلت له: "أنهي وألتحق بك، لا تدعهم يمشون بدوننا". راح هشام. أنهيت فطوري. وقفت وقلت للقمان "يالله"، قال لي: "اسبقني جاية، هلق (الآن) ولعتها (السيجارة)".

في فترة الغذاء، لم نجتمع على الطاولة. كنت أنا مع عقول عربية مستنيرة أخرى، نيرفانا وسناء ومنصور، الذي كان يرتدي بفخر زي تشاد التقليدي. أخبرنا منصور أنه خرج في الليلة السابقة يتمشى، ورسم لنا انطباعاته حول ردود فعل التونسيين تجاهه والفارق في التمييز العرقي العنصري بين المدن العربية والأميركية. خرجنا من المطعم، ووقفنا على رأس الدرج، صاح منصور، "صورة"، التفت إلى جانبي، رأيت هشام، التفت إلى أسفل الدرج، كان لقمان، صحت له وناولته تلفوني، ووقفنا جميعا، فصورنا لقمان، وكان هشام في الصورة.

قتلوا هشام، ثم قتلوا لقمان، وقتلوا الأمل في قلبي. يوم قتلوا سمير قصير، صممت أني لن أدع موته يذهب سدى. ترجمت مقالاته العربية إلى الإنكليزية، وأقمنا له موقعا على الإنترنت. بعد 16 عاما على اغتيال سمير، لم يتحقق حلمه، ولم تأت الديموقراطية، بل كان المزيد من الموت والصواريخ والاغتيالات. هذه المرة، سأصمت، وسأنتظر زوال الطغيان وملاليه وظلامهم الذي أطفأ سمير وهشام ولقمان وكل شموع الديموقراطية والحرية والحياة.

الخميس، 4 فبراير 2021

مراكز أبحاث إماراتية - إسرائيلية - أميركية تقدم رؤيتها لإدارة بايدن

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في العاصمة الأميركية، سباق بين التحالفات الدولية المتعددة... كل منها يسعى للفوز بقلب الرئيس جو بايدن ودعم إدارته وإقناعهما بأن الرؤية التي يقدمها هي الأكثر تطابقاً مع المصالح الأميركية. التحالف الذي كان رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي، أشار إليه في خطاب قبل أسبوعين، وقال إنه يضم، إلى بعض الدول الخليجية وإسرائيل، الأردن ومصر وقبرص واليونان، نشط في الأيام الأخيرة في تقديم رؤية مبنية على أمرين: الأول التوصل لتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية خليجية وعربية، والثاني تعزيز قدرات هذا التحالف في مواجهة إيران وملفها النووي ونشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
ويأتي النشاط العربي - الإسرائيلي - الأميركي في وقت عقد معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ندوة تحدث فيها كل من سفير الإمارات يوسف العتيبة، والباحث الفلسطيني سامر خوري، والباحثة الإسرائيلية فلور حسن نعوم، والخبير في المعهد المتخصص بعملية السلام ديفيد ماكوفسكي.
ومما قاله العتيبة إن «التطبيع مع إسرائيل يسير بشكل إيجابي»، وإن الإمارات تشهد «صفقات تجارية ثنائية قوية، وتجارة، واستثمارات ستزيد» بعد انحسار وباء فيروس كورونا.
وأضاف أنه عندما يزور (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو الإمارات «سيتم التطرق إلى التعاون في البحث، والاستثمار، والتجارة، والتكنولوجيا، بالإضافة إلى الأثر الاقتصادي للتطبيع، الذي حقق مستوى مشجع وغير متوقع من المشاركة بين الناس».
وكانت «غرفة دبي للتجارة والصناعة» أعلنت أن حجم التجارة بين البلدين بلغ 272 مليون دولار في الأشهر الخمسة الماضية التي تلت التطبيع.
بدوره لفت خوري الى «تقدم القيادة الفلسطينية في السن». وقال إن «من الضروري إعطاء فرص القيادة للأجيال الشابة»، وهذا ممكن مع الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في مايو المقبل.
وأضاف انه لا بد من فرض شروط على مشاركة حركة «حماس» في الانتخابات، مثل إعلان التزامها نصوص «ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، والتي تشمل الاعتراف بإسرائيل، ومنع الإرهاب».
أما نعوم فأشارت الى أن الفلسطينيين والعرب الإسرائيليين يفيدون من التطبيع، وأن القدس بدأت تتحول الى «جسر طبيعي مع دول خليجية، حيث إن 40 في المئة من سكانها من عرب، والتطبيع يفتح لهم آفاق الإفادة من السياحة الإسلامية في القدس الشرقية».
وتابعت: «يتم تطوير القدس حالياً لمبادرات السياحة والتجارة والتكنولوجيا، ولدى القدس الشرقية القدرة لتصبح مركزاً للبحث والتطوير في الشرق الأوسط».
ماكوفسكي، من ناحيته، اعتبر أنه «إذا منعت إسرائيل النشاط الاستيطاني خارج الجدار الأمني في الضفة الغربية، يجب على واشنطن أن تنظر الى ذلك بإيجابية، اذ عليها أن تميز بين المستوطنات التي تتجاوز الجدار، ولا تتماشى مع نموذج الدولتين، والمستوطنات داخل الجدار، والتي تتوافق مع مبدأ حل الدولتين»، بالاقتران مع مبادلات في الأراضي بين الدولتين.
وأضاف الباحث الأميركي: «في مقابل التزام إسرائيل مبدأ تبادل الأراضي ووقف البناء خارج الجدار، قد يكون هناك من هو مستعد لاتخاذ خطوات نحو التطبيع».
وتابع أن«التوصل لاتفاق سياسي شامل مع الفلسطينيين غير ممكن اليوم، لذلك ستحتاج إدارة بايدن إلى التفكير والتصرف بشكل خلاق للحفاظ على حل الدولتين».
في سياق متصل، أصدر«مجلس الأطلسي» الأميركي، و«مركز سياسات الإمارات»، و«معهد دراسات الأمن القومي» الإسرائيلي، بياناً موجهاً إلى إدارة بايدن، حددت فيه أهم المحاور التي يجب أن تنصب عليها السياسة الخارجية.
ومما جاء في بيان مراكز الأبحاث، أن على الإدارة الأميركية «العمل على إعادة إحياء حل الدولتين الذي يؤسس الفصل السياسي والإقليمي والديموغرافي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية».
وأضاف البيان المشترك:«يجب أن تعمل إدارة بايدن على خلق مسار للمشاركة الديبلوماسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وتقديم تأكيدات بأن أمن إسرائيل لن يتضرر من إقامة الدولة الفلسطينية، كما يجب على الولايات المتحدة استئناف مساعداتها الاقتصادية والإنسانية للفلسطينيين»، والتي كانت الإدارة السابقة أوقفتها.
كما دعا البيان الى«معالجة الأزمة في قطاع غزة، وإعادة القنصلية الأميركية الى القدس»الشرقية، أي التي يفترض أن تصبح عاصمة للفلسطينيين، وذلك الى جانب الحفاظ على موقع السفارة الأميركية الحالي في القدس الغربية، التي ستبقى في عهدة الإسرائيليين، بموجب أي تسوية.
وتابع البيان أن«على الدول العربية أن تساعد في دعم انخراط الفلسطينيين في عملية السلام سياسياً ومادياً»، وأن «على إسرائيل اتخاذ خطوات بناءة لتحسين ظروف السلام والحد من الأعمال التي تقوض التقدم بين الطرفين».
ودعا السلطة «إلى استئناف التعاون الأمني الكامل مع إسرائيل، وإنهاء السياسات التي تكافئ العنف ضد الإسرائيليين»، وشدد على أنه «يجب على جميع الأطراف العمل على معالجة التهديد الذي تشكله سيطرة حماس المستمرة على غزة».
كما دعا البيان العربي - الإسرائيلي - الأميركي المشترك، إدارة بايدن إلى «التشاور عن كثب مع حلفاء الشرق الأوسط في السعي للحد من طموحات إيران النووية وعدوانها الإقليمي، واستخلاص الدروس من المقاربات المتضاربة لإدارتي (باراك) أوباما و(دونالد) ترامب».
كذلك، تعتقد مراكز الأبحاث الثلاثة أن على واشنطن «إنشاء قناة رسمية لحوار متعدد الأطراف بين دول الخليج وإسرائيل»، ويمكن إضافة مصر والأردن، على أن يتركز الحوار حول «إيجاد طرق لتخفيف التهديدات الإيرانية، والتي تتضمن الملف النووي وأعمالها العدوانية في المنطقة وخارجها، والصواريخ البالستية، والعمليات السيبرانية، وحملات التضليل».
عبدالله بن زايد وبلينكن بحثا العلاقات الإستراتيجية
بحث وزير الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن «العلاقات الإستراتيجية وقضايا المنطقة».
وذكر بيان نُشر أمس، على موقع الخارجية الإماراتية، أن الوزيرين بحثا في الاتصال الهاتفي «التعاون المشترك بين البلدين لمواجهة التهديدات الإقليمية والعمل معاً من أجل صون الأمن والاستقرار في المنطقة».