الثلاثاء، 8 فبراير 2022

قطر حليفة أميركا وعدوتها

حسين عبدالحسين

أخطر الرئيس، جو بايدن، الكونغرس، الأسبوع الماضي، بترشيح قطر كـ "حليف أساسي" للولايات المتحدة "من خارج تحالف الأطلسي"، وهي خطوة تناقض السياسات المعلنة للحزب الديمقراطي، والقاضية بانسحاب أميركا من منطقة الشرق الأوسط والخليج و"الاستدارة" شرقا نحو الصين والشرق الأقصى.

السبب الأبرز خلف الترقية التي قدمها بايدن لقطر يكمن في الإعداد الأميركي لخطة طوارئ لتزويد أوروبا بغاز بديل عن الذي تستورده من روسيا، في حال قيام الأخيرة بعدوان عسكري ضد أوكرانيا يجبر الغرب على مقاطعة صادرات الطاقة الروسية وفرض العقوبات على موسكو.

وتتصدر قطر لائحة مصدري الغاز في العالم، وتصدّر ثلاثة أضعاف ما تصدّره روسيا، وهو ما يعني أن السبب الذي دفع الولايات المتحدة إلى الخليج، بموجب "عقيدة كارتر" في العام 1980، ما زال قائما.

والعقيدة التي وضعها الرئيس الديمقراطي السابق، جيمي كارتر، تنصّ على تقديم حماية عسكرية لأكبر خزّان طاقة في العالم للدفاع عنه، يومذاك، في وجه اقتحام سوفيتي محتمل إثر انهيار حليف الغرب في إيران، الشاه محمد رضا بهلوي، ولضمان مواصلة ضخّ النفط والغاز لمنع أي اهتزازات في الاقتصاد العالمي، وفي طليعته الأميركي.

وفي الخليج أيضا، تتصدر السعودية لائحة الدول المصدرة للنفط في العالم، فيما تحلّ الإمارات في المركز الخامس، وهو ما يعني أن حماية مصادر الطاقة للوقاية من أيٍّ ما من شأنه أن يعيق الاقتصاد العالمي ما زالت مطلوبة، على عكس النظريات التي دأب أوباما، وبعده فريق بايدن، على تقديمها، ومفادها أن أهمية الخليج تراجعت بسبب الطاقة البديلة، وأن لا حاجة للولايات المتحدة لمواصلة وضع حلفائها تحت مظلتها العسكرية. 

حتى أن بعض الديمقراطيين، من أمثال السيناتور، كريس مورفي، نشر في دورية "فورين أفيرز" المرموقة مقالة أصرّ فيها على أن "عقيدة كارتر" انتهت صلاحيتها، وأن على أميركا إجبار حلفائها الخليجيين على الحوار مع طهران للتوصل معها إلى ترتيبات أمنية، أو بالأحرى الاستسلام لهيمنتها.

مورفي نفسه شارك في حفل عشاء جمعه مع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، وبثّ مورفي بعد اللقاء تغريدة أثنى فيها على قطر ودعا إلى تعميق التحالف معها، وكأن السيناتور الديمقراطي، الذي يدعو في كل مناسبة إلى انسحاب عسكري أميركي شامل من الخليج، لا يعرف أن الدوحة تستضيف أكثر من عشرة آلاف جندي أميركي في قاعدة العديد.

وما يزيد في الطين بلّة أن انحياز الديمقراطيين لقطر يأتي على الرغم من العداء الذي تعلنه الدوحة ليل نهار لكل ما هو أميركي، إذ تقوم الشبكات الإعلامية التي تمولها الحكومة القطرية، لا بانتقاد سياسات الإدارات الأميركية فحسب، بل بتقذيع التاريخ الأميركي برمته وقيام الجمهورية، واعتبارها جمهورية عنصرية قائمة على دماء السكان الأصليين والعبودية والاستعمار.

كما تغدق قطر الأموال على جمعيات وأحزاب الإسلام السياسي على أنواعها، وتعارض جهود السلام مع إسرائيل، وتنحاز إلى طهران. ثم تتصرف الدوحة وكأنها تتعامل بندية مع طهران، مثل زيارة وزير خارجيتها إيران قبل أيام من زيارة أميرها واشنطن، فيما بدا وكأن قطر تقوم بوساطة بين الطرفين، فيما الأرجح أن الدوحة سعت لأخذ بركة طهران قبل زيارة واشنطن.

هكذا أظهرت خطوة الرئيس بايدن وحفاوة بعض الديمقراطيين في استقبال أمير قطر وكأن إصرار الحزب الديمقراطي على "التخلي" عن منطقة الخليج ليس تخليا فعليا عن هذه المنطقة، بل تخلٍ عن بعض حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، أي السعودية والإمارات، واستبدالهما بقطر ومعها إيران.

ويعزز نظرية انحياز الإدارات الديمقراطية مع حلفائها في الكونغرس ضد السعودية والإمارات التصريحات والخطوات التي قامت بها إدارة بايدن منذ توليها الحكم قبل عام، إذ هي قامت بالإفراج عن وثائق سرية تتعلق بهجمات 11 أيلول- سبتمبر على أمل إحراج الرياض، ثم قامت بمنع بيع السعودية والإمارات أسلحة هجومية.

كذلك قامت إدارة بايدن برفع الحوثيين في اليمن عن لائحة التنظيمات الإرهابية. والحوثيون هؤلاء أنفسهم حمّلهم المسؤول في البيت الأبيض، برت ماكغورك، مسؤولية استمرار حرب اليمن بسبب رفضهم الدخول في أي هدنة، فيما أثنى المسؤول نفسه على السعودية لقبولها اتفاقيات الهدنة المختلفة التي قدمتها الأمم المتحدة للأطراف المتنازعة.

وإلى معاملة السعودية بما يقارب الفظاظة، قامت إدارة الرئيس بايدن بتوتير علاقتها مع الإمارات مع إعلان واشنطن تأخير بيع مقاتلات أف-35 الأميركية المتطورة وطائرات "ريبر أم كيو" بدون طيار، ما دفع أبوظبي إلى إعلان تخليها عن الصفقة التي تبلغ قيمتها 23 مليار دولار، وهو ما دفع إدارة بايدن إلى الهرولة للتراجع عن العرقلة.

السعودية والإمارات، من جهتيهما، تتبنيان سياسة خارجية تجعلهما في مصاف أقرب حلفاء الولايات المتحدة، إذ لعب كلاهما دورا محوريا في الحرب ضد الإرهاب منذ يومها الأول في أفغانستان وصولا إلى القضاء على داعش في العراق وسوريا، ويدعم كل منهما السلام مع إسرائيل، الإمارات وقعته والسعودية تعلن تأييدها له مع تحفظات وبشروط. كما تفخر كل من الدولتين بتحالفهما مع الولايات المتحدة عبر قنواتهما الإعلامية التي تمولها حكومتاهما. 

والحال هذه، يصبح محيراً سبب اختيار بايدن ترقية من يحرّض ضد الولايات المتحدة كحليف أساسي من خارج الأطلسي، في نفس الوقت الذي يتعامل فيه بايدن باستخفاف تجاه أكثر الحلفاء وفاء للولايات المتحدة، وهو تصرّف دأبت الإدارات الأميركية على ممارسته، مثل إصرار أوباما على استقالة فورية لرئيس مصر الراحل، حسني مبارك، حليف واشنطن، وفي نفس الوقت تمسكه بـ "تسوية بين الطرفين" بين رئيس سوريا، بشار الأسد، ومعارضيه.

ربما هو "الشعور الأبيض بالذنب" الذي يغرق فيه بعض الديمقراطيين ويدفعهم للتقارب مع خصوم أميركا على حساب حلفائها، وربما هي مراهقة وعدم إلمام بالسياسة الدولية، وربما هي خليط من الإثنين: التكفير عن التفوق الأميركي عالميا واعتقاد أن العالم واحة سلام ومحبة لا تعكرها إلا سياسات أميركا وقوتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق