| واشنطن - من حسين عبد الحسين |
تماهت ردود فعل مسؤولين اميركيين على التقرير الذي بثته قناة «سي بي سي» الكندية عن التحقيقات في اغتيال رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري في فبراير 2005، مع البرودة التي تلف المشهد السياسي عموما في العاصمة الاميركية، والتي تشهد بدورها اقفالا تاما اليوم احتفالا بعيد الشكر.
مسؤولون اميركيون متابعون للتحقيق منذ انطلاقه وصفوا التقرير الكندي بـ «الدقيق الى حد بعيد»، لكن لفتوا الى بعض «المغالطات من وجهة النظر الاميركية». وروت المصادر الاميركية، لـ «الراي»، تجربتها مع المحققين الدوليين المتعاقبين، وقالت ان المدعي العام الكندي دانيال «بلمار كان اول محقق يزور واشنطن، ويلتقي مع مسؤولين في الاستخبارات فيها».
لم يكن مر على تعيين بلمار في مارس 2009 الكثير، قبل ان يعلن ذهابه في اجازة عائلية. عبر المحقق بلمار في وقتها الاطلسي، ولكنه لم يصل الى كندا حيث عائلته، بل حط في مطار دالاس الدولي في واشنطن. في الايام التي تلاحقت، اجرى المسؤول الاممي جولة من اللقاءات شملت مسؤولين اميركيين في الاستخبارات ووزارة الخارجية ومجلس الامن القومي.
على عكس ما ذكره تقرير الشبكة الكندية، لقي بلمار تجاوبا اميركيا، لكن بشروط. في لانغلي، حيث مقر وكالة الاستخبارات المركزية (سي اي اي)، طلب المحقق الدولي «معلومات». اجاب الاميركيون انهم لا «يقدمون المعلومات مجانا، بل يتشاركونها في عملية تبادلية».
يقول مسؤول اميركي: «حصلت عملية مقارنة ملاحظات، واستخلص الطرفان ان ما سبق ان توصل اليه الرائد (المغدور وسام) عيد في سياق التحقيق يغطي معظم ملابسات تنفيذ عملية الاغتيال، ولكنه يبقي خارجا اتخاذ قرار التنفيذ».
وفعل بلمار الشيء نفسه مع اجهزة الاستخبارات الغربية والاقليمية الاخرى، باستثناء الاسرائيلية والسورية، على مدى الاشهر التي توالت. «توصل بلمار الى ان المعلومات المتوافرة بين يديه دقيقة، ومشابهة لما تعرفه الاجهزة الغربية عن الجريمة»، حسب المسؤول.
الاميركيون هم اول من اطلقوا «فرضية تورط حزب الله في اغتيال الحريري، منذ خدم (مساعد وزيرة الخارجية جيفري) فيلتمان سفيرا لنا في لبنان». في ذلك الوقت، «طرح جيف (فيلتمان) فرضية تورط حزب الله امام مسؤولين لبنانيين، ووصل الاقتراح الى (الامين العام لـ «حزب الله» السيد) حسن نصرالله، فهدد في خطاب علني من مغبة تداول الاقتراح».
يقول المسؤول الاميركي ان في يد بلمار على الاقل مجموعتين من الاثباتات، معظمها ظرفية. «من غير الممكن في جريمة من هذا النوع ان يتوافر شهود او قرائن حسية اكثر مما هو موجود».
المجموعة الاولى من الاثباتات هي عبارة عن اعادة تكوين للمشهد السياسي في لبنان عشية مقتل الحريري، «مرفقة بافادات عن تهديدات خاصة، وفي العلن، وجهها مسؤولون سوريون وفي حزب الله الى رفيق الحريري». يضيف المسؤول: «اعتقد ان المحكمة الدولية، على سبيل المثال، ستهتم لسماع وجهة نظر من امر ونفذ محاولة ازالة اثار الجريمة... هذا بحد ذاته ادانة».
اما المجموعة الثانية، فهي عبارة عن خريطة مفصلة للاتصالات، مع ارقام واسماء المتورطين. يعتبر المسؤول الاميركي ان سيناريو مقتل الحريري معروف منذ اليوم الاول للجريمة: «كانت لدى معظم الاستخبارات معلومات قاطعة عن الاعداد لاغتياله، اوصلها له (رفيق الحريري) اصدقاؤنا الفرنسيون، ولكنه للاسف لم يعيرها اهمية او يترك البلاد... ان عملية اغتياله لم تأت من فراغ، ولكن معظمنا، كما رفيق الحريري قبل اغتياله، اعتقدنا ان الجناة اعقل من ان يرتكبوا جريمة كالتي ارتكبوها».
ويضيف: «حتى ان السوريين وحزب الله عمدوا الى تسريب كمية من المعلومات الدقيقة حول الجريمة عن طريق الصحافي في مجلة دير شبيغل الالمانية اريك فولاث، وهو صديق للرئاسة السورية عن طريق احدى مستشاريها ووزير لبناني سابق».
الهدف من التسريب السوري، حسب المسؤول، «جاء في اطار التلويح السوري المستمر باندلاع حرب اهلية في حال استمرار المحكمة في عملها... اما التوقيت، في يونيو 2009، فكان يهدف الى اجبار تحالف 14 مارس على ادانة التقرير تفاديا للحرب، وبذلك تقديم ادانة مسبقة لاي قرار ظني مشابه قد يصدر».
اذن، يعتبر الاميركيون ان تفاصيل عملية الاغتيال «صارت واضحة منذ فترة بعيدة، الا ان المشكلة كانت تكمن دوما في اثبات ذلك قضائيا في لاهاي، وهي المعضلة التي حاول بلمار ايجاد الحلول لها».
من السهل على اي متتبع لسير اعمال بلمار الخروج بانطباع واضح عما يحاول الرجل فعله. القرائن في المحكمة تحتاج الى تحقيقات مع المتهمين. «ذهب المحقق الدولي الى (رئيس حكومة لبنان السابق) فؤاد السنيورة، وطلب منه التوصل الى مذكرة تفاهم بين لجنة التحقيق والحكومة تسمح للمدعي العام بالاستجواب والتحقيق».
يقول المسؤول: «السنيورة كان المسؤول اللبناني الذي قدم كل التسهيلات لسير مجرى العدالة، وكان الاكثر وفاء للحريري، ربما للتاريخ الذي كان يربطهما، ولكن كل هذا الوفاء للحريري اتي للسنيورة بنقمة من حزب الله».
ويستدرك قائلا: «عرقل وزراء الحزب في الحكومة مذكرة التفاهم، ذهب بلمار الى الاجهزة الامنية اللبنانية للاستفسار عن امكانية توقيف مسؤولين في حزب الله، اجاب اللبنانيون ان امكانياتهم لا تضاهي امكانات المشتبه فيهم».
بعد ذلك، يتابع المسؤول، «ذهب بلمار الى الانتربول، ووقع مذكرة تفاهم لجلب المشتبه فيهم». يضيف: «تلك كانت خطوة احرجت الحكومة اللبنانية والاجهزة الامنية، فاما تتجاوب مع طلبات الانتربول، واما يصبح لبنان بمثابة الدولة الخارجة عن الاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة». هنا، حسب المسؤول الاميركي، «اقدم حزب الله على مفاجأة، ربما للابقاء على ما تبقى من سمعة للبنان في مكافحة الجريمة، فوافق على اجراء لجنة التحقيق الدولية مقابلات مع مسؤولين رفيعين فيه».
رغم ان «حزب الله وحلفاءه كانوا اخترقوا لجنة التحقيق الدولية، الا ان بلمار بقي صندوقا مقفلا بالنسبة اليهم، الى ان حان موعد استجوابات مسؤولي الحزب... من الاسئلة المطروحة، عرف حزب الله ما يعرفه بلمار، واعلن الحرب للقضاء على المحكمة الدولية».
«الراي» سألت المسؤول الاميركي كيف يمكن لـ «حزب الله» اختراق عمل لجنة التحقيق الدولية، فاجاب: «عندما تمسك انت بكل مفاصل الامن، لا صعوبة من المراقبة والتنصت والاختراق».
اما عن امكانية تورط، او تواطؤ، رئيس جهاز المعلومات العقيد وسام الحسن في الجريمة، قال: «اخطأت الشبكة الكندية بتقديم معلومة اكتفت من خلالها باثارة الشبهات حوله».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق