| واشنطن من حسين عبدالحسين |
للمرة الاولى منذ سنوات، تبرز في العاصمة الاميركية بوادر تخلي ادارة الرئيس باراك اوباما عن تمسكها بصديقها وحليفها رئيس حكومة العراق نوري المالكي.
تأتي التطورات في الموقف الاميركي على خلفية الاحداث السياسية المتسارعة في العراق على اثر سلسلة من الاجتماعات بين كبار السياسيين العراقيين كان اولها في اربيل، وثانيها في النجف، وثالثها في السليمانية. وقال مسؤولون اميركيون متابعون للملف العراقي، في جلسة مغلقة مع صحافيين، ان «الولايات المتحدة تعتبر ان سحب الثقة من حكومة المالكي واستبداله برئيس آخر هو شأن عراقي محض»، وان واشنطن ليست معنية بما يبدو وكأنه «انتفاضة سياسية لاستبدال رئيس الحكومة الحالي»..
ولأن الولايات المتحدة لم يسبق ان مارست اي ضغوط على المالكي، حتى عندما عبّر اصدقاؤها العراقيون الآخرون عن تململهم من تفرده في الحكم واستمراره فيه، يقول المسؤولون الاميركيون انهم لن يتدخلوا اليوم «لا لترجيح بقاء المالكي، ولا للتعجيل في رحيله».
لكن خبراء في العاصمة الاميركية يعتقدون ان بلادهم «كان بوسعها تأمين المزيد من الحماية السياسية لرئيس الوزراء العراقي عن طريق اصدقائها الكثر في مجلس النواب»، الا ان واشنطن تدرك، حسب هؤلاء، انها لن تجني اي مكاسب في حال «سعت لحماية المالكي»، وان اي حماية اميركية للمالكي قد تثير في وجه اميركا غضب معارضيه، الذين صار عددهم كبيرا.
ويلفت الخبراء الى ان عدد السياسيين المشاركين في اللقاءات الثلاثة المعارضة للمالكي يزداد، وانه صار يضم الى الزعماء الخمسة الكبار، عن الكرد مسعود البرزاني وجلال الطالباني، وعن السنة اياد علاوي واسامة النجيفي، وعن الشيعة مقتدى الصدر، عدد من المسؤولين الاقل نفوذا. ويقول الخبراء ان واشنطن لو ارادت الوقوف الى جانب المالكي، فانها ستجد نفسها في مواجهة غالبية سياسية وبرلمانية عراقية لا يستهان بها، وان ثمن هكذا مواجهة اكبر من ثمن التخلي عن رئيس الحكومة.
احد الصحافيين المشاركين في الجلسة العراقية توجه بالسؤال الى احد المسؤولين حول موقف واشنطن في حال رحيل المالكي، فكانت الاجابة ان «عملية نزع الثقة عن حكومة المالكي ستكون بحد ذاتها تحديا سياسيا ودستوريا، اذ لم يسبق للعراقيين ان عاشوا تجربة مماثلة في الماضي»، كما سيكون «تسليم المالكي لمفاتيح السلطة التي يقبض عليها منذ سنوات الى خليفته بمثابة امتحان لمدى عمق الديموقراطية العراقية وامكان تخلي الحاكم عن منصبه».
في التفاصيل الدستورية، تبرز مشكلة كيفية احتساب نصف البرلمان، هل هي نصف عدد الاعضاء البالغ عددهم 325، ام هي نصف عدد الاعضاء الحاضرين في جلسة نزع الثقة الطارئة في حال توافر فيها النصاب. ان كانت الاجابة نصف عدد الاعضاء، يقول الخبراء الاميركيون، فان اكثر التفسيرات الدستورية تملي توقيع اكثرية 163 على عريضة تكفي لحجب الثقة. اما اذا كان المطلوب نصف الحاضرين ممن يؤمنون نصاب الجلسة، اي 82 نائبا، لنزع الثقة.
يذكر ان الرئيس العراقي جلال طالباني وعد بالطلب بفتح دورة استثنائية لمجلس النواب قبل عودته من عطلة تشريعية منتصف الشهر الجاري. وينص الدستور العراقي على عقد جلسة نزع ثقة عن الحكومة في حال طالب بذلك خمس الاعضاء، اي 65 نائبا، وهو عدد متوافر من بين المطالبين بعقد الجلسة، او رئيس الجمهورية.
التحدي الدستوري الآخر، حسب المتابعين الاميركيين، هو ارتباط رئاسة الجمهورية بحل الحكومة اذ يبدو ان المالكي «يعتقد ان الاطاحة به تؤدي حكما الى انتهاء ولاية الرئيس، وهو لا يبدو صحيحا من الناحية القانونية اذ ان رئيس الجمهورية لا يقود تحالفا نيابيا مثل رئيس الحكومة». ثم ان كتلة المالكي حاولت الايحاء بأنها ستطالب بنزع الثقة عن رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي، كرد على مشاركة الاخير في حركة المعارضة المتنامية والمطالبة برحيل رئيس الحكومة. «عزل رئيس البرلمان هو امر غير معهود كذلك في الديموقراطيات البرلمانية، الا اذا دعى رئيس الحكومة الى انتخابات مبكرة، ينحل بموجبها البرلمان ولكن يبقي رئيس الجمهورية البروتوكولي الصلاحيات حتى نهاية ولايته».
تحد ثالث يكمن في كيفية تصرف المالكي في حال حجب الثقة عنه. «هل يعتبر ان الامر غير دستوري وتاليا ينفذ انقلابا عسكريا بما انه يسيطر على القوى الامنية؟» يتساءل المسؤول الاميركي، ويضيف: «هذا موضوع يخيفنا، ونحن قلنا للمالكي اننا لا نأخذ مواقف سياسية ولكننا لن نقبل الاطاحة بالعملية الدستورية العراقية من اجل رجل واحد».
الولايات المتحدة لا تتدخل في الشأن الداخلي العراقي، حسب مسؤوليها، لكنها تتابعه عن كثب، وتصر انها لا تختار «الرابحين والخاسرين في العملية السياسية»، بل تريد ان ترى «العملية الدستورية تعمل بانتظام، وهو ما يتطلب احترام المسؤولين العراقيين لا للدستور فحسب، وانما لفكرة تداول السلطة في شكل سلمي ودوري».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق