حسين عبد الحسين
اذا كان إحراق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه في كانون الثاني (يناير) 2011 هو بداية ربيع العرب، فكيف يمكن لنا ان نحدد نهايته؟
في سوريا، لا شك ان الربيع مازال فعلا مضارعا، ولكن ماذا عن تونس ومصر واليمن وليبيا حيث تنحى الحكام السابقون او هزموا أو قتلوا؟ ومتى يمكن القول إن الثورات العربية المندلعة حققت اهدافها حتى تنتقل الشعوب من الحالة الثورية الى حالتها الطبيعية؟
“ان الثورات، مثل تلك المندلعة في مصر التي خرجت من عقود من الديكتاتوريات والقمع، هي عملية طويلة،” يقول ستيفن هادلي، مستشار الامن القومي السابق في ادارة جورج بوش الابن، في مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست”.
“انها عملية صعبة ما يحاول ان يفعله المصريون، دعونا نعطيهم فرصة”، يضيف هادلي.
الصحيفة تعتبر ان كبار مسؤولي ادارة الرئيس باراك اوباما يوافقون هادلي رؤيته، وتنقل عن احدهم قوله “الحقيقة ان هذه العملية، بطبيعتها، تحصل على المدى الطويل، على مدى اجيال”. ويتابع: “لا يمكننا ان نقيس هذه العملية بفترة ستة اشهر، او حتى سنة لانها ستستمر لوقت طويل”.
وبالحديث عن مصر، يبدو، من الناحية التقنية على الاقل، ان الربيع انتهى هناك، فحسني مبارك تنحى، والمصريون انتخبوا ممثليهم الى البرلمان، حتى لو حصلت مناكفات سياسية حاولت التشكيك في صحة الانتخاب. كذلك، انتخب المصريون، لاول مرة في تاريخهم، محمد مرسي، من “الاخوان المسلمين”، رئيسا للجمهورية. واذا كان الحال كذلك، فما الذي ينتظره المصريون اكثر من ذلك من ربيعهم؟ وهل سيتوقفون عن التجمهر في ساحة التحرير مع كل تصريح سياسي او انتخاب او حتى مبارة كرة قدم؟
والاجابة هي انه يبدو ان المصريين انفسهم لا يعرفون ماذا يتوقعون من ربيعهم، وهم ليسوا وحدهم بين العرب. ففي العراق، بعد انهيار نظام الرئيس الراحل صدام حسين وقيام العراقيين بانتخاب اول مجلس تمثيلي مؤقت لهم قام بكتابة الدستور واطلق عليه اسم “الجمعية العامة”، ارسلت احدى الفضائيات العربية مراسلها الى شارع “14 رمضان” في بغداد ليستطلع آراء العراقيين حول الديمقراطية.
“اين هي الديمقراطية؟” اجاب رجل في منتصف العمر، مضيفا: “كهرباء ماكو، بنزين ماكو، مي ماكو”. من الواضح ان ذلك العراقي الذي عرض للكاميرا اصبعه مصطبغا بالازرق للدلالة على قيامه بالانتخاب، لا يعتقد ان حرية اختياره ممثليه لكتابة الدستور هي الديمقراطية، بل يتوقع خدمات من كهرباء وماء، وربما وظائف وافادات ريعية على اشكال مختلفة.
ولاشك ان اليوم، لو قامت احدى الفضائيات باجراء مقابلات مماثلة مع مصريين حول انجازات ثورتهم، التي شهدت حتى الآن توجههم الى صناديق الاقتراع ثلاث مرات في اقل من سنة ونصف، الاولى لاستفتاء تعديل الدستور، والثانية لانتخاب برلمان، والثالثة لانتخاب رئيس، ناهيك عن حرية التعبير المتجلية في التظاهر الدائم في “ساحة التحرير”، وفي انفلات الاعلام الخاص من الرقابة وتمتعه بحرية رأي غير مسبوقة، فان الاجابات ستكون المطالبة بأمور لا تمت الى العملية الديمقراطية بصلة.
وعلى الارجح ان معظم الاجابات المصرية، وحتى التونسية والليبية واليمنية، ستتمحور حول المطالبة بوظائف وخدمات وامور لا تتعلق بالعرب ولا بربيعهم بشيء.
ان التغيير، في دنيا العرب او غيرها، هو فعلا عملية طويلة، ومستمرة، وتحصل على مدى اجيال، مع انها في فترات معينة تأخذ وتيرة متسارعة ظاهريا، كما يحصل منذ مطلع العام الماضي. هذا ما يعني ان احراق البوعزيزي نفسه، على الرغم من اهميته الرمزية، لم يكن سببا كافيا وحده لاطلاق الربيع العربي، بل ان المثقفين هم من عينوا هذه الحادثة كتاريخ بداية لربيع عربي مازال كثيرون يختلفون على اسباب واوقات اندلاعه.
ربيع العرب بدأ على الارجح قبل البوعزيزي. في سوريا، تحدث كثيرون عن “ربيع دمشق” ابان تسلم بشار الاسد السلطة خلفا لابيه في العام 2000. في الولايات المتحدة، كثيرون من مؤيدي الحرب في العراق يعتبرون ان هذه الحرب وسقوط صدام حسين فتحا باب سقوط الانظمة العربية الاخرى شعبيا فيما بعد.
في لبنان، تصر غالبية اللبنانيين على ان “انتفاضة الاستقلال” التي شهدت اولى التظاهرات العربية المليونية في 14 آذار (مارس) 2005، والتي فرضت نهاية الاحتلال السوري في لبنان، كانت هي شرارة الربيع العربي الفعلية.
ونحن والحالة هذه امام ربيع بدأ اما في العام 2000، او 2003، او 2005، او 2011. واذا من غير الممكن تحديد بداية لربيع العرب، سيكون من شبه المستحيل تحديد نهاية له.
هناك تعليق واحد:
تحياتى لكم .. فين الموضوعات الجديدة
إرسال تعليق