واشنطن - من حسين عبدالحسين
علّقت مصادر اميركية على غياب لبنان عن قمة وارسو المخصصة لمناقشة الاوضاع في الشرق الاوسط - وخصوصاً «نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار» وعملية السلام العربي - الاسرائيلي المتعثرة - بالقول ان المنظمين لم يوجهوا دعوة الى اللبنانيين لعلمهم ان بيروت اقتلعت نفسها من المجتمع الدولي، الذي قدم لحكوماتها المتعاقبة دعما على مدى العقود الماضية. وتعتقد بان بيروت قررت الالتحاق بالكامل بالمحور الذي تقوده ايران.
وقالت المصادر ان احتفال وزير خارجية ايران جواد ظريف بالذكرى الاربعين للثورة الايرانية في «فندق فينيسيا» في بيروت، على بعد امتار عن موقع اغتيال رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري «لم يكن مصادفة، بل خطوة مدروسة لم تفت رمزيتها احداً».
وفي وقت يدور حديث حول امكانية سعي حكومة لبنان الى البدء بمفاوضات مع المصارف المحلية لاقناعها بالتخلي عن عائدات بعض الاموال التي سبق ان اعارتها للجمهورية اللبنانية، في محاولة لتخفيض خدمة الدين التي تكاد تستهلك الجزء الاكبر من الموازنة السنوية، لا يبدو ان حكومة لبنان تدرك اهمية البقاء في فلك الاقتصاد العالمي، بدلا من خروجها منه وانخراطها في ما تسميه ايران «اقتصاد المقاومة».
ولفتت المصادر الى ان التصريحات التي رافقت زيارة ظريف الى بيروت، لناحية نية ايران «تقديم مساعدات» للبنان، هي تصريحات «تقارب السوريالية»، فالاقتصاد الايراني في الحضيض، والريال خسر اكثر من ثلث قيمته، امام العملات العالمية، في السنتين الماضيتين، و«طهران بحاجة لعملات صعبة، ولادوية اجنبية، ولمواد اخرى لا تقوى على شرائها بسبب شح العملة الصعبة».
ويكرر المسؤولون الاميركيون ان نظراءهم الايرانيين يعتقدون، او على الأقل يكررون، ان بامكانهم اقامة منطقة اقتصادية اقليمية عالمية مستقلة عن الولايات المتحدة، ويمكنها بذلك تجاوز اي عقوبات اميركية. يشارك في هذه المنطقة الاقتصادية، إلى ايران، العراق وسورية ولبنان، وعالمياً روسيا وربما الصين والهند.
روسيا، بدورها، تتصرف في العلن وكأنها منخرطة في المشروع الايراني لاقتصاد اقليمي مستقل عن اميركا، وتوقع اتفاقيات تبادل تجارية من دون سيولة او حوالات مصرفية. لكن واقع الحال، ان موسكو تدرك انه لا يمكنها التمرد على الاقتصاد العالمي، حتى بمساعدة ايران ودول اخرى، وهو ما دفع الحكومة الروسية الى تخفيض انفاقها بشكل جذري في كل القطاعات - باستثناء الدفاع وتعويضات المتقاعدين - واستخدام الفائض لتكديس العملات الصعبة في المصرف المركزي الروسي.
يقول المسؤولون الاميركيون ان الرئيس فلاديمير بوتين «يستعد لاحتمال تعرض روسيا لعقوبات غربية اقسى، ابتداء من العام 2021، وهو ما يدفعه الى تكديس العملات الصعبة تحسباً، وبهدف الصمود امام الضغوط الغربية وانتظار انحسارها من دون تقديمة تنازلات».
اما ايران، ومعها لبنان، فيتصرفان وكأن الانفصال عن الاقتصاد الدولي امكانية واقعية، حسب المصادر. هكذا، لا ينزعج لبنان، بل يتباهى وزير خارجيته جبران باسيل بانه سيغيب عن قمة وارسو، «بدلا من ان يسعى الى المشاركة بها كفرصة لنسج علاقات دولية واقتصادية افضل مع الدول الستين المشاركة في القمة». حتى الدول الاوروبية، التي تحاول استرضاء طهران لابقائها في الاتفاقية النووية، أعلنت مشاركتها في قمة وارسو، لعلمها ان لا مصلحة لها في الغياب عن لقاء دولي من هذا النوع.
صحيح ان اهداف القمة ونتائجها لا تبدو واضحة ولا واعدة، إلا ان غياب اي حكومة عن لقاء دولي بهذا الحجم هو ضد مصالحها. في الحالة اللبنانية، يختم المسؤولون الاميركيون، ان لبنان يبدو وكأنه يعمل على الالتحاق بايران والتشبّه بها، وذلك عن طريق قيامه بعزل نفسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق