واشنطن - من حسين عبدالحسين
من مفارقات السياسة الخارجية لرئيس اميركي هاو، مثل دونالد ترامب، انه يثني على انفصال بريطانيا عن الاتحاد الاوروبي، ويعدها باتفاقية تجارة حرة تضاهي، بل تتفوق، على ما يمكن ان تجنيه لندن اقتصادياً وسياسيا من بقائها مع الاوروبيين، ان هي انسحبت من اوروبا. ثم عند اول امتحان، يوم قررت لندن الاتكاء الى الولايات المتحدة للتعامل مع ازمة ضد إيران، لا طاقة للبريطانيين التعاطي معها لوحدهم... تملصت ادارة ترامب، بل ان واشنطن اشاحت بوجهها امام استجداء البريطانيين للاميركيين مساعدتهم على انقاذ ناقلة النفط التي اختطفها الايرانيون قبل اسبوعين.
هكذا، تسلّم بوريس جونسون رئاسة حكومة بريطانيا كرمز ومدير لانفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الاوروبي، وفي الوقت نفسه، سارع للاتصال بالألمان للتوسط معهم لدى طهران للافراج عن الناقلة البريطانية، وراح ينسّق مع الفرنسيين موقفا اوروبياً يهدف الى «خفض التصعيد» مع طهران، والتوصل مع الايرانيين الى ترتيب امني يحيّد الناقلات الاوروبية عن الصراع بين الولايات المتحدة وايران.
وكانت الجمهورية الاسلامية اختطفت ناقلة نفط بريطانية اثناء مرورها عبر مضيق هرمز. وبررت خطوتها بسبب قيام دولة جبل طارق، التابعة للمملكة المتحدة، بوقف ناقلة نفط ايرانية كانت متوجهة الى سورية، اثناء مرورها في المضيق، بسبب اختراقها العقوبات التي يفرضها الاتحاد الاوروبي على نظام الرئيس بشار الأسد.
حاولت لندن، بادئ الامر، التواصل مع واشنطن لتحرير الناقلة عنوة، بمساعدة عسكرية اميركية، واعلنت تعزيز قوتها البحرية في الخليج لمشاركة الاميركيين في عملية التحرير، إلا ان واشنطن واجهت الطلب برفض قاطع للقيام بأي عمل عسكري من شأنه تعزيز فرص الانزلاق معها تجاه مواجهة عسكرية شاملة.
وقالت مصادر اوروبية في العاصمة الاميركية، ان الفرنسيين نصحوا البريطانيين بالتخلي عن طموح الانفصال عن اوروبا ومحاولة الاستناد الى الولايات المتحدة للتعويض عن الانفصال، ان في التجارة او في السياسة الخارجية والأمن والدفاع.
وقدم الفرنسيون للبريطانيين مثالاً عن التباين في اهداف السياستين الدفاعية والخارجية بين العواصم الاوروبية وواشنطن، واشاروا الى تراجع الرئيس السابق باراك اوباما عن ضرب اهداف تعود للأسد، على اثر مجزرة الغوطة الكيماوية صيف 2012، بعدما كان نظيره الفرنسي السابق فرانسوا هولاند وضع قواته على أهبة الاستعداد للمشاركة في العملية العسكرية، قبل ان يعلن أوباما تراجعه، حتى من دون ابلاغ الفرنسيين بالقرار قبل إعلانه.
وغالباً ما يرد الاميركيون على الاتهامات الفرنسية، بالقول ان ادارة اوباما كانت سمعت، بدورها، عدم مشاركة بريطانيا عبر وسائل الاعلام على اثر تصويت مجلس العموم ضد المشاركة البريطانية بالضربة الاميركية التي كانت مقررة.
رغم صعود اليمين على ضفتي الاطلسي، في أميركا كما في اوروبا الغربية... ورغم التشابه بين خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وبين انتخاب ترامب رئيساً ونجاح بعض اليمين في السيطرة على بعض الحكومات الاوروبية، إلا ان اليمين الاوروبي لا يبدو جبهة موحدة ومتماسكة حول العالم، حسب ما يزعم قادته، بل ان هؤلاء أكثر انهماكاً في الحشد داخل دولهم شعبوياً، من دون الالتفات الى مصالح حلفائهم.
هذا الدرس الذي تعلمته بريطانيا من محاولتها ترك اوروبا والاقتراب من اميركا، وهو الدرس الذي يبدو انه سيعيد لندن الى أحضان القارة العجوز، بعيداً عن حليفتها الاقرب، اي واشنطن، وخصوصا بعيداً عن سياسات واشنطن المتشددة تجاه طهران.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق