الخميس، 30 يناير 2014

بروفسور «بطة عرجاء»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

الأشهر التسعة التي تفصل الولايات المتحدة عن انتخابات الكونغرس هي المدة الزمنية المتبقية فعليا من حكم الرئيس باراك أوباما قبل أن يتحول إلى «بطة عرجاء»، حسب التعبير الأميركي، وقبل أن يبدأ الأميركيون انشغالهم بانتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، التي ستحدد من سيخلف الرئيس الحالي في البيت الأبيض.
لكن صورة أوباما تعاني من تدهور لا سابق له فيما هو يشعر بضعف حتى قبل وصوله إلى مرحلة العرج، فغالبية الخبراء أطلقوا على عام 2013 العام الأسوأ في حكم أوباما، فيما استطلاعات الرأي أشارت إلى هبوط شعبيته إلى 40 في المائة بين الأميركيين، وهي نسبة أدنى حتى من نسبة تأييد جورج بوش في الفترة نفسها من حكمه، على الرغم من أن بوش كان يقود حربا في العراق فاقدة التأييد الشعبي منذ أسابيعها الأولى.
ربما بسبب ضعفه وفي محاولة مبكرة لكتابة تاريخه وتحسين صورته، طلب أوباما من الصحافي المعروف في مجلة «نيويوركر» ديفيد رمنك أن يكتب مقالة مفصلة عن الرئيس خلف الكواليس.
و«نيويوركر» مجلة رصينة تتمتع بمصداقية كبيرة، فيما المعروف أن رمنك مؤيد لأوباما وسياساته منذ اليوم الأول لترشحه إلى الرئاسة في عام 2008.
في مقالته التي صدرت هذا الأسبوع، يقدم رمنك الرئيس الأميركي في صورة المثقف المحنك، أو «البروفسور – القائد». يسأل الصحافي الرئيس حول مواضيع متنوعة، داخلية وخارجية، ويجيب أوباما بتأن يدفع رمنك، حسب قوله، إلى محاولة إيقاع أوباما في إجابات عفوية، ولكن من دون أن ينجح في ذلك.
ثم يصل الحديث إلى سوريا، فيقول أوباما: «من الصعب أن نتخيل سيناريو في سوريا كان يمكن فيه لتدخلنا أن يؤدي إلى نتيجة أفضل من دون النية على القيام بمجهود في حجمه وأفقه مشابه لما قمنا به في العراق».
لكن على الرغم من إصرار رمنك على أن الرئيس الأميركي لم يخرج عن إجاباته المقررة سلفا، يبدو أن في التصريح حول التدخل الأميركي الذي كان محتملا في سوريا مشكلة، فالرواية الرسمية الأميركية أصرت في حينه على أن أوباما تراجع عن توجيه ضربة إلى أهداف تعود إلى قوات بشار الأسد بسبب اعتراف الأخير بحيازته ترسانة من الأسلحة الكيماوية وموافقته على التخلص منها بمراقبة أممية وتحت طائلة العقوبات في مجلس الأمن في حال تخلف عن ذلك.
وبخلاف الرواية الرسمية لتراجع أوباما عن توجيه ضربة إلى الأسد، يشي التصريح الأخير للرئيس الأميركي أنه لم يكن مقتنعا بالأسباب التي قدمها هو وطاقم فريقه إلى الأميركيين والعالم في سبتمبر (أيلول) 2013 حول ضرورة التدخل المحدود في سوريا، والذي كان من المقرر أن يقتصر على ضربات صاروخية وجوية.
في سبتمبر 2013، تحدث أوباما وفريقه عن «الضمير الإنساني»، وعن ضرورة الالتزام بالتهديد الذي كان أصدره أوباما للأسد بتحديد استخدامه للأسلحة الكيماوية كـ«خط أحمر». وقتذاك أيضا، أصر وزير الخارجية جون كيري، في جلسات الاستماع المتكررة المفتوحة منها والمغلقة في الكونغرس، على محدودية الضربة، مكررا أنها لم تكن لتتضمن استخدام قوات برّية.
في مقالة رمنك، يبدو أن أوباما يحاول إعادة كتابة التاريخ وموقفه من الأحداث في سوريا. لكن لحسن الحظ هذه المرة، فإن الشهود كثر.
أول من تصدى لمحاولة أوباما هذه هو السفير السابق والمسؤول عن ملف سوريا في وزارة الخارجية فرد هوف، والذي شكك في مقالة على موقع «مركز رفيق الحريري» التابع لـ«مجلس الأطلسي» بتصريح أوباما الأخير، وتساءل هوف إن كان صحيحا أن الرئيس يعتقد أن خياراته في سوريا كانت تنحصر بين الوقوف جانبا أو إرسال الفرقة 82 من المارينز المحمولة جوا لتجتاح دمشق.
إذا كانت خيارات أوباما محصورة بهذين السيناريوهين، «ما الذي حاول الرئيس أن يقوله للشعب الأميركي إثر هجوم الأسد الكيماوي في 21 أغسطس (آب) 2013؟» ويضيف هوف: «لقد جعل الرئيس واضحا أن الضربة العقابية ضرورية، وأنها لن تتضمن قوات برية».
وتساءل هوف: «هل كان أوباما يصدق ما كان يقوله؟». ليجيب: «التصريح في مقالة رمنك يعكس النفي، كما يعكس رميه الموضوع إلى الكونغرس، ومن ثم قفزته نحو اتفاقية الأسلحة الكيماوية، أن أوباما لم يصدق ما كان يقوله للأميركيين وللكونغرس حول قراره ضرب أهداف للأسد».
وكما في سوريا، وفي مصر، وفي العراق، وفي لبنان، كذلك في الشؤون الداخلية، دأب «الرئيس البروفسور» على الإمعان في تحليل كل المواضيع المطروحة أمامه بشكل تفصيلي وممل، ولكنه لم ينجح يوما في تبني أي من تحليلاته المتضاربة.
طغيان صورة البروفسور على شخصية أوباما في الحكم قد يكون هو اللعنة التي أصابت شعبيته، إذ يبدو أن الأميركيين يبحثون عن رئيس يأخذ قرارات حاسمة ويلتزم بها، لا عن محلل من الطراز الرفيع، وهو ما جعل الرئيس الأميركي يتحول إلى بطة عرجاء قبل موعده بوقت طويل.

خبراء للكونغرس: الاتفاق الدائم مع إيران رهن بكشفها عن برنامج تسلّحها النووي

• معهد اميركي يؤكد انها تقيم منشآت سرية منذ التسعينات
• يمكن لطهران الاقتراب إلى حد 3 أشهر من صناعة السلاح النووي من دون معرفة المجتمع الدولي

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تتناقل الاوساط الاميركية حادثة مفادها انه لم يكد يمض اسابيع على توقيع «خطة العمل المشترك» بين مجموعة دول خمس زائد واحد وايران، في جنيف في 24 نوفمبر الماضي، حتى وقع خلاف بين ممثلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعاملين ايرانيين في منشأة ناتانز حاولوا ضخ غاز «يورانيوم هيكسافلورايد» في طرد مركزي متطور لم تكن ايران قد وضعته في الخدمة قبلا، وهو ما أرجأ التوصل الى اتفاقية «التفاهم التقني» بين الطرفين الى 11 يناير.

وتضيف الاوساط ان «الاتفاق التقني» سمح في ما بعد للايرانيين بتشغيل هذا الطرد، معتبرة ان اتفاقية جنيف المؤقتة، اي «خطة العمل المشترك»، لا تشمل كل اعمال «الابحاث والتطوير» الايرانية في مجال الطرود المركزية، وان الاتفاقية تمنع فقط ضخ غاز «يورانيوم هيكسافلورايد» في طرود تتم اضافتها حديثا، اي انه يمكن لايران ان تطور طرودا وتضخ فيها غازات من نوع آخر من دون ان تخرق الاتفاقية المؤقتة.

ويعتقد ابرز الخبراء المتابعين للملف النووي الايراني في العاصمة الاميركية دايفيد اولبرايت ان المجتمع الدولي وايران توصلا الى ما يمكن للطرفين الاتفاق عليه في جنيف، لكن الجزء الاصعب يكمن في التوصل الى تسوية في المجالات التي يختلف عليها الطرفان، وهي كثيرة.

وكان «معهد العلوم والامن الدولي»، الذي يترأسه اولبرايت، اصدر دراسة هذا الاسبوع اشار فيها الى مكامن الضعف في اتفاقية جنيف، وابرزها ان الاتفاقية تغطي منشآت معينة مثل ناتانز وفوردو وآراك، ولكنها لا تغطي منشآت اخرى سبق للايرانيين ان اجروا فيها ابحاثا ونشاطات نووية في الماضي، مثل «محطة كهرباء كالايه» وموقعي «فاراياند تكنيك» و«بارس تراش».

وسبق لايران ان اجرت ابحاثا نووية سرية في هذه المواقع اثناء اتفاق مع الاوروبيين قبل العام 2003 قضى بتجميد نشاطاتها النووية. ثم حاولت اخفاء هذه النشاطات عن اعين مفتشي وكالة الطاقة الذرية بنقلها المواد بين المنشآت. وفي وقت لاحق، اعترفت ايران انها خبأت ابحاثا ومواد مرتبطة ببرنامجها النووي اثناء فترة التجميد، وابلغت الوكالة انها نقلت نشاطات «محطة كهرباء كالايه» الى ناتانز.

لكن الدراسة تخشى من ان غياب بند لمراقبة المواقع المذكورة في اتفاقية جنيف قد يسمح لطهران بتطوير ابحاث ونشاطات نووية فيها من دون اشراف دولي، وهو الذي يفترض انه صار يراقب كل نشاطات ايران النووية الحالية.

وتحدث اولبرايت امام مجموعة من العاملين في الكونغرس في مبنى رايبرن، وقال ان معهده كان من المؤسسات القليلة التي طعنت في رواية الادارة حول امتلاك نظام صدام حسين لاسلحة كيماوية في العراق. وقال اولبرايت انه «فيما كنا نشكك برواية العراق، كنا نرى كوضح النهار ان ايران تقيم منشآت نووية سرية، وتتقدم في برنامجها النووي، وتتحدى وكالة الطاقة الذرية، وذلك كان تحديا يعود في تاريخه الى منتصف التسعينات».

واضاف اولبرايت ان «هناك ازمة ثقة حقيقية مع ايران، وواحدة من المشاكل الكبرى في التوصل الى اتفاق معها تكمن في رفض طهران الاعتراف بنشاطاتها السرية الماضية، وهي نشاطات نووية معمقة، وتتضمن العمل على تطوير اسلحة نووية، لا على غاز اليورانيوم فحسب».

وتابع الخبير الاميركي ان التوصل الى اتفاق دائم مع ايران هو رهن بكشفها عن برنامج تسلحها النووي، وان «مجموعة دول خمسة زائد واحد تعمل بالاجماع، ما يعني انه يمكن لاي منها عرقلة رفع العقوبات في مجلس الامن الدولي اذا لم تقتنع بشفافية الايرانيين، وهو ما يعني ان على ايران ان تغير سلوكها بشكل جذري في حال ارادت التوصل الى اتفاق».

وبالتعليق على الجدال في واشنطن حول حصر الخيارات بين التوصل الى اتفاق مع ايران او الذهاب الى حرب معها، قال اولبرايت انه يخالف هذا الرأي، ويعتقد ان هناك خيارا ثالثا هو المعتمد منذ سنوات وحتى الآن، والمبني على مزيج من الضغط الديبلوماسي والعقوبات الاقتصادية المقترنة بالتهديد باللجوء الى الخيار العسكري ان اقتضى الامر.

والخيار العسكري مشكلة، بحسب الخبير الاميركي، الذي يعتقد انه يمكن لايران ان تقترب الى حد ثلاثة اشهر من صناعة سلاح نووي من دون معرفة المجتمع الدولي بذلك. فترة الاشهر الثلاثة هذه ليست كافية لبناء تحالف دولي يوجه ضربة عسكرية اذ ان بناء اي تحالف من هذا النوع يحتاج الى ستة اشهر من الاستعدادات السياسية والعسكرية، وهو ما سيجبر واشنطن على شن حرب احادية ضد ايران، وهو امر لا تحبذه غالبية الاميركيين.

وختم اولبرايت ان التراجع عن توجيه ضربة عسكرية اميركية الى قوات بشار الاسد في سبتمبر الماضي، على اثر شن قواته هجوما كيماويا ضد مدنيين في ضاحية دمشق، عزز من اعتقاد الايرانيين بأن اميركا لن تشن اي حروب احادية في الوقت الراهن.

ووافق الخبير انتوني كوردسمان، وهو رئيس «مركز الدراسات الدولية»، اولبرايت القول ان ضربة استباقية او سريعة ليست كافية للقضاء على البرنامج النووي الايراني. وقال كوردسمان في الجلسة نفسها: «اذا قرأتم في اي صحيفة او دراسة انه يمكن انجاز ضربة ايران في اقل من 80 هدفا، اعلموا ان هذا الكلام هو قمامة».

وتابع كوردسمان ان تدمير البرنامج النووي الايراني يحتاج الى ضربات اولية، ثم تقييم، فضربات متابعة، وان ذلك غير ممكن في غارة واحدة وسريعة، بل يتطلب طلعات متعددة، ما يعني ان على اميركا شن ضربة لتعطيل الدفاعات الجوية الايرانية وتأمين الاجواء اولا، حتى تتمكن من شن غارات متتالية لتتأكد من القضاء على كل المفاعل والمواقع.

الأربعاء، 29 يناير 2014

هوف: إيران تعتبر أن العدو الحقيقي هو السعودية ... لا إسرائيل

• مسؤول إيراني قال لي إن لنا مصلحة مشتركة في إلحاق الهزيمة بالتحدي السعودي لواشنطن

• الإيرانيون كما الروس ليسوا «متيّمين» بالأسد ... ولكنه يمثل ركيزة لمصالح البلدين

• الرسالة التي يبعثها بوتين هي أنه عندما يقف إلى جانب صديق أو عميل ... فهو سينجو

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
جريدة الراي

لا روسيا ولا ايران تكنان الاعجاب للرئيس السوري بشار الاسد، ولا هما معنيتان بمصلحة سورية او السوريين، بل تتمسك كل منهما بالاسد لاسبابها ومصالحها الخاصة. ايران خصوصا، لا ترى انها على خلاف مع اميركا او اسرائيل، بل تعتقد ان عدوتها الرقم واحد هي المملكة العربية السعودية.

هذه هي الخلاصة التي خرج بها السفير الاميركي السابق فرد هوف، احد اكثر الخبراء المثيرين للاهتمام في واشنطن والذي سبق ان عمل، حتى الامس القريب، مسؤولا للملف السوري في وزارة الخارجية.

هوف، الذي شارك في صياغة وثيقة «جنيف 1» بالاشتراك مع الامم المتحدة والروس، وقف في جلسة حوارية في الكونغرس ليطلع الحاضرين على خلاصة لقاءات، بعيدة عن الانظار، يعقدها بشكل مستمر مسؤولون اميركيون، سابقون وحاليون، مع نظرائهم الايرانيين.

عن روسيا يقول هوف: «النتيجة التي تفضلها روسيا في سورية هي نجاة بشار الاسد. هذا هو بيت القصيد». ويتساءل: «الى اي مدى روسيا مستعدة للذهاب لضمان هذه النتيجة»، ليجيب: «لست متأكدا... لكني اعتقد انه من وجهة نظر الرئيس (فلاديمير) بوتين، اسباب دعم بقاء بشار الاسد في السلطة ابعد من سورية نفسها وتتعلق برؤية بوتين لعودة روسيا كقوة عظمى». ويضيف هوف: «اعتقد ان الرسالة التي يرغب بوتين في ارسالها هي انها عندما تقف روسيا الى جانب صديق او عميل، فهو سينجو، خصوصا مقارنة مع اداء (القوى العالمية) الاخرى».

ويوضح هوف: «هذا هو الوضع نفسه عند ايران»، مضيفا ان الايرانيين كما الروس، «ليسوا متيمين بالأسد... واعتقد ان الروس، ان كان سيرغي لافروف او غيره، عندما يقولون في العلن انهم ليسوا مغرمين ببشار الاسد، فهم على الارجح يقولون الحقيقة، والايرانيون يقولون اشياء شبيهة كذلك».

هوف، الذي عقد موخرا جلسات معروفة بـ «المسار الثاني» مع مسؤولين ايرانيين رفيعي المستوى، قال انه غير مخول اعطاء اسمائهم، نقل عن الايرانيين قولهم ان «حزب الله هو خط الدفاع الاول لايران في حال قيام اسرائيل بشن هجوم ضد منشآتها النووية».

ويقول هوف ان «المسؤولين الايرانيين يعتقدون ان اي زعيم اسرائيلي يفكر بهجوم من هذا النوع عليه ايضا ان يفكر بتأثير الصواريخ على المدن الاسرائيلية، وعلى البنية التحتية الاقتصادية، وعلى القواعد العسكرية».

ويضيف: «ابقاء قوات حزب الله مستعدة للقتال ليس من وجهة نظر ايران، موضوعا بسيطا، والحركة المتواصلة للعتاد والسلاح وقطع الغيار من ايران للحزب هي موضوع رئيسي، وقد وجدت ايران في بشار الاسد شخصا يقبل تماما، بل متحمس للتعامل مع ايران في تسهيل هذه الحركة الى درجة تأمين السلاح من مخازن الجيش السوري لحزب الله».

ويتابع هوف: «ايران ترى بشار اساسيا، وطهران ترى بشارا كحجر زاوية نظامها، واذا ما تمت ازاحته، ينهار كل شيء، وتكون عملية الاطاحة به تجربة للعملية الاكبر (اي الاطاحة بالنظام الايراني). لذا، الاستنتاج هو ان قابلية ايران لحل سياسي في سورية، وسط التهديد الاسرائيلي لايران، هي قابلية غير موجودة، وهو على الاقل ما سمعته» من الايرانيين.

ومما قاله هوف ان «فرضية استبدال نظام بشار بنظام آخر يدعم حزب الله بالحماسة نفسها لا تبدو فرضية ايران مستعدة للتفكير بها، وحكومة وحدة وطنية انتقالية ستعمل على الارجح على الوجود الايراني في سورية والعلاقة مع حزب الله كمشاكل تتطلب حلولا، ما يعني ان اي شيء بعد الأسد هو انحدار كبير لمصالح الامن القومي الايراني».

وينقل هوف عن مسؤول ايراني قوله «ان ايران تسلح شيعة سورية وميليشيات اخرى، لا بهدف دعم نظام الاسد، بل للابقاء على ممر الى حزب الله في حال انهار هذا النظام».

ويؤكد هوف ان كل هذا «لا يعني ان احدا من محدثينا الايرانيين ينظر الى بشار الاسد كرجل دولة او كزعيم يهدف الى حماية مصالح كل السوريين»، مضيفا ان كل المسؤولين الايرانيين «نأوا بأنفسهم وبلادهم عن ممارسات نظام الأسد، ولكن الامر يتعلق بالمصالح... وكما قال لنا مسؤول ايراني، بالنسبة لايران، الاسد جزء رئيسي من الاستراتيجية الايرانية، وليس قابلا للتفاوض».

ويتابع المسؤول السابق ان الايرانيين قالوا له ان «لا خلاف داخل ايران بين السياسيين والعسكر حول هذه النقطة، وسورية اهم بالنسبة الى ايران من خوزستان»، المحافظة الايرانية الجنوبية الغربية الغنية بالنفط وذات الغالبية السكانية العربية.

وينقل عن مسؤول ايراني قوله له ان «دعمنا لسورية جيوسياسي. هدفنا تقوية مقدرات حزب الله على الردع، وحزب الله يجعل اسرائيل تفكر مرتين، لهذا سورية مهمة، فحزب الله هو موضوع حياة او موت (بالنسبة لايران)، اما سورية كسورية، فليست كذلك».

ويقول هوف: «من المفيد القول ايضا ان محدثينا الايرانيين اجمعوا على ان العدو الحقيقي هو العربية السعودية، داخل سورية وخارجها... احدهم قال ان المملكة تزداد اهميتها يوما بعد يوم في حسابات ايران، وقال انه قلق من عواقب الحرب الطائفية والاهلية في سورية، لكن السعودية ترى مصلحتها في المدى القريب في تعويم الطائفية، وذهب الى حد القول ان للولايات المتحدة وايران مصلحة مشتركة في احتواء الحرب الطائفية في المنطقة وفي الحاق الهزيمة بالتحدي السعودي للولايات المتحدة».

ونقل هوف عن «محدث ايراني آخر» قوله «ان ايران تعتقد ان العاصفة مرت في سورية»، وانها «تشعر بارتياح للوضع هناك، ولا سبب لمواجهة ايرانية اميركية في سورية، ويمكن للبلدين ايجاد ارضية مشتركة في سورية».

ايراني آخر قال لهوف انه «لا يرى ان اميركا او اسرائيل فعلت اي شيء في سورية، وكل المشكلة تكمن في العربية السعودية، والى حد اقل تركيا».

في تركيا، يختم هوف، «حتى (رئيس حكومة تركيا رجب طيب) اردوغان مستعد الآن اكثر مما كان عليه قبلا للبحث في افكار ايرانية حول سورية، وفقا لاحد الايرانيين».

أميركا قوية وأوباما ضعيف

حسين عبد الحسين 

لم تكن عبارة "حال الاتحاد قوية" هذا العام مجرد تكرار باهت درج عليه الرؤساء الاميركيون في خطابهم السنوي أمام الكونغرس. هذا العام، وقف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ليتباهى بـ"أكبر اقتصاد وأقوى قوة عسكرية" في العالم، وليلفت انتباه سامعيه إلى أن نمو بلاده الاقتصادي فاق التوقعات، وأن نسبة البطالة انخفضت، وأن الصناعة والصادرات تنمو، وأن أميركا اقتربت من تحقيق الاستقلال في الطاقة. 

كل هذه الأمور، جعلت أميركا تستعيد المركز الأول في العالم كأحسن دولة للاستثمارات من منافستها الصين، التي تعاني بدورها من تراجع في النمو، وضمور في الصناعة، وتقهقر في الصادرات.

خطاب أوباما لم يحد كثيراً عن التقاليد المعمول بها: أفرد الرئيس اهتمامه للقضايا الداخلية، ومرّ مرور الكرام على السياسة الخارجية، ماعدا إيران التي أفرد لها مساحة أكثر من المألوف.

في الداخل، يدرك أوباما وحزبه الديموقراطي أن الكونغرس، الذي يسيطر على مجلس الممثلين فيه الحزب الجمهوري، لن يمنح أوباما أي انتصارات تشريعية، بل سيستمر في العرقلة لأهداف سياسية. 

ومايزيد في الطين بلّة أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الانتخابات المقررة في تسعة أشهر قد تشهد الإطاحة بالغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ، ما يجعل الكونغرس بغرفتيه تحت سيطرة الجمهوريين.

وتترافق استطلاعات الرأي هذه مع أخرى تشير إلى انهيار في شعبية أوباما إلى أدنى مستوى له منذ انخراطه في العمل السياسي، وإلى مستوى أدنى من سلفه جورج بوش في الفترة نفسها من رئاسته، على الرغم من أن بوش كان يقود حرباً في العراق كانت فقدت شعبيتها على إثر الأسابيع الأولى لاندلاعها.

أوباما يدرك أنه في "حفرة سياسية"، وهو ما دفعه للقول ل"مجلة نيويوركر" إنه يدرك أن كل رئيس يلجأ إلى الدفاع في ولايته الثانية، بدلاً من الهجوم.

هذا يعني أن أوباما قلّص طموحاته في السنوات الثلاث المتبقية من حكمه إلى الدفاع عن قانون الرعاية الصحية، طفله التشريعي المدلل، وهو ما قاله بوضوح في خطاب، الثلاثاء، داعياً الجمهوريين إلى تقديم بدائل حول الرعاية الصحية بدلاً من محاولة نسف القانون القائم.

في المرتبة الثانية، يعتقد أوباما أن الكونغرس الجمهوري قد يصادق على قانون يتعلق بالهجرة، وهو ما لفت إليه في الخطاب أيضاً. وكان مجلس الشيوخ قد صوت بغالبية الحزبين على نسخة من قانون الهجرة، فيما الكونغرس مازال يبحث في المصادقة على نسخته. وكان زعيما الجمهوريين في الكونغرس، رئيسه الكونغرس جون باينر وزعيم الغالبية أريك كانتور، صفّقا عندما تطرق أوباما للقانون كدليل على تأييدهما لإصداره.

بيد أن الفجوة بين الديموقراطيين، الذين يسعون إلى قانون متكامل يسمح بتوطين المهاجرين غير الشرعيين، وخصوصاً من أصول أميركية لاتينية، والجمهوريين الذين يسعون إلى منح هؤلاء إقامات قانونية ولكن من دون مسار نحو التوطين، مازالت واسعة. 

ويعتقد الخبراء أن الخطوة الجمهورية تسعى إلى عدم إبعاد الكتلة الناخبة للأميركيين من أصول أميركية لاتينية، التي تلتصق بالجمهوريين منذ فترة، على الرغم من تأييد الغالبية فيها للمبادئ الاجتماعية المحافظة التي يتبناها الجمهوريون ويرفضها الديموقراطيون.

خارج الرعاية الصحية والهجرة، لا يعوّل أوباما على تأييد الكونغرس له في الكثير، ولا سيما في رؤيته لدور الحكومة في دعم الطبقات الفقيرة أو في العمل على تقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وهذه مواضيع يعارضها الجمهوريون بشدة لاعتقادهم بأنه لايجب أن تلعب الدولة أدواراً اقتصادية. 

كذلك، يعارض الجمهوريون قوانين تنظيم السلاح الفردي، الذي يعاني منه الأميركيون بين الحين والآخر في وقوع مجزرة هنا أو هناك غالباً ما يقوم بها معوقون عقلياً.

ولعلمه بأن الجمهوريين يعارضون هذه المواضيع، لوّح أوباما بنيته التشريع بمراسيم تنفيذية، وهذه يمكن لها أن تغطي بعض السياسات، ولكنها غالباً ما تكون مرتبطة بصلاحية زمنية محددة.

كذلك، يعلم أوباما أن الجمهوريين، وبعض الديموقراطيين، يعارضون ديبلوماسيته التي يرونها عقيمة مع طهران، وهم يهددون منذ أسابيع بإقرار قانون في مجلس الشيوخ، بعد أن مرّ قانون شبيه في مجلس الممثلين بغالبية فاقت 400 من أصل 435 صوتاً، يفرض عقوبات على إيران بمفعول متأخر، أي تصبح نافذة بعد سنة من الآن، وهي المدة المتفق عليها بين المجتمع الدولي وإيران لإتمام اتفاقية نهائية بخصوص ملف الأخيرة النووي، في حال عدم الوصول إلى الاتفاق المذكور.

وعلى الرغم من تهديد أوباما باستخدام الفيتو الرئاسي في نقض أي قانون عقوبات ضد ايران قد يصادق عليه الكونغرس ويرسله إليه ليوقعه، يعلم الرئيس الأميركي تماماً أن القانون الأميركي لا يخوله نقض قوانين تحوز على غالبية ثلثين أو أكثر، وهي غالبية توافرت في مجلس الممثلين ويبدو توافرها ممكن في مجلس الشيوخ.

أما في المتبقي من الحديث في السياسة الخارجية، فكان إيجازاً لمواقف أقرب إلى الشعارات: الاستمرار في مكافحة الإرهاب، والانسحاب من أفغانستان مع نهاية العام، ومساندة ثوار سوريا من المعتدلين في وجه المجموعات المتطرفة، والتعويل على مؤتمر جنيف -- الذي تعثر حتى قبل إطلالة أوباما في خطابه -- لتحقيق طموحات الشعب السوري وتخلصه من الديكتاتورية.

أميركا عادت إلى صدارة العالم اقتصادياً، وتفوق الصين عليها صار أمراً أكثر تعقيداً من قبل. وأميركا ما زالت الأولى عالمياً، عسكرياً وعلمياً وتكنولوجياً، وهي تنمو، مع أو بدون أوباما. 

أما الرئيس الأميركي، الذي أحدث ترشيحه زلزالاً شعبياً، لا أميركيا فحسب بل عالمياً، فيبدو أنه فقد بريقه، وأن قواه خارت، وأن كل المتبقي في حكمه هو القليل من المكتسبات، والتشريع بمراسيم، والمناورة السياسية من أجل إبقاء حظوظ حزبه عالية في انتخابات الكونغرس هذا العالم، وفي انتخابات الرئاسة والكونغرس بعد عامين.

واشنطن حققت مصالحها في سورية بنزع «الكيماوي» وضرب الثوار لـ «القاعدة»

واشنطن - من حسين عبدالحسين |

• مسؤول «داعش» حجي بكر الذي قتله الثوار خدم سابقا في جيش صدام

• دمشق تأخرت... وواشنطن أوشكت على الذهاب إلى مجلس الأمن لاعتبارها متخلفة عن تنفيذ التزامها بنزع «الكيماوي»

• النظام و«حزب الله» أظهرا محدودية في الإفادة من معارك الثوار مع «داعش»

يعتقد مسؤولون اميركيون معنيون بالملف السوري انهم نجحوا، على مدى السنوات الثلاث الماضية، في «تأمين مصالح الولايات المتحدة في ما يتعلق بنزع ترسانة (الرئيس السوري بشار) الاسد الكيماوية، واجبار مجموعات العنف المتطرف على التراجع امام ضغط الثوار المعتدلين». الا ان هؤلاء المسؤولين «يأسفون» لعدم مقدرة بلادهم على التأثير في مسار الاحداث لوقف نزيف الدماء وعملية التهجير التي تلحق بالكثير من السوريين.


وتأتي تصريحات المسؤولين الاميركيين، الذين طلبوا عدم الافصاح عن هويتهم، في وقت اعلنت «منظمة حظر الاسلحة الكيماوية» اخراج شحنة ثانية من المواد الكيماوية السورية عبر مرفأ اللاذقية.


ويعترف هؤلاء المسؤولون ان «الحكومة السورية تأخرت في الالتزام بجدول المواعيد المحدد سلفا لشحن المواد الكيماوية خارج البلاد»، وان واشنطن كانت «على وشك الذهاب الى مجلس الامن لاعتبار دمشق متخلفة عن تنفيذ القرار الاممي الملزم».


على ان المسؤولين يتوقعون انه، رغم بعض التأخير، ستتمكن المنظمة الدولية من التزام الموعد النهائي لتفكيك واخراج الترسانة الكيماوية السورية كاملة، والمقرر في 30 يونيو المقبل.


في هذه الاثناء، يعرب المسؤولون الاميركيون عن تفاؤلهم بنجاح الثوار السوريين في طرد «الارهابيين من معظم صفوفهم وفي اخراجهم من معظم المناطق المحررة». ويقول المسؤولون ان الثوار السوريين يستفيدون من دعم شعبي لهم يقابله تململ من الفصائل المتطرفة، وخصوصا تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» المعروف بـ «داعش».


ويعتقد المسؤولون ان الثوار حققوا نجاحات سريعة ومباغتة ضد «ارهابيي داعش في الايام الاولى من اندلاع القتال مطلع الشهر الجاري، الا ان داعش نجح في الحد من خسائره بتراجعه الى مواقع يتحصن فيها».


ويضيف هؤلاء انه «حتى لو بقي هناك جيوب لداعش، الا ان حركة مقاتلي هذا التنظيم المرتبط بالقاعدة ستكون شبه مستحيلة بين هذه الجيوب، وهو ما يجعلها جيوبا معزولة ومفككة وغير قادرة على استعادة زمام المبادرة».


وبحسب التقديرات الاميركية، فان تقدم الثوار المعتدلين جاء بتكلفة بشرية مرتفعة، اذ بلغت خسائرهم بين 25 و35 مقاتلا في اليوم.


على ان الاميركيين الذين يرصدون المعارك الدائرة في الشمال السوري يعتقدون ايضا ان «قوات النظام السوري والميليشيات المتحالفة معها مثل حزب الله اللبناني اظهرت محدودية في الافادة من معارك الثوار مع داعش، اذ لم ينجح النظام في استعادة اي مواقع ذات اهمية تذكر، بل على العكس، نجح الثوار في تعزيز تقدمهم في بعض مناطق في محافظة حلب، وكذلك في ضاحية دمشق داريا».


وتشير التقارير المتواترة في العاصمة الاميركية الى ان الثوار هذا الاسبوع نجحوا في ضرب خزانات وقود تعود للنظام في الجنوب الغربي لمدينة حلب، على الطريق المؤدي للمطار الدولي، فيما اندلعت اشتباكات بين الثوار والنظام في محيط قريتي الشيخ لطفي والعزيزة، مع تسجيل تقدم للثوار باتجاه مطار حلب العسكري، القريب من المطار المدني في النيرب.


في هذه الاثناء، شن الثوار هجوما على قاعدة يعتقد انها تعود لـ «حزب الله» اللبناني غرب حلب، وهجوما آخر ضد «داعش» في محيط كفرحمرا وحريتان، ونجحوا في اعتقال القيادي في «داعش» احمد جمال نايف. وتأتي انباء اعتقال الاخير مع اخرى تشير الى نجاح الثوار في قتل قيادي آخر في «داعش» هو العراقي سمير عبدمحمد الحلفاوي، المعروف بـ «حجي بكر».


وكان الحلفاوي مقاتلا في جيش صدام حسين، قبل ان ينضم الى تنظيم القاعدة في العراق ويرتقي سلم القيادة على اثر مقتل قائدها ابوعمر البغدادي في العام 2010. ومع اندلاع الثورة السورية، «انتقل الحلفاوي ككثيرين من ارهابيي القاعدة الى سورية»، حسب الاوساط الاميركية.


ويعزو المسؤولون الاميركيون نجاح الثوار في تصفية عدد كبير من قيادات وكوادر «القاعدة» في سورية الى عوامل عديدة، اولها ان مقاتلي «القاعدة» هم في غالبهم من غير السوريين، ما يعني انه لا يمكن لهم التماهي مع السكان او الاختباء بينهم، فضلا عن «زيادة كبيرة في التنسيق الاستخباراتي في المنطقة بين حكومات الدول المعنية».


وبالاجابة عن سؤال لـ «الراي» حول ان كانت حكومة الرئيس بشار الاسد من بين الحكومات المشاركة في التنسيق الاستخباراتي ضد مقاتلي «القاعدة» في سورية، اجاب اكثر من مسؤول اميركي بالنفي، واعتبروا انه «على العكس من ذلك، رأينا الاسد يخرج قيادات الارهابيين من سجونه ابان اندلاع الثورة، ورأينا مقاتلاته تقصف مناطق الثوار اثناء هجومهم ضد داعش، فيما لم تقصف قوات الاسد اماكن تواجد داعش».


هكذا، يسود الاعتقاد في واشنطن انه مع خروج المواد الكيماوية كاملة من سورية مع نهاية يونيو، ومع تصفية قياديي «القاعدة» وتقهقر قواتها، تكون الولايات المتحدة قد حققت اكبر هدفين سعت اليهما منذ اندلاع المواجهات في سورية.


ويقول مسؤول اميركي: «للأسف. لم نتمكن حتى الآن من وقف القتل بحق المواطنين السوريين، ولكننا نسعى الى ذلك... ربما تنجح الديبلوماسية في جنيف، او بعض منها، في ذلك».


هذا الموقف الاميركي، في وسط التشاؤم حول استمرار الحرب السورية لسنوات، يعني ان واشنطن سعت وتسعى الى تأمين مصالحها في سورية، فيما هي لا تبدي استعدادا للتدخل او للتأثير في مجريات احداث او نتائج ما اسماها الرئيس الاميركي باراك اوباما في آخر خطاباته الى الأمة «حرب الآخرين الاهلية».

أميركا: تراجع عدد الأيدي العاملة ساهم في خفض نسبة البطالة

واشنطن - حسين عبدالحسين

تسعى إدارة الرئيس باراك أوباما إلى ذكر إنجازها في خفض نسبة البطالة في الولايات المتحدة من 7.9 في المئة في نهاية عام 2012 إلى 6.7 في المئة في 2013، وإبرازه في كل مناسبة. الا ان نظرة معمّقة تشير إلى ان الجزء الأكبر من الانخفاض يعود إلى تراجع في نسبة اجمالي الأميركيين العاملين، اكثر من قيام القطاع الخاص بإيجاد وظائف جديدة.

وكان احدث التقارير الصادرة عن وزارة العمل اشار إلى ان الاقتصاد أوجد 74 الف فرصة عمل في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. لكن ما اثار القلق هو ان التقرير أشار إلى انخفاض في نسبة اجمالي الأميركيين العاملين، اي قبل بدء المشاركة الواسعة للمرأة في سوق العمل.

ووفق التقرير، فإن نسبة المشاركة العمالية الأميركية بلغت 62.8 في المئة، وهي الأدنى منذ نهاية السبعينات. كما اشار التقرير إلى خروج 347 الف أميركي من سوق العمل، اما بسبب التقاعد او لأسباب اخرى.

هذه الأرقام والمؤشرات المتضاربة دفعت مؤسسة ابحاث «وست وود كابيتال» الى القول انه لو بقيت اليوم نسبة مشاركة الأميركيين في سوق العمل على ما كانت عليه في كانون الثاني (يناير) 2007، اي قبل وقوع «الركود الكبير» عندما كانت نسبة البطالة 4,6 في المئة، لكانت نسبة البطالة اليوم 11,75 في المئة، وهي نسبة مرتفعة جداً بالمقاييس الأميركية.

وأضافت المؤسسة في تقرير حول سوق العمل الأميركية «صحيح ان نسبة المشاركة في سوق العمل كانت انخفضت بنسبة واحد في المئة قبل الركود الكبير»، وأن «هناك عوامل ديموغرافية» مثل شيــخوخة السكان عموماً وزيادة عدد المتقاعدين، الا ان نسبة المشاركة ثبتت عند 66 في المئة قبل الركود، ومنذ ذلك الحين «وقعت عن منحدر، ما يشير إلى ان عوامل اخرى تكمن خلف هذا الانحدار غير موضوع التقاعد».

وجاء في تقرير «وست وود كابيتال» أن 54 في المئة من الوظائف التي أوجدها الاقتصاد الأميركي عام 2013 جاءت في قطــاعات الوظائف ذات المرتبات المتدنية، على رغم ان هذه القطاعات تمثل ثلث الوظائف الأميركية عموماً، وأن «اكثر من 100 في المئة من الـ 74 ألف وظيفة التي أوجدها الاقتصاد، وفق أحدث التقارير، كانت وظائف بالحد الأدنى للدخل، فيما خسرت القطاعات التي توفر وظائف ذات مرتبات مرتفعة ثمانية آلاف وظيفة».

ويصنف التقرير في باب وظائف الرواتب المنخفضة كل وظيفة لا يتعدى أجر الساعة الواحدة فيها 16 دولاراً، وهذه وظائف تكون عادة في قطاع الخدمات مثل العمل في المخازن الكبرى، او في بعض الإدارات، او في قطاعات مثل خدمات الفنادق والمطاعم، وهذه القطاعات وفرت 57 في المئة من الوظائف عام 2013، وهي نسبة مرتفعة.

أما الوظائف ذات المرتبات المرتفعة، اي في قطاعات الصناعة والتكنولوجيا مثلاً، فمعدل أجر الساعة الواحدة فيها 27 دولاراً على الأقل، وهي أوجدت 43 في المئة من اجمالي الوظائف عام 2013، على رغم توظيفها ثلثي اجمالي الأميركيين العاملين.

كما أشارت «وست وود كابيتال» إلى تطورات ايجابية في سوق العمل في 2013 مع انخفاض بلغ 650 الفاً في نسبة العاملين بدوام جزئي، على رغم ان نسبتهم مازالت مرتفعة وتبلغ 19 في المئة، اي 26 مليون أميركي، من اصل 137 مليوناً يشكلون القوة العاملة الأميركية. وعمال الدوام الجزئي، وفق التصنيف الأميركي، هم كل شخص يعمل بين ساعة و34 ساعة أسبوعياً.

انخفاض عدد الأميركيين العاملين بأجور مرتفعة، وارتفاع العاملين بأجور منخفضة، مع انخفاض في نسبة الأميركيين المنخرطين في سوق العمل إلى أدنى مستوياتها منذ نهاية السبعينات، امور تشي بأن اقتصاد الولايات المتحدة لم يتعاف تماماً، وأن انخفاض نسبة البطالة، على رغم ايجابيته، يحمل في طياته مشاكل أخرى كثيرة تتطلب انتباه الاقتصاديين والحكومة الفيديرالية لمعالجتها.

وتأتي هذه التقارير في وقت يكثر الحديث عن ضرورة العمل على تقليص الفوارق في الدخل بين الأميركيين، بعد خمسين سنة من اعلان الرئيس الأميركي الراحل ليندون جونسون «الحرب على الفقر» في الولايات المتحدة.

ويُرجح ان يكون الحديث عن كمية الوظائف الأميركية، ونوعيتها، كما الحديث عن تجديد الحرب على الفقر، النقاط الأساسية في خطاب أوباما السنوي حول «حال الاتحاد» في الكونغرس، والمقرر في 28 من الشهر الجاري. لكن وعود أوباما، في ظل كونغرس تسيطر عليه غالبية غير متعاونة من الحزب الجمهوري، قد تبقى وعوداً على ورق، وهو ما بدا جلياً في معركة تمديد القانون الذي تدفع فيه الحكومة رواتب للعاطلين من العمل حتى يتسنى لهم ايجاد عمل.

الجمعة، 24 يناير 2014

الكويت حرة ... جزئياً

| واشنطن من حسين عبدالحسين |

حافظت الكويت على ترتيبها في مجموعة الدول العربية المصنفة «حرة جزئيا»، والتي تقلصت من ست دول الى خمس بسبب تراجع مصر وتحولها الى دولة «غير حرة»، حسب التقرير السنوي الحادي والاربعين الذي تصدره «مؤسسة فريدوم هاوس» الأميركية.
وأشار تقرير 2014 الى ان تونس حققت أكبر تقدم نحو الحرية في العالم، وتلتها ليبيا. أما لبنان، الذي حل في المرتبة الثالثة عربياً، فتراجع مقارنة بالعام الماضي بسبب العجز الحكومي الذي يعانيه وتراجع الحريات فيه عموماً، فيما حلت المملكة المغربية في المركز الرابع والكويت خامسة في صدارة المجموعة العربية. أما بقية الدول العربية وايران، فحازت جميعها على تصنيف «غير حرة» ابدا، فيما بقيت تركيا في مصاف الدول «الحرة جزئيا»، حسب التقرير.
يذكر ان آخر تقرير صادر عن مجموعة «مراسلون بلا حدود» الفرنسية يصنف الكويت في المرتبة الاولى عربيا وفي الشرق الاوسط، و77 عالميا، لناحية الحريات الاعلامية، فيما تحل دول عربية اخرى، مثل لبنان، في المرتبة 101. 
ويعتبر تقرير «فريدوم هاوس» ان 88 دولة يعيش فيها 40 في المئة من سكان العالم هي «دول حرة»، فيما يبلغ عدد الدول «الحرة جزئيا» 59، ويسكن فيها ربع سكان الكوكب، اما «الدول غير الحرة»، فعددها 48 وتؤوي ثلث البشر. 
ويعتقد معدو التقرير ان في العالم 122 دولة فيها برلمانات ديموقراطية، منها الكويت، وان هذا الرقم ارتفع من 118 في العام 2013 بعد دخول هندوراس وكينيا ونيبال وباكستان نادي الدول التي تنتخب برلماناتها.
عن تونس، رأى التقرير انه «على اثر اغتيال شخصيتين علمانيتين، وبعد وصول الائتلاف الحاكم بقيادة اسلاميين والمعارضة العلمانية بغالبيتها الى طريق مسدود، وجدت تونس مرة اخرى طريقا الى الامام في العام 2013 من خلال التسوية والاعتدال من الجهتين». 
وأضاف: «وافقت الحكومة الاسلامية على التنحي لمصلحة حكومة حيادية موقتة ستحكم وستشرف على اجراء انتخابات بموجب الدستور الجديد في العام 2014». 
وتابع التقرير ان «الاتفاق شكل اختراقا لافتا في البلد الذي بدأ فيه الربيع العربي في العام 2011 والذي يبقى فيه الامل الاكبر لقيام ديموقراطية حقيقية وثابتة في العالم العربي».
عن مصر، قال التقرير ان «درجة الحريات السياسية تدهورت من 5 الى 6، فيما تراجع تصنيفها من حرة جزئيا الى غير حرة بسبب الاطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في يوليو، والانقضاض العنيف على الاحزاب السياسية الاسلامية وعلى المجتمع المدني، وبسبب الزيادة في دور الجيش في العملية السياسية».

الخميس، 23 يناير 2014

خبراء أميركيون يتخوفون من إعادة الأسد لاعباً رئيسياً في مستقبل سورية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لكل من يتساءل من اين جاء الرئيس السوري بشار الاسد بفكرة تحويل مؤتمر «جنيف - 2» المخصص لانتقال السلطة في سورية الى لقاء لمكافحة التنظيمات المسلحة المتشددة، ما عليه الا ان يطالع نص المقابلة التي ادلى بها وكيل وزير الخارجية وليام بيرنز لموقع «آل مونيتور»، المؤيد للأسد. 
يقول بيرنز: «في ما يخص جنيف - 2، نحن نراه كبداية لعملية، عملية تهدف الى الانتقال السياسي، لانها الطريقة الوحيدة التي يمكن لنا ولآخرين حول العالم ان ينهوا الحرب الاهلية بطريقة لا تؤدي الى تثبيت سورية وادراك حقوق شعبها فحسب، بل تمنع كذلك التمدد الخطير للعنف المتطرف الى خارج سورية».
ومفردة «العنف المتطرف» ادخلها منسق الارهاب السابق في وزارة الخارجية دانيال بنجامين، والذي زار دمشق قبل العام 2011 والتقى مدير الامن القومي فيها علي مملوك، بدلا من كلمة «الارهاب» التي درجت على استخدامها ادارة الرئيس السابق جورج بوش.
اذا، يعتقد بيرنز ان «جنيف - 2» عملية ينتج عنها امران: انتقال سياسي، ومحاربة الارهاب، ما يعني ان الاسد وروسيا وايران لم يكونوا وحدهم من اصحاب فكرة مناقشة وقف الارهاب في جنيف، مع التعمية على الجزء الاول الذي يقضي بانتقال صلاحيات الاسد الى حكومة موقتة ذات صلاحيات كاملة.
وربما تكون «مكافحة العنف المتطرف» هي الجزء الذي وافق عليه وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، وهو على اتصال مستمر ببيرنز، كهدف لمشاركة ايران في المؤتمر، قبل ان يحدث ذلك بلبلة ويدفع اميركا، وتاليا الامم المتحدة، الى التراجع.
وصار معلوما ان دعوة الامم المتحدة لايران جاءت بموافقة اميركية، فقاعدة العمل التي ينتهجها مبعوث السلام الاخضر الابراهيمي مبنية على حصول توافق يشمل كلا من اميركا وروسيا والامم المتحدة قبل اتخاذ اي خطوة. ومع عمل مساعد وزير الخارجية الاميركي السابق جيفري فيلتمان مستشارا للامين العام بان كي مون، يصعب الاعتقاد بأن الاخير قام بدعوة ايران الى «جنيف - 2» من دون التنسيق مع موسكو وواشنطن، والموافقة الصريحة للأخيرة.
وما يزيد في الطين بلة، انه رغم ان ثلاث مجموعات سورية مقاتلة رئيسية هي «الجبهة الاسلامية»، و«الاتحاد الاسلامي لأجناد الشام»، و«جيش المجاهدين»
حذروا في بيان موافقتهم على مشاركة المعارضة في مؤتمر «جنيف - 2» من «التسويف والمماطلة لتمييع القضية محاكاة لمسلسل مؤتمرات الحل السياسي في القضية الفلسطينية والتنازلات التي يجب ألا تتكرر في قضيتنا السورية»، الا انه يبدو ان المماطلة هي في قلب الرؤية الاميركية لانتقال السلطة السياسية بموجب جنيف.
وما يؤكد رؤية بيرنز لطول العملية ما ادلى به مسؤول اميركي رفيع اثناء جلسة مغلقة عقدها مع الصحافيين ابان التوجه الى جنيف، وقال فيها: «لا اعتقد ان اي احد سبق ان تعامل مع مسؤولين في نظام الأسد لديه اوهام ان هذه العملية ستكون سريعة... وعلينا جميعا ان ندرك ان جنيف هو بداية العملية، وانها لن تكون سريعة».
هكذا، تعتقد واشنطن ان «جنيف - 2» هو بداية لعملية مفاوضات طويلة، تتخللها خطوات اخرى تتضمن، على حد قول المسؤولين الاميركيين، وقف اطلاق نار محلي في اماكن متفرقة من سورية، وتبادل معتقلين، والسماح بمرور مساعدات انسانية.
هذه الخطوات لا يبدو ان اميركا تمانع ان يكون للأسد ونظامه دور فيها، اذ يقول بيرنز ان وزير الخارجية جون كيري حث نظيره الروسي سيرغي لافروف على الضغط «ليس فقط على (وزير الخارجية السوري وليد) المعلم داخل النظام، ولكن كذلك على كل واحد يتمتع بنفوذ عند النظام، بما في ذلك الايرانيون، للموافقة على هذا النوع من الخطوات».
وعلى غرار عملية «بناء الثقة» في المفاوضات النووية الدولية مع ايران، يعتقد بيرنز ان «الخطوات» التي سيتم اتخاذها خلال «عملية جنيف» السياسية، يمكنها «ان تولد جوا ايجابيا من شأنه ان يؤدي الى انطلاقة جيدة في جنيف - 2».
ويضيف بيرنز: «بالتأكيد نرحب بأية مساهمة ايرانية باتجاه التقدم في هذه الخطوات العملانية، اعني ان ذلك في مصلحة شعب سورية والمنطقة».
على ان عملية «جنيف - 2» السياسية، التي تتخللها خطوات عملانية يمكن ان تولد ايجابية باتجاه الانتقال السياسي والتخلص من «العنف المتطرف»، تشوبها شائبة واحدة دفعت وزير الخارجية الاميركي، حسب بيرنز، الى التشديد امام نظيره السعودي سعود الفيصل، اثناء اللقاءات بينهما الاسبوع الماضي، على قلق واشنطن «من تنامي نفوذ مجموعات العنف المتطرف، وخطر تمددها، وضرورة انجاح جنيف - 2».
هكذا، تبرز الرياض وكأنها عقبة في وجه الانتقال السياسي في سورية، والا، ما معنى ان يطلب كيري من الفيصل «ضرورة انجاح جنيف - 2؟»
قد تكون الولايات المتحدة متمسكة برحيل الأسد، واستبداله بسلطة جامعة للسوريين كافة، وقيام هذه السلطة بعد ذلك بمكافحة المجموعات المتطرفة، الا ان ادارة الرئيس أوباما تبدو غير مؤهلة لقيادة عملية من هذا النوع، او على الاقل، يبدو ان مسؤوليها فاقدون للفهم الصحيح للخطوات المطلوبة لذلك.
وفي ظل تشتت افكار الادارة الاميركية وقلة خبرة ديبلوماسييها، حسبما صار واضحا في ارتباكهم المتواصل في سورية والعراق وايران وفلسطين، يعتقد عدد من الخبراء في العاصمة الاميركية ان طول العملية السياسية، والانخراط مع الأسد في خطوات تتخللها، من شأنها ان تعيد الأسد كلاعب رئيسي في مصير سورية مستقبلا، وهو عكس ما تردده واشنطن، ولكنها لا يبدو انها تعي ما تفعل.

الأربعاء، 22 يناير 2014

آلو واشنطن... هنا نظام الأسد

حسين عبدالحسين

يروي مسؤول أميركي رفيع، في الجلسات العديدة المغلقة التي سبقت انعقاد مؤتمر جنيف 2 المخصص لانتقال السلطة في سوريا، أن مراسم تشييع المقاتلين العلويين في مناطقهم في شمال غربي سوريا غالباً ما تشهد مظاهرات مناوئة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. ويعتقد المسؤول أن الاعتراض العلوي المتزايد يدفع النظام إلى التأخير في تسليم جثث المقاتلين "لأنهم لا يريدون إثارة بلبلة سياسية في عقر دارهم في القرداحة واللاذقية وتلك المناطق".

ويتابع المسؤول المذكور أن ركناً بارزاً من عائلات النظام الثلاثة، و"هو من آل شاليش، قتله علويون في بلدة بشار الاسد، القرداحة، قبل أسبوعين".

هذه الرواية الأميركية تأتي في سياق تأكيد أوساط واشنطن أن عدداً من كبار أركان نظام الأسد من العلويين يتصلون بها بحثاً عن مخرج من الدوامة الدموية التي وضعهم فيها الأسد. "ما أريد قوله هو أن الطائفة العلوية تتحمل جلّ القتال، وإن رأى هؤلاء مخرجاً، فهم لا شك سيأخذونه".

ويعتقد المسؤول الأميركي أن على المعارضة السورية "تأمين هذا المخرج للعلويين المعارضين لاستمرار الأسد بالقتال"، لأن "هدف ذهاب المعارضة إلى جنيف... كي يقدموا بديلاً، رؤية بديلة، وإمكانية بديلة" عن الأسد. ويتابع المسؤول "المعارضة لو قدمت هذا البديل، فهو سيلقى رواجاً واسعاً في دمشق وفي عموم البلاد".

لذا، يؤكد المسؤول الأميركي أن الاتصالات والرسائل من داخل نظام الأسد تأتي إلى الاميركيين بشكل متواصل، ما يدفع واشنطن إلى حث المعارضة على التسريع في بناء سلطة سورية بديلة عن سلطة الأسد، يثق بها المعارضون كما عناصر من داخل النظام، بحيث تتسلم مؤسسات الدولة السورية، وتمنعها من الانهيار لعدم "تكرار السيناريو العراقي".

هذه الرواية الأميركية حول اتصال مسؤولين في نظام الاسد بمسؤولين أميركيين لاقت بعض التشكيك، خصوصاً لدى الأوساط المقربة من النظام السوري وإيران، التي دأبت على الحديث عن محاولات غربية لإعادة الاتصال مع الأسد، لإعادة تجنيده كشريك في الحرب المزعومة على الارهاب.

لكن تقارير إعادة الاتصال مع الأسد تبدو مبالغاً بها. فعلى الرغم من سعي الأسد في حديثه الأخير مع أفراد وفده أوحت وكأن عدوته الوحيدة في الغرب هي فرنسا، محيداً بذلك بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية. إلا أن أوساط واشنطن تؤكد انقطاع الاتصال مع بشار الاسد تماماً، وهو ما قاله علناً وزير الخارجية جون كيري، الذي كرر وصف الأسد بالمجرم، ونفى بشكلٍ قاطع أي إمكانية للتعامل معه، حتى في المجالات الامنية.

حتى المسؤول السابق في الاستخبارات البريطانية، والذي أوردت صحيفة "وال ستريت جورنال" بأن حكومته انتدبته الصيف الماضي للقاء الأسد والتنسيق معه في كشف هويات بريطانيين انضموا للقتال إلى جانب مجموعات إسلامية متطرفة داخل سوريا، حتى هذا الشخص المقيم في بيروت بشكل متواصل منذ سنوات عديدة، والمعروف بقربه من "حزب الله" وسياسيين لبنانيين على صلة مع نظام الأسد، ما يجعل من تقاريره التي تشير إلى حصول تنسيق بريطاني مع النظام السوري مهزوزة.

تقارير الأسد وإيران حول إعادة الاتصال مع عواصم غربية هي التي دفعت المسؤولين الأميركيين إلى التأكيد، بشكل جازم ومتكرر، أن الاتصال الوحيد بين الغرب ونظام الأسد هو مع مسؤولين كبار لحثهم على الانقلاب على زعيمهم والالتحاق بعملية التسوية السياسية التي بدأت في جنيف، والتي يتوقع المسؤولون الاميركيون أن تأخذ وقتاً طويلاً.

لكن بغض النظر عن المدة التي ستستغرقها التسوية، يبدو أن واشنطن مصرّة على أن الهدف الوحيد هو إخراج الأسد وعائلته من السلطة، والإبقاء على العلويين فيها.

"اسمع، لا أعتقد أن أي أحد سبق أن تعامل مع مسؤولين في نظام الأسد لديه أوهام أن هذه العملية ستكون سريعة"، يقول المسؤول الأميركي، ويضيف: "أنا عشت كثيراً وأتذكر مفاوضات والد بشار الاسد، حافظ الاسد، مع فيليب حبيب حول الوجود الإسرائيلي في سهل البقاع عامي 1983 و1984".

ويختم المسؤول: "النظام عنيد، واستفزازي أثناء أي مفاوضات، ويقول أمور مثيرة للغضب، وعلينا جميعا أن ندرك أن جنيف هو بداية العملية، وأنها لن تكون سريعة، وأنها ستقترن مع قتال عنيف على الأرض، لذا سيكون مطلوباً بشكل حاسم الصبر والإصرار".

الجمعة، 17 يناير 2014

قانون «إيران خالية من السلاح النووي» يشعل مواجهة سياسية بين «اللوبيات» الأميركية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

اشعل القانون الرقم 1881 الذي يحمل اسم «من اجل ايران خالية من السلاح النووي للعام 2013» مواجهة شرسة بين اللوبي الاسرائيلي ونظيره الايراني داخل العاصمة الاميركية. 
«اصدقاء اسرائيل» تقودهم «اللجنة الاميركية - الاسرائيلية للعلاقات العامة» (آيباك)، التي حضت مجلس الشيوخ على تبني القانون. اما اصدقاء النظام الايراني فيتصدرهم «المجلس القومي الايراني - الاميركي»، الذي يحاول تصوير اي قانون جديد للعقوبات على انه دعوة مباشرة لمواجهة عسكرية مع ايران، ما اكسبه تأييد كبرى المنظمات اليسارية الاميركية، مثل «موف اون»، والتي نشأت على معارضة الحروب، وخصوصا في العراق وافغانستان.
اما الدول الشرق اوسطية المعنية الاخرى، مثل الدول العربية، فلم تسجل ديبلوماسيتها حضور يذكر، ولم تبرز اي مجموعات لوبي تتحرك باسمها او تقدم وجهة نظرها.
في المواجهة، استخدم اللوبيان الاسرائيلي والايراني كل الاسلحة المتاحة لهما: وجها رسائل الى المناصرين حضهم فيها على الاتصال بممثليهم من اعضاء مجلس الشيوخ للضغط عليهم. استقدما مؤيديهما من المشاهير، فنشر موقع آيباك رسالة من اليهودي - الاميركي الناجي من محرقة الحرب العالمية الثانية والفائز بجائزة نوبل للسلام العام 1986 ايلي ويزل جاء فيها: «اذا كان هناك درس واحد آمل ان يكون العالم قد تعلمه من الماضي، هو ان الانظمة التي تضرب جذورها بالعنف والدموية لا يمكن الوثوق بها، وكلمات وافعال قادة ايران لا تترك اي شك حول نواياهم».
واضاف ويزل: «اناجي الرئيس (باراك) اوباما والكونغرس ان يطلبا، كشرط لاستمرار المحادثات، التفكيك الكامل للبنية التحتية النووية الايرانية، وان يتبرأ النظام الايراني من اي دعوات للابادة الجماعية بحق اسرائيل».
اما اللوبي الايراني، فاعاد الى صدارة موقعه مقابلة كان اجراها مع المحامية الايرانية شيرين عبادي الفائزة بجائزة نوبل للسلام في 2009. وتحذر عبادي في مقابلتها من ان «اي حرب، او التهديد بشن هجوم على ايران، لأن من شأنه ان يكون مدمرا بحق حركات حقوق الانسان والديموقراطية» هناك.
بدوره، ارسل اللوبي الاسرائيلي رسالة الى محازبيه جاء فيها ان «الشعب الاميركي، بغالبيته الساحقة، يؤيد قانون ايران خالية من السلاح النووي للعام 2013»، وهو ما بدا واضحا في اقرار مجلس الممثلين في الكونغرس له بغالبية 400 من اصل 435 صوتا، وان انجاز القانون ينتظر فقط اقرار مجلس الشيوخ له.
وفي حال اقر الشيوخ القانون بغالبية 60 صوتا، يحرم ذلك أوباما المقدرة على استخدام حق النقض، «الفيتو»، بحقه.
وحاول اصدقاء اسرائيل شرح ماهية قانون العقوبات موضوع الاشكال، فجاء في الرسالة ان القانون «يمنح مساحة للمفاوضات كما طلبها الرئيس، ويسمح للرئيس بتعليق تطبيق اي عقوبات جديدة لمدة سنة فيما المفاوضات دائرة». 
اما في حال حاولت ايران مخالفة بنود اتفاقية جنيف الموقتة، والتي تم توقيعها في 24 نوفمبر الماضي، فيفرض القانون عقوبات جديدة على النظام الايراني تستهدف قطاعات اقتصادية ايرانية لم تطلها العقوبات السابقة مثل «بناء السفن، والمناجم، والبناء، والهندسة».
بدوره، جمع اللوبي الايراني توقيع 65 منظمة، الى جانب توقيعه، في رسالة وجهها الى مجلس الشيوخ، وجاء فيها ان اتفاقية جنيف تنص على «امتناع فرض عقوبات جديدة متعلقة بشؤون نووية» بحق ايران، وانه «على رغم وجود آلية في القانون 1881 تؤجل تطبيق اي عقوبات جديدة الى ما بعد سنة من الآن، الا ان مسؤولين اميركيين وايرانيين حذروا من ان عقوبات جديدة في الكونغرس من شأنها ان تقتل الاتفاقية» الموقتة.
وأضافت رسالة «المجلس القومي الايراني - الاميركي» بالقول ان القانون «يضع عقبات لايمكن تجاوزها من اجل التوصل الى اتفاق مع ايران عن طريق الاصرار على التفكيك بالكامل لكل البنية التحتية النووية، بما في ذلك منشآت التخصيب واعادة التكرير». وتابعت: «هذا الطلب هو بمثابة حبة سم للمفاوضات، وغير ضروري لمنع ايران نووية».
واضاف المجلس ان عرقلة الجهود الديبلوماسية، وفرض عقوبات جديدة، من شأنها ان «تضعنا على طريق الحرب». وختم المجلس، الذي يترأسه ايراني يحمل الجنسية السويدية ويقيم في واشنطن، ان «الشعب الاميركي جعل من الواضح انه لا يريد حربا اخرى في الشرق الاوسط، ويدعم بقوة السبل الديبلوماسية حتى خواتيمها، وستكون قمة اللامسؤولية عرقلة الديبلوملسية قبل اعطائها الفرصة حتى تثمر».
وفي وقت تستمر المواجهة بين اللوبيين، المتكافئين بالقوة بسبب مساندة اليسار الاميركي للوبي الايراني، يقترب مجلس الشيوخ من اقرار القانون الذي صار يحوز غالبية 59 صوتا، في وقت تقول اوساط زعيم الغالبية الديموقراطية في المجلس هاري ريد انه سيؤجل مناقشة القانون واقراره على الاقل حتى مابعد «خطاب حال الاتحاد السنوي»، الذي يدلي به أوباما امام الكونغرس، والمقرر في 28 من الشهر الجاري.




أميركا: أزمة 2007 لم تكن الأقسى وارتفاع الدين غير مرتبط بالنمو

واشنطن - حسين عبدالحسين


عززت تــــوقـــعات مـــجـــــلة الـ«ايكونوميست» بأن توقعات نمو الاقتصاد العالمي لعام 2014 «تتم مراجعتها صعوداً»، مدفوعة بنسب نمو الاقتصاد الاميركي، ثقة الأميركيين في اقتصادهم ومستقبلهم، ومن شأنها دفع بعض الاقتصاديين الأميركيين إلى تعديل ترجيحاتهم السابقة. ومن أبرز الاقتصاديين الذين راجعوا مواقفهم كارمن راينهارت وكينيث روغوف، من جامعة «هارفرد»، وذلك في دراسة قدماها في «المؤتمر السنوي لجمعية الاقتصاديين الاميركيين». وعلى رغم أن راينهارت وروغوف ذاع صيتهما إثر دراسة سابقة اعتبرت أن ارتفاع الدين العام الأميركي من شأنه أن «يخفض» نمو الاقتصاد الأميركي بنحو 0.5 في المئة، إلا أن بحوثاً لاحقة أظهرت خطأ في حسابتهما وفندت نظريتهما.

واقترن التفنيد النظري بالوقائع، اذ تجاوز الدين العام الأميركي 17 تريليون دولار مع حلول تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، في وقت أشار أحدث الأرقام إلى نمو الاقتصاد الأميركي 4.1 في المئة خلال الربع الثالث من العام الماضي، ما يؤشر بوضوح إلى عدم ارتباط مباشر بين الدين العام والنمو. ولكن راينهارت وروغوف يعتبران من الأسماء اللامعة التي لا تؤثر في صدقيتها نظرية واحدة خاطئة أو توقعات لم تتحقق.

وأطل الاقتصاديان هذه المرة في بحث يعتبر أن ما يسمى الركود الكبير، الذي شهد تقلصاً اقتصادياً متواصلاً بدأ في الربع الأخير من عام 2007 وانتهى منتصف عام 2009، وشهد في أيلول (سبتمبر) 2008 أزمة سيولة خانقة أجبرت الحكومة الفيديرالية على تقديم مبالغ طائلة لرسملة المصارف المهتزة، لم يكن من الأقسى، ولا التعافي منه جاء خجولاً بحسب عدد من الاقتصاديين الأميركيين.

وبنى راينهارات وروغوف بحثهما على دراسة تأثير 100 أزمة مصرفية على دخل الفرد الحقيقي، وكتبا «معدل السنوات المطلوب لعودة الدخل الفردي إلى سابق عهده هو ثماني سنوات، وبعد خمس أو ست سنوات على اندلاع الأزمة الأخيرة، وحدها ألمانيا والولايات المتحدة، من أصل 12 دولة عانت الأزمة ذاتها، عادت الى مداخيل عام 2007 - 2008». وأضافت الدراسة أن «43 في المئة من الأزمات التي دُرست سجلت تقلصاً مزدوجاً للاقتصاد»، أي عودة إلى التقلص على أثر تسجيل فصل أو أكثر من النمو، كما أن تقلص الاقتصاد نتيجة الأزمات المئة بلغ تسعة في المئة.

ولكن أزمة 2007 - 2008 أدت إلى تقلص الاقتصاد الاميركي خمسة في المئة فقط، واستغرق الاقتصاد ست سنوات للخروج منها، ما يعني أنها لم تكن من الأكبر التي شهدتها البلاد. ورفض الباحثان تشبيه التعافي من الركود الأميركي الكبير بالدورات الاقتصادية لفترات ما بعد الحرب، إذ تسجل في العادة نسب نمو أعلى من تلك التي يسجلها التعافي من أزمات مصرفية.



فقاعة في قطاع البناء والمنازل

ولكن الوضعين الأميركي والألماني الجيدان لا ينطبقان على اقتصادات متقدمة أخرى، مثل فرنسا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا، وهولندا وارلندا واليونان والبرتغال وايسلندا واوكرانيا، التي ما زالت تعاني من استمرار الانكماش الاقتصادي حتى بعد مرور نحو سبع سنوات على الأزمة المالية. وعزا الاقتصاديان الأداء الأميركي الجيد إلى سياسات الحكومة القاضية بضخ الأموال في السوق، وهي وسيلة غير متوافرة لدى معظم الحكومات الأخرى، مثل اليونان. وجاء في الدراسة ايضاً أن على الاقتصادات المتقدمة، لتعود إلى النمو، تبني السياسات ذاتها التي تتبناها الدول النامية لجهة تقليص حجم القطاع العام، وتشجيع الصناعة والتصدير، والعمل على تقليص ديونها العامة والخاصة.

واعتبر الخبير في معهد «اميركان انتربرايز انستيتيوت» بيتر واليسون أن نسب النمو الاخيرة التي يسجلها الاقتصاد الأميركي تأتي مدفوعة بفقاعة جديدة لقطاع البناء والمنازل. وكتب في صحيفة «نيويورك تايمز» «نسبة البناء ارتفعت 23 في المئة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ولكن هذا الارتفاع من شأنه أن ينخفض كثيراً في حال أدرك المقبلون على شراء المنازل أن سبب الارتفاع هو المضاربة في السوق أكثر من ارتفاع سعرها الحقيقي».

وقدم واليسون مؤشرات تؤكد، وفق رأيه، أن صعود قطاع المنازل هو في الواقع فقاعة، مؤكداً أن الفقاعات يتم قياسها بمقارنة الأسعار الحالية بدليل موثوق لأسعار المنازل. وأضاف: «لحسن حظنا أن مكتب احصاءات العمل العام يصدر منذ 1983 دليلاً لأسعار الايجار يظهر أنها ازدادت ثلاثة في المئة سنوياً خلال السنوات الثلاثين الماضية».

واعتبر أن «زيادة أسعار المنازل يجب أن تكون بنسب موازية، فاذا ارتفعت الأسعار أكثر من الإيجار كثيراً، يبتعد الناس عن الشراء ويلجأون إلى الإيجار، ولكن الواقع عكس ذلك، ما يعني أن فقاعة تحصل كلما رأينا نسب الزيادة في أسعار المنازل ترتفع أكثر كثيراً من نسب الزيادة في أسعار الإيجار».

أما القوانين التي وضعتها ادارة الرئيس باراك أوباما للحد من المضاربة في قطاع المنازل، والتي تتضمن وضع البنوك ضوابط على المقترضين، فلا تكفي للجم السوق وفق واليسون. وختم بالقول: «المشكلة تكمن في أن الوكالات الفيديرالية تضمن قروض شراء المنازل من دون أن تجبر المقترضين على تسديد دفعة أولى، تبلغ على الأقل 20 في المئة من سعرها، وتكتفي احياناً بدفعة لا تتجاوز 3.5 في المئة، وأحياناً صفراً في المئة». وأشار إلى أن غياب الدفعة الأولى يشجع من يقدمون على شراء المنازل على التهور والمضاربة، ما يرفع الأسعار ويؤدي إلى فقاعة، يليها انهيار، فقاعة جديدة.

الخميس، 16 يناير 2014

واشنطن تعتقد أن الأسد يضخّم لـ «أهداف سياسية» قنوات الاتصال الاستخباراتية مع الأوروبيين

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

اكدت مصادر اميركية ما اوردته صحيفة «وول ستريت جورنال» حول قيام اجهزة استخبارات اوروبية بالاتصال مع نظيرتها التابعة للرئيس السوري بشار الاسد. الا ان المصادر قالت ان «مجموعة الاسد تسعى الى تضخيم الامر لاهداف سياسية»، وان «هذا التواصل الاستخباراتي (الاوروبي - السوري) لم ينقطع حتى بعد قطع هذه الدول علاقاتها الديبلوماسية مع دمشق»، وان «لا جديد في الموضوع».
وكانت الصحيفة قالت ان مسؤولا سابقا في وكالة الاستخبارات البريطانية «ام آي 6» قام بزيارة دمشق في الصيف مبعوثا من الحكومة البريطانية للتنسيق مع اجهزة الاسد حول مقاتلين من اصول بريطانية دخلوا سورية وانضموا الى مجموعات قتالية متطرفة.
وقال المسؤولون الاميركيون ان العميل السابق المذكور مقيم في بيروت منذ سنوات، ويتمتع بعلاقات جيدة مع «حزب الله» ومع مسؤولين لبنانيين آخرين يعملون بامرة رئيس جهاز أمن الدولة السوري السابق ومدير مكتب الامن القومي حاليا علي مملوك. والوسطاء اللبنانيون يشكلون ايضا قناة بين مملوك والفرنسيين، حتى ان بعض هؤلاء اللبنانيين سبق ان شاركوا في الماضي لقاءات بين الاسد ومسؤولين فرنسيين.
وتقول المصادر الاميركية ان الاسبان لم يتخلوا كذلك عن قنوات اتصالاتهم مع الاسد، حتى بعد اندلاع الثورة في مارس 2011 وقطع معظم الدول علاقاتها الديبلوماسية معه مطلع العام 2012. وكما الاسبان، كذلك حافظ الالمان على خطوط اتصالاتهم مع دمشق.
الاميركيون بدورهم حاولوا في فترة «الانخراط مع الاسد»، التي تلت انتخاب الرئيس باراك أوباما مطلع العام 2009، اقامة قنوات مشابهة تعمل على التنسيق في شؤون مكافحة الارهاب. وتظهر وثائق وزارة الخارجية، التي سربها موقع «ويكيليكس»، انه اثر الزيارات التي قام بها مسؤولون اميركيون الى دمشق ولقائهم الاسد، وافق الاخير على استقبال منسق مكافحة الارهاب السابق في الخارجية السفير دانيال بنجامين، الذي زار العاصمة السورية، واثناء احد لقاءاته، فاجأه مملوك بمشاركة لم تكن مقررة.
الا ان القناة الاميركية - السورية لم تعمّر كثيرا، وانهارت بسرعة على اثر اندلاع الثورة المطالبة بتنحي الاسد.
الاوروبيون كذلك خففوا من وتيرة اتصالاتهم مع الاسد بعد الثورة، لكنهم لم يقطعوها كليا، حسب المصادر الاميركية. 
واوضحت المصادر نفسها: «البريطانيون خصوصا يشعرون بالقلق من انخراط عدد من المسلمين البريطانيين في القتال الدائر في سورية الى جانب مجموعات اسلامية متطرفة، وهم لذلك يسعون للحصول على معلومات حول نشاطات هؤلاء من اي مصادر يمكنهم ان يصلوا اليها».
الا ان الاميركيين يعتقدون ان حاجة الاوروبيين الى الاسد مبالغ بها، فعملاء استخباراته بين الثوار ليسوا كثرا، وهم عرضة للموت الاكيد في حال انكشاف امرهم، والاسد يقاتل الثوار قتالا عسكريا تقليديا باستخدام قوات ارضية وجوية ومدفعية مشتركة، وجمع المعلومات الاستخباراتية مثل حول اماكن تواجد المقاتلين من الثوار يختلف عن رصدهم شخصيا وملاحقتهم وتتبع نشاطاتهم، وهذا ما لا يعتقد الاميركيون ان اجهزة الاسد قادرة على القيام به اليوم.
كذلك، تعبّر الاوساط الاميركية والاوروبية عن تشكيكها بمدى مصداقية الاسد في مكافحة الارهاب، وهي، بحسب «وول ستريت جورنال»، رصدت تفادي الاسد قصف مناطق انتشار مقاتلي تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) في وقت تقصف قواته مجموعات الثوار الاخرى، وهذا يهدف لاعطاء «داعش» المتطرف دفعا في محاولته السيطرة على مناطق الثوار. 
ويقول الاميركيون ان للاسد تاريخا طويلا وعلاقات مع الشبكات المتطرفة التي كانت تتشكل في سورية وترسل مقاتليها الى العراق، وان آخر الخطوات التي ترجح المصادر الغربية ان الاسد قام بها من اجل تغذية وتشجيع الشبكات المتطرفة يتمثل باطلاق سراح القيادي في تنظيم القاعدة ابو مصعب السوري، الذي يحمل الجنسية الاسبانية ويعتقد انه ساهم في تخطيط وتنفيذ تفجيرات مدريد في 11 مارس 2004.
على ان الاوروبيين يتواصلون بشكل مكثف مع اجهزة الاستخبارات التركية، فغالبية الاوروبيين الذين ينضمون الى الثوار للقتال في صفوفهم يصلون مطار اتاتورك في اسطنبول، احيانا ببطاقة طائرة من دون عودة، وهؤلاء الشباب يذهبون الى «بيوت آمنة» في تركيا حيث يجري تجنيدهم وتسليحهم وارسالهم الى سورية.
واوضحت المصادر الاميركية ان «عملية اعداد الاوروبيين الرئيسية تجري في تركيا، وانقرة تدرك ذلك وتبقي اعينها مفتوحة على هؤلاء، وتتشارك المعلومات مع الاستخبارات الاوروبية»، مضيفة: «اما التنسيق مع الاسد فلا يعدو كونه حفاظا على قنوات استخباراتية قديمة، وكل الدول، حتى المتخاصمة، تحافظ على قنوات كهذه من دون ان يعني ذلك الاستناد اليها او تطويرها الى علاقات سياسية افضل».



من يحشد تأييد واشنطن لصفقة إيران؟

حسين عبدالحسين

اعتبر معظم الإعلام العربي إطلالة الرئيس الأميركي باراك أوباما وتصريحاته في المؤتمر السنوي الذي يعقده «مركز أبحاث صابان»، التابع لمعهد بروكينغز، أنها سلبية ومتشددة بحق طهران ونظامها، فأوباما كرر مقولات إن «كل الخيارات»، أي بما فيها خيار توجيه ضربة عسكرية لإيران، هي «على الطاولة»، وأن «لا صفقة» مع الإيرانيين «أفضل من صفقة سيئة».

إن كان «التلويح بالعصا» لإيران هو ما أراده الرئيس الأميركي، فلا لزوم لإطلالته أصلا، فالعلاقة بين واشنطن وطهران سيئة منذ 34 عاما، ولا يحتاج أي رئيس أميركي لتأكيد مدى توترها، مما يعني أن مشاركة أوباما في مؤتمر المركز المذكور، كانت بهدف حشد التأييد لتسوية مع الإيرانيين، لا لتصعيد لهجة التهديدات ضدهم، على حسب ما ظن البعض.

أما في اختيار «مركز صابان»، فدلالات عديدة، أولها أن المركز من المراكز اليسارية الأميركية القليلة التي تتمتع بعلاقة متينة مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، الذين يحضرون سنويا المؤتمر الذي أطل فيه أوباما.

في صابان، كان مشهد أوباما بأكمله مصمما بطريقة محكمة تهدف إلى إرسال تطمينات إلى الإسرائيليين، ولكن باستخدام عبارات يبدو أنه متوافق عليها من خلال القنوات الأميركية السرية مع طهران، أي أن تكرار أوباما تهديداته للإيرانيين كان بهدف كسب تأييد أصدقاء أميركا للتسوية، لا من أجل استثارة طهران والإطاحة بهذه التسوية المزعومة.

ولا شك أن خطوة أوباما هذه كانت ستكون متعذرة عن طريق مراكز الأبحاث اليمينية المقربة من إسرائيل والتي تطعن بشكل واسع في نوايا الإيرانيين وفي الجدوى الاستراتيجية لأي اتفاقية معهم.

«مركز صابان»، على غرار المراكز اليسارية الشبيهة، وعلى عكس غالب نظيرتها اليمينية، يقوم بدور واسع في دعم وتسويق مشروع أوباما للتسوية مع إيران، وكذلك يفعل المثقفون والصحافيون ووسائل الإعلام المحسوبة على اليسار الأميركي.

ومن «صابان» إلى «مجلس الأطلسي»، اليساري أيضا، تتواصل حملة الإدارة ومؤيدي الانفتاح على إيران. فـ«مجلس الأطلسي» كان يترأسه، حتى الأمس القريب، وزير الدفاع تشاك هيغل.

سياسة الانخراط
وعلى الرغم من أن هيغل سبق أن وصل إلى مجلس الشيوخ ممثلا الحزب الجمهوري اليميني، فإنه لطالما افترق عن حزبه وزملائه في معظم شؤون السياسة الخارجية، فهيغل كان من أشد المؤيدين لما سمي في حينه «سياسة الانخراط» مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كانت إدارة الرئيس السابق جورج بوش قد فرضت عزلة دولية عليه بسحبها سفيرتها مارغريت سكوبي، على أثر اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005.

هيغل كان، ولا يزال، مؤيدا لا للانفتاح على الأسد فحسب، بل كذلك على إيران، وهو غالبا ما يردد أنه جنى ثروة على أثر انفتاح بلاده على الصين مطلع السبعينات، رغم استمرار الخلاف العقائدي والسياسي بين البلدين. ومثلما جمع هيغل، الذي تجمعه علاقات ممتازة بمؤيدين للأسد من العرب الأميركيين المقيمين في واشنطن، ثروة من الصين الشيوعية، يعتقد أنه يمكن لأميركيين كثر أن يجمعوا أموالا من الانفتاح على إيران الإسلامية.

«مجلس الأطلسي» برئاسة هيغل – كما من بعده، على أثر اضطراره التخلي عن منصبه بعد تعيينه وزيرا للدفاع – يلعب دورا أساسيا في الدعوة للانفتاح على إيران. حتى قبل المكالمة بين أوباما ونظيره الإيراني حسن روحاني، وحتى قبل انتخاب روحاني رئيسا، لطالما عقد هذا المركز ندوات وحلقات حوار بوتيرة شهرية لحشد التأييد للنظام الإيراني، كان آخرها في 18 ديسمبر (كانون الأول) وشهدت تقديم تقرير حول ضرورة انفتاح أميركا على إيران «في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي».

وعلى عكس التقليد السائد في مراكز الأبحاث بضرورة تقديم آراء أكبر عدد من الخبراء في أي موضوع، فإن المتحدثين في ندوات «مجلس الأطلسي» هم في الغالب أنفسهم: تريتا بارسي رئيس «المجلس القومي للأميركيين الإيرانيين» (بارسي ليس أميركيا بل إيراني يحمل الجنسية السويدية وإقامة دائمة في الولايات المتحدة)، وزميله في المجلس رضا ماراشي، وصديقهما الإيراني بيجان خاجه بور، والذي يفترض أنه يترأس شركة للاستشارات الاستثمارية في فيينا مع فروع لها في أميركا. وغالبا ما يدير الحوار إما الباحثة في «مجلس الأطلسي» باربرا سلافين أو زميلتها مراسلة موقع «آل مونيتور» لورا روزن.

وقبل الحديث عن «آل مونيتور»، وهو أحد المحركين الأساسيين للمجموعة المؤيدة لاتفاق أميركي مع إيران، لا بد من الإشارة إلى أن بارسي وسلافين وصاحبهما يوقعون عرائض غالبا ما تكون مرفقة بدراسات مشتركة صادرة عن «مجلس الأطلسي» و«المجلس القومي للأميركيين الإيرانيين».

الدراسات بدورها تصر على ضرورة رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عن إيران، مع أو من دون التوصل إلى تسوية بين المجتمع الدولي وطهران، معتبرة أن هذه العقوبات لم تؤثر يوما على النظام أو أركانه أو محازبيه، وأنها تضر فقط بالمواطنين الإيرانيين العاديين.

العقوبات الاقتصادية
على العرائض نفسها المطالبة برفع العقوبات الاقتصادية، بغض النظر عن ممارسات طهران، توقع مجموعة من وجوه واشنطن من الأميركيين من أصول إيرانية، وأصدقائهم من الأميركيين عموما من سفراء سابقين أو أكاديميين. ومن بين الإيرانيين الأميركيين هالة اصفندياري، وهي عرابة وكبيرة الباحثين في مركز أبحاث «ودرو ويلسن»، اليساري أيضا والذي – كما «مجلس الأطلسي» – يستضيف بارسي ومجموعته في حلقات حوارية مشابهة تهدف إلى تسويق نظام طهران، ورفع العقوبات عنه، والتوصل إلى تسوية أميركية معه بأي ثمن.
وكان النظام الإيراني اعتقل اصفندياري، التي تحمل جوازا أميركيا، أثناء زيارتها إيران لتفقد أمها العجوز قبل سنوات، ثم أفرج عنها.
من أهل اليسار الأميركي من غير مراكز الأبحاث يبرز موقع «آل مونيتور» الذي يموله رجل الأعمال السوري الأميركي جمال دانيال، الذي يعتقد البعض أن جزءا من أعماله هي في قطاع النفط، وأن عودة إيران إلى المجموعة الدولية قد تجعل طهران «تتذكر جميله» بمنحها له بعض العقود النفطية.
وبغض النظر عن دوافع دانيال، لا شك أن المحرك الرئيس لموقعه هو مديره التنفيذي أندرو بارازيليتي.
وبارازيليتي لا يخفي تأييده لاتفاقية أميركية مع طهران، بل هو غالبا ما يذهب إلى أبعد من ذلك، فيكتب على موقع محطة «سي إن إن»، مثلا، مقالا يكرر فيه اعتقاده بحتمية إشراك إيران في حل الأزمة السورية، بغض النظر عن مصير المفاوضات الدولية مع إيران حول ملفها النووي.

حوار المنامة
وبموقفه هذا، يكون بارازيليتي من أوائل الأميركيين الداعين إلى اعتراف واشنطن رسميا بدور إقليمي لإيران وتفويضها إدارة شؤون المنطقة.
وقد لا يأتي من باب المفاجأة أبدا أنه، قبل انضمامه إلى فريق دانيال، عمل بارازيلتيي مستشارا للشؤون الخارجية لهيغل أثناء خدمة الأخير في مجلس الشيوخ بين 1996 و2008.وتقول مصادر في الخليج إن بارازيلتيي كان أحد المشاركين في تنظيم «حوار المنامة» الأخير، والذي شهد سؤالا مفاجئا من أحد الصحافيين لوزير الخارجية العماني يوسف بن علوي حول إمكانية إعلان اتحاد خليجي في قمة مجلس التعاون في الكويت، التي انعقدت بعد الحوار بأيام، في النصف الأول من شهر ديسمبر الماضي.وتسببت إجابة بن علوي ضد الاتحاد في بلبلة لم تلبث دول مجلس التعاون أن تداركتها فيما بعد.
أما أبرز الحاضرين في «حوار المنامة» فكان هيغل لا غير، الذي راح يتحدث عن التزام أميركا بأمن دول الخليج العربي في وجه أي تهديدات إيرانية في تصريحات تتكامل مع تصريحات أوباما في «مركز صابان»، حيث الحديث عن القوة ظاهره تهديد لإيران وباطنه حشد التأييد بين أصدقاء واشنطن لتسوية أميركية مع الإيرانيين.
في واشنطن، يشرف بارازيليتي على «آل مونيتور»، وهو موقع لا يخفي توجهاته السياسية المؤيدة لنظامي علي خامنئي وبشار الأسد. ويلاحظ أن كتاب الموقع يتنوعون بين كتاب إسرائيليين، وآخرين عرب يعملون أيضا في مؤسسات إعلامية إما ممولة من إيران، أو مؤيدة لها، مثل فضائية الميادين التي تبث من بيروت.
ومن أبرز كتاب «آل مونيتور» سلافين نفسها الباحثة في «مجلس الأطلسي»، وهي في كتاباتها تدعو صراحة إلى ضرورة أن تقوم واشنطن بعقد تحالف مع طهران، وأن تتخلى عن علاقاتها مع الرياض.
أما روزن، زميلة سلافين، فهي لا تتبنى خطابا بهذه الصراحة، ولكنها تعمل بشكل أساسي على تغطية شاملة لكل جلسات المفاوضات بين مجموعة دول خمسة زائد واحد وإيران. وغالبا ما يوفد موقع «آل مونيتور» روزن وزملاءها إلى جنيف لتأمين التغطية الإعلامية المكثفة لجولات المفاوضات.
وفي هذا السياق، من المفيد التنويه بأن روزن كانت أول من كشف عن وجود وساطة عمانية بين واشنطن وطهران ساهمت في إقامة الاتصال الأول بين أوباما وروحاني في سبتمبر (أيلول) الماضي.
مراكز الأبحاث والإعلام الأميركية اليسارية المذكورة أعلاه تلعب منذ سنوات الدور الأبرز في صياغة سياسة أوباما وفي تسويقها في العاصمة الأميركية.
في الصف الثاني، تأتي مراكز أبحاث يسارية وكتاب يتبنون سياسة أوباما الانفتاحية على طهران، ولكن بوتيرة أقل حدة، فالمعلق في صحيفة «واشنطن بوست» ديفيد إغناتيوس وزميله في «نيويورك تايمز» توماس فريدمان يؤيدان أوباما عموما، في سياساته الداخلية كما الخارجية، وهما لذلك يؤيدان انفتاحا أميركيا على إيران وصل إلى حد ذهاب إغناتيوس إلى إيران وإجرائه مقابلات مع مسؤولين فيها، مما يعني – للعارفين بطرق نظام طهران – أن كتابات إغناتيوس تنال رضا طهران عموما، وإلا لمنعته من الدخول.
في هذه الأثناء، يبدو أن اليمين الأميركي مشتت. الجزء الأصغر منه والمشاغب، وهو المعروف بتيار الليبرتاريين، يؤيد اتفاقية مع إيران بشكل حاسم، إذ تعتقد هذه المجموعة أن السياسة الخارجية الأميركية مكلفة ككل ولا لزوم لها، لذا لم يكن مستغربا أن يختار هيغل «معهد كاتو» اليميني الليبرتاري كمحطة أولى لإطلاق كتاب مذكراته في عام 2008، والذي دعا فيه إلى انفتاح سريع وشامل على إيران.
أما المراكز اليمينية الجمهورية الأخرى، فتعاني من انعدام توازن منذ حرب العراق، وتواجه مصاعب عند مخاطبتها للرأي العام الأميركي، الذي يتهمها بحبها الجامح للحروب التي آذت الأميركيين في الماضي كما في المستقبل.
ختاما، يبقى بعض خبراء الشأن الإيراني من اليسار واليمين ممن يتمتعون برصيد كبير من أمثال راي تقي من «مجلس العلاقات الخارجية»، وكريم سادجادبور من «معهد كارنيغي» ممن يقدمون مطالعات رصينة لما للتسوية وما عليها، ويسدون نصائح ثمينة يبدو أن إدارة أوباما والمجموعة اليسارية التي تقدم ذكرها ليست في مزاج الاستماع لها، بل هي مصرة على المضي قدما بصفقة، سيئة كانت أم لا.