الخميس، 28 مارس 2019

موازنة وزارة الخارجية تلقي بعض الضوء على سياسة ترامب

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لا تزال العاصمة الأميركية، ومعها عواصم العالم، تعاني من الفوضى التي تسود ادارة الرئيس دونالد ترامب، خصوصاً في تعاطيها مع الشؤون الدولية، كما ظهر في أمثلة عديدة. 
فوزارة الخزانة الأميركية أعلنت فرضها سلسلة جديدة من العقوبات على كوريا الشمالية، لتتراجع في اليوم التالي عن عقوباتها، على اثر تغريدة، أعلن فيها ترامب ان العقوبات ملغاة. وفي وقت لاحق، حاولت الناطقة باسم البيت الابيض سارة ساندرز تبرير الموقف الرئاسي، فقالت في بيان ان ترامب «يحب رئيس (كوريا الشمالية) كيم (جونغ اون)، ولا يشعر ان العقوبات ضرورية». 
ومثلما فاجأ ترامب وزارة الخزانة بالغائه عقوبات كان متفقاً على فرضها على بيونغ يانغ، كان فاجأ قبلها وزارة الدفاع، باعلانه - في تغريدة ايضا ومن دون استشارة فريقه - نهاية مهمة الجنود الاميركيين المنتشرين في الاراضي السورية شرق نهر الفرات، معلناً ان واشنطن بدأت سحبهم. وراحت وزارة الدفاع تتظاهر وكأنها تسحب الجنود من سورية، الى ان توصل كبار المسؤولين الى اقناع ترامب بضرورة ابقاء الف جندي، من اصل الفين. 
وعبثا حاول المتابعون، الاميركيون وحول العالم، تحديد الخطوط العريضة للسياسة الخارجية، او تقديم ما يمكن تسميته «عقيدة ترامب». لكن عشوائية الرئيس، وتغريداته المفاجئة دائما للمقربين منه قبل الآخرين، جعلت من عملية استنباط سياسته الخارجية امرا معقداً. 
لكن على تعقيداتها، قد يكون ممكناً استخلاص بعض الخطوط العريضة من مواقف الرئيس الاميركي، مقرونة بموازنة وزارة الخارجية للعام المقبل، والتي يجول وزير الخارجية مايك بومبيو امام لجان الكونغرس في محاولة لانتزاع القبول والموافقة عليها. واللافت في امر الموازنة، انه غالباً ما يسعى الوزراء لاقناع المشرعين باسباب الزيادات التي يطلبونها لانفاق وزاراتهم، اما بومبيو، فهو يخوض معركة لاقناع الكونغرس بضرورة تخفيض موازنة وزارته، فيما يصرّ المشرعون، من الحزبين، بابقاء معدلات الانفاق أعلى، بهدف حماية المصالح الأميركية حول العالم، ديبلوماسيا، في وقت يعتقد ترامب ان حماية هذه المصالح تكمن في زيادة الانفاق الدفاعي على حساب الديبلوماسي. 
وعبر مواقف ترامب، وتعيينه كبير مستشاريه وصهره جارد كوشنر مبعوثاً للسلام في الشرق الاوسط، يمكن القول ان دور وزارة الخارجية في هذه المنطقة يكاد يكون معدوماً، فكوشنر هو الذي يجول على غالبية عواصم الخليج، وهو الذي يصمم «صفقة القرن» المزمع التوصل اليها لسلام بين اسرائيل والعرب، من دون الفلسطينيين. 
لكن لبومبيو ووزارته دور في الشرق الاوسط، وهو دور ينحصر بمواجهة ايران، فالولايات المتحدة توصلت الى خلاصة مفادها بأن السبيل الوحيد للقضاء على النظام الاسلامي في طهران هو عن طريق الديبلوماسية وفرض العقوبات. 
في هذا السياق، قلّصت وزارة الخارجية موازنتها بواقع الربع. اما المثير للاهتمام يكمن في مراقبة مجالات التقليص، فبومبيو طلب مليار دولار لمساهمات واشنطن للوكالات التابعة للأمم المتحدة، بدلاً من مليار ونصف المليار العام الماضي. ومع ان الخارجية لم تبرر سبب خطوتها، الا ان العارفين عزوا التقليص الى محاولة اميركا القضاء على وكالات غوث اللاجئين، لحمل الفلسطينيين على التنازل عن الضفة الغربية والقدس الشرقية. 
كما قلصت الخارجية مساهمتها لقوى حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بواقع 670 مليون دولار، مقارنة بالعام الماضي. 
وكان الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس زار واشنطن، في وقت سابق من هذا الشهر، في محاولة لاقناعها بتسديد المتوجب عليها لتمويل عمليات حفظ السلام حول العالم. وابلغ المسؤولين ان موازنة هذه القوات مدينة بمبلغ ملياري دولار، منها 660 مليون دولار متوجبة على الولايات المتحدة. 
وعلمت «الراي» ان المسؤولين الاميركيين أبلغوا ضيفهم الأممي استياءهم من اداء قوات «اليونيفيل» في لبنان، و«أندوف» في سورية. وقال الاميركيون ان القوتين تكلفان العالم 600 مليون دولار سنوياً، منها 475 مليوناً لـ«يونيفيل»، وان أي من القوتين لا تقومان بالمهام المنوطة بها، وان «حزب الله» وايران اقاما بنية تحتية عسكرية كاملة، بسلاح ثقيل، في جنوب لبنان، ويسعيان لذلك في سورية، وان الاموال التي انفقتها واشنطن على هاتين القوتين ذهبت ادراج الرياح. 
ختاماً، طلب بومبيو تخفيض مساهمات اميركا الى الأمم المتحدة من 610 ملايين دولار العام الماضي الى 474 مليون دولار العالم المقبل. ويبدو أن من الاسباب الرئيسية للخطوة هو قيام الأمم المتحدة بمنح ايران عضوية في لجنة حقوق المرأة، وهو ما يعتبره المعلقون الاميركيون، من أمثال مايكل روبن، الخبير في مركز ابحاث «اميريكان انتربرايز انستيتيوت» اليميني المحافظ، امراً سوريالياً بالنظر الى قيام طهران، قبل اسابيع قليلة، باصدار حكم سجن 38 عاماً على المحامية نسرين سوتوده بسبب دفاعها عن إيرانيات قمن بخلع الحجاب في اماكن عامة. 
وترتبط صورة مستشار الأمن القومي جون بولتون بتصريح شهير له عن الأمم المتحدة، قبل نحو عقد ونصف العقد، قال فيه انه لو تم الاطاحة بطابق او اكثر من مبنى الأمم المتحدة في نيويورك، فان أحدا لن يلاحظ، وان ذلك لن يؤثر في دور المنظمة الدولية. 
في المقابل، رفض أعضاء ديموقراطيون وجمهوريون في الكونغرس، مقترح ترامب بتقليص موازنتي العمل الديبلوماسي والمساعدات الخارجية، ووصفوه بأنه خطر على الأمن القومي، مما يمهد الساحة لمعركة على الميزانية مع البيت الأبيض.
وخلال جلسة الاستماع الثانية ضمن جلستين مخصصتين في مجلس النواب لمناقشة الطلب، والتي واجه خلالها بومبيو نوابا شككوا في الخطة، قال النائب الديموقراطي إليوت إنجل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية، إن مقترح ترامب «ميت» بمجرد وصوله إلى الكونغرس. 
وأضاف: «هذه الميزانية... مؤشر أمام العالم على أن سياسة ترامب الخارجية هي سياسة انفصال». 
وكان النائب الجمهوري البارز هال روجرز، عضو اللجنة الفرعية المشرفة على نفقات وزارة الخارجية في مجلس النواب، قد وصف خطة الميزانية خلال جلسة سابقة للجنة الفرعية بأنها «غير كافية بشكل مؤسف» لتغطية أهداف السياسة الخارجية والأهداف الأمنية للإدارة الأميركية.

واشنطن تبدأ إجراءات تزويد السعودية بتقنية نووية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تأكيداً لما نشرته «الراي»، في 18 فبراير الماضي، وافقت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الانخراط في مشروع تزويد المملكة العربية السعودية بمفاعلين نوويين، بتكلفة من المتوقع أن تبلغ 80 مليار دولار. 
وأورد كل من موقع «دايلي بيست» ووكالة «رويترز»، أن وزير الطاقة ريك بيري وقع على إجازات سمحت لست شركات أميركية ببيع تقنية نووية وتقديم المساعدة المطلوبة والصيانة للسعودية. وعمدت وزارة الطاقة إلى إبقاء عملية منح الإجازات سرية، تحت طلب الشركات، حسب الوزارة. لكن إدارة ترامب، التي تعاني من استفحال التسريبات في صفوف مسؤوليها، فشلت في إبقاء موضوع الإجازات طي الكتمان. 
ويعتقد المسؤولون الأميركيون، أنه يمكن للبرنامج النووي السعودي أن يعمل بمثابة ردع للإيرانيين، أي أنه يمكن لأميركا أن تضع الرياض في موقع نووي مشابه لموقع طهران، فإن قررت إيران المسارعة لإنتاج مواد نووية عالية التخصيب لاستخدامها في أسلحة، يمكن للمملكة اللحاق بها وإنتاج أسلحة نووية في مدة زمنية مشابهة. 
وعلمت «الراي» من مصادر في الإدارة الأميركية، أن «السعودية قد لا تكون آخر الحلفاء العرب ممن سيحصلون على تقنية نووية من الولايات المتحدة». ويبدو أن كلاً من الإمارات والأردن، وربما مصر والمغرب، على لائحة الدول التي تدرس إدارة ترامب إمكانية بيعها تقنيات نووية، والإشراف على منشآتها النووية المستقبلية. 
وينقل المقربون عن ترامب، رداً على من يتهمونه بإمكانية تقويض أمن الشرق الأوسط والعالم بفتحه باب تزويد بعض الدول الحليفة بتقنية نووية، أنه «إذا لم نفعل نحن ذلك، فسيقوم به الروس أو الصينيون أو غيرهم».

الثلاثاء، 26 مارس 2019

حرب العنصريين… بيض ومسلمين

حسين عبد الحسين

لم تعد الحرب على الإرهاب حربا تشنها الحكومات والمجتمع الدولي ضد مجموعات عنف غير حكومية. صارت حربا بين إرهابيين بعضهم بعضا، بين شباب من المضللين، البيض والمسلمين، وضحاياها أبرياء من المدنيين من الجانبين.

هذه المرة ثبت على وجه التأكيد أن الارهاب لا دين له ولا نصوص، بل منبعه الفكر الظلامي الإقصائي العنيف نفسه، الموجود لدى معظم المجتمعات البشرية. بعضها ينجح في قمعه وإبعاد شبابها عنه، وبعضها الآخر ينجح بدرجات أقل.

والتحريض لدى الجانبين، العنصريين البيض والمسلمين، يكاد يتطابق؛ فيه مظلومية تاريخية، في الغالب معركة تاريخية مفصلية أدت لانهيار الزمن الذهبي المتخيل. ومن أسباب خسارة المعركة التاريخية، في الغالب، تآمر العالم وتواطؤه، فضلا عن خيانة بيض للبيض ومسلمين للمسلمين.

هكذا، يتصدر أعداء الإرهابيين، البيض والمسلمين، أعداء الداخل. هؤلاء يجب تصفيتهم لخيانتهم القضية، وهي التصفيات التي تؤدي عادة إلى انشقاقات وعداوات داخل الصف الإرهابي نفسه؛ فالعنصريون البيض، ينقسمون اليوم بين نازيين جدد، ومجموعة "عنف نووي"، وغيرها؛ فيما ينقسم العنصريون المسلمون إلى "تنظيم القاعدة" المنافس "لتنظيم داعش"، وتنظيمات أخرى، وأجنحة متحاربة داخل التنظيم الواحد. كلها حروب هدفها تحقيق النقاء العنصري والعقائدي والسياسي الموهوم.

وفي مخيلة الإرهابيين، البيض والمسلمين، غالبا ما يكون الهدف استعادة ماض ذهبي مجيد، زمن ألمانيا الثلاثينيات، أو أميركا الخمسينيات، التي لا يخالط فيها البيض العروق الأخرى، خصوصا السود. وعند العنصريين المسلمين، حنين وسباق للعودة إلى عصر الخلفاء الراشدين، العصر الذهبي الذي شهد مقتل ثلاثة من الخلفاء الأربعة اغتيالا.

وفي ذهن العنصريين، البيض والمسلمين، لا يحتمل النقاء اختلاطا مع باقي البشر. لذلك، تستحيل التسوية وتتحول العلاقات بين الشعوب إلى حروب إفناء، يسود فيها القوي، ويموت الضعيف. أما الانعزال، المصمم للحفاظ على النقاء العرقي، فيعزز الهلوسة، ويساهم في شيطنة الآخر، وإلصاق نظريات غير صحيحة بصفاته وعقيدته، وهو ما يسمح بإفنائه، لتخليص البشرية من شره المتخيل.

والتنظيم يتشابه بين الطرفين كذلك، ويكون غالبا على شكل مجموعات تعمل في الظلام، سمحت وسائل التواصل الاجتماعي في تسهيل تواصلها وتنظيمها، تنتشر بين أفرادها نقاشات حول نيتها نشر الرعب بين السكان عن طريق القتل والتخريب.

والرعب ليس فقط لإقناع المسلمين أن بلاد المهجر ليست آمنة لهم، أو لإقناع الأميركيين أن بلادهم ليست آمنة كما يعتقدون، بل هو تخريب يستجدي ردود فعل بربرية إرهابية مشابهة، فالمجموعة التي يتعرض مجتمعها لأحداث عنف، يصبح أسهل على المختلين من قادة المجموعة تجنيد إرهابيين على طرازهم، ويحرضونهم على الانتقام؛ بالضبط كبرنامج هتلر لانتقام ألمانيا من كل العالم لهزيمتها المذلة في الحرب الكونية الأولى، أو برنامج القاعدة للانتقام من الحروب الصليبية وغير الصليبية.

هكذا، تقدم هجمات العنصريين المسلمين، مثل في 11 أيلول/سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن أو بعدها في فلوريدا أو كاليفورنيا أو ماساتشوستس، الحجة للعنصريين البيض بأن العنف، من خارج الحكومات، لا يوقفه إلا عنف مشابه من خارج الحكومات؛ فيستخدم العنصريون البيض هجمات الإسلاميين لتجنيد إرهابيين بيض، ويستخدم العنصريون الإسلاميون هجمات، مثل على المسجدين في نيوزلندا، لتجنيد إرهابيين من أمثالهم أيضا.

هكذا، يعاني الأميركيون من عنفين: عنف العنصريين البيض ضد غير البيض واليهود والمثليين، وعنف العنصريين المسلمين ضد كل الأميركيين. في الوقت نفسه، يعاني المسلمون من عنفين: عنف العنصريين المسلمين في بلدانهم، من أمثال داعش والقاعدة، وعنف العنصريين البيض خارج بلدانهم، مثل في نيوزلندا.

هي حرب يغذي فيها تطرف مجموعة تطرف نظيرتها. أما الحلول، فمنها إظهار تهافت الخطاب المتطرف ورؤيته المنحرفة للتاريخ، فلا عصور ذهبية للمسلمين، ولا عصور ذهبية للبيض، ولا ذهبي من العصور إلا التي يسودها السلام، وتعيش المكونات السكانية المختلفة فيها بوئام.

الاثنين، 25 مارس 2019

ترامب: لا تواطؤ... لا عرقلة... تبرئة كاملة وشاملة... فلنبقِ أميركا عظيمة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بعد سنتين، و2800 مذكرة تحرّ، و500 مذكرة تفتيش، و13 طلب تعاون إلى حكومات أجنبية، و500 شاهد، و37 إدانة، و199 اتهاماً، ونصف مليون مقالة إعلامية، و245 مليون تفاعل مع هذه المقالات، وعشرات آلاف ساعات التغطية التلفزيونية، حقق الرئيس دونالد ترامب، الجمهوري، نصراً سياسياً مدوياً على منافسيه في الحزب الديموقراطي مع صدور نتائج تقرير المحقق الخاص روبرت مولر، الذي خلص الى نتيجة مفادها بأن لا ترامب، ولا أي من المقربين منه أو العاملين في حملته الانتخابية الرئاسية في العام 2016، تواطؤوا مع الروس للتأثير في نتائج الانتخابات.
ولم يكتف ترامب بانتصاره، بل هو راح، ومعه جمهوريون، يطالبون بالانتقام، وذلك عن طريق تحميل المسؤولية لكل من أمروا بفتح التحقيق، بل إن الرئيس طالب بمباشرة التحقيقات بحق «الآخرين» ممن يتهمهم هو بالتواطؤ مع الروس، أي منافسته المرشحة الديموقراطية السابقة هيلاري كلينتون.
إلا أن تقرير مولر، الذي لخص نتائجه وزير العدل وليام بار ومساعده رود روزنستاين، والاثنان عينهما ترامب في منصبيهما، لم يتم تقديمه للكونغرس بعد، وهو ما دفع مجلس النواب، الذي تسيطر عليه غالبية من الديموقراطيين، إلى المطالبة بالحصول عليه كاملا وكشفه للعامة. 
وانتهاء تقرير مولر طرح أسئلة أكثر من تقديمه اجابات، لِناحية أنه إذا كان ترامب لم يتعامل مع الروس، فما سبب انحيازه الفاضح لمصلحة نظيره الروسي فلاديمير بوتين، على حساب حلفاء أميركا التقليديين في أوروبا وكندا و»تحالف الأطلسي». كذلك، لا تزال الأسئلة حول قيام ترامب، والمحيطين به، باخفاء اتصالاتهم وفحواها مع مسؤولين روس، قبل ان يتم افتضاحها من قبل الاجهزة الامنية والتسريبات الاعلامية.
ورغم أن مولر توصل الى نتيجة، حسب وزير العدل، ان ترامب لم يكن على تواطؤ مع الروس، الا ان المحقق الاميركي ترك مفتوحاً موضوع «اعاقة العدالة»، الذي يعتقد ديموقراطيون ان ترامب قام به عن طريق قيامه بطرد سلسلة من كبار المسؤولين، منهم وكيلة وزارة العدل سالي يايتس، ومدير مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) جيمس كومي، وغيرهم. 
وكان ترامب قال في مقابلات علنية انه طرد كومي بسبب «موضوع روسيا»، وهو تصريح بمثابة اعتراف ان خطوة الطرد كانت مدفوعة بمحاولة وقف التحقيق في امكانية تعاونه او حملته مع موسكو.
وفيما اعتبر ترامب والجمهوريون انه لا يمكن ان يعرقل الرئيس عدالة في غياب الجرم المفترض انه يسعى للتغطية عليه، رد الديموقراطيون، ومعهم خبراء دستوريين، بان عرقلة العدالة ممكنة حتى في غياب الجرم.
وكشف تقرير مولر كاملا للعامة، وتسليط الضوء على موضوع «اعاقة العدالة»، هما الثغرتان الاخيرتان المفتوحتان أمام الديموقراطيين للنفاد منهما سياسياً وحفظ بعض ماء الوجه. 
ويعترف الديموقراطيون، في مجالسهم الخاصة، بان التكلفة السياسية للاستمرار في التحقيقات في موضوع روسيا ستكون عالية جداً، وان في مصلحة الحزب، ومرشحيه الرئاسيين لانتخابات العام المقبل، الانتهاء من الموضوع في شكل سريع، وتحويل النقاش السياسي في اتجاه مواضيع اخرى تسمح لهم بالانتصار على ترامب.
وفي الإطار نفسه، أكد البيت الأبيض أن ترامب لا يمانع في نشر التقرير الكامل للمحقق الخاص.
وقالت الناطقة سارة ساندرز، أمس، «لا أعتقد أن الرئيس لديه أي مشكلة في ذلك»، مضيفة «سيكون أكثر من سعيد لنشر أي من هذه الأمور لأنه يعرف تماماً ما حصل وما لم يحصل والآن بصراحة باتت كل أميركا تعرف».
وفي وقت سابق، قال ترامب في تغريدة عقب نشر موجز للتقرير «لا تواطؤ، لا عرقلة، تبرئة كاملة وشاملة. فلنبق أميركا عظيمة!».
وعقب التغريدة أدلى ترامب بتصريح للصحافيين قبيل مغادرته فلوريدا على متن الطائرة الرئاسية، اعتبر فيه انّه من المعيب أن يكون رئيس الولايات المتحدة قد اضطر للخضوع لتحقيق بشأن احتمال حصول تواطؤ بين فريق حملته الانتخابية وروسيا، أو احتمال سعيه لعرقة عمل العدالة.
وتابع: «بصراحة، من المعيب أن يكون رئيسكم قد اضطر للخضوع لهذا الأمر الذي بدأ حتى قبل انتخابي». وأضاف أنّ التحقيق «محاولة تدميرية غير شرعية فشلت».
ومولر ملزم قانوناً بتسليم تقريره إلى وزير العدل حصراً، كما أنّه ليس مخوّلا توجيه اتهام إلى الرئيس، ويعود لوزير العدل أن ينشر ما يريده من هذا التقرير. 
وأكدت وزارة العدل أنّ مولر لا يوصي في تقريره بتوجيه اتهامات جديدة.
وقد انعكس ذلك ارتياحاً في البيت الأبيض، لأن عدم التوصية بتوجيه مزيد من الاتّهامات يعني أن شخصيات قريبة من الرئيس بمن فيهم ابنه دونالد ترامب جونيور وصهره القوي جاريد كوشنر، غير متّهمة.
وقال السناتور الجمهوري النافذ ليندسي غراهام، الذي لعب الغولف مع ترامب الأحد، إنّ هذا كان «يوماً عظيماً للرئيس ترامب وفريقه... ويوماً سيئاً بالنسبة لأولئك الذين كانوا يأملون في أن يؤدي تحقيق مولر إلى إسقاط الرئيس ترامب».
لكنّ رأي الديموقراطيين أتى مخالفاً، إذ سارع زعيما الحزب في الكونغرس إلى المطالبة بنشر التحقيق «كاملاً»، معتبرين أنّ وزير العدل ليس «مراقباً محايداً» كي يتم الركون إلى الخلاصة التي أعدّها. 
وقالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الأقليّة الديموقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، في بيان مشترك، إنّ «رسالة وزير العدل بار تطرح أسئلة بقدر ما تقدّم أجوبة».

هل يتكلم مولر؟

لم يصدر المحقق الخاص روبرت مولر تصريحات طوال التحقيق الذي استمر 22 شهراً، لكن هذا الوضع قد يتغير في ضوء انتهاء مهمته. وأعلن رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب جيرولد نادلر، وهو من الديموقراطيين، ورئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب آدم شيف، أنهما قد يحاولان جعل مولر يدلي بشهادة أمام الكونغرس. وقد يكون الاستجواب مهذباً نسبياً، فمولر مدير سابق لمكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي اي) ومن المحاربين القدامى في حرب فيتنام. 
لكن شهادته ربما لا تكشف عن الكثير. واكتسب مولر سمعة بأنه محقق دقيق وقد لا يرغب في مناقشة الأدلة أو استخلاص نتائج غير واردة في تقريره. كما أنه ملزم إحالة الأمر في ما يتعلق بما يمكن الكشف عنه وذلك بحكم كونه ممثلاً خاصاً للادعاء.

أفضل دفاع ضد التشهير

اختارت إيفانكا ترامب أن تعبر عن سعادتها بتقرير روبرت مولر، بتغريد عبارة شهيرة للرئيس السابق أبراهام لينكولن، وجاء فيها: «الحقيقة هي أفضل دفاع ضد التشهير».

الكرملين مستعد 
لتحسين العلاقات

موسكو - رويترز - نفى الكرملين أمس، مجدداً تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2016، بعد أن خلص تقرير المحقق الخاص روبرت مولر إلى عدم وجود دليل قاطع على مثل هذا التدخل. 
وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إن موسكو مستعدة لتحسين العلاقات، «لكن اتخاذ الخطوة الأولى أمر يعود لواشنطن».

الأحد، 24 مارس 2019

بومبيو يعطي بيروت الفرصة الأخيرة للابتعاد عن طهران!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لم تكن جولة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الى الشرق الاوسط متجانسة، فهو زار الكويت لتمتين الشراكة الاميركية معها. وزار إسرائيل لتعزيز فرص اعادة انتخاب رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو لولاية جديدة في التاسع من أبريل المقبل. وزار لبنان لتحذير المسؤولين فيه ان السياسة الاميركية المقبلة ستختلف جذرياً عن الماضية. 
والجولة ايضاً كانت جزءاً من استعداد بومبيو نفسه للترشح للرئاسة في العام 2024، وتعزيز سيرته الذاتية كعسكري ورئيس استخبارات سابق، وعضو كونغرس، ووزير خارجية. 
أهمية لبنان الاستراتيجية كانت تراجعت كثيرا منذ رعت وزيرة الخارجية الجمهورية السابقة كوندوليزا رايس «اتفاق الدوحة» في العام 2008، والتي أعطت ايران و«حزب الله» الكلمة العليا في بيروت. وكرس الديموقراطيون، بقيادة وزير الخارجية السابق جون كيري، رؤية اميركا ان لبنان هو من حصة ايران، وراحت واشنطن تنسّق مع «حزب الله» بشكل غير مباشر عبر قناتين: الاجهزة الامنية اللبنانية، والبريد الالكتروني الشخصي المتبادل بين كيري ونظيره الايراني جواد ظريف. 
وساهم التنسيق الاميركي - الايراني في تخفيف الازمات في لبنان، ومنع تدهور الامور مع اسرائيل، بما في ذلك احتواء ردة فعل الحزب على قتل اسرائيل جهاد مغنية في الجولان السوري، في يناير 2015، وما نجم عن ذلك من عملية قام بها الحزب اللبناني، وادت الى مقتل جنديين اسرائيليين، من دون رد اسرائيلي يذكر. وكان ذلك على غير عادة... هذا كان في الماضي. 
أما الرئيس دونالد ترامب، فهو تبنّى سياسة مغايرة تماماً تجاه إيران وحلفائها، وهي سياسة مواجهة، ليست بالضرورة عسكرية، وانما ديبلوماسية وسياسية واقتصادية، الهدف منها كسر الجمهورية الاسلامية اقتصادياً ومالياً، ما يعود سلباً على حلفائها في المنطقة. ولأن لبنان كان محسوباً سلفاً في المحور الايراني، فهو كان في «عين العاصفة». 
لكن ديبلوماسيين أميركيين مخضرمين لا يزالان يعتقدان ان لبنان يستحق محاولة تحييده عن المواجهة الاميركية - الايرانية. الديبلوماسيان هما ديفيد هيل، وكيل وزير الخارجية، وديفيد ساترفيلد، مساعد الوزير لشؤون الشرق الادنى بالوكالة. وسبق للرجلين ان عملا في مناصب ديبلوماسية مختلفة في السفارة الاميركية في لبنان، ومنها منصب سفير، ويتمتع كل منهما بعلاقات متينة وصداقات مع السياسيين اللبنانيين يعود عمرها الى عقود. ويعزو العارفون في العاصمة الاميركية توصل اللبنانيين الى تسوية قضت بانتخاب ميشال عون رئيسا وعودة سعد الحريري رئيسا للحكومة إلى جهود هيل. 
في الدوائر المحيطة بترامب، مجموعة من الصقور تسعى، منذ زمن، لاعتبار لبنان جزء مما يسمونه «دولة حزب الله». هذا التصنيف يعني، حسب هؤلاء، انه في حال اندلاع حرب بين اسرائيل والحزب يوماً، فان على الاسرائيليين ضرب كل الاهداف في لبنان، بما فيها العائدة للدولة، على غرار ما فعلوا في حرب العام 2006.
في خضم التصعيد الاميركي غير المسبوق في وجه الايرانيين، كان لا بد من معاملة لبنان على انه ملحقا بايران، لكن «الديفيدين»، هيل وساترفيلد، مارسا نفوذيهما لاقناع بومبيو بضرورة اعطاء لبنان فرصة، وكانت زيارة المسؤول الاميركي الى بيروت، حيث اوضح للمسؤولين الجدية الاميركية في مواجهة ايران، ومغبة ان يساعد اللبنانيون، إيران في تفادي أي من العقوبات. 
لم يطلب بومبيو من اللبنانيين، حسب المصادر الاميركية، ملاحقة «حزب الله» او الانخراط في مواجهة مسلحة معه، بل طلب تحييد دولة لبنان عن الحزب، على جاري العادة في السنوات الماضية، بما في ذلك من مصلحة للبنان. 
ماذا سمع بومبيو من اللبنانيين؟ تقول المصادر في واشنطن ان الوفد الاميركي عاد بخيبة امل... «لا يبدو ان المسؤولين اللبنانيين يدركون فداحة الموقف، وهم قدموا مواقف عجيبة، منها ان حزب الله جزء من الدولة، وانه منتخب وممثل في البرلمان والحكومة». بكلام آخر، أبدى اللبنانيون تنصلاً من أي مسؤولية في ابقاء الدولة بعيدة عن الحزب، وهو ما يعني ان العقوبات الاميركية ستطول قطاعات في الدولة اللبنانية، التي يعاني اقتصادها اصلاً بسبب أوضاع المنطقة، وانفضاض اصدقاء بيروت الخليجيين عنها، للسبب نفسه، أي «حزب الله». 
ربما تراهن بيروت، كما طهران، على الصمود اقتصادياً، وان في ظروف صعبة، حتى انقضاء رئاسة ترامب، لكنها رئاسة ستستمر عامين على الأقل، وقد تستمر ستة. كما ان اللبنانيين والايرانيين لا يدركون ان مواجهة إيران تتمتع باجماع الحزبين في الكونغرس، وان وصول رئيس ديموقراطي الى البيت الابيض لن يكون بالضرورة صديقاً للايرانيين، مثل الرئيس السابق باراك أوباما.

جدية أميركية في تطبيق العقوبات على ايران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

من يراقب عمل الوزارات والوكالات الفيديرالية للحكومة الاميركية، لا بد من ان يلاحظ تغيراً كبيراً في أسلوب عملها وسعيها لفرض أقسى عقوبات ممكنة على ايران. وفي وقت تعاني معظم دوائر ادارة الرئيس دونالد ترامب من فراغ مكاتبها وندرة موظفيها... وفي وقت لا وزير دفاع ولا رئيس موظفين للبيت الابيض ولا مبعوث دائم للأمم المتحدة، قامت الادارة بتعزيز صفوف المتخصصين في شؤون العقوبات الدولية في وزارات الخزانة والعدل والخارجية، بما يشي ان السياسة الاميركية القاضية بفرض اقسى العقوبات الممكنة على نظام الجمهورية الاسلامية هي سياسة طويلة الأمد، يديرها محترفون بعيدا عن السياسة، وهي على الارجح ستستمر لزمن طويل بعد خروج ترامب من الحكم. 
ويسعى جيش الموظفين الاميركيين المتفرغين لفرض العقوبات على ايران الى مراقبة كل تفصيل من التفاصيل، بما في ذلك كل تحويل مصرفي، من او الى ايران وحلفائها، بمن فيهم الرئيس السوري بشار الأسد و«حزب الله» اللبناني وميليشيات عراقية. وتراقب الحكومة الاميركية «عملية انتاج كل نقطة نفط او غاز ايراني»، ومسار هذا الانتاج، وتوزيعه، واحتمال تصديره في عملية يطلق عليها المسؤولون الاميركيون اسم «عملية تبييض النفط».
وفي«تبييض النفط»، تخزّن ايران نفطها المعد للتصدير على متن ناقلات نفط تسير خارج المياه الاقليمية الايرانية، وتحاول ان تركن في نقاط بحرية بعيدة عن عيون المراقبة الدولية. هناك، يتم نقل النقط الى ناقلة ثانية، ومنها الى ناقلة ثالثة. ويعمد الايرانيون الى تعطيل جهاز المستجيب في الناقلات الثلاثة لمنع تعقبها، وهو ما يخالف قوانين النقل البحري ويهدد سلامة الملاحة بسبب احتمال حصول حوادث. 
لكن الوكالات الحكومية تراقب هذه السفن، وعدد منها غير ايراني، وتهدد اصحابها بفرض عقوبات عليهم. كذلك، نجحت الادارة في حمل حكومة بناما على التوقف عن السماح لطهران برفع علم بناما على ناقلاتها النفطية، في وقت يسعى المسؤولون الاميركيون لدى دول اخرى لحضهم على حذو حذو البناميين. 
ومن الاجراءات العقابية التي تفرضها واشنطن، بصرامة، وضعها عددا كبيرا من الكيانات، من المؤسسات والافراد، من غير الايرانيين ممن يتعاملون مع طهران، على لائحة العقوبات، بصفتهم طرف ثالث. وطالت العقوبات على المتعاملين مع ايران وكالة المرافئ الروسية، ومصرف «اركوسويوز» الروسي، وشركة صينية، واخرى سنغافورية، فضلا عن شركات «قاطرجي» في سورية، و«ناسكو» و«آبار»في لبنان، وشركتين للطاقة والاستثمارات. 
هكذا تراقب واشنطن كل سفينة، وكل شركة تأمين، وكل مصرف، وكل فرد ممن يعملون على مساعدة نظام ايران في عملية انتاج او تصدير او بيع الطاقة، او يساهمون - كطرف ثالث - في تبييض النفط الايراني لبيعه في الاسواق العالمية كمجهول المصدر، او تبييض عائدات النفط بتقاضيها وتمريرها للايرانيين بطريقة او بأخرى. 
هكذا انخفضت صادرات ايران من النفط بنحو النصف، لتصل الى مليون برميل هذا الشهر، ومن المتوقع ان تنخفض اكثر بكثير مع حلول شهر مايو المقبل، ومعها انخفضت عائدات إيران من العملات الاجنبية، وتراجعت قيمة العملة الوطنية، وارتفع التضخم، وتقلصت قيمة مداخيل الايرانيين، وتدهور مستوى معيشتهم. 
الصرامة غير المسبوقة في العقوبات التي تفرضها واشنطن على النظام الايراني وحلفائه حملت المرشد الأعلى علي خامنئي على الاعتراف علناً امام الايرانيين ان العقوبات قاسية، وانها ستؤذي الايرانيين. ومثله فعل الرئيس اللبناني ميشال عون، الذي قال ان العقوبات على«حزب الله» لا تؤذي الحزب المذكور وحده، بل تؤذي لبنان بأكمله.

الثلاثاء، 19 مارس 2019

الإرهابيون المسلمون والإرهابيون غير المسلمين

حسين عبدالحسين

أمضى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما رئاسته وهو يسعى لمحو كلمة إرهاب، لاعتقاده أنها مسيئة للمسلمين، وحاول استبدالها بعبارة "العنف المتطرف". وراح الجمهوريون يتحدونه أن يتلفظ بكلمة إرهاب، على إثر جرائم سياسية ارتكبها مسلمون في الولايات المتحدة والعالم. ثم كان أول ما فعله الرئيس دونالد ترامب هو استخدامه كلمة الإرهاب مقرونة بجرائم المسلمين دون غيرهم، فيما تفادى ترامب إطلاق الكلمة على المتطرفين البيض، مثلا، على إثر مجزرة المعبد اليهودي في بنسلفانيا، على الرغم أنه وصف تلك الحادثة بـ"المجزرة شريرة".

في عالم السياسة، حاول رئيس إلغاء لفظة "إرهاب"، وحاول آخر إلصاقها بمسلمين دون غيرهم من المجرمين؛ لكن في عالم القانون، الإرهاب هو ممارسة فرد أو مجموعة غير حكومية، للعنف لأهداف سياسية، وهو لا يتضمن أي عنف تقوم به الحكومات، إذ يمكن محاسبة الحكومات في مجلس الأمن الدولي، أو عن طريق عقوبات وما شابه. أما المجموعات غير الحكومية وعنفها العابر للحدود، فمحاسبتها صعبة، وتتطلب قيام الدول المضيفة بضبط المجموعات الإرهابية، أو يقوم المجتمع الدولي بذلك، مثل في أفغانستان، وبعدها في العراق مع ظهور داعش.

ويعتقد عدد من الغربيين أن مشكلة الإرهاب تكمن في الدين الإسلامي ونصوصه، بما فيها القرآن، وأنها نصوص تحرّض على العنف، وأن المطلوب إلغاؤها، وذلك بربطها بسياق الوقت الذي نزلت فيه، والجماعة الذين خاطبتهم، ما ينفي وجوب التزام مسلمي اليوم بها.

لكن إلقاء لائمة الإرهاب على نصوص المسلمين لا يفسر الإرهاب الذي يمارسه غير المسلمين، مثل أصحاب نظرية "تفوق البيض" ممن استهدفوا معبدا لليهود في بنسلفانيا، ومسجدين للمسلمين في نيوزيلندا.

الإرهاب اليوم يرتبط في الغالب بصعود الهويات العابرة للحدود. في الماضي، كانت هوية الأفراد تقتصر على دولهم: نيجيريون، كويتيون، هنود، بولنديون، أميركيون، وغيرهم. ثم جاءت العولمة، وترافقت مع كثافة في الهجرات، فامتزجت الشعوب، وتحللت الهويات القومية والطبقية، وصعدت مكانها الهويات العرقية والدينية، التي وجدت نفسها في مواجهة بعضها البعض في معظم دول العالم: المهاجرون يشكون التهميش، والمضيفون يشكون استيلاء المهاجرين على موارد رزقهم وأعمالهم، ويحاول كلا الطرفين فرض ثقافته ـ قدر الإمكان ـ على الحيز العام، الذي يفترض أن يكون حياديا بلا هوية.

وبسبب الهويات العابرة للقارات، صارت مهاجرة صومالية مسلمة إلى الولايات المتحدة، مثلا، تقود حملة ضد إسرائيل، للمطالبة بإعطاء السيادة للمسلمين وتسمية الدولة فلسطين. الأرجح أن المهاجرة الصومالية المذكورة بالكاد تعرف فلسطين وأهلها وثقافتها، وأنها لا تعرف الفارق بين المقلوبة والمدردرة، وهما أكلتين مشرقيتين، وأنها نشأت على أكل الكانجيرو والمرق، تماما مثل الأثيوبيين ذوي الغالبية المسيحية. لكن الهويات لم تعد محلية أو إقليمية، بل صارت هويات متخيلة عابرة للقارات، فاعتبار أن المسلمين ثقافة واحدة، أو حتى دين واحد، هو كقول إن كاثوليك البرازيل هم دين واحد وثقافة واحدة مع بروتستانت ألمانيا، فقط لأن الطرفين يصنفان نفسيهما في خانة المسيحيين.

خلال خطاب حال الاتحاد الأخير للرئيس دونالد ترامب، غرّدت مواطنة أميركية مسلمة صورة لعضوتي الكونغرس من أصول مسلمة، رشيدة طليب وإلهان عمر، وهما تستمعان للخطاب. كتبت الأميركية المسلمة، وهي من ولاية فيرجينيا، أنها للمرة الأولى في حياتها تشعر أنها ممثلة في الكونغرس. طبعا طليب تمثل الدائرة 13 في ولاية ميشيغان، بمسلميها ومسيحييها ويهودييها وملحديها، ومثلها عمر تمثل أميركيي الدائرة 5 في ولاية مينيسوتا، أي أن أيا منهما لا تمثلان الأميركية المسلمة ولا تمثلان مصالحها.

في غياب الهويتين القومية والطبقية، تصبح الهوية الوحيدة المتاحة هي الهوية العرقية أو الدينية، وهذه لا مصالح واضحة لها ولا أهداف، بل ادعاء متواصل للمظلومية، وتحميل أسباب الفشل للمجموعات الأخرى، وهو ما يؤدي إلى تنافس عقائدي خرافي، نصفه في الأرض، ونصفه الآخر في السماء، وفيه من التاريخ المتخيل أكثر من الحاضر الحقيقي.

أما أبرز الحلول للقضاء على آفة الارهاب، الذي يمارسه الغلاة والمتطرفون في كل مجموعة سكانية في العالم، فيكمن في تبني أفكار عصر التنوير الأوروبي، المبنية على أن كل فرد لنفسه ولمصلحته، في إطار قومي أو طبقي، وأن لكل من الأفراد حول العالم حقوق متساوية، وعليهم واجبات، وأن المساواة تتحقق في صناديق الاقتراع، حيث يمكن لكل فرد أن يدلي برأيه حول شكل الحيز العام وسياسات الدولة.

كل ما عدا ذلك، من قبيل التنوع، وتقبل الآخر، والتعايش، يعني في الواقع تعزيز الهويات الجماعية العرقية والدينية على حساب حقوق الأفراد والمساواة بينهم كأفراد لا كمجموعات، ويعني تغذية الصراع الحالي ـ بشقيه السلمي، والعنفي الإرهابي ـ اليوم وفي قادم الأيام.

الاثنين، 18 مارس 2019

بومبيو في الكويت... إيران محور الحديث ومحرّكه

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تحمل زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى الكويت التي تبدأ اليوم جدول أعمال حافلاً تتصدره إضافة لبنة جديدة في الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وكشف مسؤولون أميركيون لـ «الراي» أن بومبيو الذي يزور البلاد خصيصاً من أجل المشاركة في اللقاء السنوي الثالث للحوار الاستراتيجي بين واشنطن والكويت، سيتناول أثناء لقاءاته مع المسؤولين الكويتيين إمكانية المضي قدماً في إنشاء وتطوير «التحالف الاستراتيجي الشرق أوسطي»، المعروف بـ«تحالف الناتو العربي»، والذي من المفترض أن تشارك فيه دول مجلس التعاون الخليجي إلى جانب مصر والأردن، وتعوّل إدارة الرئيس دونالد ترامب على أن يكون تشكيله مقدمة إلى تسوية للأزمة الخليجية، وفق المسؤولين.
وكرر المسؤولون ما دأبوا على قوله، على مدى العقدين الماضيين، لجهة أن الكويت هي أحد أقرب الحلفاء إلى الولايات المتحدة، وأنها الحليف الأقرب عسكرياً من خارج حلف شمال الأطلسي، وأن العلاقة بين البلدين تاريخية، وتتضمن انتصارات مشتركة للبلدين.
وإلى الحوار الاستراتيجي، الموضوعان اللذان سيليان العلاقات الكويتية - الأميركية والتحالف الشرق أوسطي، هما سورية واليمن، حسب المسؤولين الأميركيين، فـ«الكويت لعبت دوراً رئيسياً في تخفيف الأزمة الإنسانية على السوريين واليمنيين، والسيد الوزير (بومبيو) سيطلع المسؤولين الكويتيين على آخر التطورات في البلدين المذكورين وموقف الولايات المتحدة منهما». 
وتعمل واشنطن على تقديم رؤيتها «المحدّثة» تجاه الصراع السوري، بعد تراجع ترامب عن قراره سحب القوات الأميركية من المناطق السورية شرق الفرات، واستبدال جزء من القوات الأميركية المنتشرة هناك بقوات من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا في الحرب ضد «داعش».
في كل المحاور التي سيخوض فيها بومبيو، باستثناء العلاقات الاستراتيجية الكويتية - الأميركية، ستكون ايران هي محور الحديث ومحرّكه، فالإدارة الأميركية تبني استراتيجيتها على احتواء إيران ومواجهتها، سواء عبر رأب الصدع الخليجي وتشكيل التحالف الشرق أوسطي، أو إبقاء القوات في سورية ومحاولة التوصل إلى تسوية في اليمن.

السبت، 16 مارس 2019

مصادر أميركية: الأسد لا يريد عودة لاجئي لبنان

واشنطن - من حسين عبدالحسين

علّقت مصادر في الادارة الأميركية على الجدال الدائر في لبنان حول عودة اللاجئين السوريين، المقدر عددهم بحوالي مليون لاجئ، الى ديارهم، مع انحسار العمليات العسكرية بين القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد ومعارضيه، بالقول ان «الأسد نفسه لا يريد عودة هؤلاء اللاجئين». 
ويطالب التحالف الذي يقوده «حزب الله»، والذي يشارك فيه الرئيس اللبناني ميشال عون وبطريرك الموارنة بشار الراعي، بعودة فورية للاجئين السوريين - وغالبيتهم من المسلمين السنة - الى بلادهم، تفادياً لاي اخلال بالميزان الطائفي اللبناني، حيث يتوزع اللبنانيون بالتساوي بين ثلاثة: سنة وشيعة ومسيحيين. اما رئيس حكومة لبنان سعد الحريري، فهو يطالب بـ«عودة آمنة» للاجئين السوريين، وهو ما يفترق بعض الشيء عن مطالبات «حزب الله» وعون بالعودة الفورية وغير المشروطة. 
على ان المصادر الأميركية ترى ان «الأسد نفسه ليس متحمساً لعودة السوريين المقيمين في لبنان الى سورية»، وان «السلطات السورية قامت بعرقلة عملية العودة بحجة التثبت من الملف الأمني لعدد كبير من اللاجئين السوريين في لبنان، ورفضت دمشق عودة عدد كبير منهم». 
وتقول المصادر ان دمشق وحلفاءها في لبنان اقاموا آلية لتنظيم العودة، يقوم بموجبها اللبنانيون بارسال لوائح باسماء وبيانات اللاجئين المطلوب عودتهم الى السلطات السورية، التي تمنح موافقة على عودة البعض، وترفض عودة البعض الآخر. 
وتتابع ان «الذريعة الأمنية هي واحدة من ذرائع كثيرة يقدمها نظام الأسد الى بيروت لرفض عودة لاجئين الى سورية»، وان «الاسباب الحقيقية لرفض عودة هؤلاء الى ديارهم مرتبطة بأمور اقتصادية متعددة، في طليعتها الضغط الاقتصادي الذي تفرضه عودتهم». 
ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان سياسة الأسد تشير إلى ان عددا كبيرا من تم تهجيرهم من بلداتهم في سورية كان تهجيرا دائما، وان احد دوافع التهجير هو احداث تغيير ديموغرافي يسعى اليه نظام الأسد منذ زمن بعيد. وما يؤكد التغيير الديموغرافي الذي يصبو اليه النظام السوري هو قيام الرئيس الراحل حافظ الأسد باعادة توطين عدد كبير من السوريين المنتمين للطائفة العلوية، التي تنتمي اليها عائلة الاسد، في مناطق محيطة بالمدن الكبرى، وفي طليعتها دمشق وحمص واللاذقية. ويسكن العلويون تاريخياً شمال غربي البلاد.
على ان الجيب الذي حافظ الأسد عليه اثناء المواجهات العسكرية، على مدى السنوات الثمانية الماضية، خسر الكثير من الغالبية السنية، حتى ان «الأسد تحدث في احدى اطلالاته الاعلامية عن ان الشعب السوري صار اكثر تجانسا» بعد الثورة السورية والحرب التي تلتها. 
ومن السياسات التي تؤكد تمسك الأسد بسياسة التغيير الديموغرافي سلسلة القوانين والمراسيم التشريعية التي اصدرها النظام بخصوص ملكية الاراضي. ويصف مسؤولون أميركيون القانون الرقم 10، والذي يفرض على كل سوري تثبيت ملكيته لعقاراته في مهلة عام تحت طائلة خسارتها لمصلحة مالكين جدد الارجح انهم من العلويين الموالين للنظام، على انه «اكبر عملية مصادرة غير شرعية للأراضي في منطقة الشرق الاوسط منذ عقود». 
ويلفت المسؤولون الى ان مقربين من النظام بدأوا فعلا بالاستيلاء على عقارات تعود الى سوريين تم تهجيرهم قسرا في ايام المواجهات العسكرية. ويتوقع الاميركيون ان الملكية السنية للأراضي، في الجيب الذي يسيطر عليه الأسد، ستتراجع الى ادنى حدودها. 
ختاما، يقول المعنيون الاميركيون ان من شأن عودة اللاجئين من لبنان والاردن وتركيا ان تساهم في تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الحادة التي تعاني منها حكومة الأسد، بسبب النقص الحاد في الموارد وفي العملات الصعبة، في ظل حصار اقتصادي دولي مفروض، «لن ينفرج من دون تخلي الأسد عن السلطة ودخوله في تسوية شاملة مع معارضيه». 
لكل هذه الاسباب، يرى المسؤولون ان الأسد ليس في عجلة من أمره لاعادة اللاجئين الى ديارهم. اما النقاش الحاد المندلع في لبنان، «فمن باب الشعبوية التي يحرّض فيها السياسيون اتباعهم، ويحافظون فيها على ولائهم».

الخميس، 14 مارس 2019

الإطاحة الأميركية بكلمة «احتلال»... مناورة سياسية - انتخابية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

انشغلت الاوساط الاميركية بقيام وزارة الخارجية، في تقريرها السنوي عن حقوق الانسان، الصادر أول من أمس، بإسقاط كلمة «احتلال» في وصفها الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، على غرار ما دأبت فعله الوزارة في تقاريرها المتوالية عبر السنوات الماضية. كذلك، لم تشر الوزارة الى الجولان السوري كأرض محتلة، بل اكتفت بوصفه على انه تحت «السيطرة الاسرائيلية». 
وفيما اعتبر مراقبون أميركيون ان الخطوة الحكومية هي الاولى على طريق اعتراف الولايات المتحدة بسيادة اسرائيل على القدس الشرقية، والجولان السوري، بالمستوطنات الاسرائيلية في الضفة، رأى كثيرون ان هذه الخطوة تشبه تظاهر الرئيس دونالد ترامب باعتراف ادارته بالقدس عاصمة لاسرائيل. 
وكان ترامب قام بنقل السفارة من تل ابيب الى القدس الغربية، في محاولة منه للايحاء ان بلاده اعترفت بالقدس عاصمة لاسرائيل. لكن ما لم يقله ترامب هو ان واشنطن نقلت سفارتها الى القدس الغربية فقط، فيما اكتفى هو بالاشارة الى القدس بشكل عام كعاصمة لاسرائيل، من دون ان يتلفظ هو، او اي من المسؤولين في ادارته، بعبارة «القدس الموحدة»، أي الغربية والشرقية. 
وتنص القرارات الدولية على ان القدس الغربية تكون تحت السيادة الاسرائيلية، فيما الشرقية تحت سيادة عربية، اردنية في الماضي، وفلسطينية في حال التوصل الى تسوية تفضي الى قيام دولة فلسطين. 
لكن رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي لا تختلف شعبويته عن شعبوية ترامب، تلقف اعلان نقل السفارة الاميركية الى القدس، وراح يكرر ان اميركا اعترفت بـ«القدس الموحدة عاصمة ابدية» لدولة اسرائيل، وهو ما لم يحصل قط. 
وكما في موضوع القدس، كذلك في الضفة والجولان، راح نتنياهو يعلن على الملأ انه يسعى لدى اصدقائه في واشنطن لنيل اعتراف اميركي بالسيادة الاسرائيلية عليهما. وضاعف من تصريحاته في هذا السياق مع اقتراب موعد الانتخابات في 9 ابريل المقبل. 
وزار الدولة العبرية، السناتور الجمهوري المخضرم ليندسي غراهام، وجال في الجولان السوري، وصرّح بأنه سيسعى لدى الادارة لحملها على الاعتراف بسيادة اسرائيل على الاراضي السورية المحتلة. 
وفي السياق نفسه، واصل سفير الولايات المتحدة في اسرائيل دايفد فريدمان، وهو من اكثر اليهود الاميركيين الداعمين للاستيطان الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية، مساعيه لدى حكومة بلاده لحملها على الاعتراف بشرعية المستوطنات، والتخلي عن الموقف الاميركي الرسمي القائم منذ عقود، والمبني على اعتبار ان الضفة والقدس الشرقية اراض فلسطينية تحتلها اسرائيل. 
والتغيير في الموقف من الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان السوري طاول الدولة العبرية نفسها، التي تكرر حكومتها اليوم ان هذه الاراضي إسرائيلية، وانه على العالم الاعتراف بإسرائيليتها. لكن حتى الماضي القريب، لطالما كان موقف اسرائيل مبنيا على اعتبار اليمين انها «اراض متنازع عليها»، فيما كان اليسار يسميها محتلة. حتى رئيس الحكومة الراحل، ومطلق الحركة الاستيطانية بعد حرب 1967، ارييل شارون، وصف قبل مماته الضفة الغربية بالاراضي المحتلة، وقال ان مستقبل اسرائيل في خطر ما لم تنسحب من هذه الاراضي وتتخلى عن حكم اكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة. 
الاندفاعة اليمينية في اسرائيل والولايات المتحدة، هي التي دفعت المسؤولين في الخارجية الى الاطاحة بتسمية محتلة للاراضي الفلسطينية والجولان، لكن هذه الاطاحة لا تزال بعيدة كل البعد عن الاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على هذه الاراضي، ما يعني ان التعديل في الصياغة الذي طال تقرير حقوق الانسان الصادر عن وزارة الخارجية هو - كما عملية نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس - مناورة سياسية موجهة الى القواعد الانتخابية، وهي مناورة لم تؤثر في وضع القدس القانوني، ولا هي ستؤثر في الموقف الرسمي للولايات المتحدة تجاه الاراضي الفلسطينية او الجولان، او اعتبار ان أيا منها خاضعة للسيادة الاسرائيلية، ما لم يتخل السوريون انفسهم او الفلسطينيون عن جزء من، او كل، هذه الاراضي، في تسوية سياسية مع الاسرائيليين.

الثلاثاء، 12 مارس 2019

أسباب تأخر المسلمات والعربيات

حسين عبدالحسين

في التقرير الصادر عن "البنك الدولي" حول المساواة بين الرجل والمرأة، في عالم الأعمال والحقوق القانونية، احتلت المراتب العشرين الأخيرة 17 دولة إسلامية، منها 12 عربية.

ويذهب نفر من الخبراء الغربيين في تفسيرهم بعض ظواهر العنف عامة، واضطهاد المرأة خاصة في الدول العربية والإسلامية، إلى اعتبار أن المشكلة هي في النصوص الإسلامية، بما فيها آيات كتاب المسلمين نفسه، وأن أي إصلاح أو تطوير عربي أو إسلامي، يتطلب إلغاء عدد كبير من هذه النصوص، بما في ذلك اعتبار بعض الآيات منسوخة لأنها تنتمي إلى زمن غابر عاش فيه مجتمع مغاير.

لكن إلقاء الملامة على النصوص الإسلامية، بما في ذلك القرآن، فرضية فيها ثغرات، إذ لو كانت هذه النصوص هي سبب المشكلة، فكيف نفسر حلول دول مثل ألبانيا، ذات الغالبية المسلمة، في المرتبة 34 في العالم؟ وكيف نفسر حلول تركيا في المركز 89، والمغرب في المرتبة 123، بعيدا عن القعر الذي تحتله الدول الإسلامية والعربية؟ وللمقارنة، حلت فرنسا أولى، والولايات المتحدة ثالثة وستين.

ومن المفارقات التي تنسف الفرضيات المتداولة حول أسباب التأخر الإسلامي والعربي، حلول لبنان، البلد الذي ينظر إلى نفسه وينظر إليه غالبية العرب على أنه معقل التحرر للنساء، في المرتبة 151.

ليس تأخر المرأة عن الرجل، والظلم في مساواتها به، من صنع النصوص الدينية الإسلامية، ولا المسيحية أو اليهودية، ولا هو من الموروثات الثقافية العربية، بل هو صنيعة الحكومات والقوانين، وإلى حد ما، المجتمعات.

لبنان، مثلا، كسائر نظرائه العرب، يمنح المواطنة لأولاد اللبناني، ويحجبها عن أولاد اللبنانية. وفي لبنان أيضا، يمنح اللبناني زوجته الأجنبية جواز سفره اللبناني، ولا تمنح اللبنانية زوجها الأجنبي جواز سفرها اللبناني.

هكذا، لا يهم التحرر المجتمعي النسبي الذي يعيش فيه اللبنانيون، مقارنة بباقي العرب، إذ أن التأخر المفروض على اللبنانية باق بقوة القوانين وسيطرة الذكور على هذه القوانين، وتمسكهم باعتقاد أنهم أوصياء على الوطن وعلى إناثه. ومن يعرفون النشيد الوطني اللبناني، قد لا تفوتهم الذكورية الفاقعة التي تسوده، مثل في عبارات "سهلنا والجبل منبت للرجال" و"شيخنا والفتى عند صوت الوطن".

ومثل لبنان، يقود ذكور العراق دولتهم نحو المزيد من تأخر المرأة، ويسيرون على خطى "الجمهورية الإسلامية في إيران"، إذ منذ أهدت الولايات المتحدة العراقيين حريتهم من حاكمهم صدام حسين، يسعى بعضهم لإقرار قوانين جديدة للأحوال الشخصية: قانون يلغي الزواج المدني ويسمح بتعدد الزوجات بلا موافقة الزوجة الأولى، وآخر لتخفيض سن الزواج من 18 إلى 9 سنوات، فيسمح للقاصرات بالزواج، ويدفعهم للانخراط بسرعة في المجتمع الحربي العنيف الذي أنتجته إيران في العقود الأخيرة، وحولت فيه النساء إلى "زينبيات"، يقتصر دورهن على إنجاب مقاومين، وإطعامهن، وإدارة شؤون البيت في غيابهم.

و"الجمهورية الإسلامية في إيران" هي من أكثر دول العالم تبجحا بأنها تنصف النساء، وتمنحهن حقوقهن. ويشير أنصار النظام الإيراني، من الإيرانيين والعرب، إلى أن إيران تتفوق على ما يسمونها "المملكة القروسطوية"، أي السعودية، في حقوق النساء، لكن واقع الحال يبدو سباقا نحو الهاوية بين إيران، التي حققت ـ حسب البنك الدولي ـ 31 درجة فقط في التقرير، مقابل 26 درجة للسعودية، وهو فارق ضئيل دفع بالدولتين إلى قعر الترتيب العالمي.

ليس تأخر المسلمات والعربيات قدرا، ولا هو بسبب الدين، ولا المجتمع، بل سببه مزيج من كل المذكور أعلاه، يعززه غياب القيادة السياسية الحكيمة والنزيهة، إذ أن بعض قادة الدول الإسلامية والعربية يلحقون بأهواء المتطرفين لتفادي التكلفة السياسية المطلوبة لمواجهتهم، وخوض معارك لتحرير المرأة من قبضتهم.

وحتى يصل الحكماء والإصلاحيون إلى مراكز القرار، ستبقى دول العرب والمسلمين في قعر التصنيفات العالمية، لا في حقوق النساء فحسب، بل في سائر أصناف حقوق الإنسان والحريات، وسيبقى عدد كبير من النسوة رهينات الظلم الذكوري، يعيشنه مرغمات، ويقدمن أنفسهن وكأنهن سعيدات في ظلّه، فيما الحقيقة هي أن لا صوت لهن إلا بتأييده وتعزيزه.

السبت، 9 مارس 2019

استطلاع أميركي: غالبية الكويتيين تعارض التطبيع قبل السلام

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أظهر استطلاع للرأي أجراه «معهد دراسات واشنطن للشرق الأدنى» أن «86 في المئة من الكويتيين يعارضون أي تعاون عربي مع إسرائيل في شؤون غير سياسية، مثل شؤون التكنولوجيا ومكافحة الإرهاب واحتواء إيران». على أن معارضة التطبيع لا تعني رفضاً كويتياً للسلام مع إسرائيل، إذ قال 59 في المئة من المواطنين إنهم يؤيدون أن تقوم الدول العربية بدور متجدّد لتسهيل محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما في ذلك تقديم محفزات إلى كل من الطرفين لحملهم على التوصل إلى تسوية سلمية، وفقاً للاستطلاع.
وعلّق أحد القيمين على الاستطلاع، وهو الباحث دايفد بولوك، بالقول إن «غالبية الشعب الكويتي تتفق مع الحكومة على القضايا الرئيسية»، وإن «ما يميز الكويت في المنطقة هو برلمانها المنتخب مع قوى معارضة داخله، وهو ما يجعل من الكويت مكاناً حيث للرأي أهمية قصوى».
ومن بين الأمور التي يتماهى فيها غالبية الكويتيين مع مواقف حكومتهم هو تأييدهم لحركة «حماس»، إذ أظهر الاستطلاع أن «52 في المئة من المواطنين السنّة والشيعة يؤيدون هذه الحركة الفلسطينية مقارنة بـ«حزب الله» اللبناني، الذي لم يحصد إلا تأييد اثنين في المئة فقط من الكويتيين السنة و11 في المئة من الكويتيين الشيعة». وفي المقابل أظهر الاستطلاع تأييد 45 في المئة من الكويتيين السنة لحركة «الإخوان المسلمين» مقابل 3 في المئة من الشيعة.
وتأييد غالبية الكويتيين، السنة والشيعة، لـ«حماس» الفلسطينية، انعكس في أداء الكويت في مجلس الأمن الدولي، الذي تشغل فيه الكويت عضوية موقتة تنتهي مع نهاية هذا العام. في مجلس الأمن، أيدت الحكومة الكويتية «حماس»، في أكثر من تصويت، ما أثار غضب إدارة الرئيس دونالد ترامب، وما دفع على الأرجح كبير مستشاري ترامب وصهره جارد كوشنر، المكلف إدراة ملف المفاوضات العربية الإسرائيلية، إلى استثناء الكويت من جولته الشرق أوسطية التي قام بها أخيراً وشملت دول مجلس التعاون الخليجي، وتركيا، والأردن.
ومن المواقف المتشابهة بين الكويتيين وحكومتهم التوافق على صداقة الكويت مع الولايات المتحدة، إذ قال 49 في المئة من الكويتيين إنهم يعتقدون أن علاقة الكويت بواشنطن «مهمة» و«مهمة جدا»، فيما اعتبر 80 في المئة من الكويتيين أن علاقة الكويت بطهران «غير مهمة» و«غير مهمة أبداً». وتقدمت روسيا على العراق في عيون الكويتيين، إذ رأى 40 في المئة منهم أن علاقات الكويت بروسيا «مهمة»، فيما اعتبر 59 في المئة من الكويتيين أن لا أهمية للعلاقة مع الروس. وعن العراق، أعرب الكويتيون عن استياء تجاه جارتهم الشمالية، ورأى 31 في المئة منهم أن العلاقات مع العراق «مهمة»، فيما اعتبرت غالبية 66 في المئة أن لا أهمية للعلاقة الكويتية مع العراقيين.
ختاماً، أعربت غالبية 63 في المئة من الكويتيين أن الشؤون السياسية الداخلية والإصلاح الاقتصادي، أهم من السياسة الخارجية، فيما قال 35 في المئة من الكويتيين إنهم يعتقدون أن السياسة الخارجية أهم من الشؤون الداخلية للبلاد.

الخميس، 7 مارس 2019

«صفقة القرن»... تمويل عربي وكل الأرض لإسرائيل

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لجولة الشرق أوسطية التي أجراها صهر الرئيس دونالد ترامب وكبير مستشاريه جاريد كوشنر، قدمت لمحة عن «صفقة القرن» المخصصة للسلام بين العرب وإسرائيل. ما تكشّف عن الصفقة المذكورة يجعلها تشبه، إلى حد بعيد، الديبلوماسية الفاشلة التي أدارها ترامب مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ اون، والتي ادت الى وقف الولايات المتحدة مناوراتها العسكرية المشتركة مع حلفائها في شرق آسيا، في وقت اظهرت صور الاقمار الاصطناعية ان بيونغ يانغ باشرت توسيع احد اكبر معاملها للصواريخ بعيدة المدى. 
الحجر الأساس في ديبلوماسية رجل الاعمال ترامب، كما صهره رجل الاعمال كوشنر، هو المحفزات المالية، اذ يبدو ان الرجلين يعتقدان ان كل البشر يسعى الى كسب المال فوق اي اعتبار آخر. هكذا، أعدّ ترامب فيلما دعائياً عرضه على كيم، في القمة الاولى بينهما، والتي انعقدت في سنغافورة في يونيو الماضي، ظهرت فيه كوريا الشمالية وكأنها تعيش فورة اقتصادية وبحبوحة، وكأن مدنها تعج بالمباني الحديثة البراقة، وشوارعها تعج بالسيارات الفاخرة والاسواق. 
اعتقد ترامب انه قدم لكيم خياراً سهلاً نسبياً: اما تتخلى كوريا الشمالية عن برنامجيها الصاروخي والنووي ويتم رفع العقوبات عنها، فتصبح قوة اقتصادية وتجارية عالمية، واما تتمسك بصواريخها النووية، فتبقى على حالها تعيش في فقر وعوز يقارب المجاعة. ومنح ترامب، كيم وقتا زمنيا ليحسم امره، وقال له انه سيرسل وزير الخارجية مايك بومبيو لسماع الرد والدخول في التفاصيل، فيما راح يكيل المديح علنا لزعيم كوريا الشمالية، ويتحدث عن «رسائل الحب» والكيمياء بينهما.
زار بومبيو بيونغ يانغ، فلم يسمع موافقة كورية شمالية على عرض ترامب، ما دفع بالرئيس الاميركي الى طلب عقد قمة ثانية اعتقادا منه انه يمكنه شخصيا ان يقنع كيم بالموافقة. ذهب الرجلان الى فيتنام، واجتمعا، فاظهر كيم لا مبالاة لوعود ترامب المالية الزهرية، فعاد الرئيس الاميركي بخفي حنين. 
ومثل ديبلوماسية ترامب الفاشلة مع كوريا الشمالية، يخوض كوشنر ديبلوماسية مشابهة في الشرق الاوسط، ويقدم مبادرة سلام، يشكل اسمها، البعيد كل البعد عن التواضع، «صفقة القرن»، اكبر دليل على الطبيعة الدعائية لها وللقيمين عليها. 
ويبدو ان تكتم كوشنر على تفاصيل خطته، وتسريبها على دفعات، سببه خشيته من تقديمها دفعة واحدة وفشلها ساعة اطلاقها. لهذا السبب، ربط الصفقة بموعد انتهاء الانتخابات الاسرائيلية، المقررة في 9 ابريل المقبل. طبعا لا علاقة بين الاثنين، بل من الواضح ان ترامب وفريقه يسعيان لترجيح كفة اليمين الاسرائيلي ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وهو صديق شخصي لكوشنر وعائلته، وهي ذريعة كذلك لكوشنر لمحاولة الحصول على موافقة المعنيين العرب على صفقته قبل الاعلان عنها. 
اما التفاصيل المتوفرة حتى الآن، فمفادها بان كوشنر يعد العرب، وخصوصا الفلسطينيين، ببحبوحة لا سابق لها، في حال موافقتهم على التسوية التي يقدمها. هذه البحبوحة مدفوعة بـ75 مليار دولار، يقدمها المجتمع الدولي، وتقدم منها دول عربية نحو 40 ملياراً. ويقول معنيون ان المتداول انه سيتم الطلب من إحدى الدول، المساهمة بـ15 مليار دولار، ومن ثلاث دول أخرى مساهمة كل منها بثمانية مليارات. 
ماذا تحصل هذه الدول مقابل هذه الاموال؟ تحصل على سلام كامل وشامل مع اسرائيل، بما في ذلك تحالف ضد ايران، وتزويد هذا التحالف بتقنيات عسكرية ونووية مدنية. الفلسطينيون، بدورهم، يوافقون على الوضع القائم، ويتنازلون عن مشروع اقامة دولة والحدود، مقابل حرية حركة لهم في عموم اسرائيل، اي العودة الى حد ما الى ما قبل الانتفاضة الاولى في العام 1987. كما يتم تعويض اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسورية، ويتم العمل على اعادة توطينهم في دول العالم. 
متابعون اميركيون لصفقة كوشنر يشيرون الى ان صاحبها «لا يعرف تاريخ المنطقة، ولا هو محنك بالديبلوماسية، بل هو من اليهود المحافظين المؤيدين عقائدياً لقيام اسرائيل من النهر الى البحر». ويبدو ان كوشنر يعتقد ان دعايته ووعوده يمكنها ان تغري المعنيين، وتضمن الوصول الى ما يعتقدها تسوية نهائية. 
«ديبلوماسية تكلف العرب اموالاً طائلة، وتنتزع تنازلاً من الفلسطينيين عن دولة وسيادة وحدود، من دون منحهم حق المواطنة في اسرائيل، فيما تحصل اسرائيل على الارض، وعلى تحالف مع العرب ضد ايران، وتفيد من الاستثمارات التي سيتم انفاقها على الفلسطينيين، لا تبدو ديبلوماسية مفهومة»، يختم متابعو «صفقة القرن» في العاصمة الأميركية.

حظر «النجباء» قد يجعل من حكومة العراق داعمة للإرهاب!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

باشرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تحويل مساعداتها العسكرية، التي كانت مقررة للجيش العراقي، الى حلفائها من الميليشيات الكردية والعربية في سورية، في سياق استعداد الولايات المتحدة لامكانية الخروج من العراق، ونقل عمليات التحالف الدولي الى الاراضي السورية شرق الفرات. 
ويبدو ان الادارة الاميركية تعتقد ان لا جدوى من الرهان على بغداد وحكومتها، وان من الحكمة الاعداد لمرحلة مقبلة لا تواجد عسكري اميركي فيها في العراق. وينتشر في العراق حالياً ستة الاف جندي اميركي، وهم قلّما شاركوا في معارك التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» بشكل مباشر، بل ساهموا في ادارة المعارك التي خاضتها القوات العراقية، وتحديد الاهداف التي كان مطلوبا من مقاتلات التحالف تدميرها. 
وفي هذه الاثناء، تواترت تقارير من بغداد الى واشنطن مفادها بان مجلس النواب العراقي يعمل على التصويت، يوم السبت، على مشروع قانون يطلب فيه من الحكومة الطلب الى القوات الاميركية اغلاق قاعدة عين الأسد، غرب البلاد. وتقع القاعدة المذكورة على الطريق التي تربط بغداد بالقائم، عن طريق الرمادي، ويسمح التواجد الاميركي فيها بمراقبة، واعتراض، اي تموين حربي ترسله ايران الى المجموعات القتالية الموالية لها في سورية. 
ويستبعد المعنيون الاميركيون ان تنجح الكتل الموالية لايران في البرلمان العراقي في جمع الغالبية المطلوبة لتمرير القانون، لكن واشنطن لا تبدو مستعدة لابقاء استراتيجيتها في العراق وسورية رهن التجاذبات السياسية العراقية، بل ان حكومة الولايات المتحدة تسعى للتصعيد في وجه ايران، داخل العراق، والى فرز المشهد السياسي العراقي الى صديق وعدو. 
في هذا السياق، جاء قيام وزارة الخارجية الاميركية بوضع ميليشيا «النجباء» الموالية لايران على لائحتها للتنظيمات الارهابية، عشية استعداد بغداد لاستقبال الرئيس الايراني حسن روحاني. وتعتقد واشنطن ان «النجباء»، هي واحدة من الميليشيات السبعين المنضوية تحت لواء ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية، وهي بذلك تتسلم رواتب مقاتليها من وزارة الداخلية العراقية. 
ومع تصنيف «النجباء» تنظيما ارهابياً، تصبح الحكومة العراقية ووزارة داخليتها أمام مشكلة قانونية، اذا لم تتوقف عن تمويل هذه الميليشيا، او تصبح الحكومة في مصاف الحكومات الداعمة للارهاب. 
الولايات المتحدة ليست في مزاج التسوية مع إيران في العراق، ولم تعد في مزاج منح اصدقاء طهران من العراقيين أي أعذار لقربهم من ايران، على حد قول المصادر المعنية في العاصمة الاميركية. 
ويعتقد المسؤولون والخبراء الاميركيون انه في حال طلبت الحكومة العراقية الى القوات الاميركية، وتاليا التحالف الدولي، مغادرة اراضيها، فان هذا الخروج سيترافق مع تدهور صداقة بغداد مع هذه الدول والدعم التي يتلقاها منها. 
وينخرط في التحالف الدولي لمساعدة بغداد في القضاء على «داعش»، 73 دولة، منها 12 في مجموعة الدول العشرين، والدول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي، فضلا عن خمس منظمات دولية، منها تحالف شمال الاطلسي. 
ويرى الباحث في معهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى مايكل نايتس، ان العراق لم يحظ في تاريخه بالاهتمام والدعم الدوليين اللذين انصبا عليه منذ استيلاء «داعش» على مدينة الموصل في صيف العام 2014، وانه كان معزولا ديبلوماسيا واقتصاديا قبل ذلك، وانه «سيعود الى هذه الحالة» اذ خرج التحالف من العراق. 
هذا يعني ان الولايات المتحدة تعمل على اعداد خيارين لها في التعامل مع بغداد: اما ان تستمر الأخيرة في المشاركة في التحالف الدولي، وتحصل على الدعم الديبلوماسي والاقتصادي والعسكري، واما تنخرط في محور ايران، فتتعرض مؤسسات الدولة العراقية لعقوبات شبيهة بالعقوبات على ايران، مع انتقال القوات الدولية الى الجهة الثانية من الحدود، اي الى المناطق السورية شرق الفرات، وهو ما يعني ان طهران تقوض مصلحة العراق، ولا تحقق هدفها القاضي بانهاء اي انتشار عسكري في حوض الفرات يمكنه مراقبة واعتراض الطريق التي تربط بغداد بالبحر الأبيض المتوسط.


تعديل «اتفاقية الجزائر» خلال زيارة روحاني للعراق!


نقلت وسائل إعلام إيرانية تصريحات للرئيس العراقي برهم صالح حول زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني المرتقبة للعراق، تحدث فيها عن تعديل «اتفاقية الجزائر» بين البلدين والموقعة في 1975، وفق ما ذكر موقع «العربية نت». 
وأبرزت «وكالة أنباء الطلبة» (إيسنا) الإيرانية تصريحات لِصالح وصف فيها زيارة روحاني بـ«المهمة»، قائلاً «لدينا حوارات معمقة مع القيادة الإيرانية... من مصلحة بغداد أن تكون له علاقات مهمة مع إيران، ومن مصلحتها الحفاظ على هذه العلاقات».
وأوضح صالح أنه ستكون هناك لقاءات ومفاوضات حول تعديل «اتفاقية الجزائر» اتفاقيات أخرى ستطرح خلال الزيارة.
و«اتفاقية الجزائر» وقعت في 6 مارس العام 1975 بين نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين وشاه إيران محمد رضا بهلوي وبإشراف رئيس الجزائر آنذاك هواري بومدين، حيث شكّلت حدود العراق مع إيران، خصوصاً في ما يتعلق بشط العرب، إحدى المسائل التي تسببت في إثارة الكثير من النزاعات بين البلدين.
وفي 1980 ألغى صدام هذه الاتفاقية بعد سقوط حكم الشاه ووصول الخميني إلى الحكم، «لإجحافها بحق العراق»، الأمر الذي أشعل حرب الخليج الأولى.

الثلاثاء، 5 مارس 2019

الأسد رئيس بلا بلد

حسين عبدالحسين

تداول السوريون والعالم، على مدى الأسبوعين الماضيين، صورا أظهرت الرئيس السوري بشار الأسد كالتلميذ المطيع في حضرة رؤساء دول يفترض بهم أن يكونوا حلفاءه.

في صورة، ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مخاطبا جنود روس على أرض مطار قاعدة حميميم الجوية السورية. خلف بوتين أعلام روسية وقف إلى جانبها ضباط روس، ومعهم الأسد، الذي بدا وكأنه ينظر إلى الأرض، بحرج، وهو يبتسم.

والصورة ليست الأولى التي تظهر الأسد ذليلا في حضرة بوتين، إذ سبق للدعاية الروسية أن وزعت فيديو يظهر فيه الأسد وهو يهم باللحاق ببوتين، الذي كان يبدو متوجها إلى طائرته، لكن ضابطا روسيا أمسك الأسد من ذراعه، ومنعه من اللحاق بالرئيس الروسي. وفي صور لزيارة قام بها الأسد إلى موسكو، ظهر بوتين محاطا بجنرالاته، والأسد جالسا ـ بلا وزراء ولا مساعدين ولا مستشارين ـ إلى الطاولة نفسها.

في صورة زيارة الأسد إلى طهران، المشكلة نفسها: قادة إيران يجلسون ويجلس معهم وزراءهم ومستشاريهم، فيما الأسد يجلس وحيدا. والمشكلة نفسها في إيران أيضا لناحية غياب العلم السوري عن اللقاء بين الرئيس حسن روحاني والأسد. وسريعا وللمقارنة، نشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا أظهرت روحاني وهو يستقبل نظراءه من حول العالم، وفي كل واحدة من الصور، ظهر علم دولة الرئيس الضيف خلفه.

لا ضير من اعتبار أن المصادفة هي التي أدت إلى وقوف الأسد ذليلا خلف بوتين، أو جلوسه وحيدا أمام روحاني. والأخطاء تحصل، مرة أو مرتين، ولكن أن يظهر الأسد في كل لقاءاته مع بوتين وحيدا ذليلا بلا أي معالم سيادة، وأن يظهر كذلك في حضرة المسؤولين الإيرانيين، أمر يثير الريبة، ويشي أن الدعاية الروسية مقصودة، وهدفها تثبيت أن لا ندية بين بوتين والأسد، بل إن بوتين هو السيد، والأسد هو التابع.

الإيرانيون بدورهم، أرادوا تأكيد أن ذل الأسد أمام بوتين لا يعني أن بشار الأسد صار رجل الرئيس الروسي، فبث الإيرانيون صورا مشابهة، تظهر الأسد وحيدا ذليلا في حضرتهم، بلا علم، ولا وزراء، ولا أي معالم سيادة.

أما الأسد، فكل ما يمكنه فعله هو التظاهر بالسعادة، وربما العودة إلى سوريا وقصف حي أو أكثر من الأحياء السكنية السورية، إذ على قول المثل المشرقي "من لا يقدر على حماته، يستقوي على مرته (زوجته)".

ولتأكيد سطوته الوهمية أكثر، يتظاهر الأسد وكأنه ما يزال يدير، أو على الأقل يؤثر، في المشهد اللبناني، ويطلق عنان المتبقين من حلفائه ـ وهم من السياسيين من أصحاب الوزن الخفيف ـ في شتم خصومه اللبنانيين. لكن تأثير الأسد في لبنان يكاد يقارب العدم، ونفوذ حلفائه هو بفضل قوة "حزب الله"، ولو كان الأسد ما يزال يتمتع بأي نوع من النفوذ في لبنان، لما كانت لوائح الإرهاب التي أعلنها، ووضع في صدارتها رئيس حكومة لبنان سعد الحريري، مجرد حبر على ورق. حتى السياسيون اللبنانيون من حلفاء الأسد، لم يتوانوا عن المشاركة في حكومة الحريري، مع أن الأسد أعلن أن الحريري إرهابي.

ربما لم تكن خيارات الأسد كثيرة، إذ مع تقهقر قواته أمام الثوار، كان يمكنه أن يترجل من مرتبته الألوهية التي ورثها عن والده، ليتحول مواطنا عادية إسوة بباقي السوريين، وأن يتفاهم معهم ويسعى لبناء وطن ذات سيادة وكرامة للجميع.

لكن الأسد آثر أن يسلم أمره إلى ملالي إيران، أولا، وبعدها إلى قيصر روسيا. الملالي والقيصر، بدورهم، لم ينقذوا الأسد مجانا، بل مقابل استيلائهم على قراره وسيادته؛ هكذا صار الأسد تحت رحمتهم، يعيش ذليلا في سورية بلا سيادة.

"الأسد أو نحرق البلد" كان شعار مقاتلي الأسد ضد المتظاهرين السلميين السوريين. فعلا، أحرق الأسد وأزلامه البلد، وصار الأسد رئيسا بلا بلد، وتاليا بلا سيادة، وبلا ندية مع رؤساء العالم الآخرين. لم يدرك الأسد أنه في سعيه لإذلال السوريين، أذلّ نفسه.

لا تمويل غربياً أو عربياً لإعادة الإعمار ونظام الأسد سيبقى متهالكاً أكثر من... صدام

واشنطن - من حسين عبدالحسين

من يعرف النظام الذي صممه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، يعرف ان اسلوبه مبني على القيام بما يلزم، بما في ذلك الاستخدام المفرط للعنف، حتى لو بتكلفة سياسية عالية، لتحقيق اهدافه السياسية. بعد القضاء على الخصوم، يعود النظام الى الساحة الدولية قارعاً الابواب، محاولا كسر العزلة واقناع عواصم العالم بأهمية اعادة قطع ما اتصل، مثل اقناع واشنطن بأهمية دمشق في «الحرب على الارهاب»، او اقناع العواصم العربية بمحورية دمشق في الوقوف في وجه أطماع ايران الاقليمية، أو على الاقل التوسط لدى طهران لتفادي غضبها على خصومها العرب. 
هذا كان في الماضي، يوم كان نظام الأسد يستند الى استقرار داخلي حديدي. أما اليوم، فيعتقد المسؤولون الاميركيون ان «الحاجات الدولية والاقليمية» لخدمات الأسد ونظامه انتهت، وإنه يمكن لاميركا والعالم التعامل مع مشاكل الارهاب وايران، من دون الأسد، الذي بات هو الذي يحتاج العالم لترميم نظامه وللحفاظ على شكل الدولة التي يترأسها، في حدها الأدنى. 
واشنطن، حسب المصادر الاميركية، متمسكة بأنه يمكن للأسد البقاء بسبب غياب البديل المتعذر لغياب التسوية، ولكنه لا يمكنه العودة الى أي من الادوار التي كان يلعبها في الماضي، ولا الخروج من عزلته الديبلوماسية، لا في الجامعة العربية، ولا في الأمم المتحدة، بل هو سيبقى نظاماً متهالكاً اكثر بكثير من نظام صدام حسين في عقد التسعينات، بعد حرب تحرير الكويت. 
وتظهر كل التقارير الدولية مدى تهالك سورية بقيادة الأسد، اذ حسب البنك الدولي، انخفضت واردات الحكومة من قرابة ربع الناتج المحلي في العام 2010 الى اقل من ثلاثة في المئة، فضلاً عن خسارتها كل واردات النفط، الذي تسيطر على مناطقه القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة شرق نهر الفرات. وفي الفترة نفسها، خسرت الليرة السورية 459 في المئة من قيمتها، فيما انخفضت مساهمة القطاع السوري الخاص في الاقتصاد من 12 الى 4 في المئة، في وقت تفرض وزارة الخزانة الاميركية والاتحاد الاوروبي عقوبات على 270 شخصية اعمال سورية مرتبطة بالأسد، في طليعتهم ابن خال الأسد، رامي مخلوف وسامر فوز ومحمد حمشو. وتشمل العقوبات الغربية 72 كيانا سورياً في قطاع المال والاعمال. 
وتشير السورية الاميركية جمانة قدور، في مطالعة لها بالتعاون مع معهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى، الى تقديرات منظمة «اسكوا» بأن سورية بحاجة الى 400 مليار دولار لاعادة الاعمار، وان 60 في المئة من هذه الاموال مطلوبة في القطاع السكني، خصوصا ان كان المطلوب عودة اللاجئين المقيمين في دول الجوار: لبنان وتركيا والاردن. وتقول ان المقربين من النظام باشروا ببناء مجمعات سكنية، لكنها بنايات فاخرة بسعر 3500 دولار للمتر الواحد، اي ان ثمن الشقة المؤلفة من ثلاث غرف نوم يبلغ اكثر من نصف مليون دولار، وهو مبلغ لا يتوافر لدى الغالبية العظمى من لاجئي الشتات السوري، المقدر عددهم بستة ملايين. 
وتلفت قدور الى عدد من قوانين الأسد الصادرة العام الماضي، والمثيرة للجدل، وفي طليعتها القانون الرقم 10، والذي يفرض على كل سوري او سورية تسجيل املاكهم في دوائر الدولة في مهلة اقصاها عام، تحت طائلة خسارة حقوقهم في الملكية. يضاف اليه القانون الرقم 3، الذي يسمح للمحافظين بتدمير مساحات مبنية بلا موافقة اصحابها، وهذا ان اقترن مع المرسوم 63، الصادر في العام 2012 والذي يسمح بهدم ابنية من تصنفهم الحكومة السورية ارهابيين، يفتح الباب امام استيلاء نظام الأسد على املاك ملايين السوريين ممن يعتبرهم في صفوف المعارضين. 
هي عملية يقوم بها الأسد في سورية تشبه التطهير العرقي، حسب غالبية المسؤولين والخبراء الاميركيين، والمجتمع الدولي «يعي ذلك، ويرفض تمويل عملية نصب واحتيال يقوم بها النظام للاستيلاء على املاك السوريين والاثراء على حسابهم فيما هم يسكنون الخيام في دول الشتات». 
والى العوائق المالية والقانونية التي تحظر اي تمويل دولي للأسد، ومع تراجع عائدات ايران بسبب العقوبات الاميركية وانعدام مقدرة روسيا على تمويل اعادة الاعمار، يمكن اضافة الرفض السياسي الاميركي والاوروبي «لاعادة تأهيل الأسد دولياً»، من قبيل اجماع اميركا وحلفائها العرب على الاستمرار في تعليق عضوية نظام الأسد في الجامعة العربية، التي يلتقي زعماؤها في قمة تونس في وقت لاحق من هذا الشهر. 
يمكن ان يزور دمشق رئيس السودان عمر حسن البشير، ويمكن ان يزور الأسد طهران، لكنها زيارات لا تعني ابداً ان اميركا واوروبا وعواصم عربية ستمول اعادة اعمار سورية واثراء نظام الأسد، ولا هي ستفرج عنه سياسياً ما لم يتم التوصل الى تسوية حسب تعريف الأمم المتحدة لها وموافقة المعارضين عليها، تختم المصادر الاميركية.

السبت، 2 مارس 2019

واشنطن تحض أوروبا على تصنيف «كل حزب الله»... إرهابياً

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يرى عدد من المسؤولين الاميركيين والخبراء، ان قيام بريطانيا بتصنيف ما دأبت على تسميته «الجناح السياسي» لـ«حزب الله» اللبناني بالتنظيم الارهابي، اسوة بـ«الجناح العسكري»، ليس خاتمة متاعب الحزب المذكور ولبنان، بل فاتحتها. 
وشكلت الخطوة البريطانية تغييراً واسعاً في موقف لندن من الحزب، ولحقت بذلك لندن بالولايات المتحدة باعتبار الحزب برمته تنظيماً ارهابياً، مع ما يوجب ذلك من فرض عقوبات مالية واقتصادية عليه وعلى قادته ومناصريه. 
ولطالما افترقت لندن والعواصم الاوروبية عن واشنطن في موضوع تصنيف «حزب الله»، ارهابياً، اذ اصر الاوروبيون على ان الحزب يتألف من مؤسسات مدنية وخدمات اجتماعية، وانه يتمثل بكتلة في مجلس النواب اللبناني وبأكثر من وزير في الحكومة. اما أميركا، فكانت تكرر ان الحزب نفسه ينفي انه يتألف من جناحين، سياسي وعسكري، وانه حزب واحد ويجب معاملة كل قادته واعضائه سواسية، واسباغ صفة ارهابيين عليهم. 
ويعزو المسؤولون الاميركيون سبب التغيير في الموقف الاوروبي تجاه الحزب إلى أمرين: الأول، تزايد النشاطات الأمنية التخريبية التي يقوم بها «حزب الله» والاستخبارات الايرانية على الأراضي الاوروبية. ويقول المسؤولون انه في اكثر من هجوم، مثل هجومين على اسرائيليين في بلغاريا وآخر كان قيد الاعداد في قبرص، لجأ الحزب الى تنفيذ عملياته عن طريق اعضائه اللبنانيين ممن يحملون جوازات أوروبية واميركية وكندية واسترالية. 
ولأن الحزب كان يتمتع بحرية الحركة سياسيا في الدول الاوروبية، فهو كان يقوم بتجنيد اوروبيين من اصل لبناني، وكان يقوم بعمليات جمع تبرعات في صفوف الجالية اللبنانية. بكلام آخر، استخدم «حزب الله» الحرية التي كانت متاحة لـ«جناحه السياسي» للتجنيد وجمع التبرعات واستخدام اللبنانيين الاوروبيين لجمع معلومات استخباراتية في اوروبا وتنفيذ عمليات أمنية فيها. ولأن معظم حاملي الجوازات الاوروبية يمكنهم دخول الاراضي الاميركية من دون تأشيرات او بحصولهم على تأشيرات تلقائية، خشيت واشنطن ان يعمد الحزب الى ارسال اعضائه الاوروبيين للقيام بعمليات امنية داخل اميركا. 
«الدول الاوروبية رصدت زيادة ملحوظة في نشاطات الاستخبارات الايرانية وحزب الله على اراضيها، وهو ما حملها على اعداد خطط لمواجهة هذه النشاطات والقضاء عليها»، يقول مسؤول رفيع المستوى في الادارة الاميركية. «هم (الاوروبيون) توصلوا اخيرا الى ما دأبنا على قوله لهم على مدى العقد الماضي». 
لكن واشنطن نفسها سبق ان تغاضت عن مشاركة وزير «حزب الله» في الوفود الحكومية اللبنانية التي زارت اميركا او التقت كبار المسؤولين الاميركيين اثناء زيارتهم بيروت. «هذا موضوع انتهى، ومن الآن وصاعدا، ستقوم حكومتنا بالتشدد ضد أي وجود للحزب في عداد الوفود الذين يلتقيهم المسؤولون الاميركيون هنا (في واشنطن) او في بيروت»، يضيف المسؤول الاميركي. 
السبب الثاني للتغيير في الموقف الاوروبي تجاه الحزب، سببه اقرار الولايات المتحدة، في اكتوبر الماضي، تعديلات على قانون العقوبات المالية على «حزب الله»، والذي صدر للمرة الاولى في نهاية العام 2015. وسمحت التعديلات القانونية للحكومة الفيديرالية بفرض عقوبات على دائرة أوسع من المتورطين مع الحزب، حول العالم، أي انه لو قام مصرف اوروبي بفتح حساب لأي شخص تصنفه واشنطن على انه «عضو» في الحزب، يكون المطلوب من المصرف تجميد الحساب، تحت طائلة تعرض المصرف لعقوبات اميركية. 
بكلام آخر، صارت العقوبات الاميركية تطول مناصري «حزب الله» حول العالم، لا في لبنان واميركا فحسب، وهو ما يعرض الاوروبيين ومؤسساتهم لهذه العقوبات، ما يعني انه في مصلحتهم اضافة «الجناح السياسي» للحزب الى «جناحه العسكري»، والامتناع عن التعامل مع الحزب أو مع أي من يرتبط به، وحظر كل انواع نشاطاته على الاراضي الاوروبية. 
الاتحاد الاوروبي لم يلحق في ركب اميركا وبريطانيا بعد، وتقول المصادر الاميركية ان المحادثات جارية مع الاوروبيين، في باريس وبرلين خصوصا، لاقناعهم بضرورة الانضمام الى واشنطن ولندن في وضع «كل حزب الله» على لائحة التنظيمات الارهابية. 
ويعتقد الخبراء الاميركيون ان هذا التصنيف، مقروناً بالعقوبات على ايران، من شأنه ان يضع «حزب الله ومناصريه والمتعاونين معه والدول التي تستضيفه في ضائقة مالية خانقة»، وهو ما قد يدفع المناصرين والدول التي يعمل الحزب فيها، بما فيها لبنان، الى أزمات مالية، تجعل من الاستمرار في «مصادقة حزب الله» عملية مكلفة جداً.