بقلم حسين عبد الحسين
المجلة
رغم أن «ويكيليكس» تزعم أن وثائقها غيرت من حدود الحكومة بشأن الشفافية، يختلف العديد من الدعاة في شفافية الحكومة حول ذلك. وفي الوقت نفسه، وفي العالم العربي، أظهرت المراسلات أن ما يدور خلف الأبواب المغلقة لا يختلف إلا قليلا عما يقال علانية. وبالنسبة للعديد من القيادات العربية فإن ما تراه هو الحقيقة.
في 13 يونيو (حزيران) 1971، اتصل ألكسندر هيغ الذي كان مساعدا لمستشار الأمن القومي هنري كيسنجر، بالرئيس ريتشارد نيكسون لتقديم التقرير اليومي. وكانت الأسئلة الأولى لنيكسون تدور حول عدد الإصابات في فيتنام خلال الأسبوع. وبعدما سأل الرئيس: «ألا توجد أحداث مهمة أخرى في العالم اليوم؟» ذكر هيغ «فضيحة غودمان بـ(نيويورك تايمز)... والاختراق الأمني المدمر... أهم الأشياء التي رأيتها على الإطلاق». وفي ذلك اليوم كانت «نيويورك تايمز» قد بدأت نشر وثائق البنتاغون، وهي تاريخ موثق يرصد تدخل الولايات المتحدة المحكوم عليه بالفشل في الحرب الضروس في غابات ومزارع الأرز في فيتنام.
وكان رد فعل نيكسون الأولي تجاه كلمات هيغ هادئا، بل إنه ذكر أنه لم يقرأ حتى القصة. ولم يبدأ الرئيس يشعر بوطأة أزمة وثائق البنتاغون إلا عندما اتصل كيسنجر به شخصيا من كاليفورنيا. وكان كيسنجر هو أول من يقترح: «إن ذلك موجب لإقامة دعوى قضائية.. فأنا متأكد من أن ذلك يخترق أنواع القوانين الأمنية كافة»، بل إنه تطوع بالاتصال بالمدعي العام ميتشل حول خيارات المقاضاة. فأجاب نيكسون: «يجب أن يتحمل الناس مسؤولية مثل تلك الأفعال...».
وقد اتخذت إدارة نيكسون مسارا مزدوجا. فمن جهة، فرضت رقابة على «نيويورك تايمز» حتى ألغت المحكمة العليا قرار الحكومة في 30 يونيو. ومن جهة أخرى، شكل نيكسون فريقه سيئ السمعة من «محققي التسريبات» الذي كان مضطلعا بالتحقيق في التسريبات، والذي قام فعليا بارتكاب عدد من عمليات الاقتحام التي وقع أحدها في مبنى ووترغيت بواشنطن. وفي النهاية، وصمت فضيحة ووترغيت نهاية تاريخ نيكسون المهني. وكان أول رئيس يستقيل في 8 أغسطس (آب) 1974 وهو الوحيد حتى الآن.
وبالنسبة لأميركا والعالم، أعلنت وثائق البنتاغون 1971 حلول عصر الشفافية الحكومية. ولكن نيكسون الذي خالفه الحظ قد أساء قراءة الموقف. فبدلا من الإقرار بالتسريبات حاول قمعها وخسر في النهاية.
وبعد ذلك بنحو أربعة عقود، نصّب جوليان أسانج، الأسترالي المولد، نفسه وصيا جديدا على الشفافية الأميركية. وعلى موقعه الإلكتروني «ويكيليكس»، بدأ أكبر عملية تسريب في تاريخ الحكومات، عندما بدأ يكشف تدريجيا عن ربع مليون من المراسلات الدبلوماسية السرية الخاصة بوزارة الخارجية الأميركية التي تتضمن أنواع التفاصيل المفيدة كافة - وغير المفيدة - بداية من وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه «الكلب ألفا» وصولا إلى الممرضة المرافقة للزعيم الليبي معمر القذافي. وتغطي الوثائق كل شيء بداية من الاجتماعات إلى حفلات الزواج والانطباعات الشخصية.
وقد أعطت تلك النميمة الدبلوماسية للصحافة شيئا تتحدث حوله، ودفعت بحمرة الخجل إلى وجه أميركا. وتم نقل أحاديث على لسان زعماء العالم وهم يتحدثون بصراحة. فكانوا قد تخلوا عن حذرهم لأنهم يتحدثون في بيئة خالية من التسجيل. وبالتالي جعلت تلك التسريبات قادة العالم متشككين. فإذا ما وجدت كل فكرة غير دبلوماسية تلفظوا بها أمام الدبلوماسيين الأميركيين طريقها إلى الصفحات الأولى للصحف العالمية، فإن هؤلاء القادة سوف يتوقفون عن الحديث بحرية أمام المسؤولين الأميركيين. ومن المنظور العالمي، من الأفضل أن تعيد أميركا ترتيب شؤونها الداخلية وتوقف هذه التسريبات، أو سيبدأ المسؤولون في جميع أنحاء العالم الحديث في الاجتماعات الخاصة مع نظرائهم الأميركيين بما يقولونه علانية لوسائل الإعلام.
وقد تعهد موقع «ويكيليكس» بإطلاق ما مجمله 251.287 رسالة، تشتمل على ما يزيد على 261 مليون كلمة. وتغطي المراسلات ما يقارب من نصف قرن من تاريخ الدبلوماسية الأميركية من 28 ديسمبر (كانون الأول) 1966 إلى 28 فبراير (شباط) 2010. وهي تأتي من 274 سفارة أميركية وقنصلية وبعثات دبلوماسية.
ومنذ 29 نوفمبر (تشرين الثاني)، يكشف الموقع عن البرقيات بمعدل 60 برقية يوميا. وبالمعدل الحالي فإن «ويكيليكس» سوف يحتاج إلى 15 عاما لكي ينشرها جميعا. وبغض النظر عن الفضائح التي تثيرها تلك الوثائق، فإن حماس وسائل الإعلام والاهتمام الجماهيري بمحتوى تلك الوثائق سوف يتراجع خلال أسابيع عدة. ولكن قبل أن يخفت الانتباه، انقسم العالم بين المؤيدين لجهود أسانج لتعزيز الشفافية الحكومية وهؤلاء الذين يرون أن أفعاله تمثل انتهاكا لخصوصية الحكومة.
وفي رسالة على موقعه الإلكتروني، كتب أسانج أن الهدف وراء نشر تلك المراسلات هو إظهار «مدى تجسس الولايات المتحدة على حلفائها والأمم المتحدة، وغض الطرف عن الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان في الدول العميلة، والصفقات السرية مع الدول التي يفترض أنها دول محايدة، وممارسة الضغوط من أجل شركات أميركية، والإجراءات التي يتخذها الدبلوماسيون الأميركيون لتقديم هؤلاء الذين يستطيعون الوصول إليهم».
ويمثل ذلك، وفقا لـ«ويكيليكس»، «تناقضا بين صورة (الولايات المتحدة) المعلنة وبين ما تقوله (الولايات المتحدة) خلف الجدران، كما أنه يظهر أنه إذا ما أراد المواطنون في دولة ديمقراطية أن تلبي حكوماتهم رغباتهم، يجب عليهم أن يطلبوا الاطلاع على ما يدور خلف الكواليس». ولا يتفق كل الأميركيين مع هدف أسانج.
قال ليزلي غيلب، أحد المشاركين في وثائق البنتاغون 1971 في حوار لـ«المجلة» إنه «على الرغم من إصرار أسانج على أنه قام بذلك من أجل الشفافية.. فإنه عندما اطّلع على الخفايا لم ير ما كان جليا للغاية: وهو أن دبلوماسيينا كانوا يؤدون مهمتهم ببراعة».
ويقول غيلب، وهو كاتب العمود السابق في «نيويورك تايمز» ومؤلف «قوانين السلطة: كيف يستطيع المنطق إنقاذ سياسة الخارجية الأميركية»: «إن مفهوم أسانج عن الشفافية الحكومية مشوّش». ويقول: «إذا كانت الإدارة الأميركية تكذب أو تشوه الحقائق أو تخبر الجمهور بجانب من القصة وتحتفظ بالجانب الآخر لذاتها، فيجب أن نعلن كل شيء للجمهور وبالوسائل كافة. وإذا كانت الحكومة الأميركية تختلق المعلومات الاستخبارية لكي تبرر الحروب، فدعونا نأمل أن يكشف صحافي مغامر عن ذلك لنا جميعا».
ويقول غيلب، وهو أيضا الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية رفيع المستوى: «حقا، عندما تتخلص من كلامه الفارغ وتتوقف عن الإصغاء للتحليلات الغريبة في الأخبار على قنوات الكابل أو حتى على الصفحات الأولى في الصحف الكبرى، وتقرأ تلك المراسلات بعناية، فإن ذلك ما سوف تجده: يحاول القادة والدبلوماسيون الأميركيون حل مشكلات العالم الكبرى».
وهناك أصوات أميركية أخرى قللت من أهمية مراسلات «ويكيليكس». في المقال الافتتاحي، وصفت «واشنطن بوست» الوثائق بأنها «غير مؤذية» وبأنها «مفيدة»، حتى وإن كان «الزعماء الأجانب في كل مكان سيتوخون الحذر على الأقل لفترة قبل أن يتحدثوا بصراحة أمام الدبلوماسيين الأميركيين». وقد طالبت «أميركان دايلي» الإدارة بوضع قيود جديدة على الوصول للملفات الحكومية السرية.
ومن المنظور الأميركي، تسببت وثائق «ويكيليكس» في ضرر طفيف، وعلمت واشنطن درسا: إنهاء الوصول السهل للملفات الحكومية.
ومن المنظور العربي، أكدت «ويكيليكس» شهادات سابقة لمصادر مجهولة، وأظهرت - في العواصم العربية - أن ما تتم مناقشته خلف الأبواب المغلقة يختلف قليلا عما يتم نشره في الصحف. ويعني ذلك أنه بالنسبة لبعض الحكام العرب فإن ما تراه هو ما ستجده.
وفي الماضي، تساءل عدد من المحللين البارزين حول ما إذا كان عراق صدام حسين وحشيا كما كانت أفعاله توحي، أم أنه كان محاطا بمستشارين أبعدوه عن الحقيقة؟ وقد أظهرت، الحلقات الأخيرة المتلفزة من محاكمات صدام بالإضافة إلى الشهادات المدونة لاحقا - كالتي كتبها محقق المباحث الفيدرالية جورج بيرو الذي كان يحقق معه أو محاميه خليل الدليمي - أن زعيم العراق السابق كان يعيش في عالم من الوهم. وكان صدام المولع بأمنه وصحته، يعيش في عالم من المؤامرات التي كان ينظر فيها للوحشية الجماعية باعتبارها في مصلحة العراقيين والعرب. وخلال فترة حكمه كقائد للعراق، تشكك الجميع في أن صدام غير مستقر عقليا. وجاءت المعلومات الخاصة التي أدلى بها بيرو والدليمي لتؤكد عدم استقرار صدام.
كذلك، تكشف وثائق «ويكيليكس» على نحو غير مفاجئ عن أخطاء كبرى في أسلوب إدارة الحكومة السورية لشؤونها، وبخاصة سياستها الخارجية. في رسالة دبلوماسية من عمان، كتب دبلوماسي أميركي: «جهل سوري صارخ». وورد في الرسالة نقلا عن وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر: «يوضح سلوك (نائب الرئيس السوري فاروق) الشرع في الكويت جهل سورية الصارخ بالولايات المتحدة وبقية العالم الخارجي».
ووفقا للرسالة، قال المعشر: «أخبر الشرع الأردنيين بما يشبه أخبار صحف التابلويد مما أوضح مدى ابتعاده عن الواقع». وأضاف المعشر قائلا: «قال الشرع (للأردنيين) إن الأمير تشارلز سيتورط قريبا في تحقيق قضائي اسكتلندي يتعلق بوفاة الأميرة ديانا، وأنه بالتالي يخطط لجولة إلى العراق وإيران سعيا إلى دعم من العالم الإسلامي».
وأضاف المعشر للدبلوماسيين الأميركيين: «إنهم لا يستوعبون الأمر». وقد أثبتت المراسلات الدبلوماسية الأميركية المسربة ما يتم نسبه في الغالب إلى مصادر مجهولة الاسم في وسائل الإعلام العربية. وتعرف جميع الشعوب العربية أن كثيرا من مسؤوليها ببساطة جاهلون وسطحيون ولا يقولون في السر ما يختلف كثيرا عما يقولونه في العلن.
ولم تكشف مراسلات «ويكيليكس» عن سورية شيئا جديدا. منذ أن تولى باراك أوباما الرئاسة، قام العديد من الوفود بزيارات إلى دمشق، أحدثها كانت زيارة ويليام برنز، المسؤول الثاني عن وزارة الخارجية الأميركية، إلى سورية لمقابلة الرئيس بشار الأسد، وطلب منه وقف شحن أسلحة «جديدة» إلى حزب الله.
وفي شهر أبريل (نيسان)، ورد في تقارير إخبارية، على الرغم من الطلب الأميركي، أن الأسد ما زال رافضا، وكان على وشك إرسال صواريخ سكود إلى حزب الله في لبنان. وعندما تصدر أمر الصواريخ عناوين الأخبار، نفى الأسد التقارير وتراجع عن إرسال الشحنة، معيدا إياها إلى المخازن السورية. والتزمت واشنطن الصمت أيضا، ولكنها لم تخف لومها للأسد بسبب ما كان يعتزمه. وما ورد في المراسلات التي نشرها موقع «ويكيليكس» في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) تؤكد فقط، ولم تكشف، التقارير الإخبارية عن نية سورية في شحن صواريخ سكود إلى حزب الله في أبريل.
وفي رسالة أخرى من دمشق، يرجع تاريخها إلى ديسمبر (كانون الأول) 2008، بعنوان «مقابلة وفد الكونغرس برئاسة غريغ في 30 ديسمبر مع الرئيس بشار الأسد». جاء في الوثيقة: «في مقابلة صريحة استمرت ساعة مع (الأسد)، وأعضاء الكونغرس (جود) غريغ و(إيفان) بايه و(أرلين) سبيكتر و(مايكل) إنزي و(جون) كورنين و(إمي) كلوبوكار... أكد غريغ على اهتمام واشنطن بتحسين العلاقات الأميركية - السورية وشجع الأسد على اتخاذ خطوات إيجابية أيضا».
وأضافت المذكرة السرية: «قال الأٍسد إنه لا يجب ربط العلاقات السورية مع إيران بمباحثات السلام الإسرائيلية - السورية. ومن الممكن أن يتم حل علاقات سورية مع حماس وحزب الله والجماعات الأخرى بصورة مرضية فقط بعد تحقيق سلام إقليمي شامل». ونقلت الوثيقة أيضا عن الأسد قوله إن الولايات المتحدة «يجب أن تستغل الأشهر القليلة المقبلة من أجل تحسين العلاقات، حتى يستطيع الطرفان التغلب على انعدام الثقة المتبادل الذي يحول دون مصداقية الولايات المتحدة كوسيط صادق». وفي اللقاء، وفقا للرسالة الواردة من دمشق، قال وزير الخارجية وليد المعلم إن «عبء القيام بالخطوة الإيجابية التالية يقع على عاتق الولايات المتحدة».
ومنذ عام 2008، حاولت كل من واشنطن والرياض التعامل بلطف مع الأسد في محاولة لجذبه بعيدا عن تحالفه مع طهران ووكلائه حزب الله وحماس. وفي جميع المناسبات العلنية تقريبا، كان الأسد ومعاونوه يكررون بأنهم لا يرون صلة بين تحسين العلاقات السورية مع الولايات المتحدة والسعودية، وابتعاد دمشق عن طهران.
وكان المشككون في فائدة التقارب مع سورية دائما ما يذكرون تصريحات الأسد العلنية. وأثبتت وثائق «ويكيليكس»، بدلا من أن تفضح، الموقف السوري المعلوم حول علاقاتها بإيران: لن تقطع دمشق صلتها بطهران، إن وجدت حوافز أميركية وعربية أو لم توجد، على الأقل طالما تؤمن سورية بأن إيران قوة إقليمية صاعدة.
وفي إشارة أخرى إلى أن وثائق «ويكيليكس» ذكرت ببساطة ما هو واضح، وإن كان ذلك بلغة صريحة غير مسبوقة، ما نقلته رسالة دبلوماسية من الإمارات نقلا عن ولي عهد إمارة أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان أنه وصف إيران بـ«التهديد الوجودي»، وأنه كان قلقا من «الوقوع في مرمى النيران» إذا استفزت إسرائيل أو الولايات المتحدة طهران. وحذر الشيخ محمد من مخاطر «استرضاء إيران» لأن «أحمدي نجاد مثل هتلر». ونقل عن محمد بن زايد حثه للولايات المتحدة على دراسة إرسال قوات برية إلى إيران إذا لم تتمكن الضربات الجوية من «تدمير» أهداف نووية إيرانية.
هل كانت الوثيقة المسربة في نوفمبر عن موقف الإمارات من إيران مفاجئة؟ لا. في يونيو، قال سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة: «أعتقد أنه على الرغم من حجم التبادل التجاري الكبير بيننا وبين إيران، الذي يقرب من 12 مليار دولار.. ستكون هناك تبعات (لضرب إيران)، وسيكون هناك هجوم ومشكلات مع متظاهرين ومسببي أعمال الشغب الغاضبين من هجوم قوة خارجية على دولة مسلمة، ولكن هذا سيحدث بصرف النظر عن أي شيء».
وأضاف العتيبة في تصريحاته التي تراجعت عنها السفارة، قائلا: «إذا سألتني، سأرغب في العيش مع ذلك في مقابل العيش مع إيران نووية.. أرغب في امتصاص ما سيحدث على حساب أمن الإمارات». ومنذ أعوام قليلة وحتى الآن، موقف الإمارات من إيران، مثل معظم دول الخليج الأخرى، يؤيد ضمنيا اتخاذ إجراء عسكري ضد طهران.
وكشفت نسخة من رسالة يرجع تاريخها إلى 20 أبريل (نيسان) عام 2008 عن أن جل الدول العربية تخشى زيادة نفوذ إيران في المنطقة، لا سيما في العراق. ما هو الجديد إذن في تشجيع العرب للعالم على مواجهة التهديد الإيراني؟ هل خوف العرب من النفوذ الإيراني داخل العراق سر؟ الإجابة على هذين السؤالين هي: لا. لقد كانت أخبار تلك التقارير الواردة من جل العواصم العربية تنشر لفترة من الوقت.
وفي حين يدعي أسانج أن رسائله المسربة تساهم في تطبيق مبدأ الشفافية وتقوية الديمقراطية الأميركية، يجب أن يضع الناس في اعتبارهم أنه قبل نشر موقع «ويكيليكس» للرسائل الأميركية السرية، كانت الولايات المتحدة تتمتع بمجتمع مدني هائل ووسائل إعلام تراقب الإدارة الأميركية. وسواء كانت المسرب وثائق البنتاغون لعام 1971، أو أخبار التعذيب في سجن أبو غريب في العراق عام 2004، أو التقارير اللاحقة عن الغمر بالماء في غوانتانامو، كانت الحكومة الأميركية أحيانا ما تجد أنه من الصعب أن تبقي صفقاتها الخلفية سرا. وبذلك أصبحت واشنطن مجبرة على التصرف مع كوارث في العلاقات العامة وفضائح تنال من صورتها، أو تخاطر بذلك.
وإسهام أسانج في تحقيق شفافية أميركا لا يعدو أكثر من كونه تدخلا في الخصوصية، حتى لو كانت هذه الخصوصية لموظفين فيدراليين في وزارة الخارجية الأميركية ينشرون القيل والقال عبر المحيطات. وحتى الآن، المعلومات التي كشف عنها «ويكيليكس» أقل بكثير من تلك التي كانت معروفة، وإن كانت بلهجة أقل دبلوماسية.