حسين عبد الحسين
ان الانتخابات البرلمانية والرئاسية في العالم العربي، على اهميتها، لم تؤد حتى الآن الى قيام ديمقراطيات مقبولة، بل اتخذت مؤسسات الحكومات العربية – الناشئة بسبب الاجتياحات الاجنبية او الثورات الداخلية – اشكالا هجينة، تزيد من بشاعتها محاولة الحكام الجدد تلبيسها لبوسا قانونية.
فالمحكمة الدستورية العليا في مصر، كما المحكمة الفيدرالية في العراق، والمجلس العدلي في لبنان، برزت كأدوات حديثة لمحاولة الحكام تجاوز الديمقراطية عبر السلطة القضائية، التي لا تقل بؤسا عن مثيلاتها التنفيذية والتشريعية، والتي لم تتأخر عنهم في غوصها بمتاهات العداوات الشخصية والثارات المذهبية المسيطرة على المشهد السياسي العربي.
في مصر، حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستورية “قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية”، ما يعني بطلان عضوية ثلث الاعضاء المنتخبين بالنظام الفردي. قد يكون ذلك صحيحا، ولكن لماذا حل البرلمان بالكامل؟ ولماذا عدم اجراء انتخابات بديلة لثلث الاعضاء فقط؟ وكيف يسود قرار محكمة قضائية سيادة الشعب المتمثلة بالانتخاب؟
اما في العراق، فيظهر انعدام الثقافة الديمقراطية في تلويح السياسيين، في كل تصريح تقريبا، باللجوء الى المحكمة الفيدرالية حتى ان النائب هيثم الجبوري، عضو “ائتلاف دولة القانون” برئاسة رئيس الحكومة نوري المالكي، هدد باللجوء الى هذه المحكمة للطعن بشرعية استجواب للحكومة قدمه نواب لانه “يحمل بصمة ذات طابع سياسي ولا يتضمن وثائق وأدلة تدين المالكي”، على حد تعبيره. والسؤال هنا، هل يجوز ان يكون عضو برلمان بسيطا الى هذه الدرجة في فهمه لعلاقات السلطات الثلاث مع بعضها البعض، وفي رؤيته للأسباب الموجبة حصرا لطلب استجواب الحكومة، والتي يحصرها بوثائق وادلة مدينة؟
اما في لبنان، يقرر “حزب الله” الحاكم عدم احالة قضية قيام ضابطين في الجيش بقتل شيخين في شمال البلاد الى “المجلس العدلي”، وفي نفس الوقت، يطلق القضاء سراح المتهمين.
هذه المؤسسات القضائية العربية المضحكة تجعل من الديمقراطيات الناتجة من حرب العراق او من الثورات العربية “ديمقراطيات موز”، على غرار لقب “جمهوريات الموز” الذي تم اطلاقه في غابر الزمان على دول اميركا اللاتينية التي كانت تعيش في ظل ديكتاتوريات عسكرية ولكنها تسمي نفسها، زورا، جمهوريات.
يمكن ان تستوحي الديمقراطيات العربية عملها، فيما تستوحيه، من عمل نظيراتها الغربية عموما، وخصوصا الاميركية، حيث المحكمة الفيدرالية العليا ناشطة في اصدار قرارات ما تلبث ان تتحول الى ما يشبه التشريعات. ولكن المحكمة الاميركية لا تبطل الكونغرس ولا توقف “جلسة استماع” (وهي بمثابة الاستجواب البرلماني)، بل ان المحكمة الاميركية تنشغل في تفسير القوانين، وتفسير نية المشرعين انفسهم، وتأكيد ما يتناسب وما لا يتناسب مع روحية الدستور الاميركي.
حتى ان رئيس المحكمة جون روبرتس، والمعروف عنه انه محافظ ومعارض لقانون الرعاية الصحية الذي اقره الكونغرس قبل ثلاثة اعوام، رجح كفة بقاء القانون لانه اعتبر ان للحكومة سلطة جباية ضرائب، ما يجعلها قادرة على فرض غرامات ضد المواطنين ممن لا يقبلون الضمان الصحي الالزامي.
هذا القاضي فسر القانون تقنيا مع ان تفسيره ادى الى هزيمة الفريق المحافظ الذي يشاطره الرأي سياسيا. وهكذا يكون عمل السلطة القضائية في تنظيم الديمقراطية وترجيح صراعات المؤسستين التنفيذية والتشريعية، والصراعات السياسية المرافقة لها.
ولكن ان تقحم محكمة مصر نفسها في خلع برلمان بكامله منتخب شعبيا للتو بحجة تجاوز هذا القانون او ذاك، فهو غريب عن عمل المؤسسات الديمقراطية وعلاقاتها ببعضها البعض. على ان اكبر مواساة قد تكون، في الحالة المصرية، ان المحكمة العليا نفسها لم تر تجاوزا للدستور ولا للديمقراطية لرئيس انتخب نفسه على مدى ثلاثة عقود، ثم تقفز هذه المحكمة نفسها الى الواجهة لتبطل ارادة شعب كامل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق