بقلم حسين عبد الحسين
بودي أن أعثر على صورة لمواطن عربي واحد يتحدى عسكر الأنظمة العربية على غرار صور صراخ المراهقة الفلسطينية عهد التميمي في وجه جنود إسرائيليين. بودي أن أرى مواطنا عربيا واحدا، ناهيك عن المواطنات، ممن يمكنه أن يتحدى أي مخبر درجة رابعة في أي جهاز استخبارات عربي. بودي أن أرى ابن عم زوجة ملازم في جهاز استخباراتي عربي لا يتصرف وكأنه ظل الله على الأرض، ويتحدى الآخرين لأنه "مدعوم" و"صاحب سند" و"ابن فلان" أو "قريب علتان".
الفيديوهات والصور التي تداولتها الأوساط العربية، على شكل واسع، لمراهقة فلسطينية تتحدى الجنود الإسرائيليين، ليست دليلا على شجاعتها، بل هي دليل أنها تحدت في يوم، وعادت إلى بيتها، لتعود وتتحدى الجنود في يوم ثان. لم يزر خفافيش الليل منزلها ليقتلعوا حنجرتها، ويرمون جثتها في نهر العاصي، أو يعيدونها لأهلها جثة ذات أعضاء تناسلية مقطعة، أو ذات جمجمة مثقوبة، مثل ذلك الثقب الذي أحدثته استخبارات الرئيس أبو عدي، "أسد السنة" لدى الكثيرين من عرب اليوم، في رأس رجل الدين الشيعي محمد باقر الصدر في العام 1980.
مؤلمة هي صور التميمي وهي تتحدى الإسرائيليين، لا لأنها فتاة تقارع الجنود في الشارع، على ما يتصور بعض العرب، بل لأنها تصرخ وتشتم وتتحدى جنودا ممن تربى عرب كثيرون على حمل الحقد والكراهية تجاههم، لأنهم "جنود صهاينة غزاة بغضاء يهود"، ليتبين أن هؤلاء الجنود لا يصبون جام غضبهم على من يشتمهم، أو على من يلتقط صور من يشتمهم.
وعهد التميمي لن تكون الأولى، ولا الأخيرة، ممن يحسدها العرب على لطافة عدوها. ذاك اللبناني الراحل سمير القنطار المرتزق الذي انتقل من علمانية "أبو العباس" إلى "المقاومة الإسلامية"، لو يسأل أنفسهم العرب ممن يعتقدونه بطلا: لماذا لم يقتله الأمن الاسرائيلي فور القبض عليه متلبسا في مقتل عائلة اسرائيلية في الشمال؟ لماذا ألقت إسرائيل القبض عليه، وحاكمته، وسجنته لعقود، وسمحت له أن يتعلم العبرية في سجنه، وأن يقيم علاقات اجتماعية؟
لماذا حاكمت إسرائيل الفلسطيني مروان البرغوثي، عدوها اللدود في زمن “الانتفاضة الثانية”؟ لماذا لم تقتله فور اعتقاله؟ ولماذا سمحت للصحافيين بالتقاط صوره وهو يرفع شارة النصر، مكبلا، وتسمح له بإرسال الرسائل السياسية عن طريق زوجته فدوى؟
ختاما، على العرب أن يتساءلوا: ما الذي يمنع الماكينة العسكرية الإسرائيلية الجبارة من ارتكاب حرب إبادة وتطهير عرقي لإقامة إسرائيل عنوة، من النهر إلى البحر؟ ما الذي يمنع إسرائيل من ارتكاب مجازر على نطاق مجازر صدام حسين وحافظ الأسد وولده بشار؟
الصورة واضحة. العرب اليوم، وخصوصا من السوريين، يحسدون الفلسطينيين على عدوهم. على الأقل يمكن للفلسطينيين والفلسطينيات التظاهر، والصراخ، والتحدي. أحيانا يتم اعتقالهم والإفراج عنهم، وأحيانا يتم اعتقالهم لفترات طويلة. أما إن اعتقدت إسرائيل أن فلسطينيا يشكل خطرا داهما على أمنها، فتقوم بتصفيته؟ لهذا، لا يزال أحد أبرز قيادات حماس إسماعيل هنية حيا يرزق في غزة، لأنه لا يتدخل في الأعمال الأمنية. هنية ليس حيا فحسب، بل هو يطل بحرية عبر الإعلام العربي، ويحرض على الإسرائيليين ويدعو لقتلهم. لماذا لم تقتله إسرائيل حتى الآن، فيما في دول العرب أناس راحوا ضحايا تصريح لم يعجب طغاة العرب واستخباراتهم؟
في إيران، قتل الباسيج التابع للنظام ندى سلطاني بالرصاص وهي تسير في تظاهرة أثناء "الثورة الخضراء". لم تشاكس ندى، لا صور لها وهي تصرخ على جنود الولي الفقيه أو تشتمهم أو تهددهم. فقط سارت معترضة، فتلقت رصاصة في رقبتها أردتها قتيلة على الفور.
غالبية العرب لا تقبل المقارنة أعلاه. إسرائيل شر مطلق، يقول الخميني. أما أشرار العرب، من صدام إلى الأسد، فظلمهم مقبول طالما أنهم يعلنون العداء لأميركا والغرب وإسرائيل. هكذا، لا يهم كثير من العرب أن يكون مجموع ضحايا الصراع العربي الإسرائيلي، على مدى ستين عاما، أقل بما لا يقاس من ضحايا ست سنوات من الثورة السورية ضد بشار الأسد.
السلم والسلامة لعهد التميمي، وعسى أن تعود لعائلتها ولدروسها، فالبنت ما تزال يافعة، والأجدى بمجتمعها أن يقيها صراعات الشوارع، بدلا من أن يرسلها إلى الشارع ويصفق لها وهي في ريعان الشباب. لكن في قصتها عبرة، لا لأصحاب البطولات الوهمية من العرب، بل للعرب الواقعيين ممن يفكرون بعقولهم بدلا من عواطفهم، ويدركون أن الصراع مع إسرائيل أرحم بكثير من أي صراع مع أي من طغاة العرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق