حسين عبدالحسين
فيما كان زعماء روسيا وألمانيا وفرنسا وتركيا يجتمعون في اسطنبول ويصدرون مواقف حول سورية، كانت إيران منشغلة بإقامة احدث قاعدة عسكرية لـ «الحرس الثوري» في الجنوب السوري، وهي قاعدة تقلق بعض متابعي الوضع الشرق أوسطي من الاميركيين، وخصوصاً من اصدقاء اسرائيل في العاصمة الأميركية.
ويردد اصدقاء اسرائيل في واشنطن، ان طهران تلتزم الاتفاقية مع روسيا، والتي قضت بابتعاد القوات الموالية لإيران مسافة 85 كيلومترا عن المنطقة المنزوعة السلاح في هضبة الجولان السوري، التي تحتلها اسرائيل.
التزام إيران بالمسافة المذكورة سمح لها بالعمل على اقامة قاعدة عسكرية في منطقة اللجاة على الحدود بين محافظتي درعا والسويداء، جنوب سورية. والقاعدة التي يعمل «الحرس الثوري» على بنائها هدفها تدريب وتسليح ميليشيات محلية، وتخزين اسلحة، التي قد يكون من بينها صواريخ يمكنها تهديد المناطق الاسرائيلية.
ويقول الخبراء الاميركيون ان سبب طلب تل أبيب ابتعاد ايران مسافة 85 كيلومتراً، يقدم للاسرائيليين افضلية كبيرة في مواجهة اي هجمات قد يشنها «حزب الله» اللبناني، أو الميليشيات الاخرى الموالية لايران، انطلاقا من الاراضي السورية ضد الدولة العبرية... والمسافة الاسرائيلية المطلوبة تبطل فاعلية الصواريخ الصغيرة والقصيرة المدى، مثل «كاتيوشا»، التي تستخدمها هذه الميليشيات، والتي يمكن اطلاقها من دون منصات، ما يجعل الرد الاسرائيلي الاوتوماتيكي ضد موقع اطلاق الصاروخ من دون جدوى.
أما الصواريخ ذات المدى الابعد، وهي اكبر حجماً، فتحتاج الى منصات اطلاق صواريخ، في الغالب مثبتة على شاحنات، وهذه يمكن للمقاتلات الاسرائيلية العثور عليها وتدميرها، حتى قبل ان تطلق صواريخها.
ويتابع الخبراء الاميركيون انه حتى لو لجأ الايرانيون وقواتهم في سورية الى الصواريخ الكبيرة ذات المدى البعيد، فان مسافة 85 كيلومتراً تعطي اجهزة الدفاع الاسرائيلية اعتراض هذه الصواريخ قبل ان تشكل خطرا على التجمعات السكانية.
لكن التدبير القاضي بدفع الميليشيات الموالية لايران الى مسافة 85 كيلومترا عن الحدود لا يكفي لانهاء القلق الاسرائيلي، فانتشار «الحرس الثوري» في قواعد سورية، مثل في السخنة والقلمون، وقريباً في اللجاة، يعطي الايرانيين قدرة على التجنيد والتدريب والتمويل لميليشيات يمكنها ان تشن هجمات ضد اسرائيل، وهي هجمات لا يمكن للرئيس السوري بشار الأسد، او حلفائه الروس، وقفها.
ويشير اصدقاء اسرائيل الى ان موسكو عمدت الى نشر الشرطة العسكرية لتثبيت الامن في بعض المناطق التي استعادها النظام من معارضيه في عموم سورية، الا ان إمساك الروس وقوات الأسد بهذه المناطق لم يؤثر ولم يتعارض مع عمل «الحرس الثوري» والميليشيات الموالية له. ويتابع هؤلاء ان المقاتلين الموالين لطهران انكفأوا علنا وحاولوا الابتعاد عن الاضواء، لكن هذا لا يعني انسحابهم من سورية، وهو انسحاب تصرّ اسرائيل على حصوله، وتدفع روسيا لمساعدتها في تحقيقه.
وتقول المصادر الأميركية ان الشق الاكبر من محادثات مستشار الأمن القومي جون بولتون، في موسكو أخيراً، تمحورت حول طرد القوات الموالية لطهران من سورية. ومن الامور التي تقترحها واشنطن على موسكو ما مفاده ان التعجيل في طرد الايرانيين من سورية يسرّع في عملية اعادة تأهيل الأسد، ويثبت سورية كمنطقة نفوذ للروس وحدهم.
لكن يبدو ان الايرانيين، الذين يغيبون عن المحادثات الدولية المخصصة لسورية، لا يغيبون عن الأرض السورية، بل هم ينشغلون في تثبيت اقدامهم فيها، بغض النظر عن نتائج المؤتمرات الدولية والبيانات الصادرة عنها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق