حسين عبدالحسين
في تقييمهم لمؤتمر استانة الذي انعقد للتباحث في الشأن السوري، تحدث عدد من المسؤولين الاميركيين عمّا آلت اليه الاوضاع في سورية، وخلصوا الى ان «الحرب السورية انتهت بلا منتصر واضح»، على الرغم من نجاح الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه في حسم الوضع على معظم الأرض لمصلحتهم.
وقال بعض المسؤولين ان «الوضع السائد في سورية فتح باب المقايضات بين الدول على مصراعيه»، وان بعض العواصم - خصوصا موسكو - تحاول احياناً مقايضة ما لا تملكه، فلا هي تفي بالتزاماتها، ولا تصل مبادراتها الى نتيجة.
المقايضة الاولى، والأبرز، تعرضها الولايات المتحدة والعواصم الغربية على تحالف روسيا وايران والأسد، وهي مقايضة تربط رفع العقوبات الاقتصادية عن الأسد - وتقديم مساعدات مالية لمجهود اعادة الاعمار وعودة المهجرين - بعد التوصل الى تسوية سياسية شاملة بين الأسد ومعارضيه.
من دون «تسوية سياسية»، لن يرفع الغرب عقوباته، ولن يموّل عملية اعادة الاعمار، وهو ما يعني ان «الأسد يبقى حاكما فوق ركام، في وقت لا مقدرة عند الروس ولا الايرانيين على تقديم اي مساعدة جدية لتمويل اعادة الاعمار»، حسب المصادر الأميركية.
روسيا تدرك ان «التسوية» هي مفتاح الاموال الغربية، التي تحتاجها اي حكومة سورية حاجة ماسة. لذا، تسعى منذ شهور عديدة، الى التوصل الى تسوية وان سورية، يمكن للعواصم الغربية الركون اليها لتبرير رفع عقوباتها عن الحكومة السورية.
في سياق التسوية الشكلية، خالت موسكو ان تشكيل لجنة مشتركة من نظام الأسد ومعارضيه لكتابة دستور جديد يمكنها ان تكون هي التسوية التي ينشدها الغربيون، وهي المهمة التي تلقفها مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا وحاول تقديمها كخطته للخروج من الأزمة السورية، بعد فشل كل الخطط السابقة التي كان قدمها على مدى اكثر من 1600 يوم شغل فيها منصبه.
الا ان الأسد ادرك ان اي اعتراف دولي، باشراف الأمم المتحدة، بسوريين غيره، ينتقص من سيادته كممثل اوحد ووحيد لسورية، فرفض المشاركة بأي لجنة من هذا النوع، وأصرّ ان اي تعديل دستوري يكون عبر القنوات الرسمية، اي في «مجلس الشعب» السوري، الذي تعتبره الحكومات الغربية شكليا، ولا أي قرار مستقل له عن الأسد.
هكذا، تحول مؤتمر استانة الى «فرصة ضائعة»، حسب وصف دي ميستورا، وبقيت المقايضة الغربية مع روسيا متعثرة برفض الأسد اي مشاركة فعلية مع معارضيه في الحكم.
المقايضة الثانية، حسب المصادر في واشنطن، قدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، اثناء لقاء بينهما على هامش المشاركة في ذكرى الحرب الكونية الاولى، في باريس، قبل اسبوعين.
تقول المصادر ان بوتين اقترح على نتنياهو قيام ايران بسحب كل المقاتلين الموالين لها من سورية، بمن فيهم مقاتلو «حزب الله»، مقابل موافقة الولايات المتحدة على تخفيف العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن على طهران.
ويبدو أن العرض استهوى عددا لا بأس به من أهل القرار في أميركا واسرائيل، الا ان غالبية المسؤولين في البلدين شككت في مقدرة بوتين على ضمان الانسحاب الايراني من سورية، اذ سبق للرئيس الروسي ان وعد الاسرائيليين مرارا بحتمية انسحاب القوات الايرانية بالكامل من سورية، من دون ان يحصل ذلك. ويعتقد بعض المسؤولين الاميركيين ان بوتين لم يحمل العرض من إيران، بل ان العرض هو من بنات افكار الرئيس الروسي، وانه قد يأخذ اي موافقة اميركية على تخفيض بعض العقوبات ليحاول اقناع ايران بها.
ويكاد المسؤولون الاميركيون يجمعون على ان ثمن خروج إيران من سورية اكبر بكثير من رفع بعض العقوبات، وان ايران «لم تنفق كل هذه الاموال والدماء من اجل رفع بعض العقوبات»، وهو ما يدفع الاميركيين للاعتقاد بان الايرانيين لن ينسحبوا الا تحت ضغط روسي - اميركي مشترك، وهو مجهود لم يتعهد بوتين الانخراط به حتى الآن.
أما المقايضة الثالثة والاخيرة، فهي موافقة اميركا على سحب قواتها من شرق الفرات، وتاليا تسليم الحكومة السورية آبار النفط، في حال انسحاب القوات الايرانية من سورية، وهو العرض الذي أعلنه المبعوث الاميركي المفوض شؤون سورية جيمس جيفري، قبل اسابيع.
طهران اعتبرت ان هذه المقايضة فاشلة لأن أميركا تسعى للانسحاب من سورية في اقرب فرصة، وهي والحال هذه لا يسعها مقايضة مصلحتها، اي الانسحاب، بمصلحة اخرى، اي انسحاب القوات الايرانية.
على ان جيفري أعلن ان القوات الأميركية ليست في عجلة من امرها للرحيل، وانه بوسعها البقاء شرق الفرات حتى اشعار آخر.
هي مجموعة من المقايضات تشترك فيها الدول الكبرى والقوى الاقليمية، ولا يشترك فيها السوريون، الذين اقصى ما يمكنهم فعله هو اقصاء واحدهم الآخر عن التسوية، على ما دأب على فعله الأسد في المؤتمرات الدولية العديدة المتعاقبة، او على ما اعتادت فعله فصائل المعارضة المحسوبة على عواصم مختلفة، والتي حملت معها ثارات هذه العواصم، فراحت «منصات» المعارضة تقصي الواحدة الأخرى، وتطعن بمصداقيتها، حتى صارت المؤتمرات حول سورية بمشاركة معظم دول العالم، غالبا باستثناء السوريين.
واختتمت جولة جديدة من مفاوضات أستانة، الخميس، من دون تحقيق أي اختراق في الأزمة.
وعبرت وزارة الخارجية الأميركيّة في بيان عن الأسف لعدم تحقيق أي تقدّم. وقالت الناطقة هيذر ناورت، «على مدى عشرة أشهر، أدّت مبادرة أستانة/سوتشي إلى مأزق» في ما يتعلّق باللجنة الدستوريّة السوريّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق