واشنطن - من حسين عبدالحسين
قدم لقاء الرئيس الأميركي، نظيره التركي، الأربعاء، صورة أكثر رجلين يعانيان من غضب الكونغرس، وتالياً الرأي العام الاميركي ضدهما، اذ فيما كان دونالد ترامب يلتقي رجب طيب اردوغان لساعات في البيت الأبيض، مدعياً انه لا يعير اهتماماً لأزمته الداخلية، كانت لجنة الاستخبارات في مجلس النوّاب تخوض اولى جلسات استماع «عملية خلع» ترامب، التي سبق ان اقرّتها الغالبية الديوقراطية في مجلس النواب.
وقال الرئيس الأميركي في مؤتمر صحافي مشترك مع ضيفه الرئيس التركي: «أفضل بدلاً من ذلك التركيز أكثر على السلام في الشرق الأوسط»، واصفاً اجراءات العزل بأنها «خدعة» و«دعابة».
وخلال مؤتمر صحافي طرحت فيه أسئلة من قبل صحافيين ودودين تم اختيارهم بعناية، زاد ترامب من رهانه على ضيفه، وذكر انه من أشد «المعجبين» بالرئيس التركي، رغم أنه لم يكن هناك أي مؤشرات على امكانية إحراز تقدم كبير حول أي من النزاعات المتزايدة بين واشنطن وأنقرة.
وقال ترامب لأردوغان وهما يقفان متجاورين في المكتب البيضاوي: «نحن أصدقاء منذ فترة طويلة، تقريبا منذ اليوم الأول. وكل منا يفهم بلد الآخر».
وأضاف الرئيس الأميركي عن أردوغان وزوجته أمينة «هما يحظيان باحترام كبير في بلدهما وفي المنطقة».
ويتباهى ترامب بأنه يحسن التفاوض مع القادة المتسلطين، لكن مفاوضاته مع أردوغان في الأسابيع الأخيرة اتسمت بالفوضى وأثارت تساؤلات فعلية حول استدامة استراتيجيته في سورية.
وبعد إعلان ترامب سحب القوات الأميركية المنتشرة على نقاط حدودية في شمال شرقي سورية، شنت أنقرة في التاسع من أكتوبر عملية «نبع السلام» على قوات «قسد» المدعومة من التحالف الدولي.
ووجه ترامب حينها إلى أردوغان رسالة غير مألوفة النبرة بين الرؤساء، ختمها بالقول «لا تكن متصلباً، لا تكن أحمقاً».
وتحدثت تقارير أولية عن أن أردوغان لم يهمل الرسالة فحسب، بل رماها في سلة المهملات. والأربعاء، قال اردوغان «أعدتها إلى السيد الرئيس اليوم».
ولم يكن هناك أي مؤشرات على امكانية إحراز تقدم كبير بعد لقاء ترامب واردوغان حول أي من النزاعات المتزايدة بين البلدين.
ومثل ترامب، يعاني اردوغان من غضب عارم ضده لدى غالبية اعضاء الكونغرس، بغرفتيه، اذ سبق لمجلس النواب ان أقر ثلاثة قوانين ضد تركيا على مدى الشهر الماضي: اثنان دانا اجتياح انقرة شمال سورية للقضاء على المجموعات الكردية المسلحة وأقرّا عقوبات اقتصادية عليها، وواحد دان المجازر العثمانية بحق الارمن، قبل قرن من الزمن.
وفي سياق متصل، بدأ مجلس الشيوخ عملية المصادقة على قانون مماثل يدين الاجتياح التركي ويفرض عقوبات على انقرة.
ولأن تأييد قانون العقوبات في مجلس النوّاب حصل على شبه اجماع يجعل من المتعذر على ترامب نقضه، ولأن قانون العقوبات في مجلس الشيوخ من المتوقع ان يحوز على غالبية 63 سناتوراً، وهو ما يجعل نقضه عصياً كذلك على الرئيس الاميركي، قام ترامب بدعوة خمسة اعضاء جمهوريين من الشيوخ للقاء اردوغان بهدف اقناع هؤلاء بالتصويت ضد القانون، وهو ما قلّص الغالبية المؤيدة للقانون الى أقل من 60 المطلوبة لتجاوز الفيتو الرئاسي، وهو ما يسمح لترامب بنسف القانون. ومع تعذر اقرار اي قانون في اي من غرفتي الكونغرس، يتعذر بذلك تحوله الى قانون نافذ.
ونقلت مصادر انه في لقاء اردوغان مع المشرعين، حاول الرئيس التركي تأكيد متانة تحالف انقرة مع واشنطن. واشار الى الزيادة في واردات تركيا، خصوصا في مجال الأسلحة، وهو ما يساهم في تعزيز وضع الاقتصاد الاميركي وخلق فرص عمل للاميركيين.
كذلك ألمح اردوغان للشيوخ الخمسة، انه لا ينوي شراء منظومات اسلحة روسية، وانه يفضّل مواصلة اعتماد بلاده على صواريخ «باتريوت» الدفاعية الجوية. كما اعرب عن نيته العودة الى المساهمة في مشروع صناعة مقاتلات «اف 35» الاميركية المتطورة، وذلك بعدما طردت واشنطن انقرة من البرنامج على اثر استيرادها مكونات منظومة الدفاع الصاروخية الروسية «اس 400» - لم تقم تركيا بتشغيلها بعد - والتي ألمح اردوغان ايضاً بان انقرة قد لا تشغلها ابداً.
وقدم اردوغان ضمانات للشيوخ - وهم من مؤيدي المجموعات الكردية وفي طليعتهم الجمهوري المخضرم ليندسي غراهام الذي كان عارض بشدة عملية «نبع السلام» - بان انقرة ستحافظ على امن الاكراد في سورية مثل حفاظها على امن الاكراد ممن يحملون الجنسية التركية، وهم يشكلون قرابة ثلث الشعب التركي.
وسمعت «الراي» من مصادر في البيت الابيض، ان اردوغان توجه بثلاثة مطالب إلى مضيفه الاميركي، أولها قيام واشنطن بتسيلم المعارض التركي فتح الله غولن، وثانيها اعفاء اميركا عن رجل الاعمال الايراني التركي رضا ضراب، الذي يسكن تحت الاقامة الجبرية في نيويورك بتهم تجاوز العقوبات على ايران، ثالثها اعفاء اميركا «بنك هالك التركي»، الذي يواجه اتهامات مشابهة بالتعاون مع ايران، من العقوبات التي فرضتها عليه واشنطن أخيراً.
ويعتقد الخبراء الاميركيون، انه كجزء من تحسين صورة تركيا في اميركا، خصوصا أمام الكونغرس، عمد صهرا الرئيسين، جارد كوشنر صهر ترامب وبيرات البيرق صهر اردوغان، الى «توثيق» العلاقات التجارية، بما يتضمن ذلك من صفقات عقارية ومصرفية تفيد الجانبين، اللذين يعتقدان انه من شأن الزيادة في الاعمال التجارية المشتركة ان يجعل من تركيا شريكا اقتصاديا وتجاريا يدفع الكونغرس الى التغاضي عن اي ما يمكن ان يراه تجاوزات تركية بحق السياسة الخارجية الاميركية.
وبعد دقائق من المؤتمر الصحافي المشترك، أصدر البيت الأبيض بياناً استخدم لهجة أكثر حزماً من لهجة الزعيمين اللذين يتباهيان بوجود علاقة شخصية وثيقة بينهما في حين أن العلاقات بين الحكومتين فاترة.
وفي كلمة ألقاها أردوغان لاحقاً في واشنطن، قال إنه طلب من ترامب التوقف عن دعم وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقره قوة معادية، لكنها تشكل العمود الفقري لـ«قسد».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق