واشنطن - من حسين عبدالحسين
«السفير سوندلاند دمّر رواية (دونالد) ترامب والحزب الجمهوري»... بهذه الكلمات اختصر عضو الكونغرس الجمهوري جستن عمّاش، الفلسطيني الأصل، شهادة سفير الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي غوردون سوندلاند، الذي قال بصراحة إن ترامب وكبار أركان إدارته، وفي طليعتهم نائبه مايك بنس ووزير خارجيته مايك بومبيو ورئيس موظفي البيت الأبيض ميك مولفاني، كانوا يعلمون بالضبط عن الحملة التي قادها الرئيس الاميركي للضغط على أوكرانيا وابتزازها من أجل إعلانها بدء تحقيقاتها لإثبات إشاعة مفادها بأن كييف، لا روسيا، هي التي تدخلت في انتخابات العام 2016 الرئاسية، وكذلك لتصوير منافسه الديموقراطي للرئاسة ونائب الرئيس السابق جو بايدن على أنه فاسد ودعم فساد نجله هنتر في كييف.
شهادة سوندلاند توجّت اقتراب «عملية الخلع»، التي كانت أطلقتها رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي في 24 أكتوبر الماضي، من شهرها الثاني، وزادت من متاعب ترامب والموالين له من الجمهوريين، ونسفت كل محاولات دفاعهم عن الرئيس وإثبات براءته.
وكان ترامب هو الذي صمم حملة الدفاع بنفسه ولوحده، وبناها على عدد من العناصر، أهمها انه لم يسع الى ابتزاز أوكرانيا بالضغط عليها وتهديدها بوقف المساعدة العسكرية لها في حال تقاعست عن إعلانها بدء التحقيقات، وثانيها انه لا يعترف بالتحقيقات التي تجريها اللجان في مجلس النواب، وثالثها هجومه على الشهود ومحاولته الطعن بمصداقيتهم ووطنيتهم، واتهام شهاداتهم بأنها ليست شهادات عيان، بل نقل عما سمعوه من آخرين، وانهم من الأميركيين «المعادين لترامب» والموجودين في صفوف الحزبين الديموقراطي والجمهوري.
كما حاول ترامب وصف من شهدوا ضده على انهم ينتمون الى «الدولة العميقة» المعادية لرئاسته، وان الشعب الأميركي انتخبه أصلاً للتخلص من هذه «الدولة العميقة» وتجفيف منابع الفساد فيها.
لكن سوندلاند وحده نسف كل دفاع ترامب، اذ سبق لرجل الأعمال الثري الذي يملك شبكة فنادق ومصرفا تجاريا، أن تبرّع بمبلغ مليون دولار لحملة ترامب الانتخابية، وهو ما حمل ترامب على مكافأته بتعيينه سفيرا لدى الاتحاد الأوروبي، ما يعني أن سوندلاند من أنصار ترامب، وليس من «المعادين» له.
ثم أن تعيين سوندلاند، هو تعيين سياسي، أي من خارج وزارة الخارجية، ما يعني أن السفير لا ينتمي الى «الدولة العميقة»، التي تتألف عادة من موظفي الدولة من غير المعينين سياسياً. ثم ان سوندلاند شهد، بعد ان أقسم اليمين، أن ترامب هو الذي أدار حملة الضغط على أوكرانيا لابتزازها وإجبارها على تثبيت إشاعات تدحض التدخل الروسي في الانتخابات، وهو تدخل مؤكد في أحكام قضائية صادرة عن المحاكم الأميركية، ولادانة خصمه السياسي، وتاليا الافادة شخصيا.
ولفداحة المشكلة، وجد ترامب نفسه مضطراً لتجاهل إعلانه أن التحقيقات هي «صيد ساحرات» وألاعيب سياسية ديموقراطية ضده، فكتب بياناً مقتضباً بخط يده، وقرأه أمام الإعلاميين في البيت الأبيض، معلّقاً على شهادة سوندلاند بالقول إن المكالمة التي جرت بينهما، فيما كان سوندلاند في كييف، والتي سأل السفير خلالها الرئيس عمّا يريده من الحكومة الأوكرانية، فكان رد ترامب: «لا أريد شيئاً، لا أريد شيئاً، لا أريد (ضغط مقابل تحقيقات) ابتزاز أوكرانيا. أخبر (فولوديمير) زيلينسكي أن يفعل ما هو صائب. هذا آخر كلام رئيس الولايات المتحدة».
وقد تمكن مصور كان في البيت الأبيض الأربعاء، من التقاط صورة لملاحظات الرئيس المكتوبة بخط اليد.
على ان تعليق ترامب عمّق من مأزقه، فالاتهام بالابتزاز جاء من الديموقراطيين بعد افتضاح أمر المكالمة بين الرئيس الأميركي والرئيس الأوكراني. وفي قول ترامب انه أجاب سوندلاند انه لا يريد شيئاً من أوكرانيا، ما يناقض ما سبق لترامب أن أعلنه، وورد في نص المكالمة بينه وبين زيلينسكي في 25 يوليو الماضي، انه يريد ان يرى كييف تكافح الفساد.
وكانت سبقت شهادة سوندلاند المدوية شهادات من شهود عيان استمعوا لمكالمة ترامب مع زيلينسكي، يوم الثلاثاء. وكان الأول الكسندر فيندمان، وهو كولونيل في الجيش كان يعمل في مجلس الأمن القومي، مسؤولا عن الملفين الروسي والأوكراني، والثانية جينيفر وليامز، وهي مساعدة نائب الرئيس مايك بنس. وقال الاثنان انهما أدركا، أثناء استماعهما للمكالمة، أنها غير قانونية. وحاول الرئيس الانتقاص من وطنية الكولونيل، وهاجمه أثناء إدلاء بشهادته، واتهمه بالعمالة لوطنه الأم، أي أوكرانيا.
وفيندمان ابن مهاجر أوكراني من الاتحاد السوفياتي، وصل أميركا في الرابعة من عمره.
على أن الجمهوريين، المعروفين بتأييدهم المطلق للجيش وللعاملين فيه، امتعضوا من هجمات ترامب ضد فيندمان، وراح المشرعون الجمهوريون في لجان الكونغرس يشيدون بخدمته العسكرية، أثناء الجلسة. ثم ان فيندمان بدا مستعدا بشكل أفحم كل مستجوبيه من الجمهوريين ممن حاولوا التشكيك بأدائه واتهامه بتسريب ما يعرفه في البيت الأبيض إلى الإعلام.
وفي جلسات الثلاثاء أيضاً، استدعى الجمهوريون شهوداً اعتقدوا أن شهادتهم ستصب في مصلحة رواية ترامب والحزب الجمهوري، مثل المبعوث الخاص الى أوكرانيا. لكن شهادة كيرت فولكر دحضت ادعاءات الجمهوريين، إذ نفى أن يكون ابن بايدن قد ارتكب أي عمليات فساد في أوكرانيا، ونفى أن تكون كييف هي التي تدخلت في انتخابات 2016، وشدد على اتهام روسيا بذلك، وهو ما أكد رواية الديموقراطيين وزاد من مأزق ترامب والجمهوريين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق