واشنطن - من حسين عبدالحسين
انقسم المسؤولون الأميركيون والخبراء المتابعون للشأن السوري حول جدوى المفاوضات التي انطلقت في جنيف الأسبوع الماضي، بين الرئيس بشار الأسد ومعارضيه، برعاية الأمم المتحدة ومشاركة 45 سورياً اختارتهم المنظمة الدولية ليمثلوا ثلاث مجموعات، كل واحدة تتألف من 15 شخصاً: مجموعة تمثل النظام، وأخرى تمثل المعارضة، وثالثة تمثل المجتمع المدني.
ولطالما عارض نظام الأسد عقد أي مفاوضات مع المعارضة، متهما إياها بالعمالة والإرهاب، ومصراً على اختيار الكيانات والأشخاص الذين توافق دمشق على اعتبارهم معارضين.
وسمعت «الراي» من مسؤولين في الإدارة الأميركية أن «مفاوضات جنيف الأسبوع الماضي شكّلت اعترافاً متبادلا بين الأسد ومعارضيه»: الأسد اعترف بمعارضيه ووافق على جلوس وفده معهم وجها لوجه، للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة في العام 2011، والمعارضة اعترفت بالأسد كطرف مفاوض بعدما اشترطت - على مدى سنوات - خروجه من الحكم حتى تحاور من يتبقى من نظامه.
وفيما كان من المفترض أن تنحصر مهمة المفاوضات بكتابة دستور جديد لسورية، يصار بعده الى إعادة تشكيل الحكم على أسس جديدة في مرحلة ما بعد الأسد، باشر المفاوضون أولى جولاتهم بمطالبة بعضهم البعض ببوادر حسن نية لبناء الثقة. وطالب معارضو الأسد بالإفراج عن آلاف المعتقلين السياسيين في سجونه، فيما طالب النظام، المعارضين بإعلان عدائهم للإرهاب، وطالب المجتمع الدولي برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق.
أما في المضمون، فأثار المعارضون مسائل حول شكل الحكم مستقبلا، وصلاحيات الرئيس، وهو نقاش اعتبره بعض الخبراء في واشنطن انه لا يكفي، مشيرين إلى أن المشكلة الأكبر تكمن في دور وصلاحيات الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للأسد، والخارجة عن أي رقابة قانونية لمؤسسات الدولة.
وقال الباحث في معهد واشنطن للشرق الأوسط إبراهيم الأصيل إنه «إذا لم تعالج مفاوضات جنيف القمع الذي تمارسه الأجهزة الأمنية والعسكرية، فلن تؤدي الى أي تغيير في سورية».
وأضاف لـ«الراي»، ان تسلّط الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للأسد أساس المشكلة، وأن إصلاح هذه الأجهزة «ليس مطروحاً للنقاش في جنيف».
وهنا تكمن المشكلة، برأي الأصيل، الذي يرى انه في غياب الحوار حول مستقبل أجهزة الأسد الأمنية، لا ضمانات تشي أنه يمكن التطبيق في دمشق أي تعديلات دستورية يتم التوصل إليها في جنيف، وهو ما يعني أن النتيجة الوحيدة للمفاوضات هي تقديم أداة للرئيس السوري لإعادة تأهيل نفسه في عيون المجتمع الدولي.
ويعتقد الباحث الأميركي من أصل سوري أن «من الواضح وجود إجماع دولي حول ضرورة استمرار المفاوضات»، مضيفاً أنه «في وقت يمكن للمفاوضات أن تمارس الضغط على نظام الأسد من أجل بعض الإصلاحات، هناك احتمال كبير أن يستخدمها بشار كأداة لإعادة تأهيل نفسه أمام المجتمع الدولي».
ويقول المسؤولون الأميركيون إن «روسيا مارست ضغطاً كبيراً على الأسد لحمله على القبول بالتفاوض وجهاً لوجه مع معارضيه، ربما اعتقاداً منها أن المفاوضات هي اعتراف دولي ببقاء الأسد كجزء من الحل».
على أن «الولايات المتحدة وحلفاءها في الغرب سبق أن حددوا شروط رفع العقوبات عن الأسد والإفراج عن أموال إعادة الإعمار التي يحتاجها النظام بشكل يائس لتحريك اقتصاده الميت».
ويعتقد المسؤولون أن روسيا تسعى منذ فترة لإعادة تأهيل الأسد وتحريك اقتصاده حتى تحقق عائدات اقتصادية من تدخلها العسكري في سورية ودعمها المكلف لبشار ونظامه.
وتشير التقارير إلى أن الأسد وقّع على تنازلات اقتصادية ونفطية كبيرة للروس والإيرانيين، ثمناً لمساعدتهم العسكرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق