الخميس، 30 يونيو 2016

مأزق ترامب يزداد عمقاً وكلينتون تحشد لاقتناص الولايات المتأرجحة

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

فيما يرفض الرؤساء الاميركيون السابقون من الحزب الجمهوري، اي جورج بوش الأب وجورج بوش الابن، تبني ترشيح مرشح الحزب للرئاسة دونالد ترامب، وفيما يرفض نائب الرئيس السابق ديك تشيني والمرشحان الجمهوريان السابقان للرئاسة السناتور جون ماكين والمحافظ السابق ميت رومني تبني ترشيح ترامب ايضا، بل يعملون ضده علنا، تحظى المرشحة الديموقراطية وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون باجماع من جانب حزبها، يتمثل بدعم زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون لها، فضلا عن دعم الرئيس باراك أوباما ونائبه جو بايدن، وكذلك المرشح السابق للرئاسة وخلفها في وزراة الخاجية جون كيري.

وقد يكون الرئيس أوباما متعثرا في سياسته الخارجية، لكنه يتمتع بشعبية غير مسبوقة داخليا، في وقت نقل عنه مقربون انه يعتقد ان على الولايات المتحدة الحاق هزيمة كبيرة بترامب. وامام المقربين منه، وصف أوباما المرشح الجمهوري بـ «المزيف» و«المشعوذ».

ولأن شعبية أوباما عالية، ولأنه احد اكثر رؤساء اميركا ممن يتمتعون بالكاريزما خصوصا في خطاباته العامة التي مازالت تستقطب حشودا كبيرة، ولأن عند الرئيس الاميركي شغف بالقاء الخطابات الشعبية وبث الحماسة بمستمعيه، فهو قرر النزول الى الميدان، ومساعدة كلينتون في حملتها الانتخابية.

ومن المقرر ان يطل أوباما وكلينتون سويا في مهرجان شعبي في ولاية نورث كارولاينا، في الخامس من الشهر المقبل.

ولأن استطلاعات الرأي تشير الى ان كلينتون تتقدم على ترامب في الولايات المتأرجحة، وعددها تقليديا سبعة هي اوهايو وفلوريدا وميشيغان وبنسلفانيا ونورث كارولاينا واوهايو وفيرجينيا، قررت المرشحة الديموقراطية تثبيت تقدمها بشرائها حملات دعائية اعلامية واسعة في هذه الولايات، وزيارتها واقامة مهرجانات انتخابية فيها، اولها نورث كارولاينا المقرر ان تطل فيها الى جانب أوباما.

وكان نايت سيلفر، وهو ابرز باحثي استطلاعات الرأي وكان تنبأ بدقة كيفية تصويت ٤٩ ولاية في العام ٢٠٠٨ والولايات الخمسين في العام ٢٠١٢، أطل عبر شبكة «اي بي سي» ليقول ان ارقامه تشير الى ان احتمال فوز كلينتون على ترامب هو ٧٩ في المئة، وهي نسبة غير مسبوقة في السباقات الرئاسية على مدى نصف القرن الماضي.

وقال سيلفر انه على رغم انه مازال امام الحملتين الكثير من العمل، وان تغيرات ستطرأ على ارقام استطلاعات الرأي، الا انه لم يسبق ان كان حال السباق يميل بهذا الشكل لمصلحة مرشح دون آخر قبل اقل من ستة اشهر من موعد الانتخابات المقررة في ٨ نوفمبر المقبل.

لكن على الرغم من تقدم كلينتون على ترامب في استطلاعات الرأي في شكل كاسح، يعتقد أوباما ان كلينتون لم تنجح حتى الآن في بث الحماسة لدى القاعدة الشعبية للحزب الديموقراطي، خصوصا بين الفئات العمرية الشابة، التي تؤيد في غالبيتها منافسها السناتور عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز.

وساندرز تحول الى مشكلة، اذ على رغم تحقيق كلينتون نصرا مؤكدا عليه في الانتخابات الحزبية، الا انه لم يعلن انسحابه وتأييدها، بل وعد بالعمل على الحاق الهزيمة بترامب، وهو تبني لترشيح كلينتون غريب من نوعه. وبسبب استمراره في الترشيح، يكبد ساندرز دافعي الضرائب الاميركيين ٣٨ الف دولار يوميا ثمن الحراسة الأمنية التي تقدمها الحكومة الفيديرالية للمرشحين.

ويبرر ساندرز بقاءه في السباق بالقول انه يسعى الى اعادة تشكيل الخطاب السياسي للحزب الديموقراطي، الذي تعكف اللجنة المركزية فيه واللجان المتفرعة عنها على اعداده بهدف اقراره في المؤتمر العام المقرر في ولاية بنسلفانيا بين ٢٥ و٢٨ المقبل. ومن المتوقع ان يشهد المؤتمر ترشيح الحزب الديموقراطي رسميا لكلينتون للرئاسة.

وفيما تبدو كلينتون وكأنها تعد الزخم المطلوب للوصول الى البيت الابيض، يعاني منافسها ترامب من تفكك حملته الانتخابية، فهو لم ينجح بجمع اكثر من مليون و٢٠٠ الف من التبرعات، مقابل ٤٣ مليونا جمعتها كلينتون، وهو يعاني في استطلاعات الرأي الشعبية، وهو قام بطرد مدير حملته الانتخابية واستبداله بجايسون ميلر، مدير حملة منافسه السابق داخل الحزب الجمهوري السناتور اليميني المتطرف عن ولاية تكساس تيد كروز.

وحتى الآن، لم يكشف ترامب عن بياناته الضريبية، عملا بعادة المرشحين الى الرئاسة، فيما بالكاد يمر اسبوع من دون سلسلة من المقالات الفضائحية التي تطال جامعته المفلسة، وكازينوهاته التي حجرت عليها المحاكم، ومشاكله مع النساء، وعدم تقديمه تبرعات خيرية كما يزعم.

ويبدو انه في اولى اجراءات مدير حملة ترامب الجديد، قام المرشح الجمهوري بالتراجع عن مطالبته بفرض حظر على دخول المسلمين، اميركيين او اجانب، الى الولايات المتحدة، وقال انه يريد منع القادمين من سورية فحسب لاقفال الحدود الاميركية في وجه اي متسللين تابعين لـ «داعش.» لكن تصريح ترامب لم يلق الكثير من الاصداء.

ويعاني ترامب ايضا من رفض اركان الحزب الجمهوري القاء خطابات في المؤتمر الحزبي المنعقد لترشيحه رسميا والمقرر في ولاية اوهايو بين ١٨ و٢١ المقبل.

وفي وسط المعمعة التي يعيشها ترامب، من غير الواضح كيف يمكن له الخروج من مأزقه بعدما بدا - اثناء الانتخابات التمهيدية الحزبية - بمثابة المرشح الذي لا يقهر. يقول سيلفر: «ترامب نجح ببراعة في اقتناص ٤٠ في المئة من الجمهوريين، ولكن الفوز بـ ٥١ في المئة من الشعب الاميركي امر مختلف تماما».

الأربعاء، 29 يونيو 2016

طهران تسعى لدى موسكو إلى «حل عسكري» في سورية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

ألمانيا تعتقد أن الأسد هو سبب المشكلة ونجحت في إقناع روسيا بتفادي دعمهعلمت «الراي» من مصادر ديبلوماسية اوروبية في العاصمة الاميركية ان برلين نجحت، حتى الآن، في اقناع موسكو بتفادي تقديم غطاء جوي لأي حسم عسكري تسعى ايران الى تحقيقه ضد فصائل المعارضة السورية في مدينة حلب الشمالية. وتقول المصادر الاوروبية انه بسبب معاناة المانيا واوروبا من تدفق اللاجئين السوريين، قامت برلين باعادة برمجة سياستها الخارجية من داعمة لبقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم كعنصر استقرار في سورية والشرق الاوسط، الى سياسة تعتقد ان الأسد هو سبب المشكلة وان على الاطراف الداعمة له ان تقلص دعمها حتى ترغمه على الدخول جديا في تسوية سياسية.

وبسبب الضغوط الالمانية التي نجحت في اقناع روسيا بتفادي دعمها اي عملية حسم للأسد وحلفائه ضد الثوار، وجدت القوات الايرانية والميليشيات المتحالفة معها نفسها تحارب احيانا في عمق المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية من دون غطاء جوي روسي، وهو ما تسبب بتكبيد الميليشيات الموالية لايران، وفي طليعتها «حزب الله» اللبناني، خسائر كبيرة في الشمال السوري على مدى الاسبوعين الماضيين.

وبعد سلسلة من التهديدات التي اطلقتها ايران وحلفاؤها لناحية استعدادها الانسحاب من القتال في سورية بسبب الموقف الروسي المتأرجح من الحرب ضد المعارضين، قررت ايران ايفاد رئيس مجلس الأمن القومي الاعلى علي شمخاني الى موسكو للخوض في نقاشات جدية حول مستقبل الحرب المشتركة التي يخوضها الاثنان لدعم الأسد ونظامه.

واضافت المصادر الاوروبية انها تستبعد ان توافق موسكو على تأييد الحسم العسكري الذي تسعى اليه ايران والأسد في حلب، معتبرة ان روسيا وصلت مرحلة من التهدئة، في وقت تغرق واشنطن في سباتها الانتخابي، بانتظار ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات الاميركية المقررة في 8 نوفمبر المقبل.

وبالنظر الى الدراسات والبيانات السياسية التي قدمتها مجموعة مستشاري السياسة الخارجية العاملين في حملة المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، وهي وثائق تدّل في معظمها على تغيير في السياسة الاميركية تجاه سورية يقضي باستخدام القوة العسكرية اما لاجبار الأسد على الخروج تمهيدا لدخول تسوية سياسية، او تأمين غطاء جوي لمناطق آمنة في سورية تحكمها المعارضة وتمنع الأسد من وصولها، مع ما يعني ذلك من امكانية دخول منطقتي سورية وحاكميهما في تسوية سياسية فيما بعد.

وفيما تدير ألمانيا موقف المعسكر الغربي وتمارس ضغوطا على روسيا، تغرق واشنطن في انقساماتها حول الشأن السوري، التي كان آخرها محاولة من معارضي الأسد في واشنطن اعادة اطلاق برنامج تدريب «المعارضة السورية المعتدلة» وتجهيزها وتسليحها.

وفي هذا السياق، عملت وزارة الدفاع على تسريب، عبر مطبوعة تابعة لها، ان واشنطن نجحت في تدريب 100 سوري وحولتهم الى مدربين حتى يقوموا بدورهم بتدريب زملائهم من الثوار. وأكدت المطبوعة ان عدد من تلقوا تدريبات او دعم على ايدي اميركيين او سوريين ممن تدربوا على ايدي اميركيين «بلغ 10 آلاف مقاتل من العرب السنة السوريين حصرا».

وردت على الفور الاوساط المعارضة لأي تدخل أميركي ضد الأسد، واوعزت لصحيفة «نيويورك تايمز» نشر مقالة - بالاستناد الى مصادر في الادارة - تعتبر ان برنامج شبيه لتدريب المعارضين السوريين في الماضي، كانت اشرفت عليه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي اي)، اضاع جزءا من العتاد الذي كان مخصصا للمعارضين، وان عاملين في الاستخبارات الاردنية قاموا ببيع هذا العتاد في السوق السوداء.

وفيما يستمر الانقسام الاميركي حول الأسد حتى وصول رئيس جديد الى البيت الابيض، تستمر طهران في محاولة اقناع موسكو بضرورة الحسم العسكري في حلب والمحافظات السورية الاخرى في الوقت «بدل الضائع» الذي يسبق وصول الرئيس الجديد، فيما تلعب برلين دور المهدئ بمحاولتها ابقاء الامور كما هي عليه حتى وصول الرئيس الاميركي الجديد الى الحكم، تختم المصادر الاوروبية.

الثلاثاء، 28 يونيو 2016

شعبية الوعود الاقتصادية لترامب تتعزز

واشنطن - حسين عبد الحسين
جريدة الحياة


في ردود الفعل الأميركية الأولى على الانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي، لم يفت الخبراء في الولايات المتحدة أن الهبوط الذي عانت منه سوق الأسهم الأميركية، إثر إعلان بريطانيا الانفصال، يعني أن قرار الانفصال كان بريطانياً، لكن تأثيراته ستكون دولية عموماً، وأميركية خصوصاً، إذ إن بريطانيا الحليف الأقرب للولايات المتحدة.

وعلى الفور، علّق الخبير في معهد «بروكنغز» دايفيد وسل بالقول إن «الناس الذين تركتهم العولمة خارجها يريدون أكثر من الوعود الفارغة التي سمعوها من قادتهم على مدى العقود الماضية». وبدت عملية الانفصال البريطانية عن أوروبا بمثابة الفأل السيئ للأميركيين مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، خصوصاً على ضوء صعود المرشح الجمهوري رجل الأعمال دونالد ترامب، الذي، وعلى سطحية خطابه، يقدّم وعوداً انتخابية لا تختلف كثيراً عن وعود الانفصاليين البريطانيين، لجهة إغلاق الحدود أمام اليد العاملة الوافدة، وإلغاء اتفاقات التجارة الحرة بين الولايات المتحدة ودول العالم.

وتبدو الحركة الانفصالية عن الاقتصاد العالمي، والتي يقودها البريطانيون في أوروبا وترامب في الولايات المتحدة، وكأنها نهاية 41 عاماً من النيوليبرالية التي قادتها رئيسة الحكومة البريطانية الأسطورية المحافظة مارغريت ثاتشر والرئيس الأميركي الجمهوري رونالد ريغان. وتكمن المفارقة في أن قادة نسف نيوليبرالية ثاتشر وريغان يأتون من قواعد اليمينيين المحافظين في البلدين، فيما يتمسك بالاستمرار بالانفتاح الاقتصادي النيوليبرالي القادة والأحزاب من يسار الوسط وقواعدهم الشعبية.

ورصد خبراء أميركيون مفارقة أخرى تكمن في شبه تطابق بين خطاب الانفصاليين البريطانيين وترامب، من جهة، ومرشح أقصى اليسار الأميركي الاشتراكي بيرني ساندرز، من جهة أخرى، فالأخير يتشارك مع قادة الانفصال البريطانيين في رفع الشعارات الشعبوية المعادية لكبرى الشركات العالمية وللمصارف الكبرى. ويتشارك اليمينين البريطاني والأميركي مع أقصى اليسار الأميركي في العداء لاتفاقات التجارة الحرة، والتمسك بإغلاق الحدود في شكل يعتقدون أن من شأنه أن يعيد المصانع إلى العمل، وتالياً يعيد إلى الغرب الوظائف التي خسرها لمصلحة دول شرق وجنوب آسيا.

في هذه الأثناء، يحتار الأميركيون في طريقة تعاملهم مع الانفصال البريطاني، فالرئيس باراك أوباما كان هدد بإلغاء الاتفاقات الموقعة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وعدم استبدالها باتفاقات جديدة. وجاء تهديد أوباما في إطار محاولته ثني البريطانيين عن الانفصال عن أوروبا. وسار على خطى أوباما زعماء الاتحاد الأوروبي والزعماء الأوروبيون الحاليون، الذين هددوا بريطانيا من «العواقب» الاقتصادية التي ستنجم عن قرارهم الانفصال.

لكن المعسكر الذي قاد حملة التهديدات لثني البريطانيين بات أكثر تريثاً بعدما صار الانفصال البريطاني عن أوروبا بحكم الناجز، فعاد المهددون عن تهديداتهم واستبدلوها بحديث عن ضرورة الخوض في نقاش هادئ لجعل الانفصال البريطاني «أقل تأثيراً»، وذلك عبر منح الحكومة البريطانية المقبلة اتفاقات بديلة بشروط مخففة تسمح باستمرار الحدود المفتوحة تجارياً بين العالم والمملكة المتحدة إلى أقصى حد ممكن. لكن اليمين البريطاني ونظيره الأميركي يدركان أن الفوز بتأييد شعبي للانفصال يحتاج إلى متابعة حثيثة، بما في ذلك استبدال الاتفاقات القائمة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأخرى تسمح بإغلاق الحدود، ما دفع ترامب إلى المراهنة على شعبية الانفصال بين مؤيديه من الأميركيين، فأدلى بتصريحات مفادها أن في حال انتخابه رئيساً، فسيكون أول المستعدين لبدء حوار مع قادة بريطانيا المقبلين لإبرام اتفاقات ثنائية جديدة بين البلدين.

ورجّح خبراء ألا تعود الاتفاقات الجديدة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي ببحبوحة على البريطانيين، كالتي وعد بها الانفصاليون، بل إن فرض بريطانيا عزلة تجارية على نفسها سيؤدي إلى تدهور اقتصادها وضموره، وإلى ارتفاع الأسعار داخل المملكة المتحدة، وتباطؤ الاقتصاد والركود. وكانت المؤشرات الأولى للتعثر الاقتصادي البريطاني ظهرت مع تدني سعر صرف الإسترليني أمام العملات العالمية إلى معدلات غير مسبوقة. وفي الولايات المتحدة أيضاً، حيرة لدى المستثمرين الذين يتخذون من بريطانيا قاعدة لهم لإدارة أعمالهم في السوق الأوروبية. ويرى خبراء أن الانفصال البريطاني قد يُجبر الشركات الأميركية على نقل نحو تريليون دولار من الاستثمارات في بريطانيا إلى دول أوروبية مجاورة للحفاظ على قدرتهم في إدارة استثماراتهم في سوق الاتحاد الأوروبي.

ويعتقد الخبراء الأميركيون أن الايجابية الوحيدة التي قد تخرج عن الانفصال البريطاني، من وجهة النظر الأميركية، تكمن في احتمال بدء ظهور علامات التدهور الاقتصادي البريطاني سريعاً، أي قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

كلينتون رئيسةً لن تتراخى مع إيران وستُنهي «داعش» وقد تقصف قوات الأسد

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

رغم إصرار مرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون على أن سياستها ستكون تتمة لسياسات الرئيس باراك أوباما، الذي تظهر استطلاعات الرأي ارتفاعا غير مسبوق في شعبيته، تشير الاستعدادات التي ترافق ترشيح كلينتون للانتخابات المقررة في 8 نوفمبر إلى أنها، في حال انتخابها، ستتبنّى سياسة أميركية خارجية مختلفة جذرياً عن سياسة سلفها.

وكانت آخر استطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة «واشنطن بوست»، هذا الأسبوع، اشارت الى تقدم شاسع لكلينتون على منافسها المرشح الجمهوري دونالد ترامب، إذ حازت على 51 في المئة من التأييد، فيما توقف رصيد ترامب عند 39 في المئة.

ويتصدر فريق السياسة الخارجية في حملة كلينتون مستشار نائب الرئيس جو بايدن والديبلوماسي السابق جايك سوليفان، والذي كان أحد الإثنين اللذيْن انخرطا في ديبلوماسية سرّية مع إيران صيف العام 2013 في سلطنة عمان، وهي القناة التي أفضت إلى التوصل الى «خطة العمل المشتركة» في نوفمبر من ذلك العام، والى تجميد النشاطات النووية الايرانية، تمهيدا للتوصل إلى اتفاقية ثابتة في وقت سابق من هذا العام.

وجود سوليفان يشي بأن سياسة كلينتون الخارجية ستستمر في السعي إلى تحسين العلاقات مع ايران، وهي سياسة انتهجها الرؤساء الاميركيون المتعاقبون منذ اندلاع الثورة الايرانية في العام 1979، بدءا بالديموقراطي جيمي كارتر، مرورا بالجمهوريين رونالد ريغان وجورج بوش الاب، فالديموقراطي بيل كلينتون، فالجمهوري جورج بوش الابن، فأوباما.

على ان تمسّك ادارة كلينتون المحتملة بالتوجه التقليدي للسياسة الخارجية، والقاضي بسعي دائم للتقارب مع ايران، سيختلف عن مقاربة أوباما القائلة بالتقارب «بأي ثمن». وعلى عكس أوباما، من غير المتوقع ان تبدي كلينتون تراخيا اميركيا، لمصلحة ايران، خصوصا في العراق وسورية ولبنان.

في هذا السياق، تأتي الدراسة التي قدمها «مركز الابحاث الامنية الجديدة» بعنوان «إلحاق الهزيمة بالدولة الاسلامية: مقاربة من الاسفل الى الاعلى». والدراسة هي حصيلة ستة اشهر من النقاشات لمجموعة من 35 شخصية من كبار السياسيين والديبلوماسيين والعسكريين الاميركيين، تصدّرتهم ميشيل فلورنوي، وهي مسؤولة سابقة رفيعة المستوى في وزارة الدفاع «بنتاغون»، رفضت ترشيحها الى منصب وزيرة خلفاً لتشاك هيغل، الذي طرده أوباما بسبب توجيه سؤال حول كيفية استخدام القوة الجوية الاميركية في حال هاجمت قوات الرئيس السوري بشار الأسد مقاتلي «المعارضة السورية المعتدلة»، التي حاولت واشنطن إقامتها من دون ان يكتب لها النجاح في ذلك.

وتعتقد غالبية المراقبين أن كلينتون، في حال وصولها إلى البيت الابيض، ستعيّن فلورنوي وزيرة للدفاع، ما يمنح الدراسة المذكورة اهمية خاصة. كما يعتقد كثيرون ان بعض المشاركين في إعداد الوثيقة، من امثال بطل حرب العراق ومدير الاستخبارات السابق دايفيد بترايوس، سيلعبون دورا في ادارة كلينتون المحتملة. والمعروف ان بترايوس، الذي كان من المشكّكين بحرب العراق، هو من اكبر المؤيدين للإطاحة بالأسد عسكرياً، كمقدمة لحل سياسي في سورية.

وكان «مركز أميركا للابحاث الامنية» نفسه قدم في يوليو 2008 وثيقة حملت عنوان «قيادة إستراتيجية: اطار إستراتيجية أمن قومي للقرن 21»، أعدها ثمانية ممن شغلوا ارفع المناصب في ادارة أوباما، كوكيل وزير الخارجية الحالي انتوني بلينكن. وقدمت الوثيقة الماضية الباحثة في «معهد بروكنغز» في حينه و مستشارة الأمن القومي اليوم سوزان رايس.

وجاء في دراسة 2008، التي تحولت الى دليل السياسة الخارجية للرئيس أوباما، ان على واشنطن اعادة النظر في جدوى استخدام القوى العسكرية الاميركية. واشارت دراسة 2008 الى ضرورة اعادة بناء القوة الاميركية، والاستناد الى الديبلوماسية، ومشاركة الزعامة العالمية مع القوى الصاعدة في العالم.

وبالقياس الى اهمية دراسة 2008 وتحولها الى دليل سياسة أوباما، وبمقارنة اهمية رايس في حملة أوباما الرئاسية واهمية فلورنوي في حملة كلينتون، تبدو دراسة «إلحاق الهزيمة بالدولة الاسلامية» ذات اهمية كبيرة تؤشر الى انه في حال وصول كلينتون للرئاسة، فإن هذه الوثيقة ستكون مصدر إلهام كبير للسياسة الخارجية لدى الادارة المقبلة.

في الدراسة الجديدة عودة إلى الحديث عن الاستعانة بالقوة العسكرية الاميركية، ودعوة لتسليح المعارضة السورية، ولتوجيه ضربات لقوات الأسد، ولاقامة احزمة «منع قصف جوي» تمنع قوة الأسد الجوية من استهداف المناطق الخارجة عن سيطرتها. كما تطلب الوثيقة الجديدة تمويل المعارضة السورية، لا عسكرياً فحسب، بل على صعيد الخدمات المدنية لتمكينها من حكم المناطق الخاضعة لسيطرتها وتقوية مقدرتها على الحكم استعدادا لمرحلة التسوية.

وتأتي الدراسة حول كيفية إلحالق الهزيمة بـ «داعش» في خمسة فصول، هي «مقاربة جديدة»، و«بناء مجموعات معارضة متماسكة من الاسفل الى الاعلى»، و«توسيع العمليات العسكرية للقوات الاميركية»، و«زيادة الضغط على الدول الاخرى» المعنيّة بالأزمة السورية، و«إعادة خلق حكومات (محلية كمقدمة) للتفاوض حول تسوية نهائية سياسية».

وفي الدراسة أصداء لآراء ابرز الخبراء، مثل بترايوس، الذي يعتقد ان الولايات المتحدة ستنجح في القضاء على «الدولة الاسلامية»، لكن «داعش» سيتحول «من دولة الى تمرد»، وهو ما يتطلب ان يترافق المجهود الاميركي مع بناء إمكانيات اللاعبين الذين سيحلون محل «داعش» في الحكومات المحلية، وخصوصا من عشائر السنّة غرب العراق وشرق سورية.

وفي انقلاب واضح على سياسة أوباما، يدعو الفريق المحتمل لكلينتون الى تسليح «الجيش السوري الحر» في الجنوب والجنوب الغربي السوري. في الشمال، تسمي الدراسة الفصائل المطلوب تسليحها، وهي «جيش النصر» و«الفرقة الشمالية»، والتمسّك بدعم هذين الفصيلين على المدى الطويل لتحويلهما الى بديل يستقطب الفصائل الاخرى، بعيدا عن تنظيم «جبهة النصرة». أما في الشمال الشرقي، فتدعو الدراسة إلى إقامة معسكرات لتدريب معارضين من العرب السنّة ممن فروا من الاراضي التي يسيطر عليها «داعش».

وعلى عكس موقف أوباما ايضا، تدعو الدراسة إلى السماح للمستشارين العسكريين الاميركيين بالانخراط في الصفوف الامامية الى جانب المعارضة السورية والقوات العراقية، والافادة من الدقة التي يمكن للمستشارين تأمينها لتكثيف الضربات الجوية الاميركية ضد اهداف «داعش»، و«استخدام الردع العسكري» - بما في ذلك «اقامة احزمة ممنوع القصف الجوي» - لمنع الضربات الجوية التي يقوم بها الأسد وحلفاؤه» في الشمال الغربي والجنوب الغربي، وذلك لحماية مناطق المعارضة السورية والسماح لها بحكم هذه المناطق وتقديم الأمن للسكان.

الاثنين، 27 يونيو 2016

الفساد أميركي.. والدماء سوريّة

حسين عبدالحسين

أثناء انتظارنا المشاركة في حلقة تلفزيونية عبر إحدى الفضائيات العربية، تعارفت وسفير أميركي سابق كان يعمل حتى العام ٢٠١٣ في دولة خليجية. أعطاني بطاقته التي تصفه أنه رئيس مجموعة "استشارات" دولية، فناولته بطاقتي، فنظر الي وضحك، قائلاً: "غريب انك لست في المصلحة (بيزنس)". بطاقتي مكتوب عليها اني صحافي، وسعادة السفير السابق استغرب كيف يمكن لخبير في شؤون الشرق الاوسط، يعيش في واشنطن، ان لا يكون في "مصلحة" تقاضي الاموال بدلا "للاستشارات" المعروفة أيضاً باسم "لوبي".

وصديقي السفير السابق هو واحد من مجموعة من السفراء الاميركيين والمسؤولين السابقين ممن خرجوا من الحكومة ليعملوا في "الاستشارات"، وهذه مجموعة تضخمت مؤخرا الى مراحل غير مسبوقة، ومعها تضخم الفساد الذي يختلط فيه المالي بالسياسي.

ومن يتذكر قد يتذكر أن مهندس المصالحة الأميركية مع العقيد الليبي معمر القذافي، في عهد ادارة الرئيس السابق جورج بوش، كان مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى دايفيد ويلش، الذي خرج من السلك الديبلوماسي بعد ٢٥ عاماً ليتولى منصب رئيس "قسم اوروبا وافريقيا والشرق الاوسط" في شركة "بكتل" الاميركية للتعهدات، وبمرتب ضخم مع تعويضات كبيرة ومكافآت.

في العام ٢٠٠٨، لم يكد ويلش ينجز المصالحة مع القذافي، حتى حصل على منصبه مع "بكتل"، وحصلت "بكتل" على عقود ضخمة للاعمار من نظام القذافي، ومن غير المستبعد أن يكون السيد ويلش نال نصيبه من العمولة. وفي ما بعد، أظهر ارشيف استخبارات القذافي، على اثر انهيار نظامه، أن نظامه عمد للاتصال بويلش والطلب منه التوسط مع ادارة الرئيس باراك أوباما من اجل عرقلة الحرب الأممية، التي كانت تهدف لوقف مجازر العقيد بحق شعبه.

مثل ويلش والقذافي، يطلّ السفير الاميركي السابق في اسرائيل وروسيا توماس بيكيرينغ، الذي لعب — على مدى السنوات الخمسة الماضية — دور رأس الحرب في الدفاع عن نظام الجمهورية الاسلامية في ايران، وفي تسويق الديبلوماسية مع الايرانيين وضرورة التوصل لاتفاقية نووية معهم بأي ثمن.

ولطالما قدم بيكيرنغ نفسه على أنه سفير سابق ما زال حريصاً على مصلحة الولايات المتحدة، وتصدر توقيع عرائض تأييد للاتفاقية، ورعى اللوبي الايراني في واشنطن، وشن هجمات ضد معارضي الاتفاقية، وأطل عبر وسائل الاعلام الاميركية المتعددة ليضع "خبرته" أمام الجمهور الأميركي ليقنعه بأهمية الصداقة الاميركية مع ايران، بدلاً من الصداقة الاميركية مع حلفائها العرب في الشرق الاوسط.

لكن ما لم يذكره بيكيرنغ، في إطار تقديم نفسه كأميركي يدافع عن مصالح بلاده، أنه سبق له أن عمل في منصب نائب رئيس لشركة "بوينغ" لصناعة الطائرات المدنية والمقاتلات العسكرية الأميركية. لم يذكر بيكيرنغ، في خضم دفاعه عن تطبيع علاقة أميركا مع إيران، أنه مازال يتقاضى الاموال من "بوينغ" ثمن "استشاراته".

وكما ويلش والقذافي و"بكتل"، كذلك بيكيرنغ وايران و"بوينغ"، فالاتفاقية النووية مع ايران تعدت الشؤون النووية في مسألة وحيدة، هي رفع الحظر عن بيع أميركا لايران قطع غيار طائرات "من اجل سلامة الملاحة الجوية الايرانية". وفي الأيام القليلة الماضية، ظهر أن طهران وقعت عقداً بقيمة ٢٥ مليار دولار من اجل شراء طائرات مدنية من بوينغ، ومن غير المستبعد ان يكون لبيكيرنغ "حلوينة"، حسب العامية المشرقية، على شكل عمولة محترمة.

كل الاحابيل الاميركية عن الحرب على الارهاب في سوريا، وكل التكاذب حول حقوق الاقليات وضرورة التوصل لتسوية سياسية بين النظام السوري ومعارضيه، هي مواقف اميركية مدفوعة الاجر في الغالب، وهذا الاجر هو على شكل عقود ضخمة يقوم بتسويقها مسؤولون اميركيون سابقون ممن أفنوا عمرهم في الخدمة العامة بمرتبات عادية، ويعتقدون أن التقاعد هو سبيلهم للكسب المالي السريع.

السفير السابق نظيري في الحلقة التلفزيونية، والديبلوماسيان السابقان ويلش وبيكيرنغ، هم أسطع دليل على أن السياسة الخارجية الاميركية تسير حسب المصالح، الفردية في الغالب، بدلا من المبادئ، وانه في الحالة السورية المأساوية، فإن الفساد أميركي والدماء سورية.

الجمعة، 24 يونيو 2016

مخاوف أميركية من الإطاحة بحاكم مصرف لبنان!

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في أغسطس 2012، قال الناطق باسم الحكومة العراقية وقتذاك علي الدباغ لصحيفة «نيويورك تايمز» ان «بغداد لا تريد ان تكسر القوانين الدولية بتجاوزها العقوبات التي كانت مفروضة على ايران بسبب ملف الاخيرة النووي»، لكنه أضاف: «لدينا علاقات جيدة مع ايران لا نريد ان نكسرها كذلك».

بغداد حسمت فيما بعد حيرتها، فاختارت إيران على الالتزام بالقوانين الدولية، وأعلنت حكومة نوري المالكي تهم ارهاب بحق محافظ «البنك المركزي العراقي» سنان الشبيبي، الذي كان يسعى للحفاظ على الارتباط بين العراق والنظام المالي العالمي بفرض التزام العراق بالعقوبات الدولية. واطاح المالكي بالشبيبي، الذي يحل محله اليوم محسن العلاق، وهو سياسي ينتمي لحزب «الدعوة الاسلامية».

منذ أن اختارت بغداد تسييس مصرفها المركزي، ومنذ اختارت علاقتها مع ايران على بقائها في النظام المالي العالمي، بقي قطاعها المصرفي خارج المنظومة الدولية، حسب مسؤولين اميركيين.

الخيار نفسه يواجهه حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة، الذي يخيره الاميركيون بين التزام العقوبات المفروضة على الحكومة الايرانية و«حزب الله» اللبناني لتهم تتعلق بالارهاب، او اخراج النظام المصرفي اللبناني من المنظومة الدولية.

ويرى المسؤولون الاميركيون ان الفارق بين بيروت وبغداد شاسع، فرغم ان الاخيرة كانت جمعت احتياطيا بلغ 60 مليار دولار، مع حلول صيف 2012 بسبب مبيعات النفط وارتفاع سعر النفط عالميا، الا ان الحكومة العراقية اليوم شبه مفلسة، وتحتاج الى سيولة. كما ان البنوك العراقية، وعددها سبعون، بقيت متأخرة عن المنظومة العالمية حتى بعد انهيار نظام صدام حسين، وحتى بعد قيام المجتمع الدولي برفع العقوبات عن بغداد، والغاء معظم الدول الدائنة لديونها التي كانت تطالب بها الحكومة العراقية بعد التغيير الذي طال الاخيرة في العام 2003.

ويقول مسؤولون أميركيون أن «الوضع اللبناني مختلف عن نظيره العراقي، اذ ان القطاع المصرفي اللبناني متطور بالمعايير العالمية، ويتمتع بتاريخ عريق يعود على الاقل الى منتصف القرن الماضي، عندما بدأت رؤوس الاموال العربية تفد البنوك اللبنانية، اما هربا من الانظمة العسكرية والاشتراكية التي وعدت بالتأميم، كمصر وسورية والعراق، او لعدم وجود قطاع مصرفي بديل في الخليج، الذي كانت الاموال النفطية بدأت تتكدس فيه».

ومع انحسار الاموال العربية، على الاقل بسبب قيام مصارف كبيرة في عموم المنطقة وخصوصاً في الخليج، تحول اعتماد المصارف اللبنانية على تحويلات المغتربين اللبنانيين وايداعاتهم للحفاظ على ديناميكية القطاع المصرفي اللبناني والاستمرار بتطويره.

ويوضح المسؤولون الاميركيون انه منذ هجمات 11 سبتمبر، قامت الولايات المتحدة بمجهود كبير أعادت بموجبه تنظيم القطاع المصرفي حول العالم لجعله اكثر شفافية، من ناحية لمنع تبييض الاموال خصوصا بين الارهابيين، ومن ناحية ثانية لملاحقة الاميركيين المتهربين من الضرائب.

ولأن اقتصاد الولايات المتحدة يمثل قرابة 15 في المئة من الاقتصاد العالمي، ولأن الدولار هو العملة الاوسع انتشارا وهو بمثابة النقد العالمي المعتمد، يمكن لواشنطن فرض مجموعة من الشروط تؤدي الى عزل اي حكومة تتخلف عن القوانين الأميركية عن النظام المالي العالمي بشكل عام، وهو ما هددت به واشنطن بيروت في حال لم يمتثل «مصرف لبنان» للقوانين الأميركية، بما في ذلك اغلاق حسابات والتبيلغ عن أي حسابات وهمية او مشتبه فيها تعتقد واشنطن انها مرتبطة بالحكومة الايرانية وخصوصا بمسؤولين في «الحرس الثوري الايراني».

ويقول المسؤولون الاميركيون ان التعاون بين واشنطن وبيروت ليس وليد الساعة، وانه على مدى العقدين الماضيين، زار كبار مسؤولي وزارة الخزانة الأميركية لبنان بشكل متكرر لمراقبة المصارف اللبنانية، او لإبداء شكاوى لنظرائهم اللبنانيين، او للتحري عن مؤسسات مالية لبنانية او اجنبية، مثل «بنك صادرات ايران» الذي يدير خمسة فروع في عموم لبنان.

ويتابع المسؤولون الاميركيون ان المصرفيين اللبنانيين، وفي طليعتهم رياض سلامة، معروفون بحنكتهم وخبرتهم في القوانين الدولية، وانهم ابدوا تجاوبا على مدى العقدين الماضيين، وهو ما ابقى لبنان خارج دائرة الاستهداف رغم قيام واشنطن باغراق او عزل مؤسسات لبنانية مثل «البنك اللبناني الكندي»، ومؤسسات صيرفة وتحويلات من الحجم المتوسط.

ومع توقيع الرئيس باراك أوباما على قانون مكافحة تمويل «حزب الله» في ديسمبر، صارت الحكومة الأميركية ملزمة تقديم بيانات بتجاوب حكومات العالم بالقانون الجديد، وتقديم تقارير دورية كل ستة اشهر تظهر اي اختراقات قد تقوم بها المصارف المركزية، حتى يقوم الكونغرس بفرض عقوبات اضافية وتاليا فرض المزيد من العزلة على اي مصرف او حكومة لا تلتزم العقوبات على «حزب الله» والعقوبات المتعلقة بالارهاب على ايران.

وقال المسؤولون الاميركيون انه يبدو ان «المتضررين من قانون العقوبات على حزب الله في لبنان قرروا توجيه تهديدات عنيفة لحض المصارف وسلامة على عدم التجاوب مع القوانين الأميركية، وهو ما يضع القطاع المصرفي اللبناني والمصرف المركزي خصوصا امام خيار صعب: اما يحاول المتضررون من قانون عقوبات حزب الله الاطاحة بهم، او تقوم الولايات المتحدة بعزل لبنان عن النظام المالي العالمي».

واضاف: «في حالة العراق، كان ممكنا للمالكي عزل الشبيبي واحالته الى التقاعد. في لبنان، وفي غياب رئيس للجمهورية، وفيما الحكومة معطلة والبرلمان مقفل تصبح الاطاحة بسلامة اداريا متعذرة، وهو ما يطرح مخاوف حول سلامته الشخصية».

الأسد وانقلاب المزاج الاميركي

حسين عبدالحسين

سرقت العريضة التي وقعها ديبلوماسيون أميركيون ضد سياسة الرئيس باراك أوباما تجاه سوريا، والتي وصفها الزميل ساطع نورالدين عن حق بـ “مقالة رأي من الدرجة الثانية”، الاضواء من وثيقة تفوقها أهمية بكثير صدرت في الوقت نفسه. وتعكس الوثيقة الاكثر جدية انقلابا في المزاج الاميركي في السياسة الدولية، وخصوصا تجاه الحرب السورية ومستقبل الرئيس السوري بشار الأسد.
في “مركز أميركا للابحاث الامنية” اصدرت مجموعة من 35 خبيرا وباحثا وديبلوماسيا سابقا من الوزن الثقيل وثيقة حملت عنوان “الحاق الهزيمة بالدولة الاسلامية: مقاربة من الاسفل الى الاعلى”. وتصدر موقعي الوثيقة ميشال فلورنوي، وهي مسؤولة سابقة رفيعة المستوى في وزارة الدفاع (بنتاغون)، رفضت ترشيحها الى منصب وزيرة خلفا لتشاك هيغل، الذي طرده أوباما. ربما تراهن فلورنوي على الفوز بمنصب وزيرة دفاع في عهد ادارة جديدة، بدلا من شغله في السنة الاخيرة من عهد رئيس صارت احدى قدميه خارج البيت الابيض.
الوثيقة هي حصيلة ستة اشهر من النقاشات لمجموعة “كيفية التعاطي مع داعش”، وهي لقاءات رعتها فلورنوي، وشارك فيها 34 من المعنيين بالشأن السوري. وكان لافتا ان عددا من الاسماء المشاركة، والموقعة على وثيقة التوصيات المنبثقة عن اللقاءات، تتضمن شخصيات معروفة بتأييدها فتح حوار مباشر وغير مشروط مع الأسد لالحاق الهزيمة بداعش، من امثال السفير السابق في العراق ريان كروكر، والاكاديميان المؤيدان للأسد مارك لينش وجوشوا لانديس، الى جانب اسماء اخرى مؤيدة للاطاحة عسكريا بالأسد كمقدمة لحل سياسي في سوريا، من امثال بطل حرب العراق ومدير الاستخبارات السابق دايفيد بترايوس.
وتقدم وثيقة فلورنوي تصورا لسياسة أميركا الخارجية المتوقعة في عهد الادارة المقبلة، بغض النظر عن هوية الرئيس، اذ ان المشاركين في صياغتها وتبنيها هم من الحزبين الديموقراطي والجمهوري، ما يشي بأن المزاج الاميركي العام تغير كثيرا على مدى السنوات الثماني الماضية.
وكان “مركز أميركا للابحاث الامنية” نفسه قدم في تموز (يوليو) 2008 وثيقة حملت عنوان “قيادة استراتيجية: اطار استراتيجية أمن قومي للقرن ال21”. حينذاك، تبنى الوثيقة ثمانية ممن تبوؤا في ما بعد ارفع المناصب في ادارة أوباما، كوكيل وزير الخارجية الحالي انتوني بلينكن. وقدمت الوثيقة الماضية الباحثة سوزان رايس، التي شغلت منصبي سفيرة أميركا في الأمم المتحدة وتعمل اليوم مستشارة الأمن القومي لأوباما.
في وثيقة العام 2008، كانت أميركا مثخنة بالجراح عسكريا بسبب حربي العراق وافغانستان، وكانت على شفير كارثة مالية، ولم يلبث “الركود الكبير” ان حصل منتصف ايلول (سبتمبر) من ذاك العام. وترافق التراجع الاميركي مع صعود دول بريكس، اي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا، اقتصاديا وعسكريا وسياسيا. 
كانت وثيقة الباحثين رايس وبلينكن وصحبهما بمثابة اعادة نظر في جدوى استخدام القوى العسكرية الاميركية، وتحدثت حينها عن ضرورة اعادة بناء القوة الاميركية، والاستناد الى الديبلوماسية ومشاركة الزعامة العالمية مع القوى الصاعدة في ادارة العالم وشؤونه.
اما في وثيقة “الحاق الهزيمة بالدولة الاسلامية” الصادرة هذا الشهر، فعودة للحديث عن الاستعانة بالقوة العسكرية الاميركية، ودعوة لتسليح المعارضة السورية ولتوجيه ضربات لقوات الأسد، ولاقامة احزمة “منع قصف جوي” مثل الذي تقوم به قوة الأسد الجوية حاليا. وتطلب الوثيقة الجديدة تمويل المعارضة السورية، لا عسكريا فحسب، بل على صعيد الخدمات المدنية لتمكينها من حكم المناطق الخاضعة لسيطرتها وتقوية مقدرتها على الحكم استعدادا لمرحلة التسوية. 
و تدعو الوثيقة الجديدة الى الابقاء على العراق وسوريا بحدودهما الحالية، لكنها تطلب تطبيق لامركزية واسعة تسمح للمكونات المختلفة للشعبين بممارسة انواع من الحكم الذاتي.
 في العام 2008، كان يسيطر على المزاج العام الاميركي ودوائر صنع القرار شعور بأفول القوة الاميركية، وهو شعور ساهم في صياغة سياسة انسحابية اتقنها أوباما، ثم رماها على رؤوس السوريين والعراقيين. في العام 2016، تغير المشهد العالمي والاميركي. استعادت أميركا ثقتها بقوتها، وعكف خبراؤها، ممن يطمحون للوصول الى مناصب حكومية، على صياغة سياسة تختلف جذريا عن سياسة أوباما. 
في العام 2008، كانت ايران والأسد ينتظران بفارغ الصبر وصول الرئيس الاميركي الانهزامي المنتظر. اما في العام 2016، فامام ايران والأسد، على ما يبدو، ستة اشهر فقط قبل ان يتغير المزاج الاميركي من انهزامي الى اكثر مواجهة.

الأربعاء، 22 يونيو 2016

ترامب متعثر ... وكلينتون تسدّد له ضربات موجعة

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

على مدى الاسبوع الماضي، عانى المرشح الجمهوري للرئاسة رجل الاعمال دونالد ترامب سلسلة من الخيبات، فقد افتتح الاسبوع بطرد مدير حملته الانتخابية كوري لاوندسكي، قبل ان يذيع الاعلام بيانات جمع التبرعات المالية للمرشحين، والتي أظهرت ان المرشحة الديموقراطية وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون جمعت 42 مليون دولار، مقابل 1.2 مليون دولار فقط لترامب، وهو ما دفعه إلى القول إن حملته تتمتع بكمية «غير محدودة» من المال الذي سيقدمه من حسابه الخاص.

ووسط المتاعب التي يغرق فيها المرشح الرئاسي المعادي للمسلمين، وجّهت كلينتون ضربات موجعة إليه في خطاب خصّصته للشؤون الاقتصادية، حيث سخرت من منافسها الذي يتباهى بإطلاق لقب «ملك الاستدانة» على نفسه، متسائلة إن كانت أميركا بحاجة الى رجل اعمال ابرز انجازاته التسبّب بإفلاس عدد كبير من الكازينوات التي كان يملكها. كما شكّكت بحجم ثروته بسبب إحجامه عن كشف بياناته الضريبية، وفق عادة المرشحين إلى الرئاسة، في الانتخابات المقررة في 8 نوفمبر.

بدوره، لجأ ترامب الى سلاحه الأقوى للرد على كلينتون، التي يطلق عليها اسم «الشريرة»، وذلك عبر تغريداته، وسخر من إمكاناتها على «الحكم على الامور»، لكنه أخطأ في تهجئة كلمة «حكم» (جدجمنت في الانكليزية)، فتحولت تغريدته الى دعابة تداولها الاعلام الاميركي.

ويغرق ترامب في متاعبه الانتخابية، في وقت يبدو أن سلفه المرشح الجمهوري السابق ميت رومني، ينشط بشكل كبير بين كبار مموّلي الجمهوريين لحضّهم على الامتناع عن التبرع لحملة ترامب. في الوقت نفسه، ينشط عدد من اعضاء الكونغرس في محاولة جمع اصوات الموفدين الى المؤتمر الحزبي العام، المقرر الشهر المقبل، ممن فاز بهم منافسو ترامب الجمهوريون وهم عضوا مجلس الشيوخ تيد كروز وماركو روبيو ومحافظ ولاية اوهايو جون كايسك، بهدف توحيد هؤلاء خلف مرشح بديل عن ترامب.

وفي وقت اعتقدت غالبية المراقبين ان ترامب سيستغل المجزرة التي ارتكبها الاميركي من اصل افغاني عمر متين في ملهى ليلي في ولاية فلوريدا، لرفع شعبيته، أظهرت أحدث استطلاعات الرأي ان ترامب مازال غارقاً في مواجهة كلينتون.

وزاد في أزمة ترامب إطلالته عبر قناة «فوكس» اليمينية، حيث قال عبرها انه يعتقد ان الرئيس باراك أوباما قد يكون متورطا في عملية إطلاق النار في اورلاندو، وهو تصريح دفع غالبية الاميركيين الساحقة، من الحزبين، الى الرد على المرشح الجمهوري وادانته، فالجمهوريون اعتبروا ان الخلاف السياسي مع الرئيس الذي ينتمي إلى الحزب الديموقراطي المنافس لا يسمح بتوجيه اصابع الاتهام عشوائياً إلى رئيس البلاد.

في هذه الاثناء، اظهرت أحدث استطلاعات الرأي تقدم كلينتون على ترامب بخمس نقاط، 47 في المئة مقابل 42 في المئة. وذكر المستفتون في استطلاع «سي إن إن - أو آر سي» أن 37 من إجمالي الناخبين المسجلين حسموا قرارهم بالتصويت لكلينتون، فيما ابدى 32 في المئة من الناخبين المسجلين ان رأيهم استقر على التصويت لترامب.

وتظهر الاستطلاعات ايضا ان ترامب يعاني بين القطاعات المحسوبة تقليدياً على الجمهوريين، مثل الذكور من البيض، حيث تظهر الارقام ان ترامب بالكاد يحوز تأييد نصفهم. كذلك، تشير الارقام الى أن ترامب يعاني شعبيا بين الإنجيليين المحافظين، قوة الدفع الاولى للحزب الجمهوري، وهو ما دفع بالمرشح الرئاسي الى تجنيد عضو الكونغرس السابقة ونجمة اليمين ميشال باكمان، كما قام بتجنيد القس اليميني المتطرف والذائع الصيت جيري فالاويل، على أمل ان يساهم الاثنان في تحسين وضعه في اوساط اليمين المحافظ ورفع شعبيته المتدنية.

الثلاثاء، 21 يونيو 2016

العلاقة الأميركية - السعودية متينة رغم التباين

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

ذكرت مصادر أميركية رفيعة المستوى ان التباين في الرؤى بقي سائدا بين الرئيس باراك أوباما وضيفه ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خصوصا في ملفي سورية والعراق، وان هذا التباين عاد الى الواجهة اثناء لقاء الزعيمين في البيت الابيض، الجمعة الماضية.

وقالت المصادر الاميركية انه «منذ وصول الملك سلمان (بن عبد العزيز) الى الحكم في 23 يناير 2015، اي قبل أقل من 600 يوم، عقد زعيما الدولتين خمسة لقاءات على مستوى القمة شارك فيها جميعا أوباما ومحمد بن سلمان»، وان وتيرة لقاءات القمة هذه «جرت بمعدل لقاء قمة كل 100 يوم، وهذه وتيرة مرتفعة جدا في اي مقياس».

وتابعت المصادر الاميركية ان «أوباما هو اكثر رئيس (أميركي) زار السعودية اثناء حكمه، اذ بلغت عدد زياراته اربع زيارات». وقالت المصادر ايضا ان الدولة الوحيدة التي تقدمت على السعودية في عدد زيارات أوباما اليها هي فرنسا، التي زارها الرئيس الاميركي ست مرات، والمانيا وبريطانيا والمكسيك، التي زارها خمس مرات، وهذه الدول الاربع هي أكثر الدول قربا من بين حلفاء أميركا حول العالم، فيما تساوت السعودية في عدد زيارات أوباما اليها مع حلفاء كبار لأميركا مثل اليابان وكوريا الجنوبية.

ويشير ارشيف البيت الابيض ان سلفي أوباما في الحكم، اي الديموقراطي بيل كلينتون والجمهوري جورج بوش الابن، زارا السعودية مرة واحدة ومرتين على التوالي، رغم الانطباع السائد ان علاقة كل من كلينتون وبوش بالرياض كانت اكثر متانة من علاقة أوباما.

ومنذ وصول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الى الحكم، استضافت واشنطن زعماء السعودية في ثلاث مناسبات في سنة ونصف السنة، كانت الاولى في لقاء قمة ثنائي، على هامش قمة كامب ديفيد الصيف الماضي، استضاف اثناءها أوباما ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان في المكتب البيضاوي. وفي سبتمبر الماضي، استقبل أوباما خادم الحرمين في المكتب البيضاوي كذلك، وشارك في اللقاء وقتذاك الأمير محمد بن سلمان، الذي شكل لقاؤه بأوباما، الجمعة الماضية، زيارته الثالثة الى البيت الابيض.

وتلفت المصادر الاميركية الى ان أوباما سعى لارساء تقليد يقضي بعقد قمة سنوية بين الرئيس الاميركي وزعماء دول «مجلس التعاون الخليجي»، على ان تتداور واشنطن والعواصم الخليجية على استضافة هذه القمة السنوية.

هذا البرنامج من اللقاءات المكثفة على اعلى مستوى بين واشنطن والرياض يؤشر، لا الى متانة العلاقة بين أميركا والسعودية فحسب، بل إلى سياسة أوباما التي تنظر الى دول الخليج عموما، والسعودية خصوصا، على انهم في صدارة الشركاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة حول العالم.

وتعتبر المصادر الاميركية انه «رغم الانطباع السائد، والقائل ان التوتر يسود العلاقة الاميركية- السعودية منذ وصول الرئيس أوباما الى الحكم، الا ان الواقع يشي بعكس ذلك، بل ان التعاون بين البلدين زاد وصار اكثر متانة في عهد باراك أوباما».

وتتمسك المصادر الاميركية باعتبار ان «التباين بين الحلفاء ممكن ولا يعني اختلافا او توترا في العلاقة، بل اختلاف في رؤية تجاه مواضيع دولية لا تدخل في صلب العلاقة بين الحليفين».

في هذا السياق، تشير المصادر الاميركية الى التباين بين أوباما وبن سلمان، الذي عاد الى الواجهة مجددا الجمعة الماضية. تقول المصادر: «نحن نعتقد ان الحاق الهزيمة بداعش (تنظيم الدولة الاسلامية) هو مفتاح الحل في العراق وسورية، وهم (السعوديون) يرون انه يستحيل التخلص من داعش من دون التخلص من جذور المشكلة واسبابها، اي التخلص من (الرئيس السوري بشار) الأسد، وممارسة المزيد من الضغط على بغداد للقبول بشراكة حقيقية في الحكم مع عشائر غرب العراق».

لكن هذا لا يعني اختلافا. فالدولتان، اي أميركا والسعودية، تتفقان على ضرورة الحاق الهزيمة بداعش، والدولتان تتفقان على ضرورة حصول تغييرات واسعة في الحكم في دمشق وبغداد كجزء من التسوية السياسية التي تمنع قيام مجموعات مشابهة لداعش مجداد. «الا ان الفارق الوحيد يكمن في ترتيب الاولويات»، حسب المصادر، التي ختمت بالقول: «هم يعتقدون ان الحل يبدأ بتسوية سياسية أولا تسمح بتوجيه الاهتمام نحو الحرب ضد داعش، ونحن نعتقد ان التخلص من داعش يسمح بالتفرغ لمشكلة الأسد».

الاثنين، 20 يونيو 2016

روبرت فورد: اخطأنا في فلسطين

حسين عبدالحسين

انضم دبلوماسيون أميركيون سابقون لزملائهم العاملين في الخارجية الاميركية، ممن وقعوا مذكّرة داخلية، اعترضوا فيها على سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما تجاه سوريا. وكان في طليعة الدبلوماسيين السابقين فرد هوف، والسفير السابق في سوريا روبرت فورد. الأول في مطالعة كتبها على موقع "مركز رفيق الحريري في مجلس الاطلسي"، الذي يديره، والثاني في مقابلة أجراها مع مجلة "نيويوركر".

على ان ابرز ما جاء في المراجعة النقدية التي قدمها فورد في "نيويوركر" لا يتعلق بسوريا فحسب، بل بعموم السياسة الخارجية الاميركية على مدى العقود الماضية بتحميله الادارات الاميركية المتعاقبة سبب فشل عملية السلام الفلسطينية - الاسرائيلية. وييدو أن فورد يعتقد ان أميركا اخطأت، عموماً، في كل مرة تخلت فيها عن "الوسطيين السنة المعتدلين"، وأنه كلما تراجع هؤلاء، برز المتطرفون على حسابهم.

يقول فورد "الخطر يكمن انه، مثلما انهار المركز الفلسطيني، كذلك سينهار المركز السوري، هذه هي رسالة العريضة، ومفادها ان علينا ان نستعيد المجموعة السنية العربية المعتدلة حتى نهزم (تنظيم الدولة الاسلامية) داعش".

وهذا هو التصريح الاول، وربما الوحيد، من دبلوماسي، ومخضرم في شؤون المنطقة العربية، يحمّل فيه أميركا، لا الفلسطينيين، مسؤولية انهيار عملية السلام. وفورد سبق ان عمل في عواصم شرق اوسطية متعددة قبل تعيينه سفيرا في دمشق في ٢٠١٠، كان آخرها في بغداد حيث ساهم في مواكبة "خطة زيادة القوات"، والتحالف مع عشائر غرب العراق السنية التي عرفت بـ"الصحوات"، والتي هزمت، مع الاميركيين تنظيم "القاعدة" في العراق.

ويبدو ان فورد يعتقد ان انهيار الاعتدال السني حصل بعد قيام أميركا بتسليم العراق إلى حكومة بغداد الشيعية، هو السبب الرئيس خلف قيام "داعش". وبتقديمه الفلسطينيين مثلاً، يبدو ان فورد يعتقد أيضاً أن تخلي أميركا عن السلطة الفلسطينية المعتدلة كان سبباً في صعود تنظيمات فلسطينية متطرفة لمواجهة التطرف الاسرائيلي، فانهارت العملية السلمية، وانهارت آفاق أي تسوية فلسطينية - اسرائيلية حتى اشعار آخر.

تراجع الوسط السني في العراق وفلسطين له تأثير مشابه في سوريا، حيث يتوقع فورد ان ينجح التحالف الدولي في استعادة الرقة والموصل من "داعش"، لكن التنظيم لن ينتهي، بل هو سيتحول الى "تمرد"، ما يعني استمرار عمليات العنف والمواجهات العسكرية.

تصريح فورد الفريد من نوعه يشي بأن بعض الاميركيين، من الخبراء والدبلوماسيين السابقين وحتى الحاليين، أصبحوا أكثر إدراكاً لشؤون المنطقة العربية واسباب مشاكلها. هذه المرة، لا يقول المسؤول الاميركي السابق ان خيبة فلسطين لدى العرب أدت الى احباطهم ودفعتهم الى الثأر في دول اخرى، بل هو يقدم فشل عملية السلام في فلسطين كنموذج مشابه لفشلها في سوريا وحتى في العراق.

هذه المرة يقدم فورد مقاربة جديدة يعتبر فيها أن انحياز الولايات المتحدة لأقلية طاغية، على حساب أكثرية مغلوب على أمرها، هو في صلب صعود الارهاب في بعض ثنايا العالم العربي. وهذه المرة يقدم فورد اكبر تشبيه بين انحياز أميركا لاسرائيل، وتالياً التسبب بانهيار العملية السلام واستمرار العنف في الاراضي الفلسطينية، وسكوت أميركا عن عنف الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يبدو انحيازاً له على حساب خصومه، وهو ما من شأنه كذلك ان يطيل أمد العنف في سوريا ويعرقل التسوية السلمية كما في فلسطين.

وبين فلسطين وسوريا، ساهم الانحياز الاميركي لإيران وحلفائها العراقيين، الذين يحاولون القضاء تماماً على المكونات الاخرى، كالأكراد والسنة، بتجديد المجموعات الإرهابية لنفسها، من "القاعدة عراق"، إلى "القاعدة في بلاد النهرين"، ثم "الدولة الاسلامية في العراق"، وصولاً إلى "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش)، وأخيراً "الدولة الاسلامية".

مثل فورد، صار كثيرون من الدبلوماسيين الاميركيين والخبراء يدركون ان هزيمة الارهاب، مثل "داعش"، ليست على ارض المعركة فحسب، بل في تسوية سلمية عادلة تنصف كل المكونات المشكلة للعقد الاجتماعي، ان في فلسطين او في العراق او في سوريا. اما الاستثناءات دفاعا عن اقلية ما — يهودية ام علوية ام مسيحية — فهي في صلب تقويض العدالة، وتالياً استمرار النزاع على دمويته والدمار والمآسي التي يتسبب بها.

السبت، 18 يونيو 2016

تمرّد في الخارجية الأميركية ضد سياسة أوباما السورية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تعذر القضاء على «داعش» سببه غياب العنصر السني المطلوب للقيام بهذه المهمةخرج إلى العلن الخلاف بين أجنحة السلطة الأميركية، والمستمر منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011. فللمرة الأولى منذ عقدين، لجأ عشرات الديبلوماسيين في وزارة الخارجية إلى توقيع عريضة تنتقد سياسة الرئيس باراك أوباما تجاه سورية، وتحمّل هذه السياسة مسؤولية أبعاد حلفاء أميركا الدوليين والسوريين عنها، وتطالب بتوجيه ضربات جوية لقوات الرئيس السوري بشار الأسد، وتسليح معارضيه.

وقالت مصادر في وزارة الخارجية إن عدد موقعي العريضة بلغ 51 ديبلوماسياً من المستويات المتوسطة والعليا، وأن عدداً كبيراً منهم يعمل، أو سبق أن عمل، في الملف السوري. وقالت المصادر إن عدد الديبلوماسيين كان مرشحا للارتفاع ليصل مئة، لكن الأنباء تسربت قبل أن يتسنى جمع عدد أكبر من الموقعين.

وأرسل الديبلوماسيون الأميركيون المتمردون عريضتهم عبر «قناة التمرد»، وهي قناة رسمية سرية تم إنشاؤها أثناء حرب فيتنام في السبعينات للسماح للديبلوماسيين بالتعبير عن رفضهم الاستمرار في التورط العسكري الأميركي هناك والاعتراض على الديبلوماسية التي كانت ترافق الحرب.

أما نص العريضة، فيستعيد الخطاب الذي أدلى به وزير الخارجية جون كيري أمام لجنة الشؤون الخارجية مطلع العام 2012 في جلسة استماع تثبيته في منصبه، يوم قال إن الوسيلة الأفضل للتعامل مع الأسد هي توجيه ضربة عسكرية إليه ودعم معارضيه عسكرياً «حتى يقرأ الأسد الكتابة على الحائط ويدرك أن الحسم العسكري لصالحة مستحيل، وأن بقاءه في الحكم مستحيل كذلك، وأن السبيل الوحيد المفتوح أمامه هو الخروج من السلطة».

كذلك، استعادت المذكرة ما دأب على قوله «أبطال حرب العراق» العسكريون، من أمثال الجنرال السابق دايفيد بترايوس، والديبلوماسيون مثل السفير السابق في سورية - والذي سبق أن عمل في العراق كذلك - روبرت فورد. ويعتقد هؤلاء أن السبيل الوحيد لتثبيت الوضع في العراق وسورية يقضي بإعادة التوازن بين السنة والشيعة في البلدين، مع ما يقتضي ذلك من تواصل أميركي عسكري وسياسي مع عشائر السنة غرب العراق وفي عموم سورية.

ويعتقد جنرالات العراق وديبلوماسيو سورية من الأميركيين أن من شأن إعادة الوزن إلى المقاتلين السنة تحويلهم إلى حلفاء، وأن تقويتهم من شأنها أن تساهم في القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، وفي الوقت نفسه تحقيق توازن عسكري مع الأسد يقنعه أن الحسم لصالحه مستحيل.

واعتبرت المذكرة أن استمرار «داعش» وتوسع نطاق عملياته حول العالم سببه تعذر القضاء عليه، وذلك بسبب غياب العنصر السني المطلوب للقيام بهذه المهمة.

كذلك ورد في المذكرة انتقادات واسعة للبراميل المتفجرة التي ترميها مروحيات الأسد فوق مناطق المعارضة السورية، ومنع الأسد دخول شحنات المساعدات الإنسانية إلى هذه المناطق. كما حمّلت العريضة أوباما مسؤولية أخلاقية تجاه الوضع الإنساني المتدهور في سورية.

وتكتسب المذكرة أهمية كبيرة لكونها ستلعب دوراً أساسياً في تشكيل رؤية وسياسة الرئيس الأميركي الذي سيتسلم الحكم مطلع العام المقبل، أكانت الديموقراطية هيلاري كلينتون أم الجمهوري دونالد ترامب، على غرار مساهمة معارضة حرب العراق، التي كانت في أوجها أثناء حملة أوباما الرئاسية في العام 2008، في صياغة برنامجه الانتخابي في السياسة الخارجية، والذي تحول إلى سياسة تقضي بتوخي الحذر الشديد في استخدام القوة الأميركية المسلحة حول العالم.

كذلك، أكدت المذكرة ما دأب على قوله المسؤولون السابقون في إدارة أوباما، من أمثال وزيري الدفاع السابقين روبرت غيتس وليون بانيتا، لناحية أن أوباما مارس مركزية خانقة في إدارته، وأن مركزيته أدت إلى تهميش وزارتي الخارجية والدفاع، لمصلحة «مجلس الأمن القومي» التابع مباشرة للبيت الأبيض والرئيس، وهي المركزية نفسها التي أطاحت بوزير الدفاع السابق تشاك هيغل، ودفعت المرشحين لخلافته إلى رفض ترشيحهم لمنصب وزير لوزارة ذات ثاني أكبر ميزانية في العالم.

وفيما يعمل ديبلوماسيون محترفون في وزارة الخارجية، وكذلك عسكريون محترفون في وزارة الدفاع، يعمل في «مجلس الأمن القومي» غالباً مستشارون ممن سبق أن عملوا خبراء في مراكز أبحاث، مثل مستشارة الأمن القومي سوزان رايس ونائبها سابقاً ووكيل وزارة الخارجية حاليا أنتوني بلينكن، أو ممن ساهموا في حملة الرئيس الانتخابية، مثل نائب رايس بن رودز.

وعلى الفور تسببت المذكرة بإحراج واسع لإدارة أوباما، ورفض الناطق باسم الخارجية جون كيربي التعليق على مضمونها، رغم تأكيده أن مكتب الوزير تسلمها. إلا أن مصادر الخارجية أكدت لـ «الراي» أن كيري قرأ المذكرة قبل أسبوع، وأنه أعرب عن تضامنه معها، وأن تصريحه في النرويج، والذي وجهه لروسيا والأسد لناحية أن أميركا قد ينفد صبرها، جاء على خلفية إدراكه أن عليه إنقاذ بعض ماء الوجه أمام ديبلوماسييه، وإظهار بعض الحزم في سورية، وهو ما قد يساهم بدوره في تغيير حالة التراخي التي تعيشها أميركا، حكومة وشعباً، تجاه الأزمة السورية.

ووصف كيري المذكرة بأنها «إعلان مهم» سيبحثه حين يعود إلى واشنطن. وقال لوكالة «رويترز» خلال زيارة إلى كوبنهاغن «إنه إعلان مهم وأنا أحترم العملية جداً جداً. ستتاح لي... فرصة للاجتماع مع الناس حين أعود».

الجمعة، 17 يونيو 2016

اسلام داعش

حسين عبدالحسين

الدراسة حول تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش)، التي نشرها “معهد كارنيغي للسلام” بقلم الصديق الديري (ابن دير الزور) حسن حسن تفصيلية شاملة وفيها الكثير من المعلومات القيمة التي تهدف الى تقديم “كيف يفكر هذا التنظيم”، كخطوة اولى لالحاق الهزيمة به، حسبما ينقل حسن عن الجنرال في منطقة القيادة الوسطى في الجيش الاميركي مايك ناغاتا.

ويخوض حسن في ثنايا “الفكر” الداعشي، الذي ينسبه الى المدارس الوهابية والسلفية والتكفيرية. على انها على اهميتها، تشوب دراسة العزيز حسن مشكلة، فهي لم تجب عن تصرفات ينفرد بها داعش دون غيره من تنظيمات العالم الاسلامية بأسرها. مثلا، لماذا قام داعش بمنع من يسكنون الاراضي التي يسيطر عليها من استخدام الصحون التلفزيونية اللاقطة (دش)؟

قد لا يعرف الاجابة الا من عاصر حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي حرّم على العراقيين استخدام هذه التقنية تحت ذريعة حجب الدعاية المغرضة التي يبثها اعداء الامة العربية، وهي دعاية — حسب صدام — من شأنها ان تؤدي الى اضعاف نفوس العراقيين. 

كان صدام حسين يقرر كل ما يحق للعراقيين ان يشاهدونه او يقرأونه او يسمعونه. تقارير القتال من جبهات الحروب الثلاثة التي خاضها العراق كانت تأتي حصرا من وزارة الاعلام العراقية، التي راح آخر وزرائها يصرّ ان “علوج الاميركيين” لم يصلوا البصرة بعد، فيما كان الاميركيون ينقضّون على مطار صدام الدولي غرب بغداد.

كان “بعث العراق” يشوّش على موجات البث الاذاعي للدول المجاورة، وكان “الاستاذ عدي”، نجل الرئيس وصاحب “تلفزيون شباب”، يقرصن البرامج العالمية على انواعها ويبثّها. حتى الانترنت بقي بعيد المنال للعراقيين. واذكر ان مسؤولة في السفارة الايطالية اخبرتني يوما انها كانت تمرّ على مكتب الاستخبارات في مديرية كرخ بغداد، كل صباح، لتستلم “فلوبي ديسك” يحوي الايميلات التي وصلت السفارة.

هكذا كان “بعث العراق”، يقطع يد من يتم القبض عليه وفي حوزته نقد اجنبي، ما اضطر العراقيين لاستبدال تسمية “مئة دولار” بـ “ورقة”، وهي تسمية مازالت تستخدم حتى اليوم. كان الامن العراقي يقطع آذان وخشوم المتخلفين عن الخدمة العسكرية، ويلقي آخرين عن السطوح عقابا على تهم مختلفة، بعضها كان صحيحا، وبعضها الآخر كتبه متسلقو السلطة في تقاريرهم لتقديم قربان دموي يبقي البعثيين وحفلتهم الدموية مستمرة.

مع كل الاحترام للعزيز حسن، صاحب كتاب “داعش” هو والصديق الآخر مايكل وايز، وهو كتاب تصدر المبيعات في أميركا وتحول الى مرجعية حول التنظيم. ومع كل الاحترام لصديقنا الثالث في لندن مايكل اورتون، الذي نشر دراسات ومقالات حول داعش، منها في “نيويورك تايمز”، اعتبر فيها ان بوادر الاسلمة في العراق بدأت مع الحملة الايمانية التي شنها صدام حسين على اثر تضعضع حكمه بعد حرب الخليج الاولى في العام ١٩٩١، يبدو ان البحث عن دموية داعش في اسلامه بحث عقيم.

فالخبراء الثلاثة، وغيرهم، لن يعثروا على اي مذهب او مدرسة اسلامية، متطرفة او معتدلة او بين بين، يمكنها تفسير التصرفات الفظة والدموية لداعش. وحدها تقاليد “بعث العراق” هي التي يمكنها ان تقدم تفسيرات حول سبب دموية داعش، وحول عدائه لكل المسلمين الآخرين، سنة ام شيعة، وحول عدائه غير المحسوب للامبريالية. 

ربما هي بعض القوى الاقليمية و العالمية التي تصرّ على إلصاق داعش بالاسلام. ربما هذه القوى هي نفسها الحريصة اليوم على الحفاظ على “بعث الأسد”، وهذا لا يقل دموية عن “بعث صدام”، مع فارق وحيد ان صدام وداعش اكثر فجاجة وصلافة في دمويتهم من دموية آل الأسد، الذين يعرفون كيف يصادقون الخارج للقضاء على الداخل. اما صدام وخلفاؤه الداعشيون، فيعتقدون ان باستطاعتهم القضاء على الداخل والخارج في الوقت نفسه.

هي ايران وشيعتها من العراقيين ممن يعرفون اكثر من غيرهم ان داعش تنظيم صدامي، وان إلصاق الاسلام به هدفه الاساءة الى باقي المسلمين العرب، فغالبية الشيعة العراقيين يسمون مقاتلي داعش “البعثيين الدواعش”. اما عندما استولى مقاتلو ايران العراقيون على تكريت، فراحوا يطلقون النار على قبر صدام، في مشهد بدا وكأنه تأكيد ان الحرب على داعش هي مجرد ثأر قديم نقل بموجبه جنرالات ايران خط الجبهة من الفاو الى الفلوجة. 

اما اقحام الاسلام في داعش، والايغال في الشرح والتفسير، فتمارين فكرية لمن لا يعرفون العراق او الاسلام، او لمن يعرفون ويقولون غير ما يعرفون.

الثلاثاء، 14 يونيو 2016

محمد بن سلمان ضيفاً على أوباما بعد غد

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أقام وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري غروب أمس بتوقيت واشنطن افطارا على شرف ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي حطت طائرته في واشنطن صباح أمس، في زيارة أعلن الديوان الملكي السعودي أنها تأتي بناء على توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز واستجابة لدعوة مقدمة من حكومة الولايات المتحدة.

ومن المقرر ان يلتقي الامير محمد بن سلمان عددا من كبار المسؤولين الاميركيين، وعلى رأسهم الرئيس باراك أوباما، الذي يستضيف ولي ولي العهد بعد غد الخميس في المكتب البيضاوي في البيت الابيض. وهذه هي الزيارة الرسمية الثالثة لولي ولي العهد الى العاصمة الاميركية، والأولى التي يترأس فيها الوفد السعودي.

ويغادر ولي ولي العهد السعودي العاصمة الاميركية الخميس، بعد لقائه أوباما ونظيره وزير الدفاع آشتون كارتر، متوجها إلى نيويورك، حيث من المقرر ان يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. ثم ينتقل الى ولاية كاليفورنيا غرب البلاد، ليقوم بجولة في سيليكون فالي، مقر كبرى شركات التكنولوجيا الاميركية مثل «غوغل» و«فيسبوك» و«آبل» و«تويتر» و«اوبر».

ويصطحب الامير محمد بن سلمان وفدا يضم وزراء سعوديين ورجال اعمال وخبراء اقتصاديين. وقالت الاوساط الاميركية المتابعة ان زيارة ولي ولي العهد تأتي في اطار عمله على تنفيذ «رؤية 2030»، الخطة الاقتصادية الهادفة الى تحديث الادارة السعودية وتطوير اقتصادها وجعله مستقلا عن مداخيل مبيعات النفط.

وكان الأمير محمد بن سلمان اعلن رؤيته، التي شاركت في صياغتها اكبر الشركات الاستشارية الاميركية والاوروبية، قبل اسابيع، وهي تتضمن ترشيد الانفاق الحكومي السعودي، وترشيق الادارة الحكومية، وخصخصة المرافق العامة مثل البريد والماء والكهرباء والانترنت. حتى شركة «آرامكو» السعودية، اكبر شركة انتاج نفط في العالم، ستكون معروضة اسهم حصة منها للبيع في سوق الاسهم.

وشرحت المصادر الاميركية ان «رؤية 2030» تتضمن قيام السعودية بجمع رأسمال ضخم تضيفه الى سيولة نصف تريليون دولار تخزنها حاليا. ثم ستعمد الرياض الى «توظيف» رصيدها المالي الضخم في قطاع الخدمات المالية، وهو ما يعود على الخزينة السعودية بعائدات تأمل الحكومة السعودية ان تناهز عائدات النفط، ما يسمح للمملكة بالاستقلال عن عائداتها النفطية، التي تشكل عماد اقتصادها حاليا.

وتتابع المصادر الاميركية ان السعودية اشترت حصة وازنة في شركة «اوبر» لخدمات النقل، وان الرياض حاليا تتفاوض مع عدد من كبرى الشركات الاميركية لتشتري اسهما فيها بهدف الربح المالي.

كما تقول المصادر الاميركية ان الامير محمد بن سلمان يعتقد ان في الولايات المتحدة عددا كبيرا من المستثمرين واصحاب الخبرات ممن يمكنهم المساهمة في انجاح عملية خصخصة المرافق العامة، وهي محور زيارة المسؤول السعودي.

على ان الزيارة السعودية لن تقتصر على تقوية التعاون الاقتصادي بين البلدين ودعوة الاميركيين الى المشاركة في «رؤية 2030» والمساهمة في تحديث الاقتصاد السعودي، بل ان ولي ولي العهد سيتطرق في لقاءاته الى الشؤون السياسية في منطقة الشرق الاوسط، يتصدرها موضوع الحرب على الارهاب «بما فيه الحرب على (تنظيم الدولة الاسلامية) داعش والتنظيمات الارهابية الاخرى في العراق وسورية ولبنان»، حسب المصادر الاميركية. ولهذا السبب، اصطحب الامير السعودي رئيس الاستخبارات السعودية العامة خالد الحميدان، ومن المتوقع ان يلتقي الوفد السعودي مدير الاستخبارات الوطنية القومية جايمس كلابر ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي) جون برينان.

يلي الحرب على الارهاب حوار مقرر حول الحرب في اليمن، حيث يتوقع ان يطلع الامير السعودي مضيفيه الاميركيين على مجريات الحرب في اليمن والحوار اليمني - اليمني في الكويت. بعد اليمن، من المقرر ان يخوض ولي ولي العهد السعودي مع مضيفيه الاميركيين في الملف السوري، الذي يرتبط جزء منه بملف الارهاب. كذلك، أبلغت الاوساط السعودية التي عملت على تحضير برامج اللقاءات مع نظرائها الاميركية ان الأمير محمد بن سلمان ينوي حثّ واشنطن على القيام بحركة جدية في موضوع فلسطين.

ترامب يطالب أوباما بالتنحّي بعد مجزرة أورلاندو

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

«إننا أمة في حالة حرب مع الإسلاميين الإرهابيين»... هذا ما قاله رئيس مجلس النواب الأميركي بول ريان أمس، في تعليق على مجزرة أورلاندو، التي ارتفع عدد قتلاها إلى 53 وجرحاها إلى 150، وأعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) تبنّيها، وأفرزت تداعيات غير مسبوقة، دفعت المرشح الجمهوري إلى الرئاسة دونالد ترامب إلى مطالبة الرئيس باراك أوباما بالتنحّي، لعدم استخدامه كلمتي «الإسلام الراديكالي» في خطابه إلى الأمة حول المذبحة.

وكان الأميركي من أصل أفغاني عمر صديقي متين (29 عاماً) هاجم، فجر أول من أمس، ملهى «بالس» للمثليين في أورلاندو في ولاية فلوريدا، وقتل 53 قتيلاً وجرح نحو 150 في اكبر مجزرة بإطلاق نار يرتكبها مواطن في التاريخ الأميركي.

وأعلن «داعش» مسؤوليته عن هجوم أورلاندو، وأكدت إذاعة البيان التابعة له: «يسّر الله تعالى للاخ عمر متين احد جنود الخلافة في اميركا القيام بغزوة امنية تمكّن خلالها من الدخول الى تجمع للصليبيين في ناد ليلي لاتباع قوم لوط في مدينة اورلاندو (...) حيث قتل واصاب اكثر من مئة منهم قبل ان يُقتل».

إلا أن السيناتور بيل نيلسون قال ان مسؤولية التنظيم عن الهجوم لم تتأكد بعد.

وصرح للصحافيين في فلوريدا: «وكالة أنباء الدولة الإسلامية أصدرت بيانا يقول إنهم مسؤولون. لم يتأكد هذا... ينبغي أن نتبين ما هي تلك الصلات بمجرد حصولنا على تفاصيل».

كما ذكر مسؤول في الاستخبارات الأميركية: «حقيقة أن موقع على الانترنت مرتبط بداعش أشاد بالحادث لا يعني أي شيء»، معتبراً النظرية الأقرب هي أن متين استلهم بطريقة ما فكر «داعش».

وأظهرت ملفات مكتب التحقيقات الفيديرالي (إف بي آي) أن السلطات حققت مع متين - الذي يعمل حارساً في مبنى قريب من مكان ارتكابه الجريمة - في العامين 2013 و2014، وانها اقفلت ملفه عندما لم تجد اي رابط بينه وبين اي مجموعات متطرفة.

إلا ان الخبراء الاميركيين لفتوا الى الرسالة التي بثها أبو محمد العدناني، من تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) في 22 الماضي، وحضّ فيها مؤيدي التنظيم على القيام بهجمات في الغرب والافادة من الشهادة في رمضان.

وذكر المسؤول في «إف بي آي» في أورلاندو رونالد هوبر أنه قبل دقائق من تنفيذ الهجوم، اتصل متين بأجهزة الطوارئ ليعلن «ولاءه» للتنظيم، وذكر منفذي الهجوم على ماراثون بوسطن في عام 2013.

وأوضح أنه في الأسبوعين الماضيين قام متين بشراء المسدس الذي عثر عليه في مسرح الجريمة من مخزن اسلحة في سانت لوسيا في ولاية فلوريدا.

ووصف احد الجرحى، أنجيل كولون، لوالده، أن متين كان واثقا من نفسه وتحرك بمنهجية.

وقال الاب أنجيل كولون بعد زيارة لابنه في المركز الطبي في اورلاندو: «كان يمر امام كل شخص ممدد على الارض ويطلق النار عيله ليتأكد من موته».

وندد اوباما بالمجزرة، معتبرا انها «عمل ارهاب وكراهية»، مردفاً: «لدينا ما يكفي من المعطيات للقول انه عمل ارهاب وكراهية. اي عمل ارهاب وكراهية لا يمكن ان يغير ما نحن عليه».

وقال إنه لم يتوافر بعد «حكم قاطع» حول الدوافع التي ساقت المسلح إلى تنفيذ ذلك الهجوم «ما هو واضح أنه شخص مليء بالكراهية». وتابع: «الأيام القادمة ستكشف لماذا وكيف حدث هذا وسنذهب أينما تقودنا الحقائق».

وأعلن البيت الابيض وفريق حملة المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون ان المهرجان الانتخابي الذي كان مقررا تنظيمه في غرين باي في ولاية ويسكونسن غداً، والذي كان سيشارك فيه أوباما للمرة الاولى دعما لكلينتون، أرجئ اثر اعتداء اورلاندو.

وألغى وزيرا الامن الداخلي جي جونسون والعدل لوريتا لينش مشاركتهما في اجتماع وزاري مقرر في بكين، كما أعلن حاكم ولاية نيويورك اندرو كومو عن تشديد الاجراءات الامنية بالولاية.

بدوره، اشاد ترامب بكونه «كان على حق في شأن الارهاب الاسلامي المتطرف»، مطالباً أوباما بالتنحّي، قائلاً: «رفض الرئيس أوباما بشكل مخز حتى أن يقول الإسلام الراديكالي.. من أجل هذا السبب وحده، فإنه يجب أن يتنحى».

كما انتقد ترامب كلينتون على بيانها، التي وصفت فيه الجريمة بأنها «عمل ارهابي»، وقالت إن الولايات المتحدة يجب أن تضاعف الجهود لحماية المواطنين في الداخل والخارج، حيث أفاد: «اذا كانت هيلاري كلينتون، بعد هذا الهجوم، لا تزال لا تستطيع قول هاتين الكلمتين (الإسلام الراديكالي)، فيجب عليها أن تخرج من هذا السباق الرئاسي».

وأضاف: «ما حدث في أورلاندو هو مجرد البداية. لدينا قيادة ضعيفة وغير فعالة. أنا لا أريد تهاني.. كوني كنت على حق بشأن الإرهاب الإسلامي المتطرف».

الاثنين، 13 يونيو 2016

أميركا وميليشياتها

حسين عبدالحسين

يبدو انه اصبح لدى الولايات المتحدة لائحتا تنظيمات ارهابية، واحدة معلنة، واخرى مضمرة، وان واشنطن لا تلتزم بـ"ارهابية" من تصنفهم ارهابيين، فيما هي تتفادى التعاون مع من لم تضعهم في خانة الارهاب، ما يخلق حالة استنسابية تربك الحلفاء، وتزيد في التخبط الذي يطال السياسة الخارجية الاميركية منذ اصبح باراك أوباما رئيساً في العام ٢٠٠٨.

في إفطار الاثنين، يستضيف وزير الخارجية جون كيري، في منطقة جورجتاون في منزله الخاص، الذي كان يملكه السناتور الراحل جون كينيدي قبل ان يصبح رئيساً، ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وعلى الرغم من ان زيارة الاخير-التي تستمر حتى يوم الخميس ويلتقي فيها أوباما في البيت الابيض- تأتي تحت عنوان تنفيذ "رؤية ٢٠٣٠"، وهي خطة اقتصادية سبق ان اعلن عنها الامير، الا ان الحوار بين كيري وضيفه السعودي سيتطرق، من دون شك، الى موضوع سوريا.

وتعمل السياسة الخارجية السعودية، منذ اشهر، على تسويق حركة "أحرار الشام الإسلامية" في واشنطن. لهذا السبب، نشر رئيس المكتب السياسي في "الأحرار" لبيب النحاس مقالاً في صحيفة "واشنطن بوست". ثم زار العاصمة الاميركية قبل اسابيع.

لا يخفى على المتابعين أن الحيز الاكبر من الجدال الاميركي حول سياسة واشنطن في سوريا يتمحور حول هوية الفصائل المسلحة التي تسمح الولايات المتحدة لنفسها، أو لا تسمح، التواصل معها، ودعمها بالمال، او السلاح، او بالاثنين معاً، وتقديم غطاء سياسي وديبلوماسي لها في المحافل الدولية.

تقليدياً، لم تر الولايات المتحدة مانعا من التعامل مع المجموعات المسلحة من غير الحكومات، وعززت الحرب الباردة من هذا المفهوم، الذي بلغ ذروته مع قيام واشنطن بتقديم الدعم العسكري والمالي الواسع للمجاهدين في افغانستان في الثمانينات اثناء قتالهم في مواجهة السوفيات.

لكن منذ تمرد زعيم تنظيم القاعدة الراحل اسامة بن لادن، بسبب استعانة الخليج بالقوات الاميركية لاخراج جيش صدام حسين من الكويت في العام ١٩٩١، تحول المجاهد المدلل للاميركيين الى فتى مشاغب، فإرهابي مطلوب، ونشب عداء بين أميركا والقاعدة أدى الى سلسلة من الهجمات في عدن ونيروبي ودار السلام ونيويورك وواشنطن. ردت أميركا باجتياح افغانستان، واصطياد بن لادن، وتحريم التعامل مع المجموعات المسلحة من غير الحكومات.

ثم أجبرت حرب العراق واشنطن على التعاطي مع المجموعات المسلحة لتثبيت الوضع فيه، فاستعانت أميركا بمقاتلي العشائر السنية غرب البلاد، التي شكلت "قوات الصحوات"، وانقضّت، بدعم عسكري ولوجستي ومالي اميركي، على القاعدة، واخرجتها من البلاد.

على ان خطأ أوباما الاكبر كان في عدم فهمه لكيفية التوصل لتثبيت الوضع العراقي، ففتح باب حظيرة سنة العراق لذئاب شيعة ايران، وانهار الوضع مجددا، وعندما حاولت اميركا اعادة وصل ما انقطع مع "الصحوات" لضرب خليفة القاعدة داعش، كانت الثقة بين العشائر والاميركيين تلاشت كلياً.

ثم نجحت اميركا في اعادة تفعيل تحالفها مع فصائل مسلحة كردية، واستندت اليها في إخراج "داعش" من عين العرب/كوباني، ومازالت تستند اليها في قتال "داعش" المستمر غرب العراق وشرق سوريا، وهي تجربة يبدو ان الولايات المتحدة تسعى لتكرارها، وان بخجل، مع مجموعات سورية وعراقية اخرى.

والواضح ان واشنطن أبقت عددا من المجموعات السورية خارج لائحتها الرسمية للتنظيمات الارهابية بهدف ابقاء الباب مفتوحا للتعاون مستقبلا. ويبدو ان "احرار الشام" اقتربت من نيل الموافقة الاميركية، فيما لا يزال "جيش الفتح" متأرجحا بسبب تحالفه مع "جبهة النصرة". حتى هذه الاخيرة، يبدو ان عواصم غربية بدأت تدرس تغيير موقفها منها، بعدما انتزع داعش لقب ارهابي العالم، ما يفتح باب التعامل مع "جناح سياسي" لـ"النصرة"، شبيه بجناح حزب الله السياسي الذي لا تمانع اوروبا من التعامل معه، وكذلك اميركا، وان بشكل غير مباشر.

الموقف الاميركي تجاه ميليشيات سوريا والعراق ولبنان وايران مازال يتطور. وحتى يكتمل، ستستود الفوضى واللاعدالة في طريقة تعامل واشنطن مع الفصائل المسلحة في عموم الشرق الاوسط.

السبت، 11 يونيو 2016

رضا ضرّاب بادل ذهب أردوغان بنفط إيران ... فسقط بضربة «قضائية» أميركية

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

في «وثيقة الدخول» التي يملأها كل من يدخل الولايات المتحدة، سؤال حول كمية النقد التي بحوزة الفرد او العائلة. كل من يصرّح عن اكثر من 10 الاف دولار، يتم تحويله الى فرع الجمارك، الذي يخضع امتعته لتفتيش أكثر دقة، ويسأله عن المبلغ الذي بحوزته وسبب حيازته المبلغ. ويحدث في اوقات كثيرة ان يحمل المواطنون او المقيمون او الوافدون، ممن يعتزمون دخول البلاد، اكثر من 10 الاف دولار من دون ان يصرحوا عنها، واحيانا يخضع هؤلاء لتفتيش عشوائي، فيتم اكتشاف انهم لم يصرحوا بصدق عما بحوزتهم، وهنا يقع الفرد او العائلة في مشكلة قانونية مع الأمن الاميركي، تتصدرها تهمة «اعطاء تصاريح كاذبة»، وفي احيان كثيرة يتم ترحيل غير المواطنين، فيما تتم احالة المواطنين على جهات مختصة للتأكد من عدم تورطهم في عمليات تبييض اموال.

رضا ضرّاب هو رجل اعمال يحمل 3 جوازات، تركي وايراني ومقدوني. وصل ولاية فلوريدا في رحلة مباشرة من اسطنبول في مارس الماضي، هو وعائلته للسياحة في «ديزني لاند»، ولم يصرح عن الاموال التي بحوزته. عندما اوقفه الامن الاميركي، وجد انه يحمل مبلغ 103 الاف دولار اميركي.

وبسبب «اعطائه تصاريح كاذبة»، اوقفه الأمن، وتبين انه ممن وردت اسماؤهم على لائحة من يعملون على تقويض العقوبات الاقتصادية على ايران. ثم خاض الأمن في تحقيقات معه، اعطى فيها المزيد من المعلومات الكاذبة، فهو اخفى انه يحمل جوازين ايراني ومقدوني بالاضافة الى التركي، ونفى اي علاقة له مع السلطات الايرانية، وحاول اعطاء الانطباع بأنه يملك اموالا أقل بكثير مما يملك فعليا.

هكذا، تمت احالته الى المدعي العام الاميركي، وامرت المحكمة بفتح كل ملفاته، بما فيها الآيفون الشخصي الذي بحوزته (وهذا يحتاج الى امر محكمة بسبب تجاوزه قانون الحرية الشخصية). واكتشفت السلطات مراسلات بين ضرّاب وحاكم المصرف المركزي الايراني يخططان فيها لتجاوز العقوبات، وان لضرّاب عددا من الشركات الوهمية في تركيا ودبي ومصر ولبنان، وانه يستخدمها لنقل كميات نقد الى «المركزي» الايراني تعدت الملياري دولار، مقابل عمولة يحصل عليها من الايرانيين.

وكان ضرّاب يستخدم الذهب في تحايله على العقوبات ضد إيران. وفي إحدى المرات تم ضبط حمولة 1.5 طن من الذهب عائدة له على طائرة وصلت إلى اسطنبول من غانا قبل أن تتوجه إلى إيران.

على ان المثير في الأمر هو علاقة ضرّاب وتبرعاته لجمعية خيرية تابعة للسيدة التركية الاولى آمنة رجب طيب اردوغان. كذلك، عثرت السلطات الاميركية في ايميلاته على رسائل ارسلها الى وزراء اتراك، منهم وزير الداخلية معمر غولار، الذي عمل على اطلاق سراحه بعدما اعتقلته السلطات التركية في 2013. وكذلك، تم نقل القاضي التركي الذي تولى القضية ومحاسبته. واظهرت مراسلاته كميات الرشاوى التي سددها لوزراء اتراك.

وفي ذلك الوقت قال في التحقيقات انه مجرد موظف لدى الملياردير الإيراني العضو السابق في الحرس الثوري بابك زنجاني الذي دانته محكمة إيرانية في مارس الماضي مع متهمين آخرين بتهمة الافساد في الارض، وحكمت عليهم بالإعدام، بعد أن قالت وزارة النفط الإيرانية إنه مدين لها بأكثر من 2.7 مليار دولار من مبيعات نفط أجراها نيابة عن حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

وقررت محكمة في إسطنبول الإفراج عن ضرّاب في فبراير من العام 2014، وكذلك نجلي وزيري الداخلية والاقتصاد. ثم جرى لاحقا إسقاط جميع التهم المنسوبة إلى ضرّاب، الذي وصفه أردوغان بأنه رجل خير ساهمت أعماله في خدمة البلاد.

وبسبب قربه من السلطات التركية، علمت «الراي» ان السفارة التركية في واشنطن تراقب محاكمة ضرّاب عن كثب، وان اللوبي المؤيد لانقرة استنفر كل امكانياته لمحاولة اخراجه من السجن، كان آخرها الاسبوع الماضي، عندما قدم محاميه التماسا لنقله من السجن الى الاقامة الجبرية تحت مراقبة حراس يدفع لهم من أمواله إضافة إلى أجهزة مراقبة متطورة، فما كان من محكمة نيويورك حيث تتم محاكمته الا ان ثبتت بقائه في السجن حتى «لا تسمح له الاقامة في سجن خمس نجوم تحت حماية شركة امنية يعمل افرادها كموظفين عنده».

كما رفض الادعاء امكانية اخلاء سبيله بسند كفالة، حددها القاضي بخمسين مليون دولار. ولفت الادعاء الى ان ضرّاب قد يهرب من البلاد، وانه بسبب علاقاته الدولة وامكانياته، سيكون صعبا استرداده لمحاكمته من البلد الذي يلجأ اليه.

ويواجه ضرّاب امكانية السجن لمدة 30 عاما بسبب قيامه بتجاوز العقوبات المفروضة على ايران بتهم الارهاب، وهذه تختلف عن العقوبات التي كانت مفروضة بسبب ملف ايران النووي والتي تم رفعها مطلع العام.

وقال خبراء اتراك في العاصمة الاميركية ان اردوغان عمد الى اتهام المعارض المقيم في ولاية بنسلفانيا فتح الله غولن بتدبير اعتقال ضرّاب في تركيا لأسباب سياسية، الا ان اتهامات اردوغان واهية، حسب ما يقول الخبراء الاتراك لـ «الراي»، وهي اتهامات «يكررها فريق الرئيس التركي منذ اعتقال ضراب في أميركا».

ويختم الخبراء الاتراك في واشنطن انه «يمكن لغولن التأثير في القضاء التركي، ولكن من المستحيل له التأثير في القضاء الاميركي، وضراب مرتكب جرائم مالية كثيرة، نجح في الخروج منها بتركيا، ولكن القضاء الاميركي (الادعاء) اظهر صدق الاتهامات التركية التي تم حذفها بتهم واهية هي تهم التسييس».

وضرّاب معروف في تركيا وإيران حتى قبل فضيحة الفساد، بسبب زواجه من المغنية والممثلة التركية إبرو كنتش، التي قامت بزيارة إيران عدة مرات، وهو ابن أسرة إيرانية ثرية تنشط في مجال الذهب والأسهم والحديد، وانتقلت أثناء الحرب العراقية - الإيرانية إلى دبي وبدأت أنشطتها في مجال الصرافة والتجارة قبل أن تنقل نشاطها إلى الأسواق الواعدة في تركيا.

الجمعة، 10 يونيو 2016

أوباما يتبنّى ترشيح كلينتون والجمهوريون يُعدّون انقلاباً على ترامب

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

ساندرز عرض الانسحاب خلال لقائه الرئيس شرط تبنّي كلينتون نقاطاً في بيانه الانتخابي... وأوباما رفضخلال أقل من 24 ساعة، انقلب الحزب الديموقراطي على المرشح الرئاسي السيناتور عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز، فأعلن الرئيس باراك أوباما تبنّيه ترشيح وزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون، وتلاه نائبه جو بايدن، ومعهما السيناتور عن ولاية ماساشوستس، وأيقونة مؤيدي ساندرز، إليزابيث وارن.

ورغم تفوّق كلينتون على ساندرز في الانتخابات الحزبية التمهيدية في 33 من 55 ولاية ومقاطعة، وحصدها 16 مليون صوت مقابل 12 مليوناً لساندرز، ورغم اجتيازها رقم الموفدين المطلوب لنيلها ترشيح الحزب، فاجأ ساندرز الجميع بإعلانه استمراره في «القتال بقوة، والقتال حتى النهاية» بعد خسارته كاليفورنيا، أكبر الولايات الانتخابية، التي اقامت انتخاباتها الحزبية الثلاثاء الماضي، والتي فازت فيها كلينتون.

تلكؤ ساندرز دفع أوباما الى الاتصال به وإعلامه انه ينوي ترشيح كلينتون ما لم يسحب ساندرز ترشيحه، فطلب الاخير من الرئيس أن يمنحه لقاء، فالتقى الرجلان لمدة ساعة في المكتب البيضاوي في البيت الابيض، أول من أمس، وخرج بعدها أوباما ليعلن تأييده لترشيح كلينتون، وليصفها بالأكثر كفاءة في الولايات المتحدة لشغل منصب رئيس البلاد.

وقال أوباما: «أعلم مدى صعوبة شغل هذه الوظيفة، ولهذا أعلم أن هيلاري ستتحمل أعباءها على نحو جيد للغاية.. في الواقع، لا أعتقد أنه كان هناك أي شخص مؤهل إلى هذا الحد من قبل للقيام بمهام هذا المنصب. أنا معها، إنني مفعم بالمشاعر الجياشة، لا يمكنني البقاء بعيدا عن الدعوة لترشيح هيلاري».

وذكرت حملة كلينتون أن أوباما سيحضر مع كلينتون إحدى فعاليات حملتها في ولاية ويسكونسن الأربعاء المقبل.

أما ساندرز، فأدلى بتصريح، قبل لقائه الرئيس، ألمح فيه الى أنه سينخرط في دعم كلينتون. لكنه لم يعلن صراحة انسحابه، بل وعد في الاستمرار في المنافسة في آخر جولة انتخابية حزبية، التي تقام الثلاثاء في واشنطن العاصمة، وهي مقاطعة ادارية فيديرالية غير تابعة لأي ولاية.

ساندرز أعلن أيضاً أنه سيفعل كل ما في وسعه لمنع المرشح الجمهوري دونالد ترامب من الوصول الى البيت الابيض، لكن إصراره على الاستمرار في المواجهة غير مفهوم، فستين في المئة من سكان واشنطن هم من الأفريقيين الاميركيين، وهؤلاء أظهروا تأييداً كاسحاً لكلينتون على مدى الانتخابات الـ55 الماضية. كذلك في واشنطن غالبية تؤيد «المؤسسة الحاكمة» بشكل عام، ما يعني ان «ثوريي» ساندرز لا يمثّلون تهديداً يذكر لنيل اصوات موفدي واشنطن العشرين. ومع ذلك، يسعى ساندرز إلى الفوز بأصوات العاصمة، عبر إطلاقه وعداً بتأييد تحويلها من مقاطعة فيديرالية الى ولاية، وهو مطلب غالبية سكانها، والمطلب الذي يتبنّاه تقليدياً كل المرشحين الديموقراطيين للرئاسة.

على ان المطلعين على مجريات اللقاء بين أوباما وساندرز، قالوا ان الاخير حاول اقناع أوباما بأنه سينسحب فقط في حال وافقت كلينتون على تبنّي عدد من النقاط الوارد في بيانه الانتخابي، فرد أوباما بالقول إن مرشح الحزب عادة ما يتبنّى البيان الصادر عن لجان الحزب، وإنه يمكن لسيناتور فيرمونت أن يلجأ الى المؤسسات الحزبية لمحاولة إدخال تعديلاته على البيان الانتخابي.

بدوره، غرّد ترامب عقب تبنّي أوباما ترشيح كلينتون، قائلاً إن الرئيس يتبنّى «هيلاري الشريرة» لتمديد اسلوبه في الرئاسة اربع سنوات جديدة، وإن الاميركيين سئموا من أوباما وحكمه، فردت كلينتون بتغريدة فظّة، ربما لمواجهة ترامب بنفس عنجهيته، قالت فيها لمنافسها الجمهوري: «أغلق حسابك (في تويتر)».

وفي الحزب الجمهوري، تصاعد الحديث عن محاولات القيام بانقلاب كامل داخل الحزب يطيح بترامب ويستبدله بمرشح آخر، وأظهرت النقاشات الحزبية ان 10 من كبار اعضاء مجلس الشيوخ يعارضون ترامب وترشيحه، علناً، وأن رئيسين سابقيْن هما جورج بوش الأب والابن وعدا بمقاطعة المؤتمر الحزبي الذي سينعقد في يوليو لترشيحه.

وينشط خصوصاً في اطار نسف ترامب واستبداله، المرشح الجمهوري السابق ميت رومني، الذي قال انه يعارض ترامب لأنه يريد ان يرى احفاده ان «ترامب لا يمثّل أميركا».

أميركا تتبنى “المقاومة”

حسين عبدالحسين

على مدونته التابعة لـ “مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات”، نشر الباحث الايراني أمير توماج صورة، قال انها في الفلوجة، وبدا فيها جنرالان في “الحرس الثوري الايراني” هما “قائد لواء القدس” قاسم سليماني، و”قائد قوات المشاة” محمد باكبور. وعن طريق متابعته لوسائل الاعلام الايرانية، اعتبر توماج ان زيارة سليماني وباكبور حدثت في الثالث والعشرين من ايار (مايو)، وقال ان الجنرالين عادا ادراجهما الى طهران في السابع والعشرين منه للمشاركة في جلسات اطلاع اعضاء البرلمان الايراني على آخر تطورات الحرب العراقية - الايرانية - الاميركية ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش).

وبمطالعة البيانات التي تصدرها “القيادة الوسطى” في الجيش الاميركي، يظهر ان المقاتلات الاميركية نفذت، مثلا، ١٢ غارة يوم ٢٤ الماضي على الفلوجة ومناطق عراقية اخرى، وان الغارات الاميركية لم تنقطع اثناء تواجد الجنرالين الايرانيين على الخطوط الامامية للجبهة، مع ما يتطلب ذلك من تنسيق عسكري بين طهران وواشنطن، على الأقل عن طريق الوسطاء العراقيين.

وكانت صحيفة “وال ستريت جورنال” اليمينية أكّدت، من حيث لا تدري، الود والتعاون الاميركي - الايراني. ففي مقالة مطولة خصصتها لتسليط الضوء على شخصية النائب السابق في البرلمان العراقي جمال الجراح، المعروف بأبي مهدي المهندس القائد الفعلي لميليشيا “الحشد الشعبي” الشيعية، عنونت الصحيفة المقالة بوصف المهندس على انه “الرجل الذي يتسبب لأميركا بشعور بالقلق في العراق”.

المحرر كاتب العنوان في الصحيفة الاميركية يبدو انه لم يقرأ المقالة المذكورة، فهو لو قرأها، لوجد ان المراسلة نور ملص (وهي سورية تقيم في بغداد)، قدمت تفاصيل مثيرة حول الخدمات التي يقدمها المهندس للاميركيين. مثلا، كتبت ملص انه عندما حاول الاميركيون نشر سرب مقاتلات اف ١٦ في قاعدة بلد حتى يتدرب عليها العراقيون ويستخدمونها كقوتهم الجوية، رفض مقاتلون شيعة اخلاء القاعدة، فتدخل ابو مهدي، واخلاها، وسلمها للجيش العراقي والمستشارين الاميركيين.

وفي حادثة اخرى، زود الاميركيون عبر الأمم المتحدة تكريت بأربعة مولدات كهرباء بعد تحريرها من داعش، فسرقتها ميليشيات شيعية، فتدخل المهندس واعادها الى الأمم المتحدة بعدما اشتكى الاميركيون.

حتى المسؤولين الاميركيين السابقين والحاليين ممن تحدثت اليهم ملص، قدموا صورة تظهر تغييرا في موقف اميركا من المهندس، الذي يحمل الجنسيتين الايرانية والعراقية والذي يدين بالولاء لـ “ولي الأمة” مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي. فالسفير السابق في العراق زلماي خليلزاد قال ان اميركا كانت تلاحق المهندس بهدف اعتقاله، ما اجبره على الهروب الى بيته في ايران. لكن المسؤولين الاميركيين الحاليين قالوا للصحيفة انهم ينظرون اليه كارهابي، ولكنهم في الوقت نفسه اعتبروا انهم لا يخشون على امن الخمسة الاف مستشار عسكري اميركي المنتشرين في قواعد الجيش العراقي لتدريب العراقيين وتقديم النصح لهم في الحرب على داعش.

بدوره، يعاني الجيش العراقي استمرار استشراء الفساد بين ضباطه وداخل مؤسساته، كما يعاني من تكرار انهياره في كل مرة يعهد اليه الانخراط في معركة، وهو ما دفع ادارة الرئيس باراك أوباما الى الايحاء بتقرير نشرته وكالة رويترز بعنوان “أميركا تفشل في حملة اعادة احياء الجيش العراقي”.

طبعا، قد يبدو تقرير رويترز، الذي صنفته الوكالة “حصريا”، وكأنه عمل صحافي، ولكن من يعرفون واشنطن يعلمون ان الادارة اوحت بكتابته ضمن حملة تسليط الضوء على تعذر قيام جيش وطني عراقي قادر على تحرير البلاد من كل الميليشيات والحفاظ على الأمن وعلى سيادة الدولة. 

والتخلي الاميركي عن الجيش العراقي هو المؤشر الابرز على تبني واشنطن للرؤية الايرانية القائلة بأن الجيوش الوطنية لا تقاتل، وان من يقاتل وحدها هي الميليشيات العقائدية، المعروفة بـ “المقاومة”، على طراز التي يقودها المهندس في العراق او التي كان يقودها الراحل مصطفى بدرالدين في سوريا.

سليماني وباكبور في الفلوجة تحت غطاء جوي اميركي، و5000 مستشار اميركي في قواعد عراقية بحماية ايرانية. هذه هي الصورة الجديدة للشرق الاوسط: على الأرض ميليشيات موالية لايران، وفي السماء غطاء جوي أميركي. اما الضحية، فهي حكومات المنطقة ومؤسساتها.