واشنطن - من حسين عبدالحسين
أثار قيام عدد من مصادر الاستخبارات الأميركية والأوروبية، بتسريب ما تعرفه عن اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، علامات استفهام حول سبب توقيت التسريب وارتباط ذلك بأي متغيرات قد تطرأ على السياسة الأميركية تجاه إيران في حال تغلب مرشح الديموقراطيين جو بايدن على الرئيس دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل.وأوردت صحيفة «واشنطن بوست»، أن أجهزة الاستخبارات الأميركية والأوروبية، عبر تنصتها ووسائل مراقبة أخرى، توصلت إلى نتيجة مفادها بأن سليم عيّاش، الذي أدانته محكمة دولية بالمشاركة في اغتيال الحريري، هو عضو في فريق اغتيالات سري، يحمل اسم «الوحدة 121»، تابع لـ«حزب الله» ويضم عشرات الأعضاء، ويتسلّم أوامره مباشرة من الأمين العام حسن نصرالله.
ونقلت الصحيفة عن اللواء المتقاعد أشرف ريفي، تأكيده وجود الوحدة في «حزب الله» وعضوية عيّاش فيها.
كما نقلت الصحيفة عن مصادر الاستخبارات اعتقادها أن وحدة «حزب الله» نفسها، التي ينتمي اليها عيّاش، قامت بتنفيذ أربع عمليات اغتيال أخرى في لبنان، اللواء وسام الحسن، والعميد فرنسوا الحاج، والرائد وسام عيد، والوزير السابق محمد شطح.
وكان لافتاً أنه لم ترد - في مقال الصحيفة المحسوبة على الحزب الديموقراطي - ولا مرة واحدة كلمة إيران، رغم الصحافيين الغربيين يندر أن يكتبوا عن «حزب الله» من دون ذكر أن الحزب اللبناني يرتبط بالجمهورية الإسلامية، اذ بدا وكأن الحزب قام باتخاذ قراراته بتصفية هذه الشخصيات لأسباب داخلية غير مرتبطة بالأوضاع الإقليمية، فيما الرأي الغالب في أوساط المسؤولين والخبراء الأميركيين، منذ اغتيال الحريري في العام 2005، أن اغتياله لم يكن مرتبطاً البتة بشؤون لبنان الداخلية، بل كان جزءاً من مواجهة إقليمية قامت خلالها طهران بتصفية نفوذ خصومها الإقليميين في لبنان، بعد سنوات من الشراكة معهم.
على أن حديث الديموقراطيين عن تورط «حزب الله» في سلسلة الاغتيالات، بما في ذلك مقتل الحريري، من دون التطرق الى إيران، يصب في صلب سياستهم، حتى منذ سني حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما.
فالديموقراطيون يدركون أن لإيران «نشاطات مزعزعة في الشرق الأوسط» تؤذي مصالح أميركا وحلفائها، وأن على واشنطن التصدي لها. لكنهم يعتقدون في الوقت نفسه، أنه يمكن التصدي لـ«النشاطات المزعزعة» من دون ربطها بطهران، لتفادي تعكير العلاقة معها ولتفادي تقويض الاتفاقية النووية.
وفي ذروة تحسن العلاقات بين واشنطن وطهران والتوصل لتوقيع الاتفاقية النووية معها في العام 2015، قام الكونغرس، بغالبية الحزبين، بإقرار قانون عقوبات على «حزب الله» مع نهاية 2015، ووقعه أوباما ليصبح نافذاً قبل نهاية ذاك العام. وأقرّت وزارة الخزانة بموجبه عدداً من العقوبات التي طالت كيانات، منها مصارف، ولبنانيين تعتقد الإدارة الأميركية أنهم يساهمون في تمويل الحزب، الذي تصنفه واشنطن إرهابياً منذ 1996.
بكلام آخر، بالنسبة للديموقراطيين، مواجهة «حزب الله» في لبنان هي جائزة ترضية يقدمها الرؤساء الديموقراطيون لحلفائهم في الشرق الأوسط، مقابل مضي الإدارة في تحسين العلاقات مع طهران، وهو ما يفسّر قيام صحيفة محسوبة على الديموقراطيين، وداعية للعودة للاتفاقية النووية، بنشر ما من شأنه أن يمعن في إدانة «حزب الله». وهذا يعني أنه في حال وصول بايدن للبيت الأبيض، سيدفع لبنان ثمن أي تقارب أميركي - إيراني.
لبنان سيدفع الثمن كذلك في حال فوز الرئيس دونالد ترامب بولاية ثانية، إذ من المرجح أن يواصل سياسة «الضغط الأقصى» التي يمارسها على طهران، والتي فرض بموجبها عقوبات اقتصادية أحادية أدت لشبه انهيار الاقتصاد الإيراني.
ولأن سياسة الجمهوريين تقضي بأقصى العقوبات والمواجهة، فهذا يعني تلقائياً مواصلة الضغط والإدانة بحق «حزب الله»، ما يعني أن الحزب، وبمعيته لبنان، سيدفعان ثمن أي من السياستين الأميركيتين المتناقضتين تجاه إيران: إن انفتاح الديموقراطيين على طهران أو مواصلة الجمهوريين ضغطهم عليها.
«الراي» حاولت الوقوف على آراء مسؤولين أميركيين حول مقالة «واشنطن بوست» التي تتهم عيّاش و«الوحدة 121» باغتيال خمسة مسؤولين لبنانيين على الأقل، لكنهم آثروا الصمت وعدم التعليق. بيد أنهم أشاروا الى أن الدروس التي يجب على اللبنانيين استخلاصها من السياسة الأميركية حول لبنان مفادها بأنها «سياسة تتمتع بإجماع في واشنطن، بغض النظر عن الهوية الحزبية للرئيس أو للحزب الذي يسيطر على الكونغرس» في أي من غرفتيه.
«السياسة الأميركية تجاه لبنان تقضي بدعم سيادة دولته»، يقول مسؤول أميركي، اشترط عدم ذكر اسمه، مضيفاً أن «سيادة حكومة لبنان تعني حكما حلّ ميليشيا حزب الله وتحوّله حزباً سياسياً، وحصر استخدام العنف بأيدي الوكالات الأمنية التابعة للحكومة المنتخبة».
ويختم المسؤول أن «الأمر لا يحتاج إلى خبراء لمعرفة أن من مصلحة لبنان الحياد والخروج من المواجهات الإقليمية التي يدفع اللبنانيون دائماً ثمنها، إن في السلم أو في الحرب».