| واشنطن - من حسين عبد الحسين | جريدة الراي
بلغ الضعف السياسي للرئيس باراك اوباما مراحل غير مسبوقة، وصار ينعكس على مقدرته فرض سياساته الداخلية والخارجية، ويهدد فرص اعادة انتخابه في العام 2012، في الوقت الذي يشهد المسرح السياسي الاميركي عودة لليمين الاميركي عبر اقتناصه الاكثرية في الكونغرس، الشهر الماضي، وفي وقت اطلق فيه ثعلب الحزب الجمهوري كارل روف معركة السباق الرئاسي المقبلة.
وينوي روف - عبر احدى المجموعات المحافظة اطلاق حملة إعلانية، الاسبوع المقبل، تبلغ تكاليفها 400 الف دولار، في 12 دائرة انتخابية بالكاد فاز فيها مرشحون ديموقراطيون ووصلوا الى الكونغرس.
اوباما وحزبه يترنحان تحت الضربات الجمهورية المتواصلة من كل حدب وصوب، اذ بعد خسارة الاكثرية في الكونغرس، علل فريق اوباما الهزيمة بابتعاد اصوات المستقلين عن الديموقراطيين، واتجاههم صوب الجمهوريين. هكذا، قرر اوباما مد يده الى الجمهوريين عله يستعيد الاغلبية الشعبية التي تقف في الوسط.
وتنازل اوباما امام الجمهوريين عن نيته عدم تمديد الاعفاء الضرائبي الذي وقعه بوش، والذي كان سينتهي تلقائيا مع نهاية هذا العام، وقام بتمديد هذا الاعفاء مدة عامين، في مقابل موافقة الجمهوريين على تمديد المنح المالية للعاطلين عن العمل.
الا ان تنازل اوباما، حتى قبل ان يتسلم الجمهوريون الكونغرس مع بداية العام المقبل، اثار سخطا عارما بين مؤيدي الحزب الديموقراطي، خصوصا الاكثر يسارية من بينهم، وهؤلاء خصوصا لعبوا دور العصب الاساس في الموجة التي اوصلت الرئيس الحالي الى البيت الابيض.
هكذا، بدأ اليسار الديموقراطي بشن حملة واسعة ضد اوباما، تضمنت هجمات اعلامية من قبل مقدمين تلفزيونيين معروفين من امثال كيث اوبرمان وراشيل ميدو، فيما قامت جمعيات ذات ثقل تنظيمي وشعبي، مثل «موف اون»، بتنظيم حملة معارضة لتنازل اوباما عن وعده الانتخابي بعدم تمديد الاعفاء الضرائبي.
ودفع اليسار ابرز ممثليه الى شن حملة داخل مجلس الشيوخ على الرئيس الاميركي، فقام السناتور عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز، وهو مستقل ويشترك في الكتلة الديموقراطية، بمحاولة تعطيل تصديق قانون اوباما الجديد في المجلس عن طريق استخدام تكتيك «فيليبستر»، وهو عبارة عن استخدام حق الكلام من دون توقف لمنع التصويت على القانون.
وبالتنسيق مع المجموعات اليسارية، قام ساندرز بالكلام لثماني ساعات ونصف الساعة، من دون انقطاع. الا ان جهوده لم تتكلل بالنجاح اذ وافقت اغلبية المجلس على التصويت لمصلحة القانون الضرائبي الجديد.
وبرز ساندرز كمرشح محتمل للحزب الديموقراطي الى الرئاسة، في وجه اوباما، في انتخابات 2012، وهو امر يحث عليه الجمهوريون لعلمهم ان انقساما كهذا يعزز حظوظ الجمهوريين باستعادة البيت الابيض. وكان السناتور الراحل تيد كنيدي ترشح في العام 1980 في مواجهة الرئيس جيمي كارتر داخل الحزب الديموقراطي، فاستنزفت المعركة الداخلية التي حسمها كارتر لمصلحته الرئيس، الذي خسر منصبه لمصلحة المرشح الجمهوري رونالد ريغان.
ولان اوباما شعر بقسوة الضربات السياسية الديموقراطية وتمرد قاعدته الشعبية ضده، فهو حاول حشد اكبر تأييد سياسي له، واستعان كعادته بالرئيس الديموقراطي السابق بيل كلينتون، وهو ما زال يتمتع بشعبية عارمة في صفوف الاميركيين.
وحضر كلينتون الى البيت الابيض، ووقف الى جانب اوباما الذي قدمه للصحافيين. ثم بدأ كلينتون الكلام دفاعا عن القانون الضرائبي، فوجد اوباما نفسه محرجا وهو ينصت الى كلينتون، فاستأذن وخرج من قاعة الصحافة، واستمر كلينتون في محاورة الصحافيين لمدة نصف ساعة.
وفي اليوم التالي، شنت الصحافة اليومية، المحسوبة على الحزب الديموقراطي، حملة مقذعة، فاتهمت اوباما بالضعف، ووصفت صحيفة «واشنطن بوست» المؤتمر الصحافي بانه عبارة عن عودة كلينتون الى البيت الابيض، الذي يبدو انه صار شبه خال بوجود سيد ضعيف داخله، على حد تعبير الصحيفة.
وفي الخارج، أوغل حلفاء اميركا بتوجيه الضربات الى الادارة المتهالكة، فقام رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو باعلان - ليلة وصول مبعوث السلام جورج ميتشل الى المنطقة - بأن تل ابيب لن تجمد الاستيطان في الاراضي الفلسطينية، ولن تتخلى عن القدس الشرقية في أي مفاوضات للسلام.
تصعيد نتنياهو، الذي يبدو انه اصبح عادة اسرائيلية يقوم خلالها مسؤولون اسرائيليون باعلان مواقف تصعيدية ليلة وصول المسؤولين الاميركيين للبحث في السلام، ادى الى تقويض كل احتمال تقدم على المسار السلمي، وهو أحد المواضيع التي استثمرت فيها الادارة الاوبامية الكثير سياسيا، من دون مردود يذكر حتى الآن.
ووصل عدد لا بأس به من الاميركيين الى قناعة مفادها انه لا جدوى من البحث في السلام في وجود حكومة اسرائيلية متصلبة، تقابلها ادارة اميركية ضعيفة.
اما في السياسة الاقتصادية في شكل عام، فما زال الاقتصاد الاميركي المهزوز المصدر الرئيسي لتراجع شعبية الرئيس الاميركي، على الرغم من ان عددا من التقارير صار يتوقع تحسن الاقتصاد مع حلول العام 2012، وانخفاض البطالة الى نحو ثمانية في المئة.
الا انه الى ان تبدو بوادر تحسن اقتصادي، او حلحلة على المسار السلمي الشرق اوسطي، او الى ان ينجح اوباما في تحقيق اي من وعوده الانتخابية - حتى البسيطة منها مثل اغلاق معتقل غوانتانامو - لن يرحم اليسار الديموقراطي ولا الوسط الرئيس الاميركي، في وقت يستمر فيه الهجوم الجمهوري المتصاعد، والذي اشتد ساعده بعدما تخلى ارباب شركات التأمين واصحاب المصارف عن دعم اوباما، ماليا في حملاته الانتخابية، اثر موافقة الكونغرس الديموقراطي على قانوني الرعاية الصحية وتنظيم المصارف.
ويشير عدد كبير من الخبراء الى ان صورة الرئيس الاميركي هي عبارة عن حلقة، فكلما ازداد شعور الاميركيين بضعف رئيسهم، تقلصت شعبيته ورصيده السياسي وجعله في موقع اضعف، فتتعزز أكثر فاكثر فكرة ضعفه وضرورة ابداله برئيس قوي، وهو ما حصل تماما مع كارتر، وهو الرئيس الوحيد في التاريخ الاميركي الذي تسلم الحكم من الحزب الخصم، ثم فشل في الحفاظ على البيت الابيض لولاية ثانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق