انهكتنا الثورة المصرية بضجيجها غير المبرر، ولا يبدو ان لدى المصريين اية افكار حديثة للتقدم بمصر بعد مبارك، بل يبدو ان الثورة المصرية مبنية على مجموعة من ردود الفعل فقط. واكثر ما يلفت النظر في ثورة مصر هو انها مبنية على ثلاثة عناصر من الكراهية: كره ضد الرئيس المخلوع حسني مبارك ونظامه، كره تاريخي موجه ضد اسرائيل، وكره عام ضد الولايات المتحدة.
ثم ان المصريين امام مشكلتين: الاولى هي مبالغتهم في التمسك بالشرعية الشعبية للثورة، وهذه شرعية فضفاضة، لا يمكن حصرها بحزب او مؤسسة او مجموعة من البشر، لذا صرنا نسمع بثورة في الثورة كل اسبوع وحديث عن تصحيح مسارات وكأن الثورة نشأت على مسار واحد غير خلع مبارك. المشكلة الثانية هي غياب الافكار التجديدية لدى النخبة المصرية التي تغرق بنظريات الشرعية الشعبية وتنشغل في كيل العداء لمبارك وازلامه ولبعضها البعض.
وتبلغ خيبة الامل تجاه الثورة المصرية ذروتها عندما نقرأ في الاهرام ان دكاترة الجامعات رفضوا التعليم من دون استبدال بعض عمداء الكليات متهمين اياهم بعملهم ازلاما لدى مبارك في الماضي. اما البديل للعمداء ومديري الكليات والدوائر، فيتم بالانتخاب فقط، وهذه الطامة الكبرى. الا يعرف هؤلاء الاكاديميون ان الكليات غير الدول، لا تسير بالانتخبات ولا بالديموقراطية بل بالتعيينات المبنية على الكفاءة؟
ان الثورة المصرية يا سادة كادت تفقدنا الامل بربيع العرب لولا السوريين الذين تظهر ثورتهم سموا وتقدم فكرا تجديديا يليق بكلمة ثورة وتغيير. فالنخب السورية لا تتوعد النظام بالانتقام بل تقدم نموذجا سلميا وتعد باصلاح العلاقات بين السوريين بعضهم البعض وبين السوريين والدول المجاورة في مرحلة ما بعد الاسد. يحي الشربجي، ابن الـ 31 عاما، تم اعتقاله وصديقه غياث مطر، الذي قام الامن السوري بتعذيبه وقتله والتمثيل بجثته، مطلع هذا الشهر. لكن قبل اعتقاله كتب يحيى النص الجميل ادناه الذي يظهر بعد نظر لدى السوريين ويبقي الامل قائما بأن ربيع العرب قد يزهر في بعض الدول مثل سوريا.
هذا ما كتبه يحي الشربجي:
كنت أرى أن تقديمنا الزهور موجهة لداخل الناس قبل أن تكون موجهة للطرف الاخر من الامن و الشبيحة و أن فائدتها تعود على تغببر الناس من داخلها قبل أن تسهم في تغيير موقف من يحمل السلاح لقتلنا و قمعنا و لهذا كنا مصرين على الزهور و كنا نلحظ أن لها تأثيرا على الناس.
الحقيقة الاخرى أنني مصدوم لدرجة لا توصف أنه كيف استطاع هذا النظام و بماذا ساعدناه حتى استطاع أن يشوه بعض البشر ممن حوله ليصبحو شبيحة يتمتعون بقدرة على قتل أبناء وطنهم بدم بارد. ياترى بماذا أسهمنا نحن حتى استطاع أن يزرع في قلوبهم الخوف و الكراهية لنا إلى هذا الحد؟
و الحقيقة الاخرى التي اكتشفتها و أود أن أوصلها للمتظاهرين هي أن هذا النظام خرب كل علاقاتنا الاجتماعية و جعلنا ننظر الى بعضنا بمنظار الريبة و هذا الشيء كسرته الثورة و أعادت بناء العلاقات على اساس من المحبة و الصدق و الفداء .حتى أن هذا النظام خرب علاقة سورية بمعظم دول العالم و الجوار و نحن بعد انتصار الثورة سنعيد النظر بكل ما كان يفعله النظام.
الثورة ستستمر و من يرى عيون الشباب سيقتنع أن هذا البريق لن يموت و أن هذا النظام سيسقط و دون مساعدة أحد و إن سلميتنا ستهزم هذا النظام و سيسقط هذا النظام مع الكثير من أخطائنا و هذا لن يتحقق لو دخلنا في حرب مسلحة مع النظام و شباب الثورة مقتنعين بذلك.
و أخيرا ما أريد قوله أن الحراك بدأ بفرز قيادات ستلعب دورا مهما في تنظيم صفوف المعارضة التي أنهكها النظام بمحاربتها خلال أربعين سنة.
إن الشباب مستمرون بثورتهم و سورية تحوي الكثيرين من الرجال الذين يستطيعون بمساندة شباب الثورة رسم مستقبل مشرق لسوريا التي يطمح لها الشباب سورية الديمقراطية المدنية الحرة التي تحترم حقوق الانسان و التي تساوي بين كافة امواطنيها بكل شيء دون النظر لأي شيء آخر.
إن تنظيم صفوفنا أوشك أن ينتهي و سنفاجئ العالم بنموذج جديد يفوق كل النماذج سلمية و ربما لو عاد غاندي لتبنى نموذج الثورة السورية كنموذج للثورة التي كان يطمح لها.
لأن الثورة السورية ليست ضد النظام فقط و إنما هي ثورة تطمح نحو التفوق الانساني بكل جوانبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق