| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
أفادت معلومات واردة الى واشنطن ان الحكومة الروسية طلبت من الرئيس السوري بشار الاسد التنحي، عبر سفيرها في دمشق عظمة الله كولمحمدوف، الذي قدم ضمانات لخروج مشرّف للأسد وحصانة من اي ملاحقات مستقبلية محتملة بحقه. كما تضمنت المبادرة الروسية اقتراح تسليم الاسد الحكم لنائبه فاروق الشرع ليشرف على مرحلة انتقالية تجرى خلالها انتخابات برلمانية ورئاسية.
هذه الانباء تم تداولها في جلسة مغلقة في العاصمة الاميركية، امس، شارك فيها كبار المعنيين الاميركيين بالملف الشرق اوسطي، حيث جرى الحديث مطولا عن الموقف الروسي حول سورية. وقام احد الحاضرين بتلخيصه على الشكل التالي:
في 4 اكتوبر، قامت روسيا باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الامن في الامم المتحدة لضرب مشروع القرار الذي قدمته الكتلة الاوروبية المؤلفة من فرنسا وبريطانيا والمانيا والبرتغال، والذي ساندته الولايات المتحدة. وعمدت روسيا الى الطلب من بكين مساندتها باستخدام «الفيتو» كذلك.
الا ان المعنيين الاميركيين قالوا ان موسكو كانت تعلم انه في حال لم يتوقف القتل في سورية، فان الموضوع السوري سيعود مجددا الى مجلس الامن، ولذا وضعت خطة «من اجل انهاء الازمة السورية بطريقة تناسب مصالحها، ادراكا منها بانها في حال فشلت في التوصل الى خاتمة للازمة، فان المجتمع الدولي سيجبر موسكو على تبني تحرك ضد دمشق قد لا يعجب الروس».
وذكر المحاضر الاميركي بأن «واشنطن كانت اول المبادرين لاقتراح فكرة الحوار بين الاسد ومعارضيه، وقام سفيرنا ( في دمشق روبرت) فورد بالاتصال بأفرقاء المعارضة المختلفين، داخل سورية وخارجها، حتى منهم القريبون من نظام الاسد». واضاف: «لاننسى ان الرئيس (باراك) اوباما طالب في البدء الاسد بقيادة الاصلاح، ثم الافساح في المجال للاصلاح، ثم التنحي... موقف واشنطن من الازمة السورية تطور مع مرور الوقت».
واوضح المسؤول الاميركي المحاضر: «في وقت لاحق، تلقف الاسد فكرة الحوار مع المعارضة على طريقته، ثم تبنتها موسكو، التي بدأ سفيرها باقامة اتصالات مع المعارضين في الداخل، وايضا مع معارضة الخارج، التي تمت دعوتها الى روسيا للقاء وزير الخارجية سيرجي لافروف».
الا ان الحوار برعاية الاسد دخل طريقا مسدودا. وفي الاثناء، بدأت العواصم العربية وواشنطن بالحديث عن ضرورة دخول مراقبين دوليين حسبما ورد في نص القرار الذي قدمته المانيا الى مجلس الامن. وقال المسؤول: «عندما عارض الروس نص القرار، قلنا لهم ان كنتم لا تصدقون روايتنا عن وحشية الاسد بحق مواطنيه، دعونا نرسل مراقبين بمثابة شهود، وهذا اقتراح اجبر الروس على القبول به وتسويقه لدى حلفائهم في دمشق».
رفض نظام الاسد قبول دخول مراقبين دوليين قد يكون بينهم اميركيون واوروبيون، وطالب عوضا عن ذلك بارسال مراقبين من دول ما يعرف بمجموعة «بريكس»، اي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا. الا ان موسكو اعتبرت انه من الصعب ايجاد صيغة دولية لدخول مراقبين دوليين من هذه الدول دون غيرها.
وقال المسؤول الاميركي انه «عند ذلك، اتفقت موسكو مع دمشق على دخول مراقبين عرب، تعمل دمشق على اختيارهم من دول عربية مازالت صديقة لها».
في 2 نوفمبر، وتحت الضغط من موسكو، اعلنت دمشق موافقتها على توقيع البروتوكول المتعلق بالمبادرة العربية. الا ان وزير الخارجية وليد المعلم ابلغ موسكو ان حكومته «في صدد ادخال تعديلات تقنية ولغوية تتعلق بالشكل لا بالمضمون». في وقت لاحق، تبين ان التعديلات السورية جذرية لا يمكن ان تقبل بها جامعة الدول العربية، ما حدا بالاخيرة الى تعليق عضوية سورية في 11 نوفمبر، وفق المسؤول نفسه.
زادت روسيا من ضغطها على الاسد، وفي 19 نوفمبر، اعلنت دمشق للمرة الثانية قبولها البروتوكول وعزمها توقيعه، الا انها ماطلت كما في المرة الاولى. هنا ادرك الروس ان دمشق «لا تتجاوب مع محاولتهم للتوصل الى حل للازمة من شأنه ان يجنب سورية المصير الليبي».
في اول ديسمبر، تسلمت روسيا رئاسة مجلس الامن، واعلم وفدها وفود الدول الغربية ان بلاده لا تنوي طرح الموضوع السوري على جدول اعمال اي من اجتماعات المجلس خلال الشهر بأكمله. وذكر المسؤول الاميركي: «مبعوثتنا سوزان رايس. عبرت عن سخطها من التصرف الروسي علنا وفي جلسات خاصة، وحملتهم مسؤولية دماء السوريين الابرياء».
وتابع المسؤول: «في ظل الضغط الدولي على روسيا، وفي ظل المماطلة السورية في توقيع البروتوكول الخاص بالمبادرة العربية، رأت موسكو ان من الافضل لها التلويح بالعصا للأسد، فاعلنت في 15 ديسمبر عن تقديمها مشروعا بالاشتراك مع الصين، ورد فيه تبني المبادرة العربية وطلب المجلس الى دمشق السماح بدخول المراقبين، علما ان فكرة القرار عن سورية نسفت اصرار روسيا اعتبار الوضع السوري شأنا داخليا لا يحق للمجلس التدخل به». وتابع: «معلوماتنا تشير الى انه في وقت ما من ديسمبر، زار كولمحمدوف الاسد واقترح عليه التنحي لمصلحة الشرع، وهو ما رفضه الاسد».
واشار المسؤول الى انه «في 19 ديسمبر، وقعت وزارة الخارجية السورية على بروتوكول الجامعة العربية من دون تعديلات، الا انها استمرت في المماطلة. ورافق ذلك عنف اكثر من المعهود في مناطق شمالية، حيث نعتقد انه تم ارتكاب مجزرة في قرية كفرعويد، ما حدا الروس تقديم مشروع آخر لاعضاء مجلس الامن حول سورية في 24 ديسمبر لهجته اقوى من سابقه بحق الاسد ونظامه».
وقال: «يبدو ان الاسد فهم الرسالة الروسية بانه لايسع موسكو الدفاع عنه الى الابد. وهو ما دفعه الى قبول دخول المراقبين، ووصولهم الى بعض احياء حمص، ما سمح لعشرات الاف السوريين المطالبين برحيل الاسد بالخروج الى الشوارع، وكل هذا تم بسبب الضغط الروسي الهادف الى تجنيب الاسد الكأس المرة في مجلس الأمن». اضاف المسؤول: «امام الاسد 30 يوما منذ 19 ديسمبر هي مهلة عمل لجنة المراقبين العرب وتقديمهم لتقريرهم... لايهم ما سيرد فيه، ولكن ان لم يتوقف عنف الاسد بحق مواطنيه بعد اتمام اللجنة عملها، فان الملف السوري سيذهب تلقائيا من الجامعة العربية الى مجلس الامن». واوضح: «يبدو ان الاسد يراهن على انه سيقضي على الحركة الاعتراضية تماما قبل حلول الاول من فبراير فيتوقف العنف، ولكن هذا امر مستبعد وحسابات خاطئة نظرا الى استمرار تصاعد الحركة الاحتجاجية حسبما رأينا في خروج عشرات الالاف في حمص ومدن اخرى». وقال: «عندما يصل الملف السوري الى مجلس الامن في يناير، سيكون المشهد مختلفا مع خروج حلفاء الاسد، اي لبنان والبرازيل من المجلس، ودخول المغرب وغواتيمالا. اصبح عدد حلفاء الاسد في المجلس 4 بدلا من 6 دول، هم روسيا والصين والهند وجنوب افريقيا، التي ستترأس المجلس في يناير، وبامكانها المماطلة والمناورة قليلا لمصلحة الاسد».
وانتهى المسؤول الاميركي الى القول: «لكن اذا ما استمر الاسد في قتل شعبه، قد يصل عدد القتلى السوريين الى 10 آلاف مع حلول شهر فبراير، وتكون توغو في رئاسة مجلس الأمن فتوافق على مناقشة الموضوع السوري وعلى طرح نصوص قرارات قوية اللهجة للتصويت... وان حاولت روسيا استخدام الفيتو مرة ثانية، بعدما نفدت كل الحلول الممكنة، ستنقلب سورية من حليفة موسكو في زمن الاسد الى عدو لها في مرحلة ما بعد الاسد، وهو الامر الذي تحاول روسيا تفاديه بأي شكل ممكن».
هناك تعليق واحد:
مدونه رائعه شكرا لمجهوداتكم
إرسال تعليق