حسين عبدالحسين
على الرغم من اصرارها على حيادها، صحيفة "نيويورك تايمز" لا تنشر من دون اهداف سياسية. هكذا، تصدرت الصفحة الاولى لنسختها الاميركية- على مدى اليومين الماضيين- مقالة مطولة عن التدخل الأميركي في ليبيا.
القراءة الاولى تعطي انطباعاً ان جمهوريين معارضين للمرشحة الديموقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون هم من يقفون خلف المقالة، التي تحمّل وزيرة الخارجية السابقة مسؤولية اقناع الرئيس الاميركي باراك أوباما بالتدخل العسكري لمصلحة ثوار ليبيا ضد العقيد معمر القذافي ونظامه.
وتربط المقالة بين اقناع كلينتون لأوباما بالتدخل في ليبيا وبين تصويتها لمصلحة الحرب في العراق اثناء عضويتها في مجلس الشيوخ. وتحاول الصحيفة تصوير المرشحة الرئاسية وكأنها لم تتعلم درس العراق.
لكن الجمهوريين لا يقفون وراء المقالة، فــ"نيويورك تايمز" صحيفة ليبرالية محسوبة على الديموقراطيين، ولا نفوذ للجمهوريين فيها، ولاهم يقرأونها حتى، بل إن معظم قرائها هم من اليسار والوسط الاميركي، ما يعني ان المقالة المذكورة هي، بادئ ذي بدء، هدفها اضعاف كلينتون داخل الحزب الديموقراطي نفسه، فمن لديه المصلحة في ذلك؟
الاجابة الاولى قد تشير الى منافس كلينتون لاقتناص ترشيح الحزب الديموقراطي للرئاسة السناتور بيرني ساندرز، لكن ساندرز يأتي من اقصى اليسار، وعلاقاته بالمؤسسة الحزبية والصحيفة ضعيفة. اما الاجابة الاصح، فتشي بأن أوباما "كسر الجرة" مع عائلة كلينتون، وهو يحاول الدفاع عن سياسته الخارجية وصورته للتاريخ، بإصراره على تحميل كلينتون مسؤولية ليبيا، وتصويرها وكأنها هاوية حروب، حتى لو جاء ذلك على حساب ترشيحها للرئاسة.
وفي التقاليد الحزبية، غالباً ما يتبنى المرشحون الى الرئاسة خطاب الرئيس الحاكم إن كان من حزبهم، ولطالما وجهت عائلة كلينتون سهام انتقادها الى نائب الرئيس آل غور، الذي حاول اثناء ترشحه للرئاسة في العام ٢٠٠٠ التمايز عن الرئيس السابق بيل كلينتون، الذي كان يتمتع بدوره بشعبية عارمة. وبعد خسارة غور، اعتبر كلينتون ان خسارة نائبه سببها ابتعاده عن انجازاتهما اثناء حملته.
في محاولة هيلاري كلينتون ان تخلف أوباما، يقول التقليد ان على وزيرة الخارجية السابقة الالتزام بانجازات وسياسات الرئيس في حملتها، وهو ما تفعله كلينتون الى حد كبير في السياسات الداخلية الى حد دفع احد المعلقين الى القول إن "هيلاري تعانق أوباما سياسياً بشدة يمكن لها ان تكسر له ضلوعه".
وللاقتراب من أوباما فوائد كبيرة انتخابيا، فهو مازال يتمتع بتأييد شبه مطلق بين الاميركيين من اصل افريقي، الذين حصدتهم كلينتون في انتخابات كارولاينا الجنوبية يوم السبت ويتوقع ان تحصدهم في انتخابات الولايات المقبلة. كذلك، ساهم تبني كلينتون لأوباما بتحسين شعبيتها بين "التقدميين" في الحزب من اقصى اليسار، الذين يستهويهم ساندرز اكثر.
لكن كلينتون تدرك، مثل اي معني بالسياسة الخارجية الاميركية من الديموقراطيين والجمهوريين، ان باراك أوباما يكاد يكون من أفشل الرؤساء الاميركيين في السياسة الخارجية.
مثلاً عن أوكرانيا، كتب مايكل كراولي كبير مراسلي صحيفة بوليتيكو والمحسوب على الديموقراطيين، ان سياسة أوباما تجاه كييف متهاوية. وفشل اوكرانيا يأتي في وقت لم تنعكس الاتفاقية النووية مع ايران تحسناً في العلاقات بين واشنطن وطهران. اما المواجهة مع روسيا، فلا تجري في مصلحة اميركا، فيما شيدت الصين جزرا صناعية واقامت عليها قواعد رادارات وصواريخ من دون رد اميركي يذكر. هذا فضلاً عن الانهيار في سوريا وليبيا والعراق.
فشل أوباما في السياسة الخارجية ليس سراً، وهو ما دفع كلينتون الى النأي بنفسها عن هذه السياسة لتحسين فرص انتخابها. لكن يبدو ان فريق أوباما لم يعجبه تمرد وزيرة الخارجية السابقة، فعمد الى محاولة تأديبها، التي كانت باكورتها مقالتي "نيويورك تايمز".
قد تبدو الاستعانة بفشل ليبيا كمثال على حسن خيار أوباما في تفادي التدخل في سوريا شأناً انتخابياً داخلياً فحسب، لكنها في الواقع عملية تذهب أبعد من المناكفات الداخلية، فتصوير تدخل أميركا السطحي في ليبيا مشابهاً لاجتياح أميركا العراق هي عملية تهدف الى إلغاء الفارق بين انواع التدخل الاميركي، والتحريض ضدها بكل اشكالها، والتشجيع على العزلة، وهي سياسة إلتزمها أوباما، ويبدو انه يحاول ان يفرضها على ممن سيخلفه في الحكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق