حسين عبدالحسين
في ظاهرها، تبدو الأزمة في سوريا مرتبطة بمصير رئيسها بشار الأسد، وكيفية تشكيل هيئة انتقالية تؤدي الى قيام “حكومة وحدة وطنية”. بعد الاتفاق بين الأسد ومعارضيه، حسب تصريحات الرئيس الاميركي باراك أوباما، يمكن توحيد جهود الطرفين في الحرب ضد التنظيمات التي تصنفها الأمم المتحدة ارهابية.
لكن الخطة الدولية المعدة لسوريا تبدو وكأنها تنتمي الى زمن ولّى، الى زمن لم تكن قد سالت فيه دماء نصف مليون سوري ولا تهجّر فيه اكثر من خمسة ملايين. في تلك الايام في العام ٢٠١١، قام السوريون بثورة شعبية ضد نظام متسلط، وكان الحل — حسبما رأته جامعة الدول العربية والأمم المتحدة — يقضي بتوسيع المشاركة في الحكم، تترافق مع خروج الأسد منه، على غرار الحل اليمني، وهو حل رفضه الأسد، وآثر بدلا منه ان يشن حربا دموية على شعبه.
اليوم، بعد خمس سنوات، تحولت ثورة سوريا الشعبية الى مواجهة دولية، ظاهرها سوري، وباطنها صراع اقليمي دولي استراتيجي مسرحه سوريا والمنطقة عموما، وهو اعتقاد عززه تصريح الأمين العام لحلف “شمال الأطلسي” ينس ستولتنبرغ، الذي قال ان التحالف قلق “من الحشد العسكري الروسي الكبير في سوريا بقوات برية وقوات بحرية، في شرق المتوسط، وقوات جوية تشن ضربات”.
وما يؤكد مخاوف ستولتنبرغ من مواجهة روسية واسعة ضد الغرب عموما، آراء غربيين آخرين حذرت من نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فالمعلق في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان كتب قبل اسابيع انه يعتقد ان الهدف الرئيسي لموسكو في سوريا هو اطالة أمد الحرب، التي تدفع المزيد من المهجرين السوريين الى اوروبا، فيفرض هؤلاء اعادة بناء الحدود بين دول “الاتحاد الاوروبي”، ما يساهم في تفتيته واضعافه، وتاليا اضعاف احد اكبر حلفاء الولايات المتحدة في العالم، وهو رأي أيده الملياردير الاميركي المقرب من الحزب الديموقراطي جورج سورس.
وفي الاعلام الغربي ايضا، حذّرت مجلة “الايكونوميست” من التأييد الكبير الذي يبديه بوتين — وربما ينفق اموالا دعائية لدعمه — لاستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي. وجاءت المقالة في عقب تقارير في الاعلام الاميركي اشارت الى ان كبرى الشركات الاميركية تنفق اموالا دعائية في بريطانيا لمحاولة ابقاء المملكة المتحدة داخل “الاتحاد الاوروبي”.
والى محاولة بوتين تفتيت اوروبا وإغراقها باللاجئين السوريين، حسب الخبراء الغربيين، يبدي بعض المسؤولين والديبلوماسيين السابقين خوفهم من التمدد العسكري الروسي في منطقة شرق المتوسط، خارج سوريا.
وفي هذا السياق، حذّر سفير اميركا السابق في البحرين آدم ارلي من تمدد روسيا داخل ارمينيا. وفي مقالة في مجلة فوربس، كتب ارلي ان “التحالف الارمني الروسي يزداد قوة، فارمينيا تستضيف حاليا خمسة الاف جندي روسي وقاعدتين روسيتين”، و“في العام ٢٠١٠، مدد البلدان الاتفاقية التي تسمح للقوات الروسية بالتواجد في قواعد في ارمينيا حتى العام ٢٠٢٤، وتعهدت موسكو بموجبها بمدّ الجيش الارمني بأسلحة حديثة”. واضاف ارلي ان القاعدة العسكرية ١٠٢، التي تبعد ١٢٠ كيلومترا شرق يريفان العاصمة واقل من ١٠ كيلومترات عن الحدود مع تركيا، اصبحت موطأ قدم اساسي لروسيا.
واذا ما قارنا هذه التقارير مع اخرى حول نية روسيا بيع الايرانيين مقاتلات حديثة ونظام الدفاع الجوي “اس ٣٠٠”، في ما يبدو انها محاولة من موسكو لحمل طهران على الانخراط في المنظومة العسكرية الروسية، فضلا عن المقاتلات التي باعتها روسيا للعراقيين، يصبح جليا ان بوتين يرسم طوقا عسكريا محكما في منطقة الشرق الاوسط يفصل فيه تركيا عن دول الخليج العربي، وفي نفس الوقت يحاصر “حلف شمال الأطلسي” ويسعى لتقويض “الاتحاد الاوروبي” واغراقه باللاجئين.
مشكلة سوريا لم تعد مشكلة السوريين وحدهم، بل مواجهة عالمية كبيرة صار السوريون فيها — وأولهم الأسد — لاعبين صغارا. مشكلة سوريا صار اسمها بوتين، وحتى تتبدل احوال الغرب وزعيمه المزعوم في البيت الابيض الاميركي، ستبدو الامور وكأنها تميل في مصلحة موسكو وتابعيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق