واشنطن - حسين عبدالحسين
أشعلت مقالة الأميركي الفائز بجائزة «نوبل» في الاقتصاد آنغس ديتون، النقاش حول معدلات الفقر في الولايات المتحدة مقارنة ببقية بلدان العالم. وأورد ديتون عدداً من الأسباب التي دفعته للاعتقاد بأن عدد من يعيشون في الفقر الشديد يبلغ 3.5 مليون أميركي، وأن هذا الرقم يضع البلد في مصاف بعض الدول النامية، ما يتطلب مراجعة لسياسة المساعدات الأميركية الخارجية، وإعادة توجيهها نحو فقراء الداخل.
ويصنف «مكتب الإحصاءات الأميركي» كل أسرة أميركية مؤلفة من ٤ أفراد مع مدخول سنوي أقل من ٢٢ ألف دولار على أنها تعيش في الفقر. لكن التصنيف الأميركي يختلف عن التصنيف العالمي الذي يرى أن الفقير هو كل فرد يعيش على دولارين يومياً. ولو طبقنا المعايير الدولية على أميركا، ينخفض عدد الفقراء الأميركيين من ٤٥ مليوناً، وفقاً للحكومة الأميركية، إلى أقل من مليون وفقاً للمنظمات الدولية.
وكان «البنك الدولي» أعلن في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أن تقاريره عن الفقر في العالم ستتضمن فقراء الدول المتطورة مثل أميركا.
الاختلاف في تصنيف الفقر، والاختلاف في قياسه، كان محور النقاش الأميركي حول عدد الأميركيين الذين يعيشون تحت خط الفقر. ديتون رفض اعتماد رقم دولارين لتصنيف الأميركيين فقراء، إذ يعيش فقراء الدول غير المتطورة في بلدان تقل فيها تكلفة المعيشة كثيراً عنها في الولايات المتحدة، وأن البنية الاجتماعية في الدول النامية تسمح للفقراء بالعيش في منازل الأقارب، وهو ترتيب أقل شيوعاً بكثير بين الأميركيين. كذلك، تقل تكاليف المواد الغذائية بكثير في الدول النامية منها في أميركا. هذا التفاوت دفع ديتون لاعتبار أن عتبة الفقر في أميركا يجب أن تكون ٤ دولارات يومياً، ما يجعل رقم الاميركيين ممن يعيشون في فقر شديد 3.5 مليون مواطن، وهو ما يدفع أميركا الى الصدارة في الفقر الى جانب الدول غير المتطورة.
على أن عدداً لا بأس به من المعلقين تصدوا لديتون، وأشاروا إلى ما وصفوه بـ «ثغرات» في منهجيته، في طليعتها قياسه الفقر في أميركا نسبة الى المدخول، فيما تقيس المنظمات الدولية الفقر في الدول النامية وفقاً لإنفاق الفرد، أي أن المستطلعين لا يسألون المستفتين عمّا يجنونه في اليوم لاعتقادهم بأن هؤلاء سيعمدون إلى المبالغة في فقرهم، فيوجّه المستفتون السؤال التالي: ماذا اقتنيتم اليوم؟ والسؤال الأخير يأخذ في عين الاعتبار المقتنيات والمساعدات العينية، مثلاً في حال حصول الفرد على وجبات غذائية حكومية مجانية، يتم احتسابها في خانة المدخول الفردي.
وإذا ما تم تطبيق الوسيلة ذاتها على محدودي الدخل الأميركيين، يتبين أن هؤلاء يحصلون على مساعدات عينية أكبر كثيراً مما يجنيه أقرانهم في الدول النامية، فالحكومة الفيديرالية الأميركية تمنح قسائم غذاء لذوي الدخل المحدود، وهي قسائم تسمح لاصحابها بشراء تموينات غذائية من المخازن، ما يمكن احتسابه في خانة المصروف، حتى في حال انعدام المدخول.
بكلام آخر، جزء من احتساب دخل الفقراء مبني على ما يجنيه هؤلاء عينياً، إلى جانب مدخولهم النقدي البسيط، في حال توافره. ما يفعله ديتون هو أنه لا يحتسب البرامج الحكومية الأميركية لمساعدة الفقراء، ما يرفع من نسبتهم، ويجعلها مشابهة لما هي عليه في عدد من الدول النامية.
وكانت مراكز البحوث اليمينية، مثل «جمعية تراث»، حاولت الاشارة إلى أن فقراء الولايات المتحدة في وضع أفضل كثيراً من فقراء العالم، فأصدرت دراسة، قبل سنوات، أكدت فيها أن ٨٢ في المئة ممن يصنفهم «مكتب الإحصاءات» في خانة الفقراء يملكون جهاز فرن كهربائياً (ميكرويف)، وأن ٦٥ في المئة من ٤٣ مليون فقير أميركي يملكون أكثر من جهاز تلفاز في منازلهم، وأن ٦٤ في المئة منهم مشتركون في باقات القنوات الفضائية. وأضافت الدراسة أن ٥٥ في المئة من فقراء أميركا يملكون هواتف خلوية، و٣٩ في المئة منهم يملكون جهاز كمبيوتر.
على أن ”القطبة المخفية“ في دراسة ”جمعية تراث“ تكمن في أنها تشمل كل من يصنفهم ”مكتب الاحصاءات“ في خانة الفقراء، لكن من يقبعون في فقر شديد يعانون بلا شك من دون أن تظهر معاناتهم في استفتاءات من هذا النوع.
هل يتوجب على الولايات المتحدة وقف مساعداتها إلى فقراء العالم وإبدال اتجاه هذه المساعدات إلى فقراء الداخل؟
الإجابة هي لا، وفقاً للمعلّق ريان بريغز، الذي يعتقد أن نسبة المساعدات الأميركية الى العالم متدنية سنوياً مقارنة بالدول المتطورة الأخرى. صحيح أن حجم المساعدات الأميركية هو الأكبر في العالم، لكنه بالكاد يبلغ ١ في المئة من الموازنة السنوية للحكومة الفيديرالية، ما يجعله ضئيلاً ويجعل تأثيره، لناحية تحسين صورة أميركا الإنسانية وموقعها في العالم، أكبر كثيراً من كلفته.
ويعتقد بريغز أن واشنطن يمكنها العمل على تقليص الهوة بين الأثرياء والأقل دخلاً، لكن ذلك لا يعني أن فقراء أميركا يعيشون في الفقر المدقع ذاته والظروف التي يعاني منها فقراء العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق