حسين عبد الحسين
تناقل اللبنانيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بحماسة خبر تسليم صهر ملك إسبانيا نفسه إلى السلطات المختصة لقضاء حكم بالسجن يمتد حتى ست سنوات، بعد ثبوت استغلاله النفوذ الملكي للإثراء غير المشروع. لم يفت اللبنانيين التشابه بين "الصهر والفساد" في إسبانيا كما في بلادهم. أما المفارقة، فتكمن في أن الخبر الإسباني يأتي وسط حمى غير مفهومة تجتاح السياسيين اللبنانيين، الذين يعلنون نيتهم شن حرب لا هوادة فيها على الفساد في لبنان.
الغريب في الحملة اللبنانية المعلنة ضد الفساد أنه لا يمكن ربطها بأية تغييرات طرأت، أو ستطرأ، على شكل الفريق الحاكم في بيروت. صحيح أن اللبنانيين انتخبوا برلمانا جديدا الشهر الماضي، لكن الكتل السياسية حافظت على أحجامها نسبيا، وانتخب "مجلس النواب" الجديد رئيسه نبيه بري لولاية سادسة متتالية منذ العام 1992. وبقاء بري في رئاسة البرلمان يتزامن مع بقاء ميشال عون في رئاسة الجمهورية، منذ انتخابه رئيسا في خريف 2016. ولتأكيد بقاء الطاقم اللبناني القيادي على حاله، كلف عون رئيس الحكومة سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة.
منذ بدء عهد عون، المترافق مع رئاسة بري في البرلمان ورئاسة الحريري للحكومة، تراجع لبنان في الترتيب العالمي للفساد من 136 إلى 143، حسب مؤسسة "الشفافية العالمية"، وهو تراجع يتوج عقودا من التدهور في مؤسسات الحكومة اللبنانية على أنواعها، وارتفاع الدين العام إلى مستوى دفع لبنان للحلول في المركز الثالث عالميا، بعد اليابان واليونان، في نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي.
اقرأ للكاتب أيضا: عن القدس ويومها
وفيما راح زعماء لبنان يتسابقون في إعلان "الحرب على الفساد"، كان لبنانيون يتظاهرون ضد مصادرة بعض هؤلاء الزعماء لمساحات من الشاطئ العام لإقامة منتجعات سياحية خاصة تدر عليهم أرباحا، فيما واصل سياسيون نافذون آخرون تشغيل ما يعرف بـ"الكسارات"، وهذه ماكينات تقوم بقضم الجبال اللبنانية وتحويلها إلى حصى وتراب للبناء. ومع مصادرة الشواطئ وإخفاء الجبال، صدر مرسوم منح الجنسية اللبنانية لعدد من أثرياء الحرب السورية وغيرهم من مبيضي الأموال من حول العالم.
وفي وقت بدا جليا أن من أصدر مرسوم التجنيس تقاضى أموالا طائلة من هؤلاء المتمولين غير اللبنانيين، لم يعلن أي من المسؤولين اللبنانيين مسؤوليته عن المرسوم، بل إن الكتلة البرلمانية التابعة لعون رفضت مناقشة المرسوم في لقائها الأسبوعي، علما أن أعضاء الكتلة الرئاسية لا ينفكون يصرخون ضد إقامة غير اللبنانيين في لبنان.
وبين مصادرة الشواطئ، وقضم الجبال، وبيع الجوازات، تناقل اللبنانيون الحديث عن صفقة استئجار بواخر لإنتاج الكهرباء، بمبالغ خيالية، في صفقة تفوح منها رائحة فساد. وكان وزراء عون، ممن سبق أن شغلوا منصب وزير الطاقة والمياه أنفقوا مئات ملايين الدولارات من الأموال العامة للتوصل إلى حل نهائي لأزمة انقطاع الكهرباء. لكن الأموال طارت وبقيت أزمة الكهرباء.
يقول المثل الشعبي اللبناني إن "من جرّب المجرّب كان عقله مخرّب (أي معطل)"، وهو مثل ينطبق على الحرب التي يعلنها قادة لبنان على الفساد المستشري في دولتهم. فكيف يمكن أن يقوم نفس الطاقم القيادي الذي أشرف على غرق لبنان في المزيد من الفساد بإخراج لبنان من هذا الفساد؟ وما الذي تغير في قوانين لبنان، أو في ثقافته السياسية، أو في هوية قادته، حتى تخرج البلاد من قعر الترتيب العالمي للفساد؟
اقرأ للكاتب أيضا: من انتصر في أزمة الخليج؟
في الماضي، سبق لقادة لبنان أن أعلنوا حربا على الفساد، فتحولت حربهم تلك إلى حرب على خصومهم السياسيين، وصارت حربا بين مسؤول جديد يسعى للدخول في نادي الفساد والفاسدين، ومسؤول قديم يسعى للحفاظ على ما جنت يداه من الأموال العامة. أما نتيجة الحروب المتتالية التي أعلنها رؤساء لبنان في الماضي على الفساد، فلم يتمخض عنها إلا إقالة مدير من درجة ثالثة في وزارة الصحة من هنا، ومحاسب صف ثاني في وزارة المالية من هناك، وسجن مؤقت لمسؤول كبير في شركة "كهرباء لبنان".
أما من جنوا ثرواتهم من أموال الشعب اللبناني، فإما يتمتعون بما جمعوه في إجازات في عواصم أوروبا وأريافها، وإما هم لا يزالون في مناصبهم في الدولة وعينهم على المزيد.
في لبنان فساد كبير ولا فاسدين، لأن معظم المؤتمنين على حماية الأموال العامة هم سبب المشكلة، وتاليا يصعب أن يكونوا جزءا من الحل، أو على ما يقول مثل عامي آخر "حاميها حراميها".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق