واشنطن - من حسين عبدالحسين
أربكت مؤشرات اقتراب الاقتصاد الأميركي من مرحلة الركود الرئيس دونالد ترامب، الذي بثّ تغريدة قدمت لمحة عن السياسة التي سينتهجها في حال دخول الولايات المتحدة فعليا في ركود اقتصادي، وهي سياسة مبنية - على عادة ترامب - على القاء اللائمة على الآخرين، في هذه الحالة، سارع الرئيس الأميركي لاتهام رئيس الاحتياطي الفيديرالي جيروم باول بالتأخر في تخفيض الفائدة، وهو تأخر - حسب ترامب - ادى الى اهتزاز الاسواق المالية الأميركية.
لكن الاهتزاز الاقتصادي يبدو اعمق من ترامب وباول، ان كان ترامب من المساهمين في تأخير حلوله، ثم التعجيل به. ويعتقد الخبراء ان الركود هو مرحلة طبيعية من الدورة الاقتصادية، التي تنمو وتضمر. وتعتبر الحكومة الأميركية ان الركود هو ان يسجل الاقتصاد نموا سلبيا، او ضمورا، في فصلين متتاليين.
وكان الاقتصاد الأميركي شهد ما يعرف بـ«الركود الكبير»، الذي امتد من ديسمبر 2007 وحتى يونيو 2009. بعد ذلك التاريخ، راح الاقتصاد ينمو، باستثناء ضمور في فصل هنا او هناك، وراحت نسبة البطالة تتدنى. واستمر النمو الأميركي فترة اطول من المتوقعة، الى ما بعد خروج الرئيس السابق باراك أوباما من الحكم مطلع 2016. وفيما كان الاقتصاديون ينتظرون ركودا دورياً، قام ترامب باقرار تخفيض ضرائبي واسع، ما ادى الى اطالة عمر النمو الاقتصادي الأميركي، ودفع البطالة الى نسب متدنية لم تعرفها منذ عقود.
على ان مفعول خفض الضرائب قارب الانتهاء، هذا ان لم يكن انتهى فعليا، اذ ذاك بدأت علامات الوهن الاقتصادي تظهر، مثل في انخفاض مؤشرات الصناعة والصادرات الأميركية، بالتزامن مع اعلان المانيا دخول اقتصادها مرحلة الضمور، وصدور ارقام صينية تشير الى ان الصين، ثاني اكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، تعاني من انخفاض في كل مؤشراتها الاقتصادية الى مستويات متدنية لم تشهدها منذ عقود.
على ان لترامب مصلحة في محاولة القاء اللائمة على الاحتياطي الفيديرالي، اذ ان الرئيس الأميركي يحاول تشتيت الانتباه عن الحرب التجارية التي يخوضها مع الصين، والتي شهدت جولتي رفع أميركا لتعرفتها الجمركية على وارداتها من الصين، وهو ما دفع بكين الى الرد برفع رسومها على وإرداتها الأميركية، خصوصا حبوب الصويا، وهو ما يؤذي الولايات الأميركية الزراعية، وهذه محسوبة في صفوف قاعدة مؤيدي ترامب والجمهوريين.
ويطالب ترامب منظمة التجارة الدولية بتغيير تصنيف الصين من «دولة نامية»، وهو ما يمنحها تسهيلات يرى انها تعطي بكين افضلية على حساب أميركا، الى دولة ذات اقتصاد متطور، وهو ما يضعها على قدم المساواة في المعاملة بالمثل مع أميركا، تجارياً.
لكن بكين ترفض تغيير تصنيفها، وهي انخرطت في مفاوضات مع واشنطن للتوصل الى اتفاقية ثنائية، إلا انهما فشلا حتى الآن في التوصل الى الاتفاقية المنشودة، ما زاد من عدوانية ترامب وتهديداته بالتصعيد وفرض رسوم جمركية اعلى على الصين، اذ ان الرئيس الأميركي يعتبر ان توصله لاتفاقية هو في صلب وعوده الانتخابية ومهاراته التفاوضية.
ويبدو أن ترامب ادرك، وان متأخراً، ان حربه التجارية مع الصين صارت تؤذي الاقتصادين العالمي والأميركي، وهو ما دفع ادارته الى التراجع عن تهديدها بفرض 10 في المئة اضافية على الواردات من الصين مع نهاية الشهر المقبل، في حال عدم التوصل لاتفاقية تجارية.
وحاول فريق ترامب تبرير التأجيل بالقول انه لا يرغب في رفع الاسعار مع اقتراب موسم اعياد اواخر السنة. وحاول الرئيس ابداء حرصه على ابقاء اسعار السلع منخفضة خصوصا في «عيد الميلاد» وهو عيد يصرّ اليمين الأميركي انه يتعرض لهجوم من اليسار والديموقراطيين في محاولة لطمس معالمه والغائه كتلقيد ديني سنوي.
ختاماً، يعتقد الخبراء ان الاقتصاد سيلعب دورا مفصليا في امكانية فوز ترامب بولاية رئاسية ثانية، اذ ان اقتصاد قوي من شأنه ان يعزز موقف ترامب امام قاعدته الشعبية. اما دخول أميركا في ركود اقتصادي، فيدحض ادعاءات الرئيس بانه وسياساته ينقذان الاقتصاد، ما قد يدفع الناخبين لاختيار رئيس بديل من الحزب الديموقراطي، ما يعني ان الاقتصاد يقلق ترامب، وانه في حال دخول أميركا في ركود، فان الرئيس سيلقي باللائمة على كل من حواليه، باستثناء نفسه، وسيكون ذلك في محاولة يائسة منه لانقاذ سمعته كرجل المال والاقتصاد، وهي الصورة التي سوقها عن نفسه انتخابياً ويسعى جاهدا للحفاظ عليها للحفاظ على فرص بقائه رئيسا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق