واشنطن - من حسين عبد الحسين
واشنطن - من حسين عبد الحسين
واشنطن – حسين عبد الحسين
قال السفير الاميركي في العراق كريستوفر هيل ان السؤال الذي يواجهه العراق هو مدى قدرة العملية السياسية على انتاج "ذلك النوع من الحكومات التي تتضمن الجميع، والتي يعتقد معظم المراقبين انها الحكومة الاكثر ثباتا وقدرة على ان تأخذ البلاد نحو المستقبل".
واضاف السفير الاميركي، اثناء حديث مع الصحافيين في وزارة الخارجية الاميركية شاركت فيه "العالم" الاثنين الماضي، انه ليس لدى بلاده "مرشحون مفضلون".
وقال "نحن مستعدون للتعامل مع اي من يتم انتخابه ديموقراطيا، ومع كل من يراعي الاصول الديموقراطية".
وكشف ان للولايات المتحدة اتصالات مع الاطراف كافة، وقال "مع كل التحالفات، لدينا علاقات جيدة، واستطيع القول اننا على اتصال بالزعماء السياسيين بشكل يومي".
وعن نفوذ ايران ومدى تأثيرها على تشكيل الحكومة المقبلة، قال هيل "اعتقد انه كان لدى كل دول جوار العراق مصالح في هذه الانتخابات، وكلهم تدخلوا بطريقة او بأخرى، ومن الواضح ان هذه التدخلات كانت مصدر قلق لنا، ولكني اعتقد اننا جعلنا من الواضح اننا نريد للعراق ان يتمتع بعلاقات جيدة مع جيرانه".
لكن على هؤلاء الجيران، حسب المسؤول الاميركي، ان "يقوموا بعمل افضل لاحترام سيادة" البلاد، و"فيما يتعلق بايران، نريد ان نرى ايران تحترم سيادة العراق".
واعتبر السفير الاميركي انه لا يسمع ايا من الاطراف العراقية تقول "تعالوا نشكل حكومة ونترك طرفا اساسيا خارجها... ولكن علينا ان نرى، نحن من الواضح نراقب هذه الامور بدقة عالية".
هيل قال انه يعتقد انه مهما كانت الرؤى الاقليمية لشكل الحكومة المقبلة، فان للعراقيين رؤى اقوى، "ولا اعتقد ان العراقيين سيكونون مع حكومة ليست من الصنع المحلي".
واضاف "شعورنا ان اي سياسي عراقي يتجاهل ارادة الشعب – الذي خرج بكثافة للادلاء باصواته – يرتكب غلطة كبيرة".
وتابع "اذا تحدثتم الى الناس في العراق، تجدون رفضا لفكرة ان لايران مصالح خاصة، لا اعتقد ان العراقيين يقبلون هذه الفكرة... اعتقد ان ما يريده العراقيون هو حكومة مهتمة بمعالجة المشاكل الاقتصادية، ومهتمة بجذب الاستثمارات الضرورية، ومهتمة بمد يدها الى الجيران".
وزاد "ما تسمعونه في الشارع العراقي هم الناس الذين يقولون انهم يريدون ان يرون سياسييهم يشكلون حكومة وينتهون من الموضوع".
وتطرق السفير الى عمل الهيئة الخاصة باجتثاث البعث ولاسيما بعد انتهاء ولاية الحكومة والبرلمان وعدم وجود أمناء منتخبين لتلك المؤسسة، وقال ان على العراقيين ان يجدوا حلولا "لموضوع المساءلة والعدالة في المرحلة المقبلة"، وان ما ترغب اميركا في رؤيته في هذا الاطار هو "عملية شفافة" وخالية من تأثيرات السياسة، التي اعتبر انها تسيطر على الهيئة الحالية.
وكشف هيل ان رئيس بعثة الامم المتحدة اد ميلكرت ابلغ العراقيين ان "المكان المناسب للتعاطي مع (عمليات اجتثاث جديدة) هو المحاكم".
هيل تطرق الى مشكلة العراق مع سورية، وقال ان الاخيرة التي ما زالت تستضيف "صداميين" يقومون بحملات جمع تبرعات، واقامة فضائيات تبث من دمشق. "من دون الدخول في التفاصيل"، حسب هيل، "ساقول لكم انه يجري العمل على هذا الموضوع".
وختم بالقول ان لديه "برنامجا طموحا" للمرحلة المقبلة، يتمنى خلاله رؤية العراق يخرج من احكام البند السابع لميثاق الامم المتحدة، والتوصل الى "مصالحة بين العرب والكرد... وهذا موضوع صعب"، مع الاشارة الى سروره لثبات الوضع الامني من دون تقهقر، مقارنة بالعام الماضي.
واشنطن - من حسين عبد الحسين
بقلم حسين عبد الحسين – واشنطن
"الفياضية" هو التعبير الذي اطلقه الصحافي الاميركي توماس فريدمان في وصف التيار السياسي الفلسطيني المؤيد لرئيس الحكومة سلام فياض، والذي يشهد صعودا ملحوظا في الاراضي الفلسطينية، بحسب استطلاعات الراي، وفي المحافل الدولية.
وما يقدمه فياض للغرب والعالم هو معادلة يمكن تلخيصها بعبارة وردت في شهادة صديق فياض ورئيس "اميركان تاسك فورس من اجل فلسطين" زياد العسلي، الذي قال امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ان الحكومة الفلسطينية تقدم نموذجا عن مقدرتها على "حكم نفسها" (self-governance) وهي تتوقع من العالم ان يمنحها حق "تقرير مصيرها" (self-determination).
وتشكل سياسة فياض افتراقا كبيرا عن السياسة الفلسطينية والعربية عموما، منذ بدء الصراع مع دولة اسرائيل قبل نصف قرن. ولطالما قامت الاخيرة على ابقاء الوضع المعيشي الفلسطيني في الداخل، كما في دول الشتات، مزريا.
والاهم من ذلك كله، ان من خلال الاثارة الدائمة والملامة الملقاة على كاهل اسرائيل، وهي موغلة طبعا في عذابات الفلسطينيين، نجحت الانظمة العربية ومعها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في توجيه الغضب العربي بعيدا عن مكامن الفشل الحقيقية في الحكم، ان داخل الثورة الفلسطينية او في معظم الدول العربية.
واستخدم معظم الحكام العرب والفلسطينيين الذريعة الاسرائيلية كغطاء دائم لتجاوزاتهم، ان في الفساد المالي والحسابات السرية في مصارف سويسرية، أو في فرض الاحكام العرفية، او في الابقاء على ميليشيات ترفع المقاومة شعارا لها، فيما هي تستخدم سلاحها لتعطيل حكومات الدول التي تستضيفها، وفرض اجنداتها عليها.
وبينما كان ابو اياد وصحبه يطلقون شعارات مثل "طريق القدس تمر من جونية"، كان السيد فياض يتسلق سلم عالم الاقتصاد، الذي برع فيه ووصل من خلاله الى مناصب عليا في البنك الدولي. لذا، لم يكن مفاجئاً على الاطلاق الاداء الذي ميز فياض، التكنوقراطي في الحكم، عن باقي القيادات "الثورية" الفلسطينية.
بيد ان التفرغ لتحسين الاوضاع الاقتصادية والمعيشية في الضفة الغربية، بشهادة البنك الدولي ومنظمات عالمية اخرى، لا يعني ان رئيس الوزراء الفلسطيني وفريقه في الداخل والخارج سيكتفيان بهذه الانجازات. كذلك، لم يؤدِّ انكفاء فياض عن الشعارات الثورية الى تراجعه عن المطلب الاساسي للفلسطينيين، اي قيام الدولة الفلسطينية. وفياض يدرك ان اي نجاح في الوصول الى دولة مستقلة يحتاج الى تقديم خطاب فلسطيني افضل من الخطاب المتخبط، والمتأرجح بين السلم والحرب.
هنا يبرز مرة اخرى دور المجموعات المساندة لفياض مثل منظمة العسلي، وهي على الرغم من تواضع امكاناتها، تقوم بتقديم الاطار الفكري لحركة "الفياضية". ويعتمد العسلي في نشاطه على اثنين: غيث العمري، وهو من العاملين سابقا في فريق الرئيس الفلسطيني محمود عباس واحد واضعي وثيقة جنيف 2000، التي وقعها كل من ياسر عبد ربه ويوسي بيلين، كذلك يبرز حسين ابش، وهو احد اكثر وجوه "العرب الاميركيين" شهرة جراء عمله كناطق باسم "اللجنة العربية – الاميركية لمناهضة العنصرية" حتى العام 2004. ابش، وهو اكاديمي، غالبا ما يحاجج انصار "الدولة الواحدة في فلسطين"، ويدعو الى تبني خيار الدولتين خيارا واضحا لا لبس فيه.
ويشير ابش في مجالسه الى ما يعتبره تناقضات في حجج انصار "الدولة الواحدة"، مثل الراحل ادوار سعيد، ويقول انه اذا كان المطلوب دولة واحدة على كامل ارض فلسطين، فلماذا المطالبة بانسحاب الجيش الاسرائيلي من الضفة الغربية وغزة؟ واين يذهب هذا الجيش اذا انسحب ما دامت كل الارض فلسطينية؟
كذلك يتحدث ابش عن واقعية الطروحات التي يجب ان يقدمها او يتوقعها الفلسطينيون، مثلا ماذا سيكون مصير اليهود من جذور غير عربية ممن وفدوا الى فلسطين في حال قيام دولة واحدة؟ ليخلص الى ان خيار الدولتين يجب ان يكون خيارا فلسطينيا نهائيا، وتبنى عليه المطالبة بانسحاب اسرائيلي وقيام دولة فلسطينية مستقلة على كامل اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، مع القدس الشرقية عاصمة لها.
اما العسلي، فيتحدث عن تصويب الخطاب الفلسطيني داخل الولايات المتحدة. ويقول ان الخيار الاهم، بعد انفصاله عن "اللجنة العربية – الاميركية لمناهضة العنصرية" كان تبني المجموعة الفلسطينية الجديدة خيار المواطنية الاميركية، وهذا اساس في اي نشاط من هذا النوع داخل الولايات المتحدة.
ويقول العسلي ان الهدف الرئيسي هو ايجاد السيناريوات التي فيها مصلحة اميركا وفلسطين في الوقت نفسه، وهذا يختلف عن موقف المنظمات العربية والاسلامية، التي يندر ان تدافع عن مصالح اميركا على الرغم من ان القيمين عليها مواطنون اميركيون. اما النقطة التي لا تقل اهمية، حسب العسلي، فهي تحرك مجموعته من زاوية فلسطينية، تتمايز عن المطالب العربية بشكل عام، كي تطالب بمصالح فلسطينية وقيام الدولة.
العسلي ومجموعته ادركا انه على مدى نصف القرن الماضي، استغلت بعض الانظمة العربية القضية الفلسطينية لتحقيق مصالح لها، على حساب الفلسطينيين ومصالحهم. كذلك يقول ان من بين المنظمات العربية في واشنطن هناك "الكثير من تجار القضية"، وهم من يرغب في الابتعاد عنهم.
لا شك في ان التجربة الفلسطينية في بناء الدولة عانت وتعاني، كما جارتها اللبنانية والعراقية راهنا، من مجموعة عوامل متشابكة، فيها ما هو خارجي – مثل الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين – وماهو اقليمي، مثل معارضة سوريا محادثات السلام غير المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، فيما خاضت هي المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل، في تركيا.
ويبرز الاهم من ذلك نشوء شعور وطني فلسطيني ولبناني وعراقي، كان محرما حتى الامس القريب تحت شعار العروبة والوحدة العربية، في مواجهة الاجندات الاقليمية المتداخلة، منها عرض هذه الدولة خدماتها على الاميركيين لتسهيل انسحابهم من العراق، او عرقلة ذلك النظام قيام حكومة وحدة فلسطينية، وما الى هنالك من مناورات سياسية اقليمية غالبا ما تأتي على حساب الشعوب المعنية انفسها.
اما فياض، فتجربة مميزة، وهو يشبه الى حد كبير رئيس حكومة لبنان السابق فؤاد السنيورة، الذي حاول ايضا ممارسة حكم ذاتي والنأي بنفسه عن شعارات "الثورة حتى النصر"، ولكن تم فرض ثمن سياسي كبير عليه، فتنحى، فيما فياض يبدو اكثر توفيقاً حتى الان، لاسباب وظروف مختلفة، وما على الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين من المنخرطين في المدرسة الواقعية، غير الشعبوية، الا مراقبة هذه التجربة التي ينفرد بها الفلسطينيون واللبنانيون وتكرارها.
(صحافي)
يتصدى عدد كبير من المسؤولين والخبراء القانونيين لموضوع انتهاء صلاحية الحصانة للنواب المنتهية ولايتهم بطريقة تشي بان العراقيين ما زالوا ينظرون الى الديموقراطية بعين عشائرية وقبلية متخلفة.
والرأي السائد لدى معظم المتطوعين الحديث عن انتهاء الحصانة هو ان النواب الخارجين من البرلمان، صار من الممكن محاكمتهم امام القضاء المختص، بتهم مختلفة، وهو ما يجعل طالبي الثأر القضائي كثرا، وكأن نيابة الفرد هي كالتجائه في كنف عشيرة طالبا حمايتها، فان تخلت عنه العشيرة، سقطت حصانته وصار ممكنا الانتقام منه.
ان حصانة النائب، اثناء ولايته الدستورية، ليست مطلقة ولا تتعلق بشخصه، فالفكرة الرئيسية المراد من خلفها اعطاء حصانة لعضو البرلمان هي منحه القدرة على القيام بدور المشرع والحسيب والرقيب، على دور الحكومة، من دون خوفه من تعرض السلطات له بسبب رأي ادلى او قد يدلي به باسم من يمثلهم من العراقيين.
هذه الحصانة لا تشمل اعمالا خارجة عن القانون مثل القتل او السرقة، وهي افعال لا تغطيها اي حصانة في العالم. ما تؤمنه الحصانة النيابية للنائب هو اعاقة مقدرة الحكومة – عبر قواها الامنية – من التحرش بالنائب بشكل تلقائي.
مثلا لو فرضنا انه تم اتهام النائب الفلاني بقتل مواطن، لا يمكن للشرطة اعتقاله فورا للتحقيق معه كما هي الحال مع باقي المواطنين، بل تتجه الشرطة بالادلة التي بحوزتها الى لجنة برلمانية تعنى باخلاق النواب وممارساتهم، وان رأت اللجنة ان الدلائل متوافرة، تتقدم بها امام جلسة عامة للبرلمان للتصويت على نزع الحصانة من النائب، لتستطيع الشرطة بعد ذلك توجيه التهم اليه واستدعاءه للمحاكمة.
و الشرطة يجب ان تكون مخولة باستدعاء المسؤولين المنتخبين في اي وقت، بصفة شاهد، للتحقيق معهم، من دون المرور بالبرلمان. الشرطة الاسرائيلية، على سبيل المثال، غالبا ما تستدعي رؤساء حكومة متهمين بالفساد لتحقق معهم، مع العلم ان رؤساء حكومة اسرائيل هم دائما اعضاء في البرلمان كذلك.
الحصانة ليست حماية مطلقة للنائب، فبالامكان نزعها اثناء ولايته، بعد سلوك الخطوات المطلوبة. ويمكن في بعض الحالات استدعاء النائب للتحقيق معه بصفة شاهد، على الرغم من حصانته، ثم ان ثبت تورطه، تتم المطالبة بنزع حصانته، امام البرلمان، ليتم الادعاء عليه.
اما انتظار انتهاء ولاية النائب، فهي ضرب من ضروب الهرطقة الدستورية والقصور لفهم الديموقراطية.
ثم انه من غير الممكن، مع حصانة او بدون حصانة، محاكمة المواطنين لآرائهم او الاقوال التي قد يدلون بها. وللنائب حصانة خاصة تجاه الآراء التي يدلي بها ضد الحكومة، اذ تتطلب محاكمته خطوات اكثر، ما يجعله في مأمن عن تحرشات ممكن ان تقوم بها السلطة التنفيذية.
لكن هذا لا يعني ان النائب محمي بالمطلق، والا لتحول البرلمان الى مجموعة من المجرمين واللصوص وقطاع الطرق، على الاقل حتى مهلة انتهاء خدمتهم في البرلمان.
ومن ضروب القصور في فهم الديموقراطية هو اعتبار معظم العراقيين للتحقيق القضائي ادانة تلقائية لكل من يجري التحقيق معه.
والتحقيق، غالبا ما يتوسع ليطلب عددا اكبر بكثير ممن يعتقد بتورطهم، بهدف تبيان الظروف المرافقة لوقوع جرم ما. على سبيل المثال، غالبا ما يتم استدعاء رجال الامن واصحاب الاختصاص، مثل الطبيب الشرعي او خبراء المحاسبة او البيئة او اي اختصاص آخر، بحسب نوع الجريمة، او حتى الجيران او عابري السبيل ممن صادف وجودهم، لمثولهم امام التحقيق بصفة شهود.
في الولايات المتحدة، عندما يحصل سائق اي سيارة على مخالفة مرورية، يتم تخييره بين دفعها او المثول امام محكمة السير – حتى برفقة محام – للدفاع عن نفسه والغاء الغرامة. وهناك، يحضر الشرطي كذلك بصفة شاهد ليروي المخالفة امام القاضي، فلا الشرطي متهما، ولا السائق متهما، بل عملية تحقيق امام قاض بهدف محاولة تبيان الحقائق.
اما في العراق، فكلمة تحقيق تثير الشبهة وتجعل كل مشارك في اي تحقيق مشاركا في الجرم من دون مواربة. وللدلالة على الكراهية بين العراقيين ومبدأ التحقيق، صار مبدأ الحصانة النيابية مانعا لاي نوع تحقيق مع اي نائب.
حتى الحكومة العراقية، ابتكرت كلمة "تضييف" او "استضافة" لاستبدال كلمة التحقيق بحق الحكومة ورئيسها ووزرائها، وكأن التحقيق البرلماني، وهو مبدأ متعارف عليه عالميا، اهانة بحق المسؤولين، الذين غالبا ما يحبون ان يصوروا انفسهم على شكل أئمة معصومين عن الخطأ بوحي إلهي، وعليه، يصبح اي تحقيق معهم انتقاصاً من هيبتهم وقدرتهم على الاستمرار في المسؤولية.
وحتى يستوي مفهوما الحصانة النيابية والتحقيق القضائي، سوف تعاني الديموقراطية العراقية من عشوائية الفتاوى القانونية وعبثية التفسيرات الدستورية، وليس بيد العراقيين الا انتظار نمو هذه التجربة في البلاد، فالوقت وحده هو الكفيل بصقلها وابعادها عن عصر التطير والخرافة، الذي يسيطر حاليا على العراق وعلى معظم العراقيين.
* كاتب ومراسل "العالم" في الولايات المتحدة
واشنطن – حسين عبد الحسين
يتصدر سؤال عن المرشح المفضل لدى الولايات المتحدة لرئاسة الحكومة وشكل الائتلاف المقبل الاسئلة المتداولة في الاوساط العربية، عموما، والعراقية خصوصا، وان كان السؤال يتلخص بمن تفضل اميركا بين الاثنين الاوفر حظا لرئاسة الحكومة، رئيسها الحالي نوري المالكي ام الاسبق اياد علاوي.
وحتى الان، تحاول واشنطن تصوير نفسها على انها شريك حيادي للعراق، اي انها ستتعامل مع كل من ينتخبه الشعب العراقي. الا ان كواليس السياسة الخارجية في العاصمة الاميركية، تشهد تمنيات واحاديث تشي بان الاميركيين لديهم ايضا رغبات في رؤية اشخاص معينين يتسلمون زمام الحكم في بغداد.
ويتصدر الكرد لائحة حلفاء واشنطن، فهؤلاء مستقلون عن القوى المتناحرة في الشرق الاوسط، التزموا بتعهداتهم للاميركيين منذ ما قبل الاطاحة بنظام صدام حسين في العام 2003، ولديهم قيادة تتمتع بدعم شعبي في مناطق نفوذها، مما يبعد المسؤولين الكرد عن اطلاف التصاريح الشعبوية لاهداف كسب سياسية.
اما المركز الاخير على لائحة الافرقاء العراقيين، فتحتله الشخصيات والمجموعات التي تعمل بتوجيهات من ايران وبالتنسيق الدائم معها. وهؤلاء يتضمنون امثال النائب جمال جعفر، الملقب بابو مهدي المهندس، وكانت اميركا اتهمته بلعبه دور اليد اليمنى لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس المنبثق عن الحرس الثوري الايراني.
كذلك من الشخصيات ممن لا ترغب واشنطن في التعامل معهم، طفلها المدلل سابقا احمد الجلبي، وحزبه المؤتمر الوطني العراقي، ورجل الدين مقتدى الصدر، وتياره.
عموما، يعتقد صانعو القرار الاميركيون ان قائمة الائتلاف الوطني العراقي تحتوي على اكبر عدد من حلفاء ايران، وهم من يلعبون دورا في التحريض ضد الولايات المتحدة. لذا، يتحدث المسؤولون الاميركيون في مجالسهم الخاصة بحذر عن هذا التحالف، ويتمنون ان لا يصل الى مواقع قيادية.
وما بين الكرد، في المركز الاول، والائتلاف الوطني العراقي، في المركز الاخير، تجد الولايات المتحدة عدد من المجموعات الحليفة التي ترغب واشنطن في رؤيتها تحكم العراق. يتصدر المجموعات الحليفة لاميركا كل من ائتلاف دولة القانون، بقيادة المالكي، وقائمة العراقية، برئاسة علاوي.
ويشارك في صدارة اصدقاء اميركا – من غير الكرد – ائتلاف وحدة العراق، على الرغم من ان اميركا لا تحسب للاخير الحساب الكثير نظرا لضعف تأييده الشعبي.
هكذا تجد اميركا نفسها امام خيارين لقيادة تحالف صديق في العراق يتضمن الكرد: الاول يقوده المالكي، والثاني يشكله علاوي. هنا، ينقسم المسؤولون في العاصمة الاميركية في تأييدهم لواحد من بين الاثنين، فيما تبرز محاولات من قبل كل من الرجلين – عبر التصريحات ووسائل الاعلام المقربة منهما – الى الايحاء انهما المفضلان لدى واشنطن.
اميركا تحب المالكي، وتعتقده مستقيما، وبعيدا عن الفساد، وجادا في قيادة العراق نحو مستقبل افضل. الا ان رئيس الحكومة يثير بعض المخاوف لدى مسؤولين اميركيين في بعض تصرفاته، مثل نزعته الى حصر السلطات بين يديه، مما يثير جدلا حول امكانية تحوله الى «بوتين» عراقي، في اشارة الى رئيس الحكومة الروسي فلاديمير بوتين، الذي نجح في التوصل الى نموذج حكم شخصاني بغطاء ديموقراطي.
اميركا لا تمانع كذلك في عودة علاوي الى رئاسة الحكومة، مع ان لدى مسؤوليها تخوف اكبر من تحول زعيم العراقية الى حاكم منفرد في العراق، خصوصا وان تمثيله يقتصر على الاقلية السنية، وهذه الاقلية تثير مخاوف في الحكم لدى كل من الكرد والاكثرية الشيعية.
ومن السيناريوات التي تم الحديث عنها في الدوائر السياسية المغلقة لعراق ما بعد الانتخابات، توصل بعض المسؤولين في العاصمة الاميركية الى نتيجة مفادها انه من شبه المستحيل على علاوي تشكيل ائتلاف حكومي، فعلاقة السنة بالكرد هي الاكثر توترا جراء تعارضهم حول مسائل المركزية، والفيدرالية، ومصير كركوك.
كذلك، يصعب انخراط علاوي والائتلاف الوطني العراقي في تحالف، نظرا للعداء الحالي بي داعميهما الاقليميين، اي السعودية وايران على التوالي، اذ يعتقد الاميركيون ان الرياض ستحاول فرض علاوي واستبعاد حلفاء ايران، اما طهران فستعمل بدورها على تعزيز وضع حلفائها واستبعاد الموالين للسعودية.
ويعلم الاميركيون ان الاختلاف حول الفيدرالية، التي يطالب بها كالكرد الاحزاب الشيعية الموالية لايران، والمركزية، التي يؤيدها السنة، ستقف عائقا في وجه اي تحالف بين العراقية و الائتلاف الوطني العراقي.
اما في حال قيام المالكي بتشكيل التحالف الحكومي بعد الانتخابات، حسب السيناريوات الاميركية، فسيكون دخول الكرد اكثر سهولة، الا ان المالكي سيحتاج الى الكتل الباقية باجمعها – في محاولته لتغييب منافسيه في الائتلاف الوطني العراقي والعراقية – للحصول على نصف مقاعد البرلمان، وهذه مهمة معقدة، وغير مضمونة، وستضع هكذا ائتلاف محتمل تحت رحمة كتل صغيرة باستطاعتها فرضت اجنداتها تحت طائلة الخروج من الحكومة في اي وقت.
اذن، ترجح الاوساط الاميركية ان يقوم المالكي بالتقارب مع حلفاء الامس في الائتلاف الوطني العراقي للحصول على عدد كاف من المقاعد، اذا ما تمت اضافة الكرد. هكذا تصبح الحكومة المقبلة متينة وتشبه، الى حد كبير، تركيبة الحكومة الحالية.
وعلى الرغم من ان اميركا ترغب في رؤية المالكي والكرد في السلطة، الا انها ترغب في رؤية علاوي – والكتلة السنية التي تدعمه – مشاركان كذلك، كما تفضل ان يتم استبعاد حلفاء ايران.
بناء عليه، يصبح السيناريو الاميركي المفضل حصوله في العراق هو قيام ائتلاف وزاري يجمع المالكي، وعلاوي، والكرد، وهو سيكون متينا بعدد كبير من المقاعد، وسيمثل المجموعات الثلاث الكبرى في العراق، اي الشيعة والسنة والكرد، وسيحسن من علاقة الحكومة العراقية المقبلة بدول الجوار من حلفاء اميركا، مثل السعودية.
الا ان الاوساط الاميركية تدرك صعوبة تحقيق السيناريو المفضل لدى واشنطن لعوامل متعددة، ابرزها النفور الشخصي بين المالكي وعلاوي، مما يجعل تركيب الحكومة مستحيلا بدون جمع كتلتين من الثلاثة الكبرى، وهو ما يبدو انه سيدفع الى التوصل الى السيناريو الاسوأ في تفكير الاميركيين، اي دخول حلفاء ايران السلطة، الى جانب المالكي، وعلى حساب علاوي.
هنا ستستمر اميركا في لعب الدور المحايد الذي تتحدث عنه، وستستمر في سعيها الى شراكة طويلة الامد مع العراق، كائنا من كان في الحكومة العراقية او في رئاستها.
واشنطن – حسين عبد الحسين
ينقسم الاميركيون حول فعالية سياسة الرئيس باراك اوباما في العراق، فيعتبر بعضهم ان النفوذ الاميركي تراجع جراء غياب رؤية اميركية واضحة، فيما يعتقد آخرون ان الرئيس الحالي استعاد صورة اميركا وهيبتها حول العالم.
الا ان الاميركيين يجمعون على ضرورة استمرار الدور الاميركي في العراق حتى ايصال ديموقراطيته الى بر الامان.
ويقول كاتب المقال الاسبوعي المعروف في صحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان، في حلقة حوار شاركت فيها "العالم"، امس الاول، انه مع الادارة الحالية "لم يعد يعرف من هو الذي يصنع سياسة الشرق الاوسط داخل واشنطن".
فريدمان الذي يقول انه استهلك الكثير من رصيده كمثقف، في دعم حرب العراق وأنه مازال يدعمها حتى اليوم، يعرب عن اعتقاده بأن التغيير في المنطقة "يعتمد على التغيير في العراق.. لقد دعمت الحرب، وما زلت ادعمها".
واردف الصحافي المرموق "في المنطقة خمسة كتل تتصارع، الكتلة الاولى هي ايران والمجموعات المسلحة التي تديرها، والثانية هي اسرائيل، والثالثة اميركا، والرابعة تحالف الانظمة العربية المعتدلة، والخامسة السلطة الفلسطينية وحكومة سلام فياض".
واضاف "من بين الكتل الخمسة هذه، لا يوجد رؤى للمنطقة الا لدى التحالف الذي تقوده ايران، اما حكومة فياض، وللاسف، اميركا والانظمة العربية واسرائيل، فجميهم يفتقدون الى اي رؤى متوسطة او طويلة المدى".
الا ان نائب رئيس تحرير صحيفة "واشنطن بوست"، دايفد اغناشيوس، ابدى معارضته لما اعتبره هجوم فريدمان على الادارة الحالية، التي يؤيدها الاخير بشدة.
وقال خلال اللقاء نفسه "طبعا لدى اميركا رؤية واضحة حول سياستها في الشرق الاوسط، وهذه الرؤية يضعها شخص اسمه باراك اوباما".
وشدد اغناشيوس على الاهمية التي يوليها اوباما للمنطقة عموما، والعراق خصوصا، وقال ان الرئيس الاميركي اجرى اتصالات بسائر زعماء الشرق الاوسط في اول ايام بعد دخوله البيت الابيض، واعطى "اول مقابلة تلفزيونية اجراها اثناء رئاسته الى محطة فضائية عربية".
واستطرد الكاتب في "واشنطن بوست" ليشير الى ان بعض حلفاء اميركا، مثل رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، انتظروا حتى تقلصت شعبية الرئيس الاميركي لينفذوا سياساتهم، "كبناء المستوطنات في القدس الشرقية، التي اثارت ازمة بين اميركا واسرائيل".
ولكن على الرغم من تأييده لاوباما وادارته، كتب اغناشيوس في عموده، نهاية الاسبوع الماضي، ان على الولايات المتحدة ان تنسحب عسكريا من العراق بحذر.
وكتب "في احلك ايام حرب العراق، كان من المغري للاميركيين ان يعتقدوا انه بامكاننا الابتعاد عن الفوضى التي كنا قد تسببنا بها... ولكن الامور تبدو افضل الآن من اي شيء كنا نتصوره في العام 2006".
وحذر من انه على الرغم من تحسن الاوضاع في العراق، فانه ما زال على الاميركيين "واجب اخلاقي واستراتيجي لمساعدة هذه الديموقراطية الهشة في المضي قدما، ان لم يكن لاي سبب، بل لسبب واحد على الاقل هو الاكثر من 4000 جندي ممن خسرناهم في السنوات التي ادت الى انتخابات (يوم 7 آذار)".
واشار الصحافي الاميركي الى شعار اطلقة اوباما ابان حملته الانتخابية، وقال ان هذا الشعار يجب ان يستمر كقاعدة اساسية لطريقة ادارة السياسة الاميركية في العراق.
وختم "كدليل للمستقبل، ما زلت احب جملة اوباما من حملته التي تقول انه علينا ان نكون حذرين في الخروج من العراق كما كنا متهورين في دخوله".
واشنطن – حسين عبد الحسين
اكد الديبلوماسي الاميركي في السفارة الاميركية في العراق روبرت فورد ان سورية لم تغلق حتى الان حدودها مع العراق في وجه المقاتلين الاجانب. وقال ان عدد هؤلاء انخفض من معدل 100 في الشهر في العام 2007، الى عشرة حاليا. وعزا الانخفاض الى جهود القوات الاميركية والعراقية حصرا، مع انه اعتبر ان لدى دمشق القدرة على تعطيل هذه الشبكات بالكامل.
كلام فورد جاء اثناء جلسة استماع في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، حضرتها "العالم" امس الاول، وخصصت للمصادقة على تعيينه سفيرا لبلاده في سورية، للمرة الاولى منذ ان سحبت واشنطن سفيرها في دمشق اثر عملية اغتيال رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري في 14 شباط 2005.
الديبلوماسي الاميركي اعتبر ان ايران وسورية تختلفان في الشأن العراقي، ففيما "تحاول ايران التأكد من سيطرة طائفة واحدة على المراكز العليا في الدولة العراقية، لا تشارك سورية في ذلك". واضاف فورد ان "سورية مهتمة بوحدة العراق، لا الفيدرالية (التي تؤيدها ايران)". وقال: "ايران وسورية لا تتفقان حول العراق، اما بالنسبة لنا، فنحن نريد ان يقرر العراقيون مصير ومستقبل بلدهم".
دمشق كانت اعلنت مرارا نيتها انشاء تحالف يضمها الى جانب ايران، وتركيا والعراق، وهو مطلب كرره حليف ايران السياسي احمد الجلبي في افتتاحية نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" في 6 آذار الجاري. ولكن على الرغم من هذه الرؤية المشتركة حول التحالف الايراني – السوري – التركي ومشاركة العراق فيه، اصر فورد على وجود اختلاف بين طهران ودمشق حول العراق.
بيد ان المسؤول الاميركي اتهم سورية ضمنا بدعم التفجيرات التي تقع في العراق، واعتبر ان مهمته اقناع السوريين بالاقلاع عن سياساتهم الحالية. وقال: "ليست لدي اي اوهام عن طبيعة التحدي الذي ينتظرني في حال المصادقة على تعييني سفيرا (في دمشق)... فعلى مدى اكثر من اربع سنوات لي في العراق، شاهدت بأم عيني النتائج المأساوية لتفجيرات السيارات الارهابية التي قامت بها شبكات المقاتلين الاجانب".
هذه الشبكات، حسب الديبلوماسي الاميركي، ساهمت في عبور الانتحاريين "من مطار دمشق، عبر الحدود السورية، الى داخل العراق".
وقال: "تريد الولايات المتحدة عراقا سيدا ومستقرا وآمنا، والسوريون يقولون انهم يريدون ذلك ايضا... ولكن عندما نأتي لتنفيذ خطوات عملية من اجل تحقيق هذه الاهداف المشتركة، تجد حكومتينا نفسيهما في مواقع متباعدة".واشار الى انه في الوقت الذي تبني فيه الولايات المتحدة قدرات قوات الامن العراقية، "تستضيف الحكومة السورية شبكات البعثيين السابقين والاسلاميين المتطرفين، وحتى الفضائيات التي تعمل على تقويض الدولة العراقية".
فورد لفت الى استضافة دمشق لفضائية مشعان الجبوري، وقال ان هذه تحرض على العنف ضد الاميركيين والعراقيين، وهي غالبا ما تبث "صورا لعربات همفي العسكرية وهي تتعرض لهجمات وتفجيرات".
واردف انه حان الوقت "لسورية ان تفهم ان الحكومة العراقية لن تذهب الى اي مكان".
فورد تابع ان رئيس الحكومة نوري المالكي يتهم، في مجالسه الخاصة والعامة، النظام السوري بالتورط في تفجيرات بغداد في آب 2009. هنا سأل رئيس اللجنة السناتور جون كيري فورد عن المعلومات التي بحوزة الولايات المتحدة في هذا الاطار، فاجاب: "لقد درسنا الحادثة، والمعطيات التي لدينا لم تظهر صلة مباشرة".
وعن اللاجئين العراقيين في سورية، قال فورد ان المسؤولين السوريين حددوا الرقم بمليون لاجئ، فيما ارقام الامم المتحدة تشير الى ان الرقم لا يتعدى الربع مليون. واضاف انه يعتقد ان عدد اللاجئين العراقيين المتواجدين في سورية حاليا يقارب الاربعمئة الف.
واشنطن - من حسين عبدالحسين