حسين عبدالحسين
يروى أنه على أثر الانقلاب الذي قام به عبد الكريم قاسم وأطاح بالملكية الهاشمية في عام 1958، استقدم الجنرال العراقي عددا من الخبراء السوفيات لدراسة وتنفيذ بعض المشاريع. وعملا بتقاليد الضيافة العربية، قام أحد الخبراء العراقيين بدعوة نظيره السوفياتي لمأدبة عشاء في منزله. بعد العشاء، التفت الخبير السوفياتي حوله وسأل مضيفه: «من يملك هذا البيت؟»، فأجاب المضيف: «أنا». وسأل الضيف: «ولمن السيارة؟»، فأجاب الضيف: «لي». وسأل: «ماذا عن الثلاجة؟»، فأجاب المضيف العراقي: «لي كذلك». هنا استوى الخبير السوفياتي في مقعده وسأل: «إذن لماذا قمتم بثورة؟».
م يكن «اليسار العالمي» يوما شيوعيا خالصا، كما تصوره البعض، ولم تكن الشيوعية من طراز واحد أصلا، إذ هي لطالما انقسمت بين تروتسكيين وماويين وغيرهم. ثم كان هناك الاشتراكيون، و«اليسار الديمقراطي»، و«الخضر»، و«الفوضويون»، وهؤلاء يتشاركون مع «التحرريين» في أقصى اليمين في عدائهم للحكومات. كذلك عند اليمين، هناك يمين محافظ، ويمين وسط، ويمين ليبرالي، وما إلى هنالك من تسميات تتراوح على سلم عقائدي ينقسم إلى يمين ويسار.
على أن المفهوم القائم هو أن اليمين محافظ عموما، يتمسك بالتقاليد السائدة، بينما اليسار تقدمي غير تقليدي، يناطح «الاستابلشمنت» ويحاول غالبا استبدالها، وهذه صورة موروثة من الأيام الأولى للثورات البريطانية، حيث جلس مؤيدو الملك إلى يمينه، ومعارضوه إلى يساره. أما الملك نفسه، أي الوسط، فهو يختلف في وسطيته بين دولة ودولة، وبين تجربة وتجربة، وبين حكم وحكم، فالوسط في الولايات المتحدة وبريطانيا هو بحكم اليمين بالنسبة للوسط في ألمانيا وفرنسا.
وبعد انهيار «المعسكر الشيوعي» مع انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1990، توزع الشيوعيون السابقون على المذاهب اليسارية المختلفة، التي وجدت نفسها تميل إلى الأفكار اليمينية الاقتصادية الرائجة في حينه، فحزب العمال البريطاني بزعامة توني بلير، كأحزاب يسارية كثيرة حول العالم، أكمل في رئاسة الحكومة البريطانية ما كانت بدأته سلفه مارغريت ثاتشر اليمينية من حزب المحافظين، وكذلك بيل كلينتون من الحزب الديمقراطي اليساري أميركيا، تبنى البرنامج الاقتصادي لسلفيه الجمهوريين اليمينيين رونالد ريغان وجورج بوش الأب.
هكذا، تابع كل من بلير وكلينتون في برامج «ترشيق الحكومة» عبر تقليص الإنفاق وبرامج الرعاية الاجتماعية، وتحفيز القطاع الخاص، وخصخصة مرافق الدولة، وإلغاء التشريعات، وكل هذه سياسات لا تروق لأهل اليسار، الذين يحبذون أن تلعب الحكومة دور الراعي الاجتماعي، وأن تعمل على توزيع الدخل، وضمان العدالة الاجتماعية، وتقليص الفوارق الطبقية.
الليبرالية مذهب يميني
في تسعينات القرن الماضي، تخلى كلينتون وبلير وحكومات يسارية حول العالم عن دور الحكومة في الرعاية الاقتصادية والاجتماعية، وتبنوا الأفكار اليمينية الاقتصادية في التراجع لمصلحة القطاع الخاص. لكن ما لم تتبنَّه الحكومات اليسارية هو الأفكار الدينية والاجتماعية اليمينية، فاليمين بطبعه محافظ، أما «اليسار الليبرالي» الناشئ في حينه، أو كما أطلق على نفسه في مطلع الأمر في الولايات المتحدة اسم «ديمقراطيو ريغان»، فحافظ على مواقفه لناحية الإصرار على فصل الدين عن الدولة، وتأييد حرية المرأة حتى لو تعارض ذلك مع الأعراف الاجتماعية، ومحاربة القوانين التي تحظر بعض الممارسات كمثلية الجنس.
والليبرالية أصلا هي مذهب يميني، يعتقد أن أول واضعيها هو الفيلسوف والاقتصادي النمساوي لودفيغ فون ميسيس، وهي تعتمد بشكل أساسي على مبدأ «الحرية الفردية» (Liberty)، وهذه الحرية هي في صراع دائم مع التنظيم الاجتماعي الذي تنشأ عنه الدولة، لذا نرى أن مناصري هذا النوع من الحرية يدعون إلى إلغاء الحكومات وتشريعاتها، والاعتماد على القطاع الخاص فقط.
ولأن هؤلاء الليبراليين يعارضون دور الدولة في المجتمع، فهم يعارضون القوانين الاجتماعية، ما يعني أنهم يتفقون مع أهل اليسار في منح الحرية للمرأة والمثليين وغيرهم، وهو ما يجعل من هؤلاء يمينيين اقتصاديا يساريين اجتماعيا في الوقت نفسه. أما أهل «اليسار الليبرالي»، فهم يتمسكون بدور الدولة الاجتماعي على الرغم من دعوتهم إلى ترشيقها اقتصاديا، وهذا ما جعلهم في اختلاف عن «اليمين الليبرالي».
في المحصلة، اكتسب أهل اليسار تسمية «اليساريين الليبراليين» بينما تحول اسم الليبراليين اليمينيين من مؤيدي ميسيس، وتلميذه الاقتصادي النمساوي المشهور فريدريك فون هايك، إلى «تحرريين»، وصارت كتابات ميسيس وفون هايك، المعروفة أيضا بالمدرسة الاقتصادية النمساوية، تكتسب تسمية «الليبرالية الكلاسيكية»، لتمييزها عن «نيوليبرالية» ثاتشر وريغان الاقتصادية التي تبناها يساريون.
يسار الوسط
مع نهاية عهد كلينتون تلاشت تسمية «ديمقراطيو ريغان»، واحتفظ الديمقراطيون بثلاثة ألقاب، يستخدمونها منفردة أو متصلة، هي: الديمقراطيون، واليساريون، والليبراليون. أما المناوئون فيطلقون على أنفسهم تسميات هي: جمهوريون، ويمينيون، ومحافظون.
والديمقراطيون مذاهب متعددة، تتراوح بين الاشتراكيين وممثلهم عضو مجلس الشيوخ بيرني ساندرز، الذي لا ينتمي إلى أي من الحزبين، ولكنه يصوت غالبا إلى جانب الكتلة الديمقراطية، و«الليبراليين المعتدلين» أو «يسار الوسط»، وهم الغالبية في الحزب الديمقراطي.
أما الرئيس باراك أوباما فيعتقد كثيرون أنه ينتمي إلى «اليسار الليبرالي»، أي أنه أقرب إلى اليسار من الوسط، والدليل أن مشروعه الرئاسي المدلل كان قانون الرعاية الصحية، الذي وسع تغطية الضمان الصحي لتشمل كل مواطن أميركي، وهو ما دفع معارضيه الجمهوريين إلى أن يطلقوا عليه لقب «الرئيس الاشتراكي».
أوباما، و«اليسار الليبرالي» الأميركي عموما، يتمسكون بفكرة أن الحكومة «هي قوة من أجل الخير»، تعمل على تقليص الهوة بين الفقراء والأغنياء، وتأمين التعليم والطبابة وفرص العمل للفقراء، وتتكفل بحاجات المتقاعدين، وتحمي المستهلكين من ممارسات الشركات الكبرى كالبنوك، وتسعى للحفاظ على البيئة، وذلك يتم عبر إقرار التشريعات وفرض رقابة على عمل الشركات والمصانع، وفرض ضرائب على الميسورين.
هذه الرؤية تتناقض مع الجمهوريين المحافظين الذين يطالبون بحكومة ذات دور أصغر بكثير، لا تتدخل بعمل القطاع الخاص، ولا تمارس رقابة، وتلغي التشريعات، وتخفض الضرائب من أجل تحفيز الشركات والمصانع، ولا تلعب أي دور «لاختيار فائزين وخاسرين» في السوق، على حد تعبيرهم، ولا تتكفل بأي رعاية اجتماعية أو صحية أو تعليمية لأن ذلك، حسب رأي اليمين، «يشجع على البلادة والكسل»، بينما عدم تقديم رعاية حكومية يحفز الأشخاص على العمل.
واللافت في الأمر أن مواقف الطرفين، «اليسار الليبرالي» و«اليمين المحافظ»، تنقلب تماما عند الحديث عن السياسة الخارجية.
بالنسبة إلى «اليسار الليبرالي»، المطالب بعدالة ترعاها الحكومة على الأقل لأسباب إنسانية، تنتهي العدالة عند حدود الولايات المتحدة الأميركية، إذ يصر اليساريون على ما يشبه «عزلة» أميركا وعدم تدخلها في شؤون العالم، حتى لو كان ذلك من أجل وقف مجازر أو لأمور إنسانية. والغريب في الأمر أن موقف اليساريين لا يتناسب أبدا وفلسفتهم حول «التكافل الإنساني» وضرورة مساعدة المحتاجين، فأميركا دولة صاحبة إمكانات واسعة، وبإمكانها مد يد العون لدول كثيرة، عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وفلسفة كهذه تتفق مع رؤية «اليسار الليبرالي» في الداخل، ولكنها لسبب ما لا تشمل نظرتهم إلى الخارج ودور أميركا.
ويتمسك «اليساريون الليبراليون» بمبدأ «النسبية الثقافية»، أي أنهم يعتقدون أن لكل شعب الحق، ليس في تقرير مصيره فحسب، بل حق اختيار نظم وقوانين حتى وإن كانت هذه لا تتناسب مع مواثيق دولية مثل شرعة حقوق الإنسان. ومن شاهد فيلم «آفاتار» قد يلاحظ أن انحياز هوليوود، التي يسيطر عليها اليسار الأميركي، كان ضد المجموعة المتفوقة تكنولوجيا واقتصاديا وعسكريا وإلى جانب الشعب البدائي الذي يسكن الشجر ويركب الطيور ويعيش في تنظيم قبلي ما قبل حداثي.
القضية السورية
هكذا، تصبح كل شؤون العالم «نسبية» عند «اليسار الليبرالي»، أي أنه لا يوجد «صح أو خطأ»، ولا شأن للعالم أو أميركا في التدخل بها، فإن أراد بعض شعوب جنوب شرقي آسيا تزويج أولادهم وهم تحت السن القانونية المتعارف عليها دوليا فلا بأس في ذلك، إذ على العالم احترام هذه التقاليد. وإن انخرط شعب ما في زواج القربى، وهو محظور عالميا كذلك، فلا بأس عند معظم «اليساريين الليبراليين» الأميركيين. و«النسبية الثقافية» هذه تنطبق على الشؤون السياسية، فإن أراد شعب ما العيش في ظل ديكتاتورية عسكرية، فهذا شأنهم.
هذا النوع من الابتعاد عن شؤون العالم هو الذي يحدد سياسة «اليسار الليبرالي» عموما، وباراك أوباما خصوصا، نحو الأزمة في سوريا، فالثورة هناك هي «صراع قبلي» أو «حرب أهلية» بين أطراف «يكره معظمها الولايات المتحدة»، حسب اعتقاد هؤلاء، ولا مصلحة للأميركيين في تكبد عناء ولا تكلفة التدخل في صراع كهذا.
طبعا هذا الموقف هو من الناحية النظرية، أما في الواقع فيبدو أن ابتعاد أوباما عن سوريا سببه، حسب مؤيديه قبل معارضيه، اضطراب سياسته الخارجية عموما.
وفي كل مرة تعثرت إدارة أوباما في السياسة الخارجية، كان إغناتيوس المعروف بعلاقاته مع إدارة أوباما وداخل وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، من أول المدافعين والمبررين لأوباما.
لكن إغناتيوس كتب مقالة مؤخرا حملت عنوان «سياسة أوباما المحيرة في الشرق الأوسط»، حمل فيها بشدة على الرئيس الأميركي لقطعه وعودا بتسليح المعارضة السورية، بينما يقول المعارضون إنهم لم يتسلموا أي أسلحة حتى الآن.
وكتب إغناتيوس: «هذه غلطة. الرؤساء لا يقطعون وعودا بالمساعدة العسكرية ثم يتفرجون على حلفائهم وهم يتم سحقهم». ووصف المعلق الأميركي سياسة أوباما الساعية إلى حل سياسي ودعم المعتدلين في وجه المتطرفين، سنّة أو شيعة، بالصحيحة، مضيفا: «إذن دع ذلك يحدث… فعلى العاملين في البيت الأبيض أن يسألوا أنفسهم أثناء اجتماع الوكالات، كل صباح:: ما الذي يمكنهم فعله لتنفيذ وعد الرئيس بمساعدة (سليم) إدريس والمعتدلين؟».
وإغناتيوس ليس وحده من مؤيدي أوباما المحبطين من سياسة الرئيس الخارجية، فالدبلوماسي المخضرم السابق فرد هوف كان من أول المدافعين عن سياسة أوباما حول سوريا، مقللا في الغالب من شأن التدخل العسكري، ومحذرا من التسليح من دون تحديد المعتدلين من بين الفئات المعارضة.
لكن هوف، الذي يعمل اليوم خبيرا في «مركز رفيق الحريري» التابع لمركز أبحاث «مجلس الأطلسي»، كتب مقالة جاء فيها أنه يبدو أن «الاضطراب» هو ميزة سياسة أوباما نحو سوريا. وقال هوف: «بعض المسؤولين يقترحون عقد مؤتمر جينيف كغاية بذاتها، على الرغم من كون الفكرة أنسب كي تكون جزء من استراتيجية أكبر».
وأضاف: «البعض الآخر يعطون أهمية لأمن الأسلحة الكيماوية وتحييد دور عناصر (تنظيم) القاعدة، وهي حجج يستخدمها بشار الأسد لاستعراض الفوائد المزعومة لانتصاره، متجاهلين طبعا التعاون الطويل الأمد بين الاستخبارات السورية و(القاعدة) في العراق». وختم هوف: «قبل استشارة الكونغرس والحلفاء (حول سوريا)، الأجدى بالإدارة أن تقرر داخليا في ما بينها ما الذي تريد تحقيقه في سوريا، وكيف تنوي تحقيقه».
يضاف إلى اضطراب السياسة الخارجية لباراك أوباما عموما، موقف «التحرريين»، وهؤلاء محسوبون على الحزب الجمهوري، الذي تستهويه عادة مغامرات الخارج وتدخل أميركا عسكريا حول العالم. لكن «التحرريين» يعتقدون أن تقليص حجم ودور الحكومة الأميركية يجب أن يشمل القوة العسكرية والسياسة الخارجية.
ويعكف «التحرريون» منذ ورود أنباء عن إمكانية قيام إدارة أوباما بتسليح ثوار سوريا على استعادة تجربة أفغانستان في الثمانينات، ويتهمون، غالبا من دون أي دلائل، الثوار السوريين بالانتماء إلى تنظيمات متطرفة، مثل تنظيم القاعدة.
دعم جون ماكين للثوار
لكن حتى الحزب الجمهوري نفسه لا يبدو في عجلة من أمره للتدخل في سوريا. ولو وضعنا جانبا موقف السناتور الجمهوري المخضرم جون ماكين في دعمه لثوار سوريا، لرأينا أن الجمهوريين مترددون مثل «اليسار الليبرالي» و«التحرريين»، فالحزب الجمهوري يحب عادة مصادقة الديكتاتوريات العسكرية التي يمكن أن تخدم المصالح الأميركية. أما أبرز دليل على ذلك فظهر عندما قام عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي اليوت انغل بتقديم مشروع قانون في الكونغرس يدعو إدارة أوباما إلى مساندة ثوار سوريا.
انغل وجد نفسه في موقع محرج عندما مر أكثر من أسبوع من دون أن يتقدم أي من زملائه الجمهوريين لدعم المشروع، على الرغم من الاعتقاد السائد أن الجمهوريين هم من يرغبون في تدخل أميركا في سوريا. وبعد مرور أسبوع، وتفاديا للمزيد من الحرج لانغل، أضاف عضو الكونغرس ورئيس لجنة الاستخبارات مايك روجرز اسمه كعراب ثانٍ للقرار، الذي غرق في اللجان من دون أي أفق بسبب غياب الدعم السياسي له.
وكما في مجلس النواب، كذلك في مجلس الشيوخ، قدم زعيم «التحرريين» السناتور راند بول نص قانون بالاشتراك مع زميل جمهوري وزميلين ديمقراطيين، على أثر تلميح إدارة أوباما إلى نيتها تزويد الثوار السوريين بالسلاح. وطالب مشروع القانون إدارة أوباما بالبقاء بعيدة عن الأزمة السورية تفاديا للغرق «في حرب شرق أوسطية جديدة».
هكذا يعارض «اليسار الليبرالي» التدخل الأميركي في سوريا لأسباب يعتقدها مبدئية، ويعارض «اليمين المحافظ» التدخل الأميركي في سوريا لأنه لا يؤمن بوجود أسباب تتعلق بالمصالح القومية الأميركية توجب التدخل، وينضم إلى الكتلتين الكبريين، «التحرريين» الذين يعارضون دور أميركا حول العالم ككل.
كل هذه المعارضة مقرونة باستطلاعات رأي تظهر معارضة شعبية لأي تدخل أميركي في سوريا، وشخصية أوباما المترددة وسياسته الخارجية المبعثرة، أدت حتى الآن إلى بقاء أميركا بعيدة عن الوضع السوري، إلا من باب الدبلوماسية وتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين.
وقد يلحظ التاريخ أن كل تدخل أميركي خارجي، إن كان لإخراج صدام حسين من الكويت أو لإنهاء المجازر في كوسوفو، يبدأ بالضرورة عند الرئيس الأميركي، الذي «يأخذ القضية إلى الرأي العام» ويعمل على حشد التأييد لها، ومن ثم على كسب تأييد الكونغرس.
حتى عندما كانت أميركا على أهبة الاستعداد للذهاب إلى الحرب على أثر اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول)، حتى لو كانت حربا ضد مجهول، لم يكن هناك بد من وقوف الرئيس جورج بوش الابن أمام شعبه لحثه على تأييد الحرب. وحتى في ذلك الحين لم يقدر بوش على أخذ أميركا إلى حرب في العراق على ظهر 11 سبتمبر وحرب أفغانستان، بل اضطرت إدارته إلى تقديم رواية حول امتلاك صدام حسين لأسلحة دمار شامل، ثبت عدم صحتها.
اليوم، أوباما مضطرب وسياسته الخارجية محيرة، ولا يبدو أنه مستعد لإنفاق أي رصيد سياسي من أجل إنقاذ السوريين من المجازر التي تلحق بهم. في نفس الوقت، يقود «اليسار الليبرالي» حملة ضد التدخل الأميركي في سوريا، ويعكف على التحذير من الغوص في حرب كالعراق أو تسليح فصائل قد يتبين أنها متطرفة. وينضم إلى اليسار الأميركي «التحرريون» الذين يشاركون في الدعاية ضد التدخل في سوريا، بينما يقف «اليمين المحافظ» متفرجا وموافقا، حتى لو لم يشارك في الحملة ضد مجهود عسكري لا يبدو أن أوباما ينوي أصلا القيام به.