| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
في أقل من 30 يوماً انقلب موقف الولايات المتحدة من محرّض ضد الرئيس السوري بشار الأسد الى مؤيد لبقائه في السلطة، «بشروط»، حسب ما نقل مطلعون عن مسؤولين في إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وكانت موفدة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة نكي هايلي شنت هجوماً ضد الأسد في جلسة مجلس الأمن في 28 فبراير الماضي، واتهمته باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد السوريين ثلاث مرات. لكن هايلي نفسها قالت في جلسة أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، أول من أمس، ان بلادها «لم تعد مهتمة بمصير الأسد»، وانه «على عكس الادارة السابقة، ستأخذ إدارة ترامب مواقف أكثر ليونة تجاه الرئيس السوري».
وجاء موقف هايلي بعد ساعات من موقف مشابه لوزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي قال في اسطنبول ان واشنطن تعتقد ان مصير الأسد يقرره الشعب السوري.
وانتشرت الأنباء في اوساط واشنطن مثل النار في الهشيم، واعتبر بعض المتابعين ان مواقف هايلي وتيلرسون لا تفترق عن مواقف الادارة السابقة، فيما رأى خبراء آخرون انه لطالما ردد سلف تيلرسون، جون كيري ان لا مستقبل للأسد في سورية، حتى في المرات التي اعتبر فيها ان السوريين هم من يقررون مصير الأسد. أما سامنتا باور، الموفدة الأميركية السابقة في الأمم المتحدة، فهي لم تستثن الأسد من هجماتها المركزة على مدى السنوات الاربعة التي قضتها في منصبها، على عكس ما فعلته هايلي أول من أمس.
وحاولت «الراي» الوقوف على سبب ما يبدو انقلاباً مفاجئاً في موقف ادارة ترامب من الأسد، فعلمت من المعنيين ان أولويات واشنطن في سورية هي، بالترتيب، القضاء على تنظيم «داعش»، ثم اخراج ايران والميليشيات الموالية لها من سورية وفصل الأسد عن ايران، ثم الاشراف على تسوية سياسية «يقررها السوريون برعاية دولية».
وسبق لـ «الراي» أن أشارت إلى بدء تكون إجماع اميركي -روسي- اسرائيلي حول ضرورة إخراج الايرانيين من سورية، وهو ما يصب في مصلحة الاسرائيليين الذين يبعدون بذلك شبح إمكانية اقامة ايران بنية تحتية عسكرية جنوب سورية تهدد منها شمال اسرائيل. كذلك، تعتقد المصادر الأميركية ان خروج ايران من سورية يصب في مصلحة روسيا اذ يحوّل الأسد من تابع لطهران إلى تابع لموسكو.
هكذا، بدأت ظروف مشابهة لتلك التي تكونت في العامين 2008 و2009 تتشكل في العاصمة الأميركية، وهي تؤدي إلى قراءة سياسية مفادها انه يمكن «فصل الأسد عن ايران وابعاده عنها»، وهو ما من شأنه اضعاف طهران في المنطقة وتقليص خطرها على اسرائيل، وفي الوقت نفسه درء مخاطر الاسلاميين المتطرفين والمجموعات الأخرى التي تصنفها واشنطن ارهابية، والتي ساهم نظام الأسد في تزويد الغرب معلومات عنها منذ منتصف السبعينات.
وعلى الرغم من عودة موضوع التمسك بالأسد وفصله عن ايران تطفو الى السطح، ما زال الفارق يبدو شاسعا بين 2009 واليوم، فالأسد لم يعد اللاعب الوحيد على الساحة السورية، كما في الماضي، والقرارات الدولية المسلطة فوق رأسه أقوى بكثير من المحاكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي كان يمكن تجاهل قراراتها أو أحكامها الغيابية. كذلك، تعاني سورية ككل من انهيار بشري واقتصادي واجتماعي، ما يجعل استعادة الأسد سيطرته عليها أمراً معقداً حتى لو وافق الغرب على ذلك، وحتى لو تعهدت روسيا مساعدة دمشق على إعادة الاعمار وضبط الأمن الداخلي.
النقاشات حول الأسد ما زالت مستمرة بين مسؤولي الادارة الاميركية الجدد. الا ان ما صار واضحاً حتى الآن انه يمكن لواشنطن ان «تعيش مع بقاء الأسد، ان رحلت ايران وخرجت وميليشياتها من سورية»، حسب المصادر الأميركية، وهو شرط يبدو ان غالبية المسؤولين الأميركيين يعتقدون انه صعب المنال، حتى لو أراد الأسد تنفيذه.