واشنطن - من حسين عبدالحسين
سرق حضور ثلاثة سفراء من دول مجلس التعاون الخليجي، الأضواء أثناء الحفل الذي أقامه البيت الأبيض للإعلان عن «رؤية السلام» الفلسطيني - الإسرائيلي، والذي تكلم فيه الرئيس دونالد ترامب ورئيس حكومة إسرائيل المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، في غياب تام للفلسطينيين.
وبعد أكثر من عامين من الحديث عن «صفقة العصر»، قدم ترامب، خطته «الأفضل»، بحسب قوله، لإنهاء عقود من الصراع في منطقة الشرق الأوسط، واصفاً إياها بانها الفرصة الاخيرة للفلسطينيين، ومثنياً على الإسرائيليين لقبولهم بخريطة فيها تنازلات عدّها ترامب غير مسبوقة.
كما أخذ يشدد على انه اكثر رؤساء أميركا صداقة للدولة العبرية، وانه اعترف بسيادتها على القدس وبضمها الجولان السوري المحتل.
ومما قاله الرئيس الأميركي، في البيت الأبيض، ليل الثلاثاء - الأربعاء، وإلى جانبه رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، إن «رؤية السلام» التي قدمها تصلح لأن تكون نقطة بداية لمفاوضات. على ان المشكلة تكمن في ان اسرائيل لم تعتبر الوثيقة نقطة بداية، بل اعلان مكتمل، اذ هي سارعت الى القول انها تستعد لضمّ اجزاء من الضفة الغربية، خصوصاً في وادي الاردن، وهي اجزاء صارت تعتبرها خارج المفاوضات.
وفي هذا السياق، أشار ديفيد داود، وهو يهودي لبناني أميركي، إلى تفادي الخطة ذكر كلمة «مستقلة» عند الحديث عن «دولة فلسطين»، وان «كلمة سيادة المستخدمة ما هي إلا حكم ذاتي».
داود، الذي يعمل باحثاً في مركز «متحدون ضد ايران نووية»، لفت إلى ان خطة ترامب «تسمح لاسرائيل بإعادة رسم حدودها للتخلي عن مساحات اسرائيل التي تسكنها غالبية عربية وجعل هذه المناطق جزءاً من الدولة الفلسطينية مستقبلاً»، وهذا ما يمثل مطلب (وزير الدفاع السابق ورئيس كتلة «إسرائيل بيتنا» في الكنيست) افيغدور ليبرمان.
ولفت داود، في حديث لـ «الراي»، إلى ان الخطة تنص على أن المناطق التي يسكنها فلسطينيون، والتي ستكون منفصلة عن دولة فلسطين، سترتبط بفلسطين بخطوط مواصلات. الا ان هذه المناطق، كما خطوط المواصلات، ستكون تحت السيطرة الاسرائيلية، وهو ما يكرس الوضع القائم.
وتابع: «حتى نتنياهو نفسه سبق ان قال ان الفلسطينيين سيرفضون هذا الترتيب في حال السلام الدائم».
بدورها، قالت سارة يائيل هيرشورن الدكتورة في جامعة نورث ايسترن ومؤلفة كتاب «مدينة على رأس تلة: اليهود الأميركيون وحركة الاستيطان اليهودية»، إن ما قدمه ترامب لا يرقى ليكون «خطة سلام اسرائيلية - فلسطينية، بل هي خطة اميركية - اسرائيلية لادارة الصراع ولضم احادي لاراض فلسطينية».
واضافت، في سلسلة من التغريدات، ان طمن دون أن نرى خطة تفصيلية، لا نزال لا نعرف اين ستقوم الدولة الفلسطينية، أي المناطق، أ او ب او ج، وكم من مساحة المنطقة ج سيتم ضمّها لاسرائيل.
وتشكل المنطقتان أ وب، 40 في المئة من مساحة الضفة الغربية البالغة 5650 كلم مربع، او ما يعادل 2250 كلم مربع، وتؤويان نحو ثلاثة ملايين فلسطيني، وتدير شؤونهما السلطة الفلسطينية في رام الله. اما المنطقة ج، فمساحتها 3400 كلم مربع، او ما يعادل 33 في المئة من مساحة اسرائيل القابلة للسكن، اذ تبلغ مساحة الدولة العبرية نحو 22 ألف كلم مربع، 12 الفاً منها تشكّل صحراء النقب الجنوبية الجافة التي يصعب العيش فيها.
وأشارت هيرشورن الى تعمّد سكوت الخطة عن ذكر كلمة «القدس موحدة»، على الرغم من مطالبة اسرائيل بذلك. ومع ان ترامب أعلن ان عاصمة فلسطين ستكون في القدس الشرقية، وكذلك السفارة الاميركية في اسرائيل، فان ما يعنيه ذلك هو ان الفلسطينيين سيحصلون على الجزء الشمالي الشرقي من القدس، وهو ما اعتبرته هيرشورن نفس الترتيب الذي تم التوصل اليه في اتفاقية اوسلو، مع فارق ان أبو ديس، الجزء الفلسطيني من القدس، «صار الآن خلف الجدار الفاصل ومحاطا بمستوطنات لم تكن موجودة اثناء أوسلو في التسعينات».
ورغم رفض الفلسطينيين للخطة، والفتور العالمي الذي لاقته بشكل عام، إلا ان داود حذّر من اعتبارها «خطة مارقة» أو بمثابة «مناورة سياسية».
وقال إنه بوجود ثلاث دول من مجلس التعاون لدى إعلان الخطة (الامارات والبحرين وسلطنة عُمان)، ومع عدم صدور موقف سعودي رافض، فإن حظوظ تنفيذها تصبح مرتفعة.
لكن نص «رؤية السلام» يشير إلى انها ترتكز على عدد من الامور، يضع امكانية تنفيذها في أيدي الفلسطينيين وحدهم، اذ انها تشترط موافقتهم عليها كـ«حل نهائي»، مقابل حصولهم على حكم ذاتي، واستثمارات موعودة بقيمة 50 مليار دولار. وفي الصفقة شروط تجعل من تنفيذها من شبه المستحيلات، اذ هي تطلب حل حركة «حماس» في غزة وسيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع.
ويعتقد داود وهيرشورن، ان عقبات اسرائيلية تعترض تنفيذ الخطة كذلك، بسبب رفض اليمين لأي تنازلات، حتى ولو حكم ذاتي، للفلسطينيين.
ويتساءل داود عن مدى «واقعية اقتلاع المستوطنين»، مشيراً إلى صعوبة اقتلاع مستوطنة غوش قطيف (كانت في غزة) وكان يسكنها ثمانية آلاف مستوطن فقط. ويقول: «من دون اقتلاع عدد كبير من المستوطنات الحالية في الضفة، فإن أي دولة فلسطينية مزمع قيامها ستشبه الجبنة السويسرية (الممتلئة بالتجويفات)».
اما هيرشورن، فترى انه يمكن لاسرائيل اقتلاع بعض، لكن ليس كل، المستوطنات، وتشير الى نحو 15 منها، مثل مستوطنة «يزهار»، التي تصفها بـ«العنيفة».
وتختم انه «بغض النظر عن المشاكل الواضحة في الخطة، إلا أن الشيطان يكمن في تفاصيل مصير المنطقة ج، والخرائط التي قدمها البيت الابيض لا تخبرنا ما يكفي لنعرف ما يحصل فيها».